شباب الختمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب الختمية

منتدى شباب الختم يتناول قضايا الشباب وفعالياتهم


    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin الثلاثاء أبريل 24, 2012 1:15 am

    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (Cool يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
    (بسم الله الرحمن الرحيم الم) الألف إشارة لحضرة الألوهية و اللام لحضرة اللطف و الميم إشارة لمحمد صلى الله عليه و سلم فيكون المقصود من الحروف الله اللطيف ومن جليل لطفه أرسل محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين ليهديهم إلي ما يوصلهم إلي جنابه العظيم ويدعوهم إلي ما يدخلهم ديوانه الأسمى وبدلهم على ما يصونهم تحت حجاب عزة الصون الأحمى وقال ابن عباس رضي الله عنه الألف من الله واللام من جبريل و الميم من محمد صلى الله عليه و سلم وقال على غير ذلك وقال بعض بالوقف عن تفسير أوائل السور التي هي مثل هذه كالمر والمص والروكهيعص وطه وطسم وطس ويس و ص وحم وحم عسق وق ونون وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة و الحسنة بعشر أمثالاها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (ذلك ) المنزل من عند الله وهو ( الكتاب ) القرآن العزيز و الإشارة إليه (لا ريب ) لا شك (فيه) أنه نزل من عند الله وفيه ( هدى ) هداية ( للمتقين ) الملقين أسماعهم لمواعظه و قلوبهم لمعانيه و إفادته وفي الحديث مرفوعا من رزق تقى فقد رزق الدنيا و الآخرة رواه أبو الشيخ (الذين ) موصول وهو نعت للمتقين (يؤمنون ) يصدقون (بالغيب) من أخبار الدار الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين و المسيئين ( ويقيمون ) على أكمل الوجوه ( الصلاة ) لله بالإخلاص و اعتدال الأركان و الحضور فيها ( ومما ) أي ومن الذي ( رزقناهم ) من الأرزاق الحسية و المعنوية ( ينفقون ) فيعطي المؤمن العامي في سبيل الله من الذهب و الفضة و الطعام وغير ذلك ما يقدر عليه و يعطي العارف ذلك و يزيد بإفاضة الأنوار الحقية و الأسرار الفردية و العلوم اللدنية المتلقاة من الحضرة اللإلهية (و الذين يؤمنون ) يصدقون (بما أنزل إليك ) أي القرآن (وما ) أي والذي (أنزل ) من عند الله (من قبلك ) من الكتب الإلهية كعبد الله بن سلام ومن معه من مؤمني أهل الكتب (وبالآخرة) و ما أعد الله فيها من الثواب للمطيعين و العقاب للعاصين ( هم يوقنون ) و يحققون ذلك (أولئك ) المؤنون بالبعث و بما أنزل ( على ) طريق (هدى ) أي هداية (من ربهم ) رباهم بها ووفقهم إليها ( وأولئك ) المذكورين (هم المفلحون ) الفائزون بالتصديق و الجزاء عليه و الوهب و التوفيق (إن الذين كفروا ) كأبي جهل ومن طبع على الكفر (سواء عليهم ) مستو لديهم ( ءأنذرتهم) خوفتهم بالله (أم لم تنذرهم ) أم تركتهم (لايؤمنون ) لسبق الشقاوة لهم (ختم الله ) طبع (على قلوبهم ) و استوثق عليها فلا يدخلها الإيمان (وعلى سمعهم ) فلا يمتثلون أوامر الحق ( وعلى أبصارهم ) أعينهم (غشاوة ) غطاء فلا يبصرون الحق الواضح ( ولهم ) أي للكفار (عذاب عظيم ) متواصل قوى (ومن الناس ) وهم المنافقون ( من يقول ) بلسانه (آمنا بالله و ) آمنا (باليوم الآخر ) وما أعد الله فيه ( وما هم ) على الحقيقة (بمؤمنين ) نفى الله إيمانهم لأنطوائهم على النفاق (يخادعون الله ) بصورة ذلك اللإيمان ( و الذين آمنوا ) كذلك يخادعهم المنافقون لإظهارهم خلاف ما يبطنون خشية من النبي صلى الله عليه و سلم و المؤمنين على دمائهم و أموالهم وقرئ يخدعون (وما يخدعون إلا أنفسهم ) فإن وبال ذلك عائد عليهم وقرئ وما يخادعون وقرئ يخدعون بضم الياء وتشديد الدال
    وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ

    (ومايشعرون ) أي ما يحسون بذلك لتماديهم على الغفلة (في قلوبهم مرض ) شك و نفاق (فزادهم الله مرضا ) فشكوا في القرآن كما شكوا في الذي قبله (ولهم ) بسبب كفرهم (عذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكذبون ) حيث قالوا آمنا وقرئ يكذبون مشددا أي يكذبون الرسول فيما جاء به (وإذا قيل لهم ) أي للمنافقين ( لا تفسدوا في الأرض ) بمخادعة المسلمين و موالاة الكفار (قالوا ) المنافقون (إنما نحن ) في سعينا (مصلحون ) ليس سعينا سعي فساد بل صلاح ( ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم المفسدون ) في الأرض (ولكن لا يشعرون ) بأنهم مفسدون ( و إذ قيل لهم ) للمنافقين (آمنوا ) ظاهرا و باطنا (كما آمن الناس ) الصحابة (قالوا ) جوابا لذلك (انؤمن ) أنفعل (كما آمن ) كما فعل (السفهاء ) وتسفيهم لهم لأعتقادهم فساد رأيهم وتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء (ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم السفهاء ) الجهلاء بما ينفعهم ( ولكن لا يعلمون ) لا يشعرون بسفهاتهم التي أوجبت لهم فساد دنياهم و آخرتهم (و إذا لقوا ) المنافقون ( الذين آمنوا ) ظاهرا و باطنا (قالوا ) لهم (آمنا ) و ذلك حين اجتماعهم معهم (وإذا خلوا) من المؤمنين وعادوا (إلي شياطينهم ) كبرائهم من الكفار (قالوا إنا معكم ) في الإعتقاد (إنما نحن ) فيما ترونه منا (مستزءون ) مظهرون خلاف ما نبطن (الله يستهزئ بهم ) يجازيهم على استهزائهم (و يمدهم ) بأن يمهلهم و يقويهم وهم (في طغيانهم ) تعديهم الحدود (يعمهون ) يترددون متحيرين (أولئك الذين اشتروا ) استبدلوا (الضلالة ) طريق الغواية (بالهدى) بالسبيل المستقيم واختاروها عليه (فما ربحت تجارتهم ) بل خسرت
    وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
    (وإن كنتم في ريب ) أي شك (مما نزلنا ) لهدايتكم وبيان وحدانيتنا وظهور صدق نبينا محمد وأوردناه (على عبدنا ) المستكمل لمقام العبودية التي هي أشرف المقامات (فأتوا بسورة من مثله ) أي من مثل هذا القرآن في حسن النظم وبلاغته و إعجازه عن المغيبات وطلاوته (وادعوا شهداءكم ) أي استعينوا بأصنامكم التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها (إن كنتم صادقين ) في أن القرآن ليس بكلام الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من تلقاء نفسه (فإن لم تفعلوا ) ما ذكرنا (ولن تفعلوا ) ولن تستطيعوا ذلك فإنه ليس في وسع مخلوق لأنه كلام الحق (فاتقوا ) احذروا (النار التي وقودها الناس ) أي الذي يوقد بها هو الناس ( و الحجارة ) أي الذهب و الفضة اللذان كانوا يكنزونهما و يشتغلون بهما عن الله (أعدت ) هيئت (للكافرين ) الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله و كتابه (وبشر ) أيها المصطفى الكريم وقرئ وبشر على البناء للمفعول (الذين آمنوا ) بالله ورسوله وكتابه (وعملوا الصالحات ) واجتهدوا في الطاعات ( أن لهم جنات ) حدائق محتوية على حور و قصور (تجري من تحتها ) أي من تحت الأشجار (الأنهار ) المحتوية على أنواع الشراب اللطيفة (كلما رزقوا منها) الضمير للجنة ( من ثمرة رزقا ) من أنواع الطعام اللطيفة (قالوا هذا ) مثل ( الذي رزقنا من قبل ) في الدنيا ( وأتوا به ) الضمير للرزق ( متشابها ) أي مشابها لطعام الدنيا في اللون و الصورة و الاسم و أما الطعم واللذة فبعيد وفي الحديث مرفوعا ليس في الجنة شئ لها في الدنيا إلا الأسماء أخرجه في الجامع الصغير (ولهم ) أي للمؤمنين العاملين الصالحات(فيها) الضمير للجنات (ازواج مطهرة ) من القذر والدرن والحيض وسوء الخلق وكل ما هو مستقبح في نساء الدنيا (وهم ) المؤمنون (فيها ) في الجنات (خالدون ) دائمون لا يخرجون منها (إن الله لا يستحي ) لايترك (أن يضرب ) لعباده (مثلا ) وقرئ مثل (ما بعوضة ) أي بالبعوضة فما فوقها ) أكبر منها مثل الذباب و العنكبوت ( فأما الذين آمنوا ) وفكروا في حقائق الأمور (فيعلمون أنه ) أي ضرب المثل ( الحق من ربهم ) الذي لا يسوغ إنكاره ( وما الذين كفروا ) ولم يكن فيهم أهلية أن يعلموا حقائق الأمور ( فيقولون ) منكرين لذلك (ماذا ) ما الذي ( أراد الله بهذا مثلا ) أي فائدة في ضرب المثل به فأجابهم الله فقال ( ويضل به ) أي المثل ( كثيرا ) من العباد ( ويهدي به ) إلي الحق (كثيرا ) منهم فيصدقون ويؤمنون ( وما يضل به ) عن سبيل هدايته ( إلا الفاسقين ) الكافرين الخارجين عن حوطة الإيمان وقرئ يضل على البناء للمفعول والفاسقون بالرفع (الذين ينقضون ) يفسدون ويخربون ويفسخون (عهد الله ) الذي عهده إليهم في الكتب المتقدمة بأن يؤمنوا بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم (من بعد ميثاقه ) و تأكيده عليهم في إجابة ذلك ( ويقطعون ) جراءة على الله ( ما أمر الله به ) عباده (أن يوصل ) كالرحم ومحاببة المؤمن وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته رواه البخاري ( ويفسدون ) بمنع العباد عن الإسلام ( في الأرض ) وسلوك سبل الهدى ( أولئك هم الخاسرون ) الذين خسروا أنفسهم بإدخالها النار
    كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
    (كيف تكفرون ) معشر الخاسرون (بالله) المنفرد بالألوهية ( وكنتم أمواتا ) من نطفة ومضغة (فأحياكم ) بنفخ الأرواح فيكم (ثم يميتكم ) حين تنتهي آجالكم ( ثم يحييكم ) بعد الموت (ثم إليه ترجعون ) تردون فيجازيكم على ما عملتم (هو) الله (الذي خلق لكم ) أي لأجلكم ( مافي الأرض جميعا ) تنتفعون به وكذا تعتبرون (ثم استوى ) قصد بارادته (إلي السماءليسويها (فسواهن ) على أحسن أتقان (سبع سموات ) معتدلات ( وهو بكل شيء عليم ) فيحكم صنعته ( ولإذ قال ربك ) أيها النبي العظيم (للملائكة ) الكرام (إني جاعل في الأرض خليفة ) المراد به آدم وفي الآية تعليم المشاورة ( قالوا ) الملائكة ( أتجعل فيها ) الضمير للأرض ( ما يفسد فيها )لا لأن طبع البشر يقتضي الإصلاح و الافساد ( ويسفك الدماء) وذلك من أكبر الفسغاد ( ونحن نسبح ) ملتبسين (بحمدك ) قائلين سبحان الله وبحمده ( ونقدس لك ) وننزه جنابك العظيم عما لا يليق به (قال ) الحق لهم (إني ) وقرئ بفتح الياء (أعلم ) من صلاحه للخلائق (ما لاتعلمون ) أنتم به ( وعلم آدم ) وذلك حين قال الملائكة لن يخلق ربنا خلقا أعلم منا ( الأسماء كلها ) بأن نفث في روعه علم الأسماء كلها حتى القصعة و القصيعة ( ثم عرضهم ) أي عرض المسميات بالأسماء وقرئ عرضهن وعرضها
    عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)
    (على الملائكة ) المكرمين (فقال ) جل شأنه (انبئوني ) وأخبروني (بأسماء هؤلاء ) ومراده من ذلك أن يبين عجزهم عن العلم الذي أودعه فيؤ آدم و أنه أولى بالخلافة منهم (إن كنتم صادقين) أنكم أولى بالخلافة (قالوا ) معترفين بعجزهم (سبحانك ) ياعليم (لا علم لنا ) من تلقاء أنفسنا (إلا ما علمتنا ) بإعلامك (إنك أنت العليم ) بمن يصلح للخلافة (الحكيم ) بوضعها في موضعها (قال ) الله تباركت أسماؤه وتعالت ذاته لخليفته (يا آدم أنبئهم ) أعلمهم وقرئ أنبيهم بقلب الهزة ياء وقرئ بحذف الياء وكسر الهاء (بأسمائهم فلما ) تصدر آدم للتعليم بأمر الملك الحكيم و (أنبأهم ) أخبرهم ( بأسمائهم ) وعين كل شيء بأسمه (قال ) الله لهم ( ألم أقل لكم ) توبيخ لهم حيث لم يفوضوا إليه الأمر حين شاورهم (إني) وقرئ بفتح الياء ( أعلم غيب السموات و الأرض ) ما غاب فيهما من العجائب و الغرائب ( وأعلم ) منكم (ماتبدون ) تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) تخفون وتسرون (وإذ قلنا للملائكة ) العباد المكرمين (اسجدوا لآدم ) سجود تعظيم وتحية (فسجدوا ) الملائكة المأمورون ( إلا إبليس ) المطرود عن رحمة الله (أبى) امتنع من السجود (واستكبر ) على الله حيث خالف أمره ( وكان ) في سابق علم ربنا (من الكافرين ) الذين سبقت لهم الشقاوة(وقلنا يا آدم ) إكراما لك (اسكن أنت وزوجك ) حواء (الجنة ) دار الكرامة و الرحمة ( وكلا منها ) الضمير للجنة (رغدا) واسعا رفها (حيث شئتما ) أي مكان شئتماه من الجنة ( ولا تقربا) أي لا تحوما حول (هذه الشجرة ) هي شجرة الحنطة وقرئ بكسر الشين (فتكونا من الظالمين ) أنفسهم بارتكابهما ما نهى عنه
    فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
    (فأزلهما) أبعدهما (الشيطان عنها) عن الجنة فحملهما على الأكل من الشجرة ( فأخرجهما) آدم و حواء ( مما كانا فيه ) من النعيم ( وقلنا اهبطوا ) لآدم وحواء و إبليس والحية ( بعضكم لبعض عدو ) أي آدم وحواء و إبليس والحية وذريتهم ( ولكن في الأرض مستقر ) استقرار ( ومتاع ) تتمتعون به ( إلي حين ) إلي انقضاء آجالكم (فتلقى) أخذ ( آدم ) صفي الله ( من ربه كلمات ) وهي قوله تعالى ((ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )) وقرئ بنصب آدم ورفع كلمات ( فتاب عليه ) عاد عليه بالمغفرة و الرحمة (إنه هو ) الله ( التواب ) على من تاب إليه ( الرحيم ) بمن أقبل عليه ( قلنا اهبطوا ) تكرسير الأمر للتأكيد ( منها ) الضمير للجنة ( جميعا ) كلكم ( فإما يأتينكم ) لهدايتكم (مني هدى ) سبيل حق على ألسن رسلي ( فمن تبع هداي ) الذي أنزلته على رسلي ( فلا خوف عليهم ) في الآخرة ( ولا هم يحزنون ) في الدنيا والخطاب لآدم و حواء وذريتهما ( والذين كفروا ) بي وبرسلي ( وكذبوا بآياتنا ) المنزلة على رسلنا ( أولئك ) المكذبون ( أصحاب النار ) المجعولون لها أهلا ( هم فيها خالدون ) لا يخرجون منها ( يابني إسرائيل ) أي يا أولاد يعقوب و اسرائيل معناه عبد الله بالعربية وقرئ إسرائيل محذوف الياء ولإسرائيل بقلب الهمزة ياء و إسرال بحذفهما ( اذكروا ) و اشكروا متفكرين (نعمتي التي أنعمت عليكم ) على آبغائكم بإنجائهم من الغرق وعليكم بإدراككم زمن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام
    وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ(41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا
    (واأوفوا بعهدي ) الإيمان بي وبرسولي محمد ( أوف بعهدكم ) بعظيم الثواب و إدخال الجنة وحسن المآب وقرئ أوف بالتشديد ( وأياي فارهبون ) أي فخافون إن نقتضم العهد بذلك ( و آمنوا بما أنزلت ) على رسولي محمد وهو القرآن ( مصدقا لما معكم ) في التوراة من أفراد التوحيد لي و الوصف المثبت لنبوة حبيبي محمد فقد وصفته لكم ونعته و الوقت لا يسع إلا اتباعه وقد قال في هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ( ولا تكونوا) في نبي محمد ( أول كافر به ) أي أول من يكفر به ويكذبه من أهل الكتاب ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ) التي جاءتكم في التوراة بصفة رسولي محمد (ثمنا قليلا ) تستعطونه عنها وتغيرون الوصف ( وإياي فاتقون ) أي فاخشوني إذ فعلتم ذلك ( ولا تلبسوا ) تخلطوا ( الحق ) الذي جاءكم في تبيين أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (بالباطل ) الذي تفترونه من تلقاء أنفسكم من تغيير نعته وحاله ومن ذلك قوله ((فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله )) الآية إلي ((يكسبون )) ( وتكتموا الحق ) وتخفوه وقرأ ابن مسعود وتكتمون الحق ( وأنتم تعلمون ) أن رسالته صلى الله عليه وسلم صحيحة ثابته ( وأقيموا الصلاة ) التي افترضها الله عليكم ( وآتوا الزكاة ) التي أوجبها عليكم ( واركعوا ) لله ( مع الراكعين ) من المسلمين ( أتأمرون الناس بالبر ) بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وتنسون أنفسكم ) من ذلك ( وأنتم تتلون الكتاب ) التوراة التي فيها وصفه صلى الله عليه وسلم فما لكم لا ترغبون فيما فيها من الترغيب لمن آمن به صلى الله عليه وسلم وترهبون بما فيها من الترهيب لمن كفر به صلى الله عليه و سلم ( افلا تعقلون ) لما ينفعكم ويضركم وتتركون أهواء أنفسكم وتميلون إلي هذا السيد الكامل الذي هو سيد كل الرسل أجمعين القائل أنا سيد ولد آدم و لا فخر و آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر و أنا أول شافع و أول مشفع ( واستعينوا ) على أنفسكم
    بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ
    (بالصبر) على مجاهدتها ومخالفتها حتى تتبع بكم الحق (و الصلاة ) ومؤالفتها لتألف النفوس مناجاة القدوس فتصير لكم قرة عين كما قال عليه الصلاة و السلام وجعلت قرة عيني في الصلاة وتنفرج لكم بها الكرب كما كان صلى الله عليه وسلم إذا أحزنه أملر فزع إلي الصلاة ( وإنها) أي الصلاة المشتملة على الحضور و الإقبال على الملك الغفور ( لكبيرة ) ثقيلة على المشركين و المنافقين المدبرين عن الملك المبين (إلا على الخاشعين ) المخبتين الذين هم لله متضرعون ( الذين يظنون أنهم ) في صلاتهم (ملاقوا ربهم ) وفي قراءة ابن مسعود يعلمون أي يحققون أنهم في هذه الصلاة لشدة حضوركم أن كل واحد منهم ملاقي مولاه وذلك من قبل قوله صلى الله عليه وسلم اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك و ايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا و إياك وما يعتذر منه رواه ابن النجار أو إنها آخر صلاة له كما قال صلى الله عليه وسلم صل صلاة مودع فيظن أنه بعدها لا يصلي صلاة فيحسنها ظنا أنها آخر ما به يلاقي مولاه ( وأنهم إليه راجعون ) فيحسنون العمل إذا كان المرجع إليه ويحق عليهم (يابني اسرائيل ) أولاد يعقوب (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي على آبائكم ( و أني فضلتكم على العالمين ) بأن جعل فيهم أهنبياء وملوكا كما قال تعالى إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين (واتقوا ) واخشوا (يوما ) هو يوم القيامة وما يقع فيه من الحساب و العذاب (لاتجزى ) لا تغنى ( نفس عن نفس شيئا ) فتحمل عنها أو تدفع ( ولا يقبل ) وقرئ بالتاء ( منها شفاعة ) لأن الشفاعة في الكافر لا تكون وهو رد لما كان يقوله اليهود آباؤنا الأنبياء يشفعون لنا ( و لايؤخذ منها عدل ) فداء ( ولاهم ينصرون ) يمنعون من العذاب ( وإذ نجيناكم ) يابني إسرائيل وقرئ نجيناكم (من آل فرعون ) وفرعون لقب لمن ملك العمالقة (يسومونكم ) يذيقونكم
    سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
    (سوء العذاب ) أشده وأقبحه ( يذبحون أبنائكم ) أولادكم الذكور وقرئ يذبحون بالتخفيف وفعلهم ذلك لأن فرعون أخبرته الكهنة أنه يولد في بني إسرائيل مولود يزيل ملكه ( ويستحيون ) أي ويستبقون ( نساءكم ) بناتكم أي يبقونهن في قيد الحياة يقتلونهن ( وفي ذلكم ) الأذى (بلاء ) امتحان ( من ربكم عظببيم ) كبير ( وإذ فرقنا) فلقنا وقرئ فرقنا بالتشديد (بكم) أي بسببكم (البحر ) فجعلنا فيه اثني عشر طريقا ( فأنجيناكم ) بأن أدخلناكم في تلك الطريق و أخرجناكم منها فنجوتم من الغرق ( وأغرقنا آل فرعون ) وهو معهم ( وأنتم تنظرون ) إلي إغراقنا لهم بكفرهم ( و إذ واعدنا موسى ) وقرئ وعدنا بغير ألف ( أربعين ليلة ) وذلك بعد هلاك فرعون بإعطاء التوراة ( ثم اتخذتم العجل ) فجعلتموه إلها تعبدونه ( من بعده ) من بعد ذهاب موسى ليأتيكم بالتوراة ( وأنتم ظالمون ) يجنوحكم إلي عبادة العجل (ثم عفونا عنكم ) ما ارتكبتموه من (بعد ذلك ) الاتخاذ للعجل (لعلكم تشكرون ) آلا أنا التي وهبناكم ( و إذ آتينا ) أعطينا (موسى ) الكليم ووفيناه بوعدنا (الكتاب) التوراة ( والفرقان ) الحكم الذي يفرق بين الباطل و الحق ( لعلكم تهتدون ) إلي طريقنا المستقيم وعليه تعرجون له ( و إذ قال موسى ) كليم الله ( لقومه ) من بني إسرائيل (ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم ) و أبقيتموها ( باتخاذكم العجل ) صنما تعبدونه من دون الله وكان متخذا من حليهم من الذهب و الفضة مجعولا على صفة العجل كما قال تعالى ((واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا به خوار))
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty رد: سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin الثلاثاء أبريل 24, 2012 1:16 am

    فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ
    (فتوبوا) مما جنيتموه ( إلي بارئكم ) خالقكم (فاقتلوا أنفسكم ) أي فاقتلوها بمجاهدتها وخالفوها بترك الشهوات فإن من ماتت نفسه أدرك أشرف الحالات وإلي هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله موتوا قبل أن تموتوا ( ذلكم ) القتل ( خير لكم عند بارئكم ) و أرفع لدرجاتكم لديه ( فتاب عليكم ) حين تبتم ( إنه هو التواب ) على من تاب (الرحيم ) بمن أقبل عليه و أحسن ماللمآب ( ولإذ قلتم ) لموسى لما خرجتم تعتذرون إلي الله من عبادة العجل ( يا موسى لن نؤمن لك ) ونقر (حتى نرى ) بأبصارنا (الله جهرة ) بلا حجاب بل عيانا (فأخذتكم الصاعقة ) صيحة البطش الإلهي حتى خررتم ميتين مستوليا عليكم الإغماء و الدهش يوما وليلة ( وأنتم تنظرون ) ما نزل بكم (ثم بعثناكم ) أحييناكم و أخرجناكم ( من بعد موتكم ) الذي متموه ودهشكم الذي بالصاعقة حللتموه (لعلكم تشكرون ) آلاء الله التي كفرتموها حين رأيتم كبير نعمته (وظللنا عليكم الغمام) بأن سخرناه لكم في التيه فصار من فوقكم يقيكم من حر الشمس (وأنزلنا عليكم ) في التيه (المن ) الترنجبين وهو شيء حلو ( و السلوى ) السماني وهو طير فتأكلون لحمه من غير تعب (كلوا من طيبات ما رزقناكم ) واشكروا من أولاكم ( وما ظلمونا ) بكفرانهم هذه النعم ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بإدخالهم لها العذاب لكفرهم بما أنعمنا عليهم ( وإذ قلنا لهم بعد خروجهم من التيه ( ادخلوا هذه القرية ) بيت المقدس أو أريحا ( فكلوا منها ) الضمير للقرسية أي مما فيها من النعم ( حيث شئتم رغدا ) واسعا ( وادخلوا الباب ) باب القرية
    سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا
    (سجدا) لله شكرا على إنجائكم من التيه ( وقولوا ) مسألتنا (حطة) نسألك أن تحط عنا خطايانا وقرئ بالنصب (نغفر لكم ) وقرئ يغفر لكم وتغر لكم بالناء للمعول (خطايكم ) ذنوبكم ( وسنزيد المحسنين) بطاعتنا ثوابا جزيلا (فبدل الذين ظلموا ) من بني إسرائيل لشقاوتهم ( قولا غير الذي قيل لهم ) من الذلة والانكسار و التوبة للعزيز الغفار بمطالب دنيوية و أحوال عند الله غير مرضية (فأنزلنا على الذين ظلموا ) حين فعلو ذلك (رجزا ) وقرئ رجزا بالضم ( من السماء ) وهو الطاعون فمات منهم نحو سبعين ألفا (بما كانوا يفسقون ) وعن طاعة الله يخرجون (وإذ استسقي ) طلب الإغاثة من الله (موسى لقومه ) لما كانوا في التيه وأصابهم العطش (فقلنا) له حين أردنا إغاثته ( اضرب بعصاك) وهي العصا التي أخذها من شعيب (الحجر ) وكان مربعا (فانفجرت) انشقت (منه) من الحجر بقدرة الله معجزة لموسى (اثنتا عشرة عينا) بعدة أسباط بني إسرائيل ( قد علم كل أناس ) من الأسباط (مشربهم ) الذي يشربون منه (كلوا واشربوا من رزق الله ) الذي من عليكم به ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وتكونوا عن طاعة الله خارجين ( وإذ قلتم ) لخبث طبيعتكم (ياموسى ) كليم الله (لن نصبر على طعام واحد ) وهو المن و السلوى ( فادع ) تضرع وأسأل ( لنا ربك ) المعتنى بك المجيب لدعواتك (يخرج لنا ) أي يوجد لنا (مما تنبت الأرض ) بأمر الله لها (من بقلها ) وهو ما تنبت الأرض من الخضروات ( وقثائها ) نوع منها وقرئ وقثاؤها بالضم (وفومها) وهو الثوم أو الحنطة
    وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
    (وعدسها) نوع من الحبوب ( وبصلها قال ) موسى ( أتستبدلون) تتخذون بدلا (الذي هو أدنى ) أحقر و أخس وقرئ أدنا من الدناءة ( بالذي هو خير ) أي المن و السلوى فإنه أعظم و أرفع ( اهبطوا ) انحدروا (مصرا ) من التيه وقرأ ابن مسعود غير منون (فإن لكم ) في الأمصار ( ما سألتم ) من الطعام ( وضربت ) جعلت (عليهم الذلة ) والهوان و الصغار (و المسكنة ) ألزموها فلا يزالون في أثر البؤس و الفقر (وباءوا ) وانصرفوا و عادوا (بغضب من الله ) حل بهم (ذلك ) العقاب ( بأنهم ) بسبب أنهم (كانوا يكفرون بآيات الله ) من فلق البحر وإظلال الغمام و الآيات التي فيها وصف النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك (ويقتلون النبين) كزكرياء وشعيب وغيرهما (بغير الحق ) بل ظلما و عدوانا (ذلك بما عصوا ) أي بسسبب عصيانهم لرب العالمين ( وكانوا يعتدون ) حدوده فبئس مثال الظالمين ( إن الذين آمنوا ) بالأنبياء من قبل ( و الذين هادوا ) أي تهودوا وهم اليهود ( و النصارى ) وهم الذين نصروا المسيح وكانت قريتهم تسمى نصران (و الصابئين ) جماعة منهما وقريء الصابيين بالياء (من آمن ) منهم (بالله ) وأخلص التوحيد له ( واليوم الآخر ) وما فيه من الوعد و الوعيد ( وعمل صالحا) بالإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (فلهم أجرهم ) جزاؤهم على أعمالهم (عند ربهم ) لديه ( ولا خوف عليهم ) من سوااه ( ولا هم يحزنون ) لفقد أحد عداه ( وإذ أخذنا ) عليكم (ميثاقكم) وهو العهد بالعمل بما في التوراة ( ورفعنا فوقكم الطور) حين أبيتم قبول التوراة فأمرنا جبريل بقلع الطور فظلله عليكم فخفتم من رضخكم به فقبلتم فقلنا لكم
    خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ
    (خذوا) قابلين (ما آتيناكم) أعطيناكم وهو التوراة (بقوة) باجتهاد وعزم ( واذكروا ما فيه ) واعملوا به (لعلكم تتقون ) وعن عذاب الله تبعدون (ثم توليتم ) معرضين ( من بعد ذلك ) الميثاق (فلولا فضل الله عليكم ) بتوفيقكم للتوبة ( رحمته) بكم ليدخلكم دائرة النعمة (لكنتم من الخاسرين) أنفسهم الموبقين لها في دار النكال و الوبال ( ولقد علمتم ) عرفتم ( الذين اعتدوا ) بمجاوزة ما حد لهم ( منكم ) يا أهل قرية إيلياء ( في السبت ) بأن لا يصطادوا الحوت في يومه (فقلنا لهم ) حين تجاوزوا حدنا و اصطادوا ( كونوا قردة ) بأن لا يصطادوا الحوت في يومه (فقلنا لهم ) حين تجاوزوا حدنا و اصطادوا ( كونوا قردة ) بأن مسخناهم (خاسئين ) مطرودين وقرئ قردة بفتح القاف وكسر الراء وحذف همزة خاسئين (فجعلناها ) أي المسخة ( نكالا) عبرة ( لما بين يديها ) أهل عصرهم ( وما خلفها ) من بعدهم ( وموعظة ) أي عظة وتذكرة ( للمتقين ) الذين غلبت عليهم خشية الله ( و إذ قال موسى ) بن عمران (لقومه ) وذلك حين قتل بنو أخي رجل غني وكانوا فقراء عمهم وكان لا وراث له سواهم فلما قتلوه وحولوه إلي فناء قرية بجانبهم ثم أصبحوا يطليبون بثأره فجاءوا بناس إلي موسى فادعوا عليهم فسألهم موسى فأنكروه فاشتبه الأمر على موسى فطلبوا من موسى أن يدعوا الله أن يبين لهم القاتل فدعا الله و أوحى إليه فقال لهم ( إن الله يأمركم ) إذا أردتم معرفة القاتل ( أن تذبحوا بقرة ) فيظهر لكم أمر القاتل ( قالوا أتتخذنا هزوا ) وقرئ هزءاً بالهمزة وبسكون الزاي مع الهمزة (قال ) موسى ( أعوذ بالله ) أعتصم ( أن أكون من الجاهلين ) الذين يسخرون بالمؤمنين ( قالوا ادع ) أسأل ( لنا ربك يبين لنا ما هي ) أي ما سنها
    قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
    (قال) موسى (إنه ) أي الله جل شأنه ( يقول ‘نها بقرة لا فارض ) مسنة كبيرة (ولابكر) فتية صغيرة ( عوان ) نصف متوسطة ( بين ذلك) أي بين السنين ( فافعلوا ما تؤمرون) به من عند الله فشددوا الأمر (قالوا ادع لنا ) أسأل لنا (ربك يبين لنا ما لونها ) أي لون يكون لون البقرة ( قال ) موسى (إنه ) أي الله تعالت ذاته (يقول إنها) أي البقرة المأمور بذبحها ( بقرة صفراء فاقع لونها ) شديدة الصفرة (تسر ) تعجب ( الناظرين ) إليها لبهجتها وحسنها (وقالوا) أيضا مشددين (ادع لنا ربك ) ياموسى وأسأله (يبين لنا ما هي) أعملة أم سائمة ( أن البقر ) الموصوف لنا (تشابه علينا ) لأن نوعه كثير ( وإنا إن شاء الله ) هدايتنا ( لمهتدون ) إلي ذبحها وامتال الحق وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد ( قال ) موسى (لإنه ) أي ربنا تبارك وتعالى ( يقول إنها ) أي البقرة المطلوبة منكم (بقرة) نعتها ( لا ذلول ) مذللة بالعمل وقرئ لا ذلول بالفتح (تثير الأرض ) تقلبها للزراعة (و لا تسقي الحرث) أي الأرض المهيأة للزراعة (مسلمة ) من العيوب و العمل (لا شية فيها ) لا لون فيها يخالف لون جلدها (قالوا الآن ) وقرئ الآن بالمد (جئت بالحق ) وأوضحت لنا الصفة وبينتها
    فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
    (فذبحوها) بعد تحصيلها وذلك أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له طفل وله عجلة فأتى بها إلي غيضة فقال اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عوانا وكان الولد يحتطب كل يوم وله أم وهو بار بها فيأتيها بثلث قيمة الحطب ويتصدق بالثلث ويأكل الثلث فأخبرته أمه يوما عن العجلة وقالت له اذهب بها إلي السوق وبعها بثلاثة دنانير ولا تبع إلا بمشورتي فذهب بها إلي السوق فبعث الله إليه ملكا ليختبره بره بوالدته وهو أعلم فقال له الملك بكم أبيع هذه البقرة فقال بثلاثة دنانير ولكن أستاذن و الدتي فقال الملك بستة دنانير ولا تستأمرها فقال الفتى لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضا والدتي فأتى إلي والدته فأخبرها فقالت له عد إليه وبع بذلك فأتاه الملك فقال له استأذنت أمك فقال نعم وأمرتني أن لا أنقصها عن الستة الدنانير ولكن على أن أستأمرها أيضا فقال الملك له إني أعطيك إثني عشر دينارا على أن لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع إلي أمه و أخبرها بذلك فقالت له هذا ملك إذا أتاك سله أن إثني عشر دينارا على أن لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع إلي أمه و أخبرها بذلك فقالت له هذا ملك إذا أتاك سله أن أبيع هذه البقرة أم لا ففعل فقال له الملك اذهب إلي أمك وقل لها إمسكي البقرة فإن موسى يشتريها منكم لقتيل من بني إسرائيل فلا تبيعونها إلا بملء مسكها دنانير أي جلدها فأمسكوها فأخذها منهم بنو إسرائيل بتلك القيمة فذبحوها ( وما كادوا ) أي وما قاربوا ( يفعلون ) لغلاء ثمنها وما ذاك إلا أنهم شددوا فشدد عليهم كما قال صلى الله عليه وسلم لو اعترضوا أي بقرة كانت فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا على انفسهم فشدد الله عليهم ( وإذ قتلتم نفسا) بغير حق بل طمعا في الدجنيا (فادارأتم ) اختصمتم (فيها ) في شأنها ( والله مخرج ) مظهر ( ما كنتم تكتمون) من أمر القتيل (فقلنا اضربوه) أي القتيل (ببعضها ) بالعجب فحي وسمى لهم قاتله قال الله تعالى ( كذلك ) مثل ما إأحيا الله هذا ( يحي الله الموتى ) الذي ينكر بعثهم من ليس له عقل ( ويريكم آياته) الدالة على كمال قدرته ( لعلكم تعقلون ) أن من قدر على مثل هذا قادر على بعث الأموات من قبورهم
    ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)أَوَلَا يَعْلَمُونَ
    (ثم قست ) غلظت وصلبت (قلوبكم ) المدبرة عن الله (من بعد ذلك ) أي مشاهدة إحياء القتيل وغيره من الآيات ( فهي ) الضمير لقلوبهم القاسية (كالحجارة) في قسوتها وشدتها ( أو أشد قسوة ) من الحجارة ( وإن من الحجارة لما يتفجر ) وتخرج ( منه الأنهار ) الجارية (وإن منها) الضمير للحجارة ( لما يتشقق فيخرج ) فينبع ( منه الماء وإن منها ) أيضا ( لما يهبط ) متدليا من علوه إلي السفل ( من خشية الله ) وخوفه وقلوبكم من شدة غفلتها عن الله وإدبارها لا يقع لها ذلك ( وما الله بغافل عما تعملون ) فيمهلكم ( أفتطمعون) خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم و المؤمنين ( أن يؤمنوا ) اليهود (لكم) ويصدقوكم (وقد كان فريق ) طائفة ( منهم ) أي من اليهود وهم أحبارهم (يسمعون كلام الله ) في التوراة من وصف النبي صلى الله عليه و سلم وكآية الرجم (ثم يحرفونه ) يبدلونه (من بعد ما عقلوه ) وعرفوه و فهموه ( وهم يعلمون ) أنهم مغيرون ومبدلون (وإذا لقوا ) المنافقون منهم (الذين آمنوا ) المؤمنين الصادقين ( قالوا آمنا) بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه المنعوت في كتابنا ( وإذا خلا بعضهم إلي بعض ) واجتمعوا مختلين ليس معهم مؤمن (قالوا ) الرؤساء منهم المصممون على الكفر ( أتحدثونهم ) أتخبرونهم ( بما فتح الله عليكم ) من نعت النبي عليه وسلم في التوراة (ليحاجوكم) ليجادلوكم ( به عند ربكم ) يوم العرض عليه ( أفلا تعقلون ) أن إخباركم لهم بذلك مما يقيم عليكم الحجة يوم القيامة ( أو لا يعلمون ) الاستفهام للتقرير
    أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى
    (إن الله يعلم) منهم ومن جميع العباد ( ما يسرون) من النيات والإيمان وما يسر هؤلاء المنافقون من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وما يعلنون) يظهرون من الإيمان به ( ومنهم) من اليهود (أميون ) عوام لا يقرءون ولا يكتبون فلذلك ( لا يعلمون الكتاب ) كتاب التوراة وما فيه من وصف النبي صلى الله عليه وسلم ( إلا ) لكن ( أماني) يغشهم بها أحبارهم كما قال تعالى عنهم ((وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أما نيهم )) ( وإن هم ) ما هم في إنكارهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (إلا يظنون ) ظنا فاسدا (فويل ) واد في جهنم وفي الحديث قال رسول صلى الله عليه وسلم ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ويختلفون من تلقاء أنفسهم ويضمنونه تحريف ما فيه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم يقولون ) لجهالهم (هذا من عند الله ) وفعلهم ذلك ( ليشتروا به ) لينالوا به (ثمنا قليلا) من أغراض الدنيا (فويل لهم مما كتبت أيديهم ) من التقول على الله ( وويل لهم مما يكسبون ) مما يأخذونه من الثمن المذكور ( وقالوا ) تأليا على الله حين هددهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنار ( لنتمسنا النار) أي نار جهنم ( إلا أياما معدودة ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل (قل ) أيها النبي الكريم ( أتخذتم ) بذلك وقرئ اتخذتم بالإدغام ( عند الله عهدا ) وميثاقا (فلن يخلف الله عهده ) أن عهد إليكم أن لا يعذبكم إلا هذه المدة ( أم ) بل ( تقولون على الله ) تهكما وجرأة ( مالا تعلمون) أن الله واعدكم به فاستولت أحبارهم على جهالهم وجهالهم على علمائهم فصار الكل على الوبال وفي الحديث في معنى مثل ذلك ويل للعالم من الجاهل وويل للجاهل من العالم (بلى ) تمسكم النار وتخلدون فيها
    مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ
    (من كسب سيئة ) واقترف قبيحة ( وأحاطت به ) من جميع جوانبه ( خطيئته ) وقرئ خطياته بقلب الهمزة ياء والإدغام وهذا وصف الكافر لا تحيط الخطيئة إلا به لخلوه من حسنة ولذا قال فيه تعالى ( فأولئك أصحاب النار) سكانها الملازمون ( هم فيها خالدون) لا يخرجون ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات) و خالفوا أنفسهم وجاهدو في طاعة الله ( أولئك أصحاب الجنة ) ساكنوها (هم فيها خالدون ) من غير خروج أبدا ( وإذ أخذنا ) في التوراة ( ميثاق ) وعهد ( بني إسرائيل لا تعبدون ) أي وقلنا لهم في ذلك العهد لا تعبدون وقرئ لا تعبدون وقرئ أن لا تعبدوا وقرئ يعبدوا بالياء ( إلا الله ) الذي خلقكم ( وبالوالدين ) أحسنوا إليهما ( إحسانا) بأن تبروهم ( وذي القربى ) أحسنوا إليهم بالمواصلة ( واليتامى و المساكين ) أيضا أحسنوا إليهم بأنواع ال‘حسان ( وقولوا للناس ) إن جادلتموهم أو هديتموهم ( حسنا ) وقرئ حسنا بفتحتين وقرئ حسنا بضمتين أي قولوا لهم قولا حسنا مشتملا على لطف ولين ووعظ و تذكير بصورة غير منفرة حتى ينقادوا وفيما ذكرنا من معنى الآية تعليم خطاب المعلم لمن يتعلم منه و أما اليهود فلم يفعلوا ما أمرهم الله8 به ثم قال لهم الله في العهد ( وأقيموا الصلاة ) التي افترضتها عليكم ( و آتوا الزكاة ) التي أوجبتها عليكم ( ثم توليتم) عن ذلك بعد قبوله ( إلا قليلا منكم ) وهم الذين أسلموا ( وأنتم معرضون ) عن قبول الحق كما دأب آبائكم من قبلكم ( و إذ أخذنا ) أيضا عليكم ( ميثاقكم ) وعهدنا إليكم بأن قلنا لكم ( لا تسفكون دماءكم) لا يقتل بعضكم بعضا

    وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
    (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) بأن لا يخرج بعضكم بعضا من داره ( ثم أقررتم ) اعترفتم بالميثاق ( وأنتم تشهدون ) على إقراركم ( ثم أنتم ) بعد ذلك ( هؤلاء ) نداء أي يا هؤلاء ( تقتلون أنفسكم ) أي يقتل بعضكم بعضا وقرئ تقتلون مشددا ( وتخرجون فريقا ) طائفة ( منكم من ديارهم ) وتخرقبونها ( تظاهرون ) أي تتعاونون (عليهم ) وقرئ تظاهرون بتشديد الظاء وقرئ بتاءين ( بالإثم ) المعصية ( والعدوان) العداوة ظلما بغير حق ( وإن يأتوكم أسارى ) وقرئ أسرى ( تفادوهم ) أي تنقذوهم من أسرهم بالمال وقرئ تفدوهم ( وهو ) أي المعهود إليكم من الله ( محرم عليكم إخراجهم ) أي إخراجهم من ديارهم ( أفتؤمنون ببعض غالكتاب ) أي فدائهم ( وتكفرون ببعض ) وهو القتل و الإخراج و المظاهرة والقصة أن قريظة حالفوا الأوس و النضير حالفوا الخزرج فكان كل منهم يقاتل مع حلفائه ويخرب ديار الآخرين ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم فإن قيل لهم لم تفدونهم يقولون أمرنا بالفداء وإن قيل لهم لم تقاتلونهم يقولون لا نرضى أن يهان حلفاؤنا فهذا هو الإيمان بالبعض و الكفر بالبعض وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الله عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك ال‘خراج وترك المظاهرة وفداء أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا إلا الفداء ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) معشر اليهود ( إلا خزى ) تعاملون به ( في الحياة الدنيا ) وقد وقع لهم ذلك فقتل بنو قريظة وسبوا وأجلى بنوا النضير وضربت الجزية على غيرهم فما أشده من خزي وذل (ويوم القيامة ) مع ما وقع لهم في الدنيا ( يردون) وقرئ بالتاء ( إلي أشد العذاب ) لارتكابهم أشد معصية لنقضهم العهود و تغيير ما جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم المحمود
    وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ
    (وما الله بغافل عما تعملون ) بل هو بالمرصاد وقرئ بالياء (أولئك) اليهود المبدلون ( الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) و آثروها عليها (فلا يخفف عنهم العذاب ) لا في الدنيا بنقص الجزية ولا في الآخرة ( و لا هم ينصرون ) فيدفع عنهم ( ولقد آتينا موسى ) بن عمران الكليم ( الكتاب ) التوراة (وقفينا) على أثره ( من بعده بالرسل) أي بأن أرسلنا من بعده رسلا ( و آتينا عيسى) كلمة الله ( ابن مريم ) خادم الله الصالحة ( البينات) المعجزات الظاهرات المذكورة في قوله تعالى (( وأبرئ الأكمة والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون )) الآية وما قبلها ( وأيدناه ) أي قويناه (بروح القدس) جبريل وقرئ القدس بالإسكان في جميع القرآن (أفكلما جاءكم ) معشر الكافرين (رسول ) من عند الله (بما لاتهوى) تحب ( أنفسكم) الخبيثه ( استكبرتم) عن الايمان والانقياد له (ففريقا كذبتم ) كموسى وعيسى (وفريقا تقتلون ) كزكريا ويحي ( وقالوا) النبي صلى الله عليه وسلم مستهزئين (قلوبنا غلف) عليها غشوة لا تعي قولك ( بل) ليست بغلف إنما (لعنهم الله) لعدم قبولهم الحق وطردهم عن رحمته (بكفرهم) بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عنادا (فقليلا ما يؤمنون) أي إيمانهم قليل وما مؤكدة (ولما جاءهم ) على لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (كتاب من عند الله ) وهو القرآن (مصدق لما معهم) وهو التوراة (وكانوا من قبل ) أي قبل ظهور بعث النبي صلى الله عليه وسلم و نزول القرآن ( يستفتحون) يستنصرون
    عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ
    (على الذين كفروا) ويقولون اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة ( فلما جاءهم ما عرفوا ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم المنعوت عندهم في التوراة ( كفروا به ) حسدا من عند أنفسهم وخوفا على رياستهم ( فلعنة الله على الكافرين ) الذين ستروا الحق وأظهروا الباطل ( بئس ما اشتروا ) بحسب ظنهم الفاسد ( به أنفسهم ) ظنا أنهم خلصوها من العقاب ( أن يكفروا بما أنزل الله ) من القرآن (بغيا) حسدا لا حقيقة له ( أن ينزل الله ) أي حسدهم على أن ينزل الله وقرئ ينزل بالتخفيف (من فضله) نبوته ووحيه ( على من يشاء ) يختار (من عباده ) لرسالته ( فباءو بغضب على غضب ) لكفرهم وحسدهم ( وللكافرين عذاب مهين ) على محمد وهو القرآن وما أنزل على الرسل من الكتب القديمة ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) أي التوراة ( ويكفرون بما وراءه) أي بما سواه ( وهو الحق) أي القرآن ( مصدقا) أي موافقا ( لما معهم ) أي التوراة التي معهم ( قل ) لهم أيها النبي الكريم (فلم تقتلون ) أي قتل آباؤكم (أنبياء الله ) وقرئ بالهمزة وأنتم راضون بفعل آبائكم ( من قبل إن كنتم مؤمنين ) بالتوراة فلم خالفتم ما فيها وهو النهي عن قتلهم ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) آي الايات الواضحات التسع المذكورة في قوله تعالى (( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات))
    ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
    (ثم اتخذتم العجل ) إلها فعبدتموه (من بعده) من بعد ذهاب موسى إلي المكالمة( وأنتم ظالمون) أي وعاداتكم تعدي الحدود وعدم الوفاء بالعهود ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) العهد عليكم بالعمل بما في التوراة ( ورفعنا فوقكم الطور ) حين أعرضتم عن قبول ذلك ( خذوا ما آتيناكم ) ما أمرناكم به في التوراة وآمنوا بمحمد واعملوا بأمره ( بقوة) بجد ( واسمعوا ) لأمره مطيعين (قالوا سمعنا ) قوله ( وعصنا ) أمره (وأشربوا) وسقوا ( في قلوبهم العجل ) أي اختلط حب العجلل بقلوبهم وذلك (بكفرهم) أي بسب كفرهم (قل بئسما ) أي بئس شيئا (يأمركم به ‘يمانكم ) أي بالتوراة عبادتكم العجل ( ‘ن كنتم مؤمنين ) بالتوراة كما زعمتم و المعنى أنكم لستم بمؤمنين لأنه لم يأتكم في التوراة أمر بعبادة العجل و إن كان عبدة العجل آباءهم فهم كذلك كذبوا بما في التوراة من الأمر بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فكلهم خالفوا ما في التوراة (قل إن كانت ) كما تقولون ( لكم الدغار الآخرة) أي الجنة ( عند الله خالصة ) وخاصة بكم ( من دون الناس ) كما حكى عنهم تعالى في قوله (( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى )) (فتمنوا الموت ) فإن من علم أن مصيره إلي الجنة بلا شك يؤثر الموت على الحياة فتمنوا ( إن كنتم صادقين ) فإنه من علم أن مصيره إلي الجنة بلا شك يؤثر الموت على الحياة فتمنوا ( إن كنتم صادقين ) فإنه يفرح به من كان يحسن عمله مع الله كما قال بعض الصحابة حين أشرف على الموت غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحفة المؤمن الموت ( ولن يتمنوه) اليهود ( أبدا بما قدمت أيديهم ) من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم والإعراض عن موجبات الرحمة ( والله عليم بالظالمين ) المتعدين الحدود وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقى على وجه الأرض يهودي
    وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ
    (ولتجدنهم ) أي اليهود ( أحرص الناس على حياة ) أي أشد الناس حرصا على الحياة وقرئ الحياة ( ومن الذين أشركوا ) هم أحرص أيضا على الحياة ( يود ) يتمنى ( أحدهم ) الضمير لليهود ( لو يعمر ) يطول عمره في الدنيا ( ألف سنة ) وما ذلك إلا لعلمهم بسوء ما قدموه ( وما هو ) الضمير للشان (بمزحزحه) بمبعده ( من العذاب) في النار (أن يعمر ) أي تعميره ( والله بصير بما تعملون ) فيجازيهم عليه (قل) لليهود حيث سألوك عمن يأتيك بالوحي فأخبرتهم أنه جبريل فقالوا هو عدونا يأتي بالعذاب و الغضب ولو كان ميكائيل لآمنا لأنه يأتي بالخصب و السلم (من كان عدوا لجبريل ) أمين وحي الجليل (فإنه ) القرآن الذي فيه غيظهم (نزله ) جبريل (على قلبك) الذي هو أشرف القلوب و أفضلها لأنك أشرف الخلق وأفضلها وفي الحديث قال لي جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد نبيا أفضل من محمد من بني هاشم فإذا كان ليس في الأنبياء أحد مثلك فليس في القلوب قلب مثل قلبك فلم ينكر هؤلاء المخذولون المطرودون نزول الوحي عليك و أنت أعظم مستحق له وجبريل أصدق مرسل به وقد وصل إليك ( بإذن الله ) وأمره العزيز الحكيم ( مصدقا لما بين يديه ) أي لما قبله من الكتب القديمة ( وهدى ) لمتبعيه ( وبشرى ) برضوان الله الأكبر ( للمؤمنين ) العاملين بما فيه ( من كان عدوا لله وملائكته ) المقربين ( ورسله ) المحبوبين ( وجبريل ) أمين الوحي ( وميكال ) وقرئ ميكائيل وقرئ و ميكاييل وقرئ وميكالئل (فإن الله عدو للكافرين ) الذين عادوا أحبابه ( ولقد أنزلنا إليك) لهداية العباد ( آيات بينات) واضحات
    وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ


    ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ) الذين قالوا لك ما جئتنا بشئ نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك ( أو كلما عاهدوا ) الله ( عهدا ) في تصديقك وعدم المناصرة عليك وقرئ عوهدوا وعهدوا ( نبذه ) نقضه و رماه ( فريق منهم ) جماعة منهم ( بل أكثرهم لا يؤمنون ) وإن أظهر البعض ذلك فهم مبطنون النفاق ( ولما جاءهم رسول ) وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( من عند الله ) يدعو إليه ( مصدق ) موافق ( لما معهم ) للتوراة المحتوية على وصفه (نبذ ) طرح ورمى ( فريق من الذين أوتوا الكتاب ) التوراة ( كتاب الله ) هي أيضا لأن تركهم للعمل بما فيها من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم هو نبذها كلها ( كتاب الله ) هي أيضا لأن تركهم للعمل بما فيها من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم هو نبذها كلها ( وراء ظهورهم ) وأعرضوا عنها ( كأنها لا يعلمون ) وما ذاك إلا حسدا وعنادا وبغضا للنبي صلى الله عليه وسلم ( واتبعوا ) علماء اليهود ( ما تتلوا الشياطين ) من السحر ( على ملك سليمان ) أي على زمان ملكه أنهم كانوا يسترقون السمع فيضمون إلي ما سمعوه أكاذيب ويلقونها إلي الكهنة فيدونونها و للناس يعلمونها وشاع أن الجن تعلم الغيب وأن ملك سليمان تم بهذا العلم وأنه بمثل هذه الأسحار كان ملكه ( وما كفر سليمان ) بزعمهم الفاسد أنه كان ساحرا وإنما هو نبي من خاصة الله ورسله ( ولكن ) وقرئ مخففا (الشياطين ) المضلين عن الطريق الملك المبين ( كفروا ) بإضلالهم من تبعهم ( يعلمون الناس السحر ) فضلوا وأضلوا وفي غضب الله حلوا ( وما أنزل على الملكين ) أي ويعلمونهم ما أنزل على الملكين وقرئ على الملكين بكسر اللام ( ببابل ) بلد من سواد العراق ( هاروت وماروت ) وهما ملكان أنزلا لتعليم السحر وقرئ هاروت و ماروت بالرفع ( وما يعلمان ) الملكان ( من أحد ) السحر ( حتى يقولا ) له وينصحاه نهيا عن تعلمه ( إنما نحن فتنة ) ابتلاء و اختبار من الله ( فلا تكفر ) فإنه لا يجتمع علمه و العمل به مع الإيمان ( فيتعلمون ) السابق لهم الخذلان ( منهما ) من هاروت وماروت ( ما يفرقون به ) الضمير للسحر ( بين المرء وزوجه ) بأن يفعلوا لهما شيئا يوقع بينهما البغض و الكره ( وما هم ) فاعلوا السحر ( بضارين به ) أي بالسحر ( من أحد ) من العباد ( الا بإذن الله ) فاعلم أنه لا يضر و لا ينفع الا الله ( ويتعلمون ) السحر ( ما يضرهم ) في آخرتهم ( ولا ينفعهم ) في دنياهم ( ولقد علموا ) اليهود ( لمن اشتراه ) الضمير للسحر أي استبدله بكتاب الله ) ماله في الآخرة ) لدى الله ( من خلاق ) نصيب وحظ ( ولبئس ما ) بئس شيئا ( شروا به أنفسهم ) وهو بيعها بما يوجب عذاب الله ( لو كانوا يعلمون ) أن تعلمه موجب للخسار ودخول النار ( ولو أنهم ) أي اليهود ( آمنوا ) بالله ورسوله وكتابه ( واتقوا ) خافوا عقاب الله فلم ينبذوا كتابه ولم يعلموا بالسحر ( لمثوبة ) أي لأثيبوا مثوبة ( من عند الله ) ومن خذائن رحمته ( خير ) لهم مما شروا به أنفسهم ( لو كانوا يعلمون ) أن ما عند الله من الثواب وحسن المآب خير لمن أقبل عليه وترك سواه و امتثل أوامره وسعى في رضاه (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ) لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ( راعنا ) فإنكم لما قلتم ذلك وقصدكم به المراعاة والتأني فيما يقوله لكم حتى تفهموا قال اليهود ذلك اللفظ وقصدوا به سبا قاتلهم الله فإذا اجتنبتم ذلك فهم يجتنبوه وقرئ راعونا ( قالوا انظرنا ) بدل راعنا ( واسمعوا ) لما قلناه لكم وسدوا على اليهود باب مكايدهم ( وللكافرين عذاب أليم ) المتجرئين على الرسول العظيم ( ما يود ) يحب ويتمنى ( الذين كفروا من أهل الكتاب ) لعداوتهم لكم وبغضكم ( ولا المشركين ) من العرب ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) من الوحي الدال لكم إلي سبيل السعادة الموصلة لنعيم الجنة المحسوسة وزيادة ( والله يختص برحمته ) و نبوته وحكمته ( من يشاء ) ‘دخاله في ديوان خاصته ( والله ذو الفضل العظيم ) الذي لا يتناهى و لايحيط به مخلوق ( ما ننسخ من آية ) نزلها إما لفظها مع حكمها أو حكمها فقط وقرئ ننسخ بضم النون ( أو ننسها ) نؤخرها ونرفع تلاوتها وقرئ ننسها وتنسها على البناء للمفعول وننسكها بإظهار المفعولين ( نأت بخير منها ) في المنفعة للعباد و الثواب في المعاد ( أو مثلها ) أي أو نأت بمثلها ثوابا وتكليفا ( ألم تعلم ) أيها النبي صاحب القدر الكبير ( أن الله على كل شئ قدير ) من النسخ والإتيان بالمثل وغير ذلك ونزلت الآية حين قال اليهود يأمر محمد أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ما هو أي القرآن إلا كلام محمد ( ألم تعلم ) أيها المصطفى ( أن الله له ملك السموات و الأرض ) يتصرف فيهما كما يختار ( وما لكم ) أمة النبي محمد أنتم ونبيكم ( من دون الله ) من غيره ( من ولى ) يتولى تأييدكم ( ولا نصير ) من الأذية يمنعكم ونزلت الآية حين طلب أهل مكة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوسعها وأن يجعل الصفا ذهبا ( أم ) بل ( أتريدون ) معشر المكذبين ( أن تسألوا رسولكم ) وتقترحوا عليه بالسؤال ( كما سئل موسى ) أي سأله اليهود ( من قبل ) فقالوا أرنا الله جهرة وقلتم لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ( ومن يتبدل ) يتعوض و يأخذ ( الكفر بالإيمان ) ويترك الأخذ بالآيات البينات ( فقد ضل سواء ) وسط ( السبيل ) وحاد عن طريق الحق ( ود) أحب ( كثير من أهل الكتاب ) علماء اليهود و النصارى ( لو يردونكم ) ويصدونكم ( من بعد إيمانكم ) من بعد أن تحليتم بالإيمان ( كفارا ) مرتدين ( حسدا ) وذلك منهم حسدا لكم ( من عند أنفسهم ) الخبيثة المعرضة عن الله ( من بعد ما تبين ) وظهر (لهم ) لليهود ( الحق ) بصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم (فاعفوا ) عن عقوبتهم واتركوهم ( واصفحوا ) أعرضوا عن مجازاتهم ( حتى يأتي الله ) لكم ( بأمره ) بالقتال فقاتلوهم ( إن الله على كل شئ قدير ) من الانتقام منهم و غيره ( وأقيموا الصلاة ) وأدوا أركانها بقلوب حاضرة متوجهة صادقة وإقامتها أن تصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي الحديث صلوا كما رأيتموني أصلي وكان صلى الله عليه وسلم إذا كبر لا فتتاح الصلاة يرفع مرة يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ومرة أرفع من ذلك ومرة كما في رواية أبي دواد لو كنت قدام النبي


    صلى الله عليه وسلم لرأيت إبطيه و أما القبض ففي مسلم وضع يده اليمنى على اليسرى وعند الترمذي مرفوعا كان يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه وعند النسائي قبض يمينه على شماله وعند رزين عن على السنة وضع الكف على الكف في الصلاة ويضعهما تحت السرة وفي كشف الغمة كان صلى الله عليه وسلم إذا كبر للإحرام وضع يده اليمنى على اليسرى والرسغ والساعد تحت السرة وعند الطبراني في الكبير مرفوعا ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل الفطور وتأخير السحور ووضع اليمنى على الشمال في الصلاة قال المناوي بأن يجعلهما تحت صدره فوق سرته وأما الرفع فعند أبي داود مرفوعا إلي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع رأسه من الركوع فيبلغ بهما أذنيه وعند النسائي مثله وزاد وإذا سجد وإذا رفع رأسه من سجوده وكان يسكت سكتتين سكته إذا كبر وسكتة بعد قوله ولا الضالين كذا في كشف الغمة وكان استفتاحه في السكتة الأولى مرة بما رواه أبو داود و الترمذي وغيرهما بقولهم كان إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وأكثر مدامته على ذلك وتارة يستفتح بقوله اللهم باعد بيني وبين خطاي كما باعدت بين المشرق و المغرب اللهم نقني من خطاي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج و الماء والبرد وتارة يقولؤ مستفتحا وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ومرة يستفتح بقوله اللهم أنت الملك لا إله إلا انت أنت ربي وأنا عبدك عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا انت و اهدني لأحسن الاخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت و اصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا انت لبيك وسعديك و الخير كله في يديك و الشر ليس ^إليك أنابك و إليك تباركت و تعاليت أستغفرك وأتوب إليك وكان صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يستعيذ فمرة يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و أخرى يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه فأما البسملة ففي كتابنا رحمة الأحد معزيا للترمذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وفي كشف الغمة قال لجابر كيف تفتتح الصلاة يا جابر فقلت بالحمد لله رب العالمين فقال صلى الله عليه و سلم قل بسم الله الرحمن الرحيم و أما الفاتحة فلازم عليها سواء كنت إماما أو مأموما أو فذا وفي البخاري وغيره عنه صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقيل لأبي هريرة في حديث لمسلم إنا نكون وراء الإمام فقال اقرأ بها في نفسك الحديث مطولا منه وعند الطبراني في الكبير من صلى خلف إمام فليقرأ بفاتحة الكتاب و أما التأمين ففي أبي دا
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty رد: سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin السبت مايو 05, 2012 1:46 am

    كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)




    (كذلك قال ) من هذه الأمة ( الذين لا يعلمون ) وهم المشركون ( مثل ) قولهم ) أي قول اليهود و النصارى فالكل في التعنت و العناد وطلب ما لايليق سواء ( فالله يحكم بينهم ) بين المختلفين ( يوم القيامة ) يوم العرض عليه ( فيما كانوا ) في الدنيا ( فيه يختلفون ) فيدخل المؤمنين الجنة و الكافرين النار ( ومن أظلم ) لا أحد أظلم ( ممن منع ) الطالب ( مساجد الله أن يذكر فيه اسمه ) ويعبد فيها و الآية نزلت في المشركين ( وسعى في خرابها ) من تعطيل إقامة الدين فيها وهدمها ( أولئك ) المانعون ( ما كان لهم أن يدخلوها ) ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها ( إلا خائفين ) ولله خاشعين ( لهم في الدنيا ) جزاء على سوء فعلهم (خزى) من القتل للحربى و الجزية للذمى ( ولهم في الآخرة ) بكفرهم و تعديهم حدود الله ( عذاب عظيم ) وهو النار وبئس المصير ( ولله المشرق و المغرب ) أي الأرض كلها له والإشارة لصلاة النافلة على الراحلة في السفر لكونها لا يتعين فيها استقبال القبلة ( فأينما تولوا ) في الصلاة وجوهكم بأمر من الله (فثم وجه الله ) فالأمر للشارع و الحكم حيثما وجه ( إن الله واسع عليم ) فسبحانه ما أعظم شأنه الكريم ( وقالوا ) الكفار ( اتخذ الله ولدا ) تعالى الله عما قالوا فقالت اليهود عزيرا ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقال مشركو العرب الملائكة بنات الله (سبحانه ) تنزه عما قالوا ( بل له ما في السموات و الأرض ) عبيدا وخلقا ( كل له قانتون ) مطيعون













    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
    (بديع السموات و الأرض ) مبدعهما على أحسن صنع ( وإذا قضى ) أراد (أمرا ) يوجده ( فإنما يقول له ) عند تكوينه ( كن فيكون ) وقرئ فيكون بالنصب ( وق4ال الذين لا يعلمون ) الجهلة من المشركين ( لولا ) هلا ( يكلمنا الله ) فيقول لنا محمد أرسلته ( أو تأتينا آية ) وذلك قولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا الأرض ينبوعا إلي قوله كتابا نقرؤه ( كذلك ) كما قالوا ( قال الذين من قبلهم ) من كفار الأمم الماضية ( مثل قولهم ) كقولهم أرنا الله جهرة وغير ذلك ( تشابهت ) وقرئ بتشديد الشين ( قلوبهم ) في العناد والإعراض عن الله (قد بينا الآيات ) الواضحات ( لقوم يوقنون ) يؤمنون لا يتعنتون ( إنا أرسلناك ) تدعو الناس إلينا ( بالحق ) و سبيله المستقيم ( بشيرا ) للمؤمنين ( ونذيرا ) للكافرين ( و لاتسئل عن أصحاب الجحيم ) لم لم يؤمنوا وقرئ تسأل على أنه نهى له صلى الله عليه وسلم عن السؤال ( ولن ترضى عند اليهود ) لفساد عقولهم ( و لا النصارى ) أيضا ( حتى تتبع ملتهم ) أي دينهم ( قل ) لهم ( إن هدى الله ) الذي هو الإسلام ( هو الهدى ) طريق الحق المستقيم وما عداه فباطل ( ولئن اتبعت أهواءهم ) آراءهم الفاسدة ( بعد الذي جاءك من العلم ) بأنك على الحق ( مالك من الله ولي ) يتولى إعانتك ( و لا نصير ) يدفع عنك فاقتك وقد حفظناك من ذلك بولايتنا ونصرناك عليهم بحمايتنا ( الذين آتيناهم الكتاب ) أي مؤمنو أهله

    الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ(123) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَلَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ













    (يتلونه ) يقرءونه ( حق تلاوته ) فيتقونه و يعملون بما فيه ( أولئك يؤمنون به ) فليسوا كالحرفين ( ومن يكفر به ) وهم المحرفون له (فأولئك هم الخاسرون ) حيث غيروا أحكام الله لأهوائهم (يا بني إسرائيل ) أولاد يعقوب ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) من إخراجكم من التيه و تظليلكم بالغمام و إدراككم زمن نبي محمد ( وأنى فضلتكم على العالمين ) وجعلت منكم الأنبياء و المرسلين ( واتقوا ) واخشوا (يوما ) يوم القيامة ( لا تجزى ) لا تغنى ( نفس عن نفس شيأ ) قل أو كثر ( و لايقبل منها عدل ) فداء ( و لاتنفعها شفاعة ) فإن الشفاعة في الكافر ليس لها محل ( و لاهم ينصرون ) من عذاب الله ويمنعون ( و إذ ابتلى ) اختبر ( إبرهيم ) وقرئ إبراهام ( ربه بكلمات ) أوامر ونواهي مناسك الحج وغيرها وقرئ إبراهيم بالرفع وربه بالنصب أي دعاه بكلمات مثل رب أرني كيف تجي الموتى ( فأتمهن ) فاداهن بتمام ( قال ) الله سبحانه و تعالى له (إني جاعلك للناس إماما ) يقتدون بك ( قال ) إبراهيم ( ومن ذريتي ) أي ومن أولادي أجعل أئمة يقتدى بهم ( قال ) الله سبحانه و تعالى ( لا ينال عهدي ) و إما متي وقرئ بفتح الياء ( الظالمين ) المتعدين حدودي بالكفر وقرئ الظالمون ( وإذ جعلنا البيت ) الكعبة المشرفة ( مثابة ) مرجعا ( للناس ) يثوبون إليه من كل جهة















    (وأمنا ) مأمنا لهم من الخوف وقد كان الرجل يلاقي قاتل أبيه في الحرم فلا يتجرأ عليه ( و اتخذوا ) عباد الله المؤنين ( من مقام إبراهيم مصلى ) ولما فرغ صلى الله عليه و سلم من طوافه عمد إلي مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فبين المقصود من الآية للعباد وقرئ واتخذوا بلفظ الماضي ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقف عليه حين يبني البيت ( وعهدنا إلي إبراهيم و ‘سماعيل ) بأن أمرناهما وأوصينا إليهما ( أن طهرا بيتي ) وقرئ بسكون الياء من الأوثان و الأنجاس وسائر الأدناس (للطائفين ) به ( و العاكفين ) فيه أي المقيمين عنده ( و الركع السجود ) أي المصلين ثم ( و إذ قال إبراهيم ) سائلا مولاه ( رب ذاجعل هذا ) البلد ( بلدا آمنا ) أي ذا أمن فاستجاب الله له ما سأل و في الحديث ان إبراهيم حرم مكة فلا يسفك فيها دم إنسان و لا يصاد صيده و لايقطع شجره إلا الإذخر و لا بظلم فيه أحد ( وارزق أهله ) لأنى أسكنتهم في محل ليس فيه معاش (من الثمرات) أي أنواع ما تحمل الأشجار (من آمن منهم ) من سكان البلد ( بالله و اليوم الآخر ) وعمل له (قال ومن كفر ) منهم (فأمتعه ) بالرزق في دنياه وقرئ فأمتعه من أمتع (قليلا ) مدة إقامته في الدنيا ( ثم أضطره ) ألجئه ( إلي عذاب النار ) في الآخرة وقرئ فمتعه ثم اضطره بلفظ الأمر وقرئ فنمتعه ثم نضطره ( وبئس المصير ) النار لمن كفر بالملك الكبير (واذ يرفع ) لله وفي الله














    (إبراهيم) الخليل (القواعد) أصول الأساس (من البيت) الكعبة الشريفة (و إسماعيل) معه يناوله الحجارة يقولان (ربنا تقبل) عملنا وفرئ يقولان ربنا (منا إنك أنت السميع ) لدعائنا لك (العليم) بتضرعنا إليك (ربنا واجعلنا) بعنايتك بنا (مسلمين لك ) وقرئ مسلمين بالجمع ( ومن ذريتنا) أولادنا (أمة) جماعة (مسلمة لك ) منقادة مطيعة (وأرنا) أبصرنا وقرئ أرنا بسكون الراء (مناسكنا) كيفية معاملتنا لك في الحج (وتب علينا) من النظر لسواك (إنك أنت التواب) على من بكليته أتاك ( الرحيم) به تبارك علاك(ربنا وابعث) للدعوة إليك(فيهم) أي في سكان الحرم (رسولا منهم) فبعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم واستجاب الدعوة وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا دعوة إبراهيم وكان آخر من بشر بي عيسى ابن مريم (ويتلو عليهم آياتك) قرآنك العزيز فيجلو بصائرهم وينور أفئدتهم ( ويعلمهم الكتاب) الذي هو القرآن المتلو عليهم فيعلمون أسراره ويدرون حكمه وأخباره (و الحكمة) التي يعبرون بها عن حقائق الكمالات وينطقون فيها بأنواع الأسرار الخبآت (ويزكيهم) من درن المعاصي والسيئات (إنك أنت العزيز) الذي لا يغلبه شئ(الحكيم) المربي بحكمته كل حي (ومن يرغب) يعرض من العباد(عن ملمة إبراهيم) الطاهرة الطيبة (إلا من سفه) جهل (نفسه) أنها مخلوقة للحق وحقها العبادة و الطاعة لله(ولقد اصطفيناه) اخترناه بالخلة الكاملة (في الدنيا) و المقامات العلية(وإنه في الآخرة) في نهاية درجات القرب















    (لمن الصالحين) بالأهلية لها(إذ قال له ربه) يدعوه لكمال الإخلاص(أسلم) أخلص دينك لله ومعاملته (قال) إبراهيم لما تحقق بذلك (أسلمت لرب العالمين) أخلصت وتوجهت بكلتي إليه (ووصى بها) باتباع الملة وقرئ أوصى بها ( إبراهيم بنيه) أولاده (ويعقوب) وصى كذلك بنيه وقرئ بالنصب (يابني) أي قال يابني (إن الله اصطفى) اختار (لكم الدين) صفوة أديانه الإسلام (فلا تموتن) أي فاثبتوا على الاإسلام فلا يأتيكم الموت ( إلا وأنتم مسلمون ) أي إلا وأنتم متحققون بالإسلام ومقاماته وكمالاته قل لليهود (أم كنتم شهداء) حضورا (إذ حضر يعقوب الموت) ونزلت حين قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم أوصى يعقوب بنيه باليهودية حين مات (إذ قال) يعقوب حين حضره الموت (لبنيه ما تعبدون من بعدي) هذا الذي قال لهم (قالوا) بنوه (نعبد إلهك) المستحق أن يعبد ( وإله آبائك) وقرئ وإله أبيك (إبراهيم وإسماعيل وإسحق) وهو الله سبحانه وعد إسماعيل لأنه عم و العم كألاب (إلها واحدا) إله الكل (ونحن له مسلمون) وبه مؤمنون وله منقادون (تلك أمة) إبراهيم و يعقوب وما بينهما (قد خلت) مضت (لها ما كسبت) جزاء ما عملت (ولكم ما كسبتم) جزاء أعمالكم (ولا تسئلون) أنتم (عما كانوا يعملون) وهم كذلك لا يسألون عن أعمالكم















    (وقالوا كونوا هودا) هذا قول اليهود (أو نصارى) وهذا قول النصارى ( تهتدوا) إن تهودتم أو تنصرتم يقولونه للمسلمين (قل) لهم أيها النبي ومن معك من المؤمنين (بل) نتبع (ملة إبراهيم) الخليل (حنيفا) مائلا إلي الحق عن الباطل ( وما كان المشركين) فنحن وهو دينا الإسلام و التوحيد وأنتم في ضلالكم (قولوا) معشر المؤمنين (آمنا بالله)(1) واعتقدنا أنه هو الإله الحقيقي المستحق أن يعبد ( وما أنزل إلينا) أي القرآن أمنا به ( وما أنزل إلي إبراهيم) من الصحف (وإسماعيل وإسحق ويعقوب و الأسباط) بالكل آمنا ( وما أوتي موسى أي آمنا بالتوراة التي أوتيها موسى (وعيسى) أي و الأنجيل الذي أوتيه عيسى ( وما أوتي النبيون) كلهم ( من ربهم) من كتب وآيات(لانفرق بين أحد منهم) كما فعلتم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض (ونحن له) أي لله (مسلمون فإن آمنوا) اليهود و النصارى (بمثل ما آمنتم به) مععشر المؤمنين من أمة محمد (فقد اهتدوا) إلي سبيل النجاة عند الله و صدقوا بالكل واتبعوا نبينا محمدا الذي هو أشرف أحباب الله (وإن تولوا) عن الإيمان (فإنما هم في شقاق) خلاف لما أمرهم الله به ولا موافقة بينكم(2)
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    (1) (قوله عزل وجل آمنا بالله الخ) لما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود و النصارى وقال إن الله أمرني بهذا فلما سمعت اليهود بذكر عيسى أنكروا وكفروا وقالوا لن نؤمن بعيسى وقالت النصارى عيسى ليس بمنزلة الأنبياء ولكنه ابن الله فأنزل الله قوله تعالى فإن أمنوا بمثل ما آمنتم به الآية اهـ.
    (2) (قوله فسيكفيكهم الله) فكفاه الله شرهم بالقتل والسبي في قريظة و الجلاء والنفي في بني النضير والجزية والذلة في نصارى نجران ا هـ.










    (فسيكفيكهم الله) ويصرف أيها النبي الكريم مناوأتهم لك ومعادتهم (وهو السميع) لما تقولونه (العليم) بما تكونونه (صبغة الله) (1) أي صبغنا الله صبغة وهي فطرته (ومن أحسن من الله صبغة) لا أحسن من صبغة الله(ونحن له عابدون) ولحكمه منقادون (قل أتحاجوننا) تجادلوننا(2) (في الله) أن اختار نبيا من العرب ونزلت حين قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا (وهو ربنا وربكم) فله أن يختص برسالته من يشاء منا ومنكم (ولنا أعمالنا) فنجازي عليها(ولكم أعمالكم) تجازون عليها(ونحن له مخلصون) (3) ولطاعته منقادون (أم تقولون) وقرئ بالياء ( إن إبراهيم) الخليل (وإسماعيل) الذبيح (وإسحاق ويعقوب منقادون (أم تقولون) وقرئ بالياء (إن إبراهيم) الخليل (وإشسماعيل) الذبيح (وإسحاق ويعقوب و الأسباط) أبناء يعقوب (كانوا هودا أو نصارى) بزعمكم الفاسد (قل ءأنتم أعلم أم الله) هو أعلم وقد قال تعالى ((ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا)) و هم تبعا (4) له معه(ومن أظلم) لا أحد أظلم
    ...................................................
    (1) قوله (صبغة) أي دين الله لأن دين الإسلام يؤثر في المتدين به من الطهر و الصلاة و الوقار وسائر شعائر الإسلام كالصبغ الذي يكون في الثوب و لاشئ في الأديان أحسن من دين الإسلام ا هـ بغوى.
    (2) قوله (تجادلوننا) من ذلك أن اليهود كانوا يقولون نحن أهل الكتاب الأول و العلم القديم وكانوا يقولون هم و النصارى نحن أبناء الله وأحباؤه فأمر الله نبيه بهذه الآية 1 هـ.
    (3) قوله (مخلصون) أي موحدون قال صلى الله عليه وسلم ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شئ من عمله لله وقال الفضيل ترك العمل لأجل الناس رياء و العمل لأجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما ا هـ.
    (4) قوله (وهم تبعا الخ) كذا في الأصل وعبارة الجلال و المذكرون معه تبع له ا هـ مصححه.










    (ممن كتم) وأخفى (شهادة عنده) ثابتة (من الله) وهو ما عرفوه في التوراة من حنيفية إبراهيم وصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (وما الله بغافل) يامعشر الخاسرين(عما تعملون) من الجراءة عليه وكتمان ما تعملون وقرئ بالياء (تلك أمة) الأنباء المذكورون ومن معهم (قد خلت) سلفت (لها ما كسبت) من الخيرات عند الله ( ولكم ما كسبتم) من السيئات (ولا تسئلون عما كانوا يعملون) فكل أحد مؤاخذ بعلمه (سيقول السفهاء) (1) الجهال(من الناس) من المشركين و اليهود والمنافقين (وما ولاهم) ما الذي صرفهم (عن قبلتهم) النبي عليه الصلاة و السلام و المؤمنين (التي كانوا عليها) وهي استقبال بيت المقدس (قل لله المشرق و المغرب) يوجه عباده في التوجه حيث شاء (يهدى من يشاء) هدايته (إلي صراط) سبيل (مستقيم) يرتضيه جل شأنه
    ..........................................
    (1) قوله (سيقول السفهاء الخ) نزلت في اليهود ومشركي مكة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره و اشتاق إلي معشر مولده و مولد آبائه وقد توجه نحو قبلتكم وهو راجع إلي دينكم عاجلا فأنزل الله تعالى قل لله المشرق و المغرب الآية أي المشرق و المغرب لله ملكا وخلقا والخلق عبيده يحولهم كيف يشاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة إلي الكعبة وربما كان يجعل الكعبة بينه وبيت المقدس فلما هاجر إلي المدينة أمر أن يصلى إلي بيت المقدس لئلا يكذبه اليهود لأن نعته في التوراة أن يكون صاحب القبلتين يصلي إلي بيت المقدس نحوا من سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر ثم يأمره الله بالتحول إلي الكعبة ليمتحن أهل الإسلام ا هـ خازن.












    (كذلك) كما هديناكم الصراط المستقيم (جعلناكم) يا أتباع هذا النبي الكريم ( أمة وسطا) خيارا عدولا مزكين(لتكونوا شهداء)لله يوم العرض عليه (على الناس) أمم الأنبياء السابقين حين ينكرون تبليغ الرسل إليهم (ويكون الرسول) محمد سيد المرسلين(عليكم شهيدا) فيزكيكم في شهادتكم (وما جعلنا) صيرنا(القبلة) المشرفة(التي كنت عليها) وذلك أنه كان يصلي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر تألفا لليهود باستقبال الصخرة(إلا لنعلم) لنرى(من يتبع الرسول) بالرجوع إلي القبلة(ممن ينقلب على عقبيه) أي يرتد ويظن أن محمدا في حيرة(وإن كانت) التوالية إلي الكعبة(لكبيرة) عظيمة شديدة مشقة وقرئ لكبيرة بالرفع(إلا على الذين هدى الله) وقواهم على أنفسهم فخالفوها واتبعوا الحق ولما قالت اليهود للمؤمنين من مات منكم قبل التحويل إلي القبلة مات على الضلال في مقام الجدال قال الله (وما كان الله ليضيع) معشر المؤمنين (إيمانكم) (1) أي تصديقكم بالقبلة الأولى ليضيع أجركم (إن الله) العالم بحقائق العباد (بالناس) المؤمنين (لرؤف) شديد الرأفة بهم (رحيم) فلا يضيع أجرهم ولما كان التوجه إلي الكعبة أحب إليه صلى الله عليه وسلم وأقرب لدخول قومه في الإسلام قال لجريل وددت لو أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلي غيرها قال له جبريل إنما أنا عبد مثلك و أنت كريم على ربك فاسأله ثم ارتفع جبريل وجعل يديم النظر إلي السماء النبي الجميل راجيا أن يأتيه بما طلب الأمين جبريل فأنزل الملك الجليل
    ................................................
    (1) قوله (إيمانكم) أي صلاتكم إلي بيت المقدس وذلك أن حي بن أخطب و أصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم إل بيت المقدس أكانت هدى أم ضلالة فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها مات على الضلال فانطلق عشائرهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك وقالوا ان الله حولك إلي قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم الآية ا هـ.










    (قد نرى تقلب وجهك في السماء) أي في النظر إليها (فلنولينك) فلنوجهنك(قبلة ترضاها) تريدها و تهواها (فول) وجه واصرف(وجهك) في الصلاة(شطر) نحو(المسجد الحرام) الذي أحببت التوجه إليه وهو أشرف الأرض بلاكلام (وحيثما كنتم) (1) معشر هذه الأمة (فولوا وجوهكم) في الصلاة (شطره) نحوه(وإن الذين أوتوا الكتاب) اليهود(ليعلمون) علم يقين (أنه) توجهكم إلي الكعبة (الحق) الذي لا شك فيه(من ربهم) لما وجدوه في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتحول إليه (وما الله بغافل) لعباده(عما يعملون) وقرئ بالتاء (ولئن أتيت) (2) أيها النبي الكريم(الذين أتوا الكتاب) اليهود و النصارى(بكل آية) حجة وبرهان على صدق تحولك إلي الكعبة (ما تبعوا قبلتك) لتصميمهم على التكذيب كفرا وعنادا (وما أنت بتابع قبلتهم) فلا يطعموا فيك ولييأسوا (وما بعضهم) بعض الفريقين(بتابع قبلة بعض) لأن اليهود تستقبل الصخرة و النصارى مطلع الشمس فلا يتفقون على جهة واحدة
    ...........................................
    (1) قوله عز وجل (وحيثما كنتم) أي ببر أو بحر أو سهل أو جبل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم شطره فحولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من الظهر فحولت في الصلاة فاستقبل الميزاب فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين فلما حولت إلي الكعبة قالت اليهود يا محمد ما أمرت بهذا أو ما هذا الا شئ ابتدعته من نفسك فتارة تصلى إلي قبلتنا بيت المقدس وتارة إلي الكعبة فلو ثبت إلي قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي كنا ننتظره فأنزل الله وإن الذين أتوا الكتاب الآية.
    (2) قوله (وليئن أتيت الخ) يعني قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائتنا بآية كما أتي بها الأنبياء قبلك فأنزل الله ولئن أتيت الآية ا هـ.










    (ولئن اتبعت أهواءهم) الفاسدة في استقبال قبلتهم(من بعد ما جاءك من) الله من (العلم) بأن القبلة هي الكعبة (إنك إذا لمن الظالمين) وقد عصمك الله من مخالفته واتباع القوم الخاسرين(الذين آتيناهم) أعطيناهم (الكتاب) التوراة(يعرفونه) أي نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته المنعوت فيها(كما يعرفون أبناءهم)بل أشد قال ابن سلام أنا أعلم به منى بابني قالوا ولم قال لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدته خانت(وإن فريقا منهم) من اليهود وهم المنكرون له صلى الله عليه وسلم (ليكتمون الحق) الثابت عندهم (وهم يعلمون) أن هذا النبي الصادق ونبوته حق (الحق من ربك) أي هذا الحق من ربك وقرئ الحق بالنصب على البدلية مما قبله(فلا تكونن) في تحقيق ذلك ( من الممترين) الشاكين(ولكل) من الأمم (وجهة) قبلة (هو موليها) مستقبلها بوجهه وقرئ مولاها (فاستبقوا) بهمة قوية (الخيرات) واعلموها من أمر القبلة وغيرها(أينما تكونوا) أي فيأي موضع تكونوا (يأت بكم الله جميعا) يجمعكم يوم القيامة ويثبت طائعكم ويعاقب عاصيكم ( إن الله على كل شئ قدير) من الإحياء والإماتة وغيرهما الملك الكبير(ومن حيث خرجت) لسفر (فول وجهك) إذا صليت (شطر) نحو (المسجد الحرام) الكعبة (وإنه) أي التوجه إليها (للحق) الثابت (من ربك) سبحانه (وما الله بغافل عما تعملون) بل محفوظ لديه وقرئ بالياء















    (ومن حيث خرجت) أي من أي موضع خرجت(فول وجهك شطر المسجد الحرام) وقد أكدنا عليك ولأتباعك ذلك فلا كلام(وحيثما كنتم) من الجهات (فولوا) وجهوا(وجوهكم) في صلاتكم(شطره) نحوه(لئلا يكون) في التولي إلي غير الكعبة(للناس عليكم حجة) مجادلة فلا تبالوا قول اليهود تجحدون ديننا وتتبعون قبلتنا وقول المشركين تدعى ملة إبراهيم وتخالف قبلته(إلا الذين ظلموا) أنفسهم (منهم) بالعناد حتى أدخلوها في طرق الفساد(فلاتخشوهم) تخافوهم وتبالوا بحاججتهم(واخشوني) خافوني واجتهدوا فيما أمرتكم به(ولأتم نعمتي عليكم) بالتأييد عليهم( ولعلكم تهتدون) إلي سبيل الحق فتنصروا(كما) أنعمت عليكم بالاهتداء إلي القبلة(أرسلنا فيكم) سيد المرسلين جملة (رسولا منكم) محمدا صلى الله عليه وسلم(يتلو عليكم) لهدايتكم(آياتنا) القرآن(ويزكيكم) ويطهركم من الآثام(ويعلمكم الكتاب) ومافيه من الأحكام(و الحكمة) الأسرار الإلهية (ويعلمكم ما لم تكونوا) من قبل (تعلمون) من أنواع القربات إلي و الى الهبات(فاذكروني) (1) بأنواع الأذكار (أذكركم) في حضرتي وأجازكم بما ليس له انحصار وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملء ذكرته في ملء خير منهم (واشكروا لي) على ما أوليتكم ( و لا تكفرون) فتجحدوا نعمتي
    .........................................
    (1) (قوله فاذكروني) أي اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة اذكروني بالندم أذكركم بالكرم اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة اذكروني بالإخلاص أذكركم بالاختصاص اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب اذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان اذكروني ذكرا فانيا أذكركم ذكرا ياقيا اذكروني بصفاء السر أذكركم بخالص البر اذكروني بالصفو أذكركم بالعفو اذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم اذكروني بالمناجاة أذكركم بالنجاة اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بالنعمة ولذكر الله أكبر ا هـ.










    (يا أيها الذين آمنوا) السالكين سبيل الإيمان (استعينوا) على إدراك الدرجات العلى(بالصبر) على المصيبة وعلى الطاعة وعن المعصية وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر على المعصية (1) فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء و الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلي منتهى العرش ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلي منتهى العرش مرتين (و الصلاة) التي هي رأس الدين ( ‘ن الله مع الصابرين) بالنصر و الظفر المبين(و لا تقولوا لمن يقتل) (2) يقتله الكفار (في سبيل الله) وطلب ‘علاء كلمته (أموات) ليسوا كذلك (بل أحياء) قال صلى الله عليه وسلم إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة (ولكن لا تشعرون) بحياتهم وما هم فيه من النعيم (ولنبلونكم) نعاملكم معاملة المختبر(بشئ من الخوف) من أعدائكم (والجوع) بالقحط(ونقص من الأموال) في البر و البحر (والأنفس) قتلا وموتا ( والثمرات) بالحوائج فإذا فعلنا بكم ذلك ننظر أتصبرون أم لا ( وبشر الصابرين) من العباد على ذلك الابتلاء
    ...................................................
    (1) قوله (على المعصية) أي عنها ا هـ تقرير ختم.
    (2) قوله (تعالى و لا تقولوا الخ) نزلت في قتلى بدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلا ، وكان الكفار يقولون للشهداء على طريق الطعن إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون أنفسهم في الحرب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون فنهى المسلمون أن يقولوا مثل هذا القول ا هـ.

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty رد: سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin السبت مايو 05, 2012 1:47 am

    (الذين إذا أصابتهم مصيبة) من المصائب المذكورة (قالوا) مسلمين لله (إنا لله) وما أصابنا منه رضينا (وإنا إليه راجعون) ومرتجون للثواب على ذلك منه(أولئك) القائلون (عليهم صلوات) تطهرهم (من ربهم ورحمة) تغمرهم(وأولئك هم المهتدون) إلي سبيل الحق وعند الله مقبلون (إن الصفا) هو جبل بمكة(والمروة) جبل بها أيضا(من شعائر الله) متعبداته (فمن حج البيت) الحرام (أو اعتمر) قصد للزيارة(فلا جناح عليه) لا إثم عليه(أن يطوف بهما) أي بينهما و السعي ركن في الحج لقوله عليه الصلاة و السلام اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ولما حج صلى الله عليه وسلم وقف على الصفا وبدأ بها وقال نبدأ بما بدأ الله به ( ومن تطوع خيرا) فعل طاعة وغير واجبة عليه من أنواع العبادات وقرئ يطوع وقرئ بخير( فإن الله شاكر) لعمله بجزائه بالثواب عليه(عليم) به (إن الذين يكتمون) وهم علماء اليهود (ما أنزلنا) لهداية الناس(من البينات) أي الآيات الواضحات من الحدود و الرجم المذكورة في التوراة(والهدى) من نعت النبي صلى الله عليه وسلم فيها(من بعد ما بيناه) على أكمل الوجوه (للناس في الكتاب) أي في التوراة (أولئك) الفاعلون ذلك (يلعنهم الله) يطردهم من رحمته (ويلعنهم الاعنون) من الملائكة و النبيين(إلا الذين تابوا) عن الكتم (وأصلحوا) المعاملة مع الله (وبينوا) ما في كتبهم من الأحكام (فأولئك أتوب عليهم) أمن عليهم بالتوبة وأقبلها منهم (وأنا التواب) لمن تاب (الرحيم) بمن أناب
























    (إن الذين كفروا) وأشركوا مع الله إلها آخر (وماتوا وهم كفار) ولم يرجعوا (أولئك عليهم) لكفرهم (لعنة الله) البعد عن رحمته (والملائكة) تلعنهم(والناس أجمعين) وقرئ و الملائكة و الناس أجمعون (خالدين) الكفار (فيها) في اللعنة التي هي غضب الحق وموضع نقمته النار(لا يخفف عنهم) عن الكفار (العذاب) في النار(ولا هم ينظرون) يمهلون ليعتذروا(وإلهكم) معشر العباد كفارا و مسلمين (إله و احد) لا شريك له في الإلوهية (لا إله إلا هو) لا معبود بحق سواه(الرحمن الرحيم) ومن رحمته أن أبقى الكفار مع كفرهم في الدنيا(إن في خلق السموات) المتقن بنيانها(و الأرض) العجيب دحيها (واختلاف الليل و النهار) تعاقبهما (و الفلك) السفن (التي تجري في البحر) بإذن الله (بما ينفع الناس) من حملها لهم من بلد آخر وحمل تجارتهم ( وما أنزل الله) لمنفعة عباده (من السماء من ماء) مطر (فأحيا به الأرض) بأنواع النبات (بعد موتها) ويبسها (وبث) نشر (فيها) الضمير للأرض (من كل دابة) لنموهم عن الخصب الذي بها (وتصريف) تقليب (الرياح) جنوبا وشمالا وباردة وحارة وقرئ الريح بالإفراد (و السحاب المسخر) بتيسير الله


























    ( بين السماء و الأرض) بلا ماسك له (لآيات) تدل على أن الله هو الواحد (لقوم يعقلون) عن الله ما أودع من الآيات في مكنوناته وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها أي لم يتأمل فيها ونزلت الآية هذه لما قال الكفار حين قال النبي صلى الله عليه وسلم إن إلهكم لواحد إن كنت صادقا فأتنا بآية تدل على صدقك (ومن الناس) بني آدم (من يتخذ) لفساد عقله وخبث نيته(من دون الله) غيره (أندادا) أوثانا وأصناما بعضها أنداد بعض (يحبونهم) عبادهم (كحب الله) أي كحب المؤمنين لله ربهم(و الذين آمنوا) بالله (أشد حبا لله) فلا يعرضون عنه لا في الشدة ولا في الرخاء كما يعرض الكفار عن أندادهم في الشدة ( ولو ترى) أيها النبي الكريم وقرئ بالياء (الذين ظلموا) كفروا بالله (إذ يرون) وقرئ بالبناء للمفعول ( العذاب) يوم الحساب لرأيت شيئا مهولا (أن القوة) التي لا ترد (لله جميعا) جل شأنه ( وأن الله شديد العذاب) على من كفر به وقرئ بكسر همزة إن في الموضعين (‘ذ تبرأ الذين اتبعوا) أي المتبعون (من الذين اتبعوا) من الأتباع وقرئ بالعكس على أن المتبرئين هم الأتباع(و) قد (رأوا العذاب) وشاهدوا غضب رب الأرباب (وتقطعت) وقرئ بالبناء للمفعول لمشاهدة ذلك و هوله ( بهم) عنهم وبينهم (الأسباب) فلم تبق مواصلة و لا مودة بل العداوة و الشدة (وقال الذين اتبعوا) أي الأتباع

























    (لو أن لنا كرة ) رجعة إلي دنيانا(فنتبرأ منهم) من المتبوعين(كما تبرءوا منا) الآن (كذلك) كتبرؤ بعضهم من بعض (يريهم الله) الذي خالفوا أمره (أعمالهم) التي اقترفوها (حسرات) ندامات كائنة(عليهم وما هم) الكل (بخارجين من النار) بعد دخولهم فيها بل خلود واستقرار (يا أيها الناس كلوا) ياعباد الله (مما في الأرض) أوجده الله لكم (حلالا) مباحا(طيبا) مباركاو الآية نزلت فيمن حرموا أكل السوائب و الوصائل و البحائر (و لاتتبعوا خطوات) وقرئ بسكون الطاء وقرئ بفتحتين سبل (الشيطان) وما يحسنه لكم(إنه) الضمير للشيطان(لكم) معشر الناس (عدو مبين) فلا تتبعوه وأنزلوه في منزل العداوة كما قال تعالى ((إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)) (إنما يأمركم) لعداوته لكم(بالسوء) بمخالفة الحق (و الفحشاء) العمل القبيح (وأن تقولوا على الله) تفتروا عليه اجتراء (ما لا تعملون) فتحرموا ما أحل ونحو ذلك (وإذا قيل) قال المؤمنون (لهم) للمجرمين ما أحل الله (اتبعوا) وامتثلوا ( ما أنزل الله) من التحليل و التحريم (قالوا) لسبق شقاوتهم (بل نتبع) ونمتثل (ما ألفينا) وجدنا (عليه ءآباءنا) من تحريم الحلال وسلوك مجاري الضلال قال الله ردا عليهم (أولوا كان آباؤهم) الذين سلكوا سبيل الضلال وتركوا طريق الحق (لا يعقلون شيئا) مما ينفعهم و لايضرهم (و لا يهتدون) إلي ما فيه نجاتهم ثم ضرب الله مثلا للكفار في عدم استماعهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ودعايته الصريحة (و مثل الذين كفروا) أي نعتهم وحالهم مع من يدعوهم إلي الله (كمثل) الراعي (الذي ينعق) يصيح بالغنم وهي لا تعقل وذلك قوله























    (بما لا يسمع دعاء و نداء) أي فلا يسمعون وعظه وحسن دعايته بتدبير حتى يعقلوا من ذلك شيئا بل هم كالبهائم التي تسمع صوت راعيها و لاتعقل شيئا من ذلك (صم) عن سماع ما ينفعهم لدى الله (بكم) عن النطق بما يخلصهم عند الله (عمي) عن النظر فيما يدلهم على الله (فهم لا يعقلون) شيئا من ذلك لعدم عملهم به (يا أيها الذين آمنوا) بالله و رسوله (كلوا) مستعينين بأكلكم على طاعة الله (من طيبات ما رزقناكم) أي من الحلال الذي مننا عليكم به وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم ‘ن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا و أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى ((يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وعملوا صالحا)) وقال تعالى ((يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)) (واشكروا لله) على ما أولاكم من جميل نعمه وأحله لكم بجوده وكرمه (إن كنتم إياه تعبدون) وفي التوجه إليه مخلصون وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى إني و الجن والإنس في نبأ عظيم أخلق و يعبد غيري وأرزق ويشكر غيري (إنما حرم) ربكم (عليكم) معشر المؤمنين ( الميتة) وهو ما فارقته الروح بغير ذكاة مما يذبح (و الدم) المسفوح كما قال تعالى أو دما مسفوحا إلا ما جاء تخصيصه عنه صلى الله عليه وسلم في قوله أحل لنا ميتتان ودمان فالميتتان السمك و الجراد وأما الدمان فالكبد و الطحال (ولحم الخنزير) بجميع أجزائه معه في التحريم (وما أهل به) من المذبوح (لغير الله) ولم يذكر اسم الله عليه كما قال تعالى ((ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)) (فمن اضطر) احتاج حاجة فاقة فله أكله (غير باغ) أي مالم يكن خارجا عن المسلمين مخالفا لهم (و لاعاد) بأن تعدى عليهم بقطعه الطريق ونحوه من خروج لمكس وخروج آبق (فلا إثم عليه) لإذا أكل






















    (إن الله غفور) لمن فعل ذلك لعذره المذكور (رحيم) به حيث وسع له في ذلك(إن الذين يكتمون) ويخفون ويحرفون(ما أنزل الله من الكتاب) وهو ما في التوراة من نعته صلى الله عليه و سلم (ويشترون به) بأن يستبدلوا(ثمنا قليلا) من حقير الدنيا وخسيسها (أولئك) الفاعلون ذلك (ما يأكلون في بطونهم) الخبيثة (إلا النار) لأن عاقبتهم إليها (ولا يكلمهم الله) بل يحرمون لذة مناجاته ويبوءون بغضبه وكبير نقماته (ويوم القيامة) يوم العرض على جنابه العزيز (و لايزكيهم) يطهرهم من دون معاصيهم (ولهم) بما قدموا (عذاب أليم) شديد لا ينفك(أولئك الذين اشتروا) بفساد عقولهم (الضلالة) طريق الخسران (بالهدى) سبيل النجاة لدى الله(و العذاب) استبدلوه (بالمغفرة) لدى الله (فما أصبرهم) ما أشد صبرهم (على النار) التي هي دار غضب الجبار (ذلك) المذكور (بأن الله نزل الكتاب) القرآن (بالحق) الذي لا شك فيه (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) وقالوا شعر و قالوا كهانة (لفي شقاق) خلاف عن الحق (بعيد) وبئس هم (ليس البر) الذي يقربكم إلي الله وقرئ البر بالرفع(أن تولوا) في صلاتكم (وجوهكم قبل المشرق) أي جهة المشرق



























    (والمغرب) ونزلت الآية في اليهود و النصارى حين زعموا أن ذلك عند الله هو البر(ولكن البر) عمل البر النافع لدى الله وقرئ البار وقرئ بالتخفيف ورفع البر (من آمن بالله) ولم يشرك في عبادته أحدا(و اليوم الآخر) آمن بيوم الحساب ووقوعه وما فيه من الجزاء(والملائكة) أنهم عباد الله معصومون خزنة أسراره(والكتاب) أي و الكتب أنها كلام الله المودع فيه أحكامه(والنبيين) أنهم صادقون فيما جاءوا به عن الله(وآتى المال) أي وأعطاه(على حبه) أي مع محبته له في حال صحته وفي البخاري و مسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا و لفلان كذا ألا وقد كان لفلان أو على حب الله بأن آثر الآخرة على الدنيا وأنفق ماله رغبة فيها بل أعطى المال لله فإن من أنفق ماله في محبة الله لا لطلب الآخرة بل لطلب وجهه الكريم هو العبد الحقيقي (ذو القربى) أي أعطاه أهل القرابة الحسية أو أهل القرابة المعنوية وهم أهل الله(واليتامى) الذين مات آباؤهم (و المساكين) الضعفاء أو من سكن قلبهم إلي الله (وابن السبيل) المسافر أو من توجه إلي الله بالصدق وترك علائق الكون (والسائلين) الطالبين فإن الطالب له حق وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس (وفي الرقاب) أي وأعطى المال لفك الرقاب كالمكاتب و الأسير (وأقام الصلاة) بأركانها مع الحضور (وآتى الزكاة) المفروضة عليه عن طيب نفس (والموفون بعهدهم) لله (إذا عاهدوا) فلا ينقضونه مع الناس أو مع ربهم (و الصابرين) بلا كثرة قلق (في البأساء) شدة الفقر إذا حلت بهم ( والضراء) حال المرض





















    (وحين البأس) حين يحمى القتال (أولئك) المنعتون (الذين صدقوا) في معاملتهم مع مولاهم (وأولئك هم المتقون) المختشون الله المتحققون بخوفه وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان (ياأيها الذين آمنوا) بالله و رسوله ( كتب) فرض (عليكم القصاص) باعتبار المماثلة وقرئ كتب بالبناء للفاعل و القصاص بالنصب (في القتلى) فالحكم أن القتل (الحر) المسلم (بالحر) المسلم وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر (والعبد) يقتل (بالعبد) وفي مسند أحمد عنه صلى الله عليه و سلم لا يقتل حر بعبد (والأنثى) تقتل (بالأنثى) ويقتل الذكر بها كما وضحت السنة (فمن عفى له) أي عفا القاتلون له ( من أخيه) أي من دم المقتول (شئ) بأن عفا بعض الأولياء فيسقط القود حينئذ (فاتباع) على العافي للقاتل (بالمعروف) فيطالبه بالدية بلا تشديد عليه (وأداء) على القاتل (إليه) إلي الوارث العافي للدية (بإحسان) بلا تسويف ومطل (ذلك) الحكم المذكور من الله (تخفيف) وتهوين (من ربكم) عليكم (ورحمة) بكم فإنه وسع عليكم يا أمة محمد ما حجره على غيركم فإنه قد أوجب جل شأنه على النصارى الدية وعلى اليهود القصاص (فمن اعتدى) فقتل القاتل المعفو عنه (بعد ذلك) العفو الواقع (فله عذاب أليم) في الدار الآخرة ويقتل في الدنيا أيضا لما ورد أنه صلى الله9 عليه وسلم قال لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية (ولكم) معشر عباد الله المؤمنين (في القصاص) وقتل القاتل بالمقتول (حياة) لأنه إذا علم أنه يقتل ترك القتل أو من رأى القصاص لا يتجرأ على القتل فاعلموا ما أراد بذلك الله (يا أولي الألباب) العقلاء أهل الفطانة و العقول السليمة (لعلكم تتقون) تجتنبون القتل






















    (كتب عليكم) فرض عليكم (إذا حضر أحدكم الموت) بأن بانت أسبابه وظهرت علاماته عليه (إن ترك خيرا) مالا (الوصية) يوصى بها (للوالدين و الأقربين) وكان هذا في بدء الإسلام ونسخ بآية المواريث وقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث (بالمعروف) و العدل فلا يعطي الغني أكثر من الفقير و لا يتجاوز الثلث (حقا) ذلك (على المتقين) المختشين الله سبحانه (فمن بدله) أي غير الإيصاء من وصى و شاهد (بعد ما سمعه) بنفسه أو وصل إليه بتحقيق (فإنما إثمه) إثم تغييره (على الذين يبدلونه) لا على الميت (إن الله سميع) لما يقوله الموصون (عليم) بما يفعل كل وصى فيجازيهم عليه (فمن خاف) توقع و علم (من موص) وقرئ مثقلا (جنفا) ميلا إلي الخطأ في أمر الوصية (أو إثما) كأن يتعمد الزيادة على الثلث أو تفضيل الغنى ( فأصلح بينهم) أي بين الموصى لهم على الطريق الشرعي (فلا إثم عليه) فيما فعل ( إن الله غفور) للمسيئين (رحيم) بالمحسنين (يا أيها الذين آمنوا كتب) فرض (عليكم الصيام) صيام رمضان (كما كتب) مطلق صوم أيام (على الذين من قبلكم) من الأنبياء وأممهم (لعلكم تتقون) ما يبعد عن الله فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي أول داع إلي المعاصي وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالباءة فمن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجاء

























    (أياما معدودات) موقتات هي مدة شهر رمضان القائل فيها صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (فمن كان منكم) معشر عباد الله المؤمنين (مريضا) فيها (أو على سفر) كذلك مسافرا سفر قصر (فعدة) إذا أفطر تلزمه (من أيام أخر) على عدد ما أفطر (وعلى الذين يطيقونه) أي الصوم (فدية) أي يفتدى عنها وذلك (طعام مسكين) من غالب قوت البلد ونسخت بقوله تعالى ((فمن شهد منكم الشهر فليصمه)) وقدرها مد عن كل يوم (فمن تطوع خيرا) زاد للمساكين في الفدية (فهو) التطوع (خير له) عند الله وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله (وأن تصوموا) معشر المؤمنين (خير لكم) في آخرتكم (‘ن كنتم تعلمون) ما في الصوم من الثواب (شهر رمضان) هو الواجب صومه على هذه الأمة (الذي أنزل فيه) من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلي بيت العزة في سماء الدنيا (القرآن) ثم أنزل نجوما إلي النبي صلى الله عليه و سلم في مدة البعثة (هدى) من الضلال (للناس) أجمعين (وبينات) آيات و اضحات الدلالة (من الهدى) المهتدى به إلي الصواب مما أحله الله وحرمه (و الفرقان) المفرق بين الحق و الباطل (فمن شهد) حضر (منكم) عباد الله المؤمنين (الشهر) المذكور (فليصمه) و لايفرط في يوم منه بغير عذر (ومن كان مربضا) مرضا مبيحا له الإفطار (أو على سفر) مسافرا مدة قصر (فعدة) يلزمه صيامها محل تلك الأيام (من أيام أخر) من باقي السنة (يريد الله بكم) حيث أباح لكم الفطر مع المرض و السفر (اليسر) وعدم المشقة (و لا يريد بكم العسر) المشقة بالتكاليف
























    (ولتكملوا) وقرئ بالتشديد (العدة) عدة أيام صومكم (و لتكبروا الله) يوم الفطر (على ما هداكم) على هدايته لكم للصوم (و لعلكم تشكرون) الله على ما وفقكم له من صومكم الموجب لكم أكبر الجزاء لديه وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجازي به والصيام جنة ولإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لايصخب وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عد الله من ريح المسك و للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه وكيف لا يشكر شئ أوجب المعاملة مع الحق حتى تولى جزاءه بنفسه ولعل المقصود بجزائه تجلية بنفسه للصائم ولما سأل جماعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه نزل (وإذا سألك عبادي) طالبين مني مقاصدهم (عني) إذا دعوني أقريب أم بعيد قل لهم قال لكم ربكم(فإني قريب) أقرب إليهم من حبل الوريد (أجيب دعوة الداع) لجنابي(إذا دعان) وطلب مني (فليستجيبوا لي) ما دعوتهم إليه من اللإيمان و الطاعة وليطيبوا مطعمهم ومشربهم فإن إجابة دعائم لي مقرونة بذلك وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص يا سعد إن الله لا يستجيب دعاء عبد لم يطب مطعمه ذكر الحديث بطوله الجد سيدي عبدالله المرغني في حاشيته على كتابه المعجم و عند مسلم في آخر حديث له مرفوعا ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه لإلي السماء يا رب يارب و مطعمه حرام و ملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك (وليؤمنوا بي) يدوموا على الإيمان بي و العمل بما يزيدهم إيمانا (لعلهم يرشدون) وإلي سبيل الخير يهتدون وقرئ بكسر الشين و فتحها (أحل لكم) أيها الصائمون (ليلة الصيام) أي الليلة التي تصبحون صائمين نهارها (الرفث إلي نسائكم) الإفضاء إليهن بالجماع (هن) أي نساؤكم (لباس لكم) فراش



















    (وأنتم لباس لهن)أي لحاف وهو كناية عن التعانق (علم الله) منكم (أنكم) لغلبة نفوسكم (كنتم تختانون) تخونون وتظلمون (أنفسكم) وذلك حين حجر عليكم فعل ذلك من أول الليل (فتاب عليكم) ما فعلتموه (وعفا عنكم) فيما أسأتموه(فالآن) وسع لكم في ذلك فقال لكم (باشروهن) أي جامعوهن(وابتغوا) اطلبوا(ما كتب الله لكم) الترخيص فيه من الجماع و طلب الولد (وكلوا) من طيبات ما أحل الله لكم (واشربوا) كذلك طول الليل (حتى يتبين) و يظهر (لكم الخيط الأبيض) وهو مبادي الفجر (من الخيط الأسود) وهو الليل (من الفجر) المعبر عنه بالخيط الأبيض فقد وسعنا لكم وأبحنا لكم ما كنا حجرناه عليكم من أول الليل إلي الفجر (ثم أتموا) من وقتكم ذلك (الصيام) عن كل مفطر (إلي الليل) وفي البخاري و مسلم عنه صلى الله عليه و سلم قال إذا أقبل الليل من ههنا و أدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم (و لا تباشروهن) الضمير للنساء (وأنتم) أيها المؤمنون (عاكفون) مقيمون (في المساجد) بنية الاعتكاف فإنه يفسد (تلك) أحكام الله التي ذكرها (حدود الله) حدها لعباده (فلا تقربوها) فإنه من قرب من الشئ يخشى أن يدخل فيه و في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أن لكل ملك حمى و حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه (كذلك) مثل ما بين الله لكم هذه الأحكام (يبين الله آياته) التي يفرق بها بين الحق و الباطل (للناس) الطالبين النجاة منه
























    (لعلهم يتقون) يجتنبون ما يوجب غضبه وعقابه (ولا تأكلوا) إن أردتم النجاة عند الله (أموالكم بينكم) بأن يأكل بعضكم مال بعض (بالباطل) بغير وجه حلال من سرقة و غصب ونهب وغير ذلك (و تدلوا بها) تعرضوا بها (إلي الحكام) كالرشوة (لتأكلوا) بتحاكمكم (فريقا) طائفة (من أموال الناس) تعديا على الله (بالإثم) أي بما يحصل لكم الإثم (وأنتم تعلمون) أنكم غير محقين فيصيبكم مقت الله وغضبه (يسألونك) بعض من الصحابة (عن الأهلة) ما بالها تبدو دقيقة كالخيط ثم تزيد حتىتستوى ثم لا تزال تنقص حتى ترجع كما بدأت (قل) لهم أيها النبي الكريم (هي) الأهلة (مواقيت للناس) معالم للناس يعلمون بها أوقات أمورهم و معالم لعبادتهم كأوقات صيامهم وإفطارهم (و الحج) كذلك يعلم وقته بها قلو بقيت على حالة واحدة لم يعرف ذلك(وليس البر) الذي تتقربون به إلي الله (بأن تأتوا البيوت) حين تقدموا محرمين وقرئ بكسر الباء (من ظهورها) لأنهم كانوا ينقبون نقبا في ظهر البيت فيخرجون به ويظنون أن ذلك البر (ولكن البر) المقرب إلي الله (من اتقى) الله واخشى حتى لم ير سواه (وأتوا البيوت) حالة إحرامكم (من أبوابها) كما كنتم تأتونها في غير وقت الأحرام(واتقوا الله) واخشوه وامتثلوا ما أمركم به (لعلكم) بما يقرب لديه(تفلحون) تظفرون (وقاتلوا) لله ونزلت هذه الآيةر حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت ووقع الصلح بينه وبين الكفار على أنه يرجع للحرم العام المقبل ويخلون له مكة ثلاثة أيام وذلك عام الحديبية وتجهز بعمرة القضاء وخافوا أن لا تفى قريش ويقاتلوهم في الحرم للمنع من دخوله وكره المسلون قتالهم في الشهر الحرام والحرم مع الإحرام (في سبيل الله) طلبا لإعلاء كلمته






















    (الذين يقاتلونكم) من الكفار أعداء الله(و لاتعتدوا) بابتداء القتال عليهم(إن الله لا يحب المعتدين) المتجاوزين الحد وهو منسوخ بقوله(واقتلواهم)الكفار(حيث ثقفتموهم) وجدتموهم(وأخرجوهم) أعداء الله(من حيث أخرجوكم) أي من مكة(و الفتنة) أي شركهم بالله (أشد) وأكبر لهم(من القتل) في حرمة مع الإحرام(ولا تقاتلوهم)ابتداء(عند المسجد الحرام) في الحرم(حتى يقلتلوكم) يفاتحوكم(فيه) الضمير للمسجد الحرام(فإن قاتلوكم) في الحرم(فاقتلوهم) ولا تبالوا بهم فإنهم بدءوا بهتك الحرمة(كذلك) قتلهم وإخراجهم (جزاء الكافرين) على كفرهم وتعديهم سابقا (فإن انتهوا) عن قتالكم وكفرهم وآمنوا(فإن الله غفور) لمن انتهى عن معاصيه(رحيم) لمن آمن به (وقاتلوهم) بعزم وجد في الله (حتى لا تكون) منهم (فتنة) شرك في دين الله (ويكون الدين) و العبادة (لله) خالصة ليس للأصنام فيها نصيب (فإن انتهوا) عن كفرهم (فلا عدوان) بالقتل و النهب (إلا على الظالمين) الذين لم ينتهوا عن الكفر(الشهر الحرام) الذي حرم الله فيه القتال (بالشهر الحرام) أي كما قاتلوكم في شهر حرام فقاتلوهم في مثله (و الحرمات قصاص) إذا انتهكت حرمة يقتص بمثلها (فمن اعتدى) تعدى بقتال في شهر حرام أو حرم أو إحرام


























    (عليكم) معشر المؤمنين(فاعتدوا) تعدوا وتسلطوا(عليه)على المعتدي(بمثل ما اعتدى عليكم) فيما هو مرخص لكم(واتقوا الله) في الانتصار و لاتتعدوا إلي ما لم يبح لكم (واعلموا أن الله) جل شأنهلا (مع المتقين) فينصرهم على من عاداهم بعون الملك المبين (وأنفقوا) من أموالكم الطيبة (في سبيل الله) من الجهاد وغيره (و لاتلقوا بأيديكم) أي بأنفسكم (إلي التهلكة) إما بتضييع وجه معايشكم أو بكف عن جهاد (وأحسنوا) في إنفاق أموالكم (إن الله يحب المحسنين) للإصلاح علائقهم الدينية و الدنيوية (وأتموا الحج) وقرئ وأقيموا الحج (و العمرة لله) طالبين بهما وجهه الكريم موفين حقوقهما (فإن أحصرتم) عن إتمامهما ومنعتم بعد الدخول فيهما (فما استيسر) أي فما تيسر عليكم (من الهدي) و هو إما بدنة أو بقرة أو شاة (و لا تحلقوا) وأنتم محرمون (رءوسكم) و لاتحللوها (حتى يبلغ الهدي) الذي لزمكم (محله) الذي يحل فيه ذبحه وهو محل إحصاره لذبحه صلى الله عليه و سلم عام الحديبية بها مع أنها من الحل (فمن كان) في حين إحرامه (منكم مريضا) مرضا يحوجه إلي حلق رأسه (أو به أذى) كقمل وجرح و صداع (من رأسه) فإن حلقه وهو محرم (ففدية) تلزمه (من صيام) وقدرها ثلاثة أيام ( غاو صدقة) يطعمها مساكين (أو نسك) يذبح و يقسم للفقراء وفي الخبر قال صلى الله عليه و سلم لكعب بن عجرة لعلك آذاك هوامك فقال نعم له احلق وصم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق على ستة مساكين أو انسك شاة و الفرق اثنا عشر مدا (فإذا أمنتم) من عدوكم
























    (فمن تمتع) أي استمتع منكم (بالعمرة) بسبب خلاصة منها بممنوعات إحرامه (إلي الحج) إلي الاحرام به وذلك بأن يكون أحرم بالعمرة في أشهر الحج (فما استيسر) أي فعليه ما تيسر (من الهدي) وهو شاة و ذبحها بعد ال‘حرام به (فمن لم يجد) ثمن هدي(فصيام ثلاثة أيام) يلزمه (في الحج) أي في زمن إحرامه به (وسبعة إذا رجعتم) إلي أهلكم فصوموهن وقرئ سبعة بالنصب (تلك) الأيام المصومة(عشرة)ثلاثة قبل الوقوف وسبعة بعد الرجوع إلي الوطن(كاملة لا ينقص منها يوم واحد(ذلك) الحكم المتقدم من الصيام وجوب الهدى على من تمتع (لمن لم يكن) من الحجاج (أهله حاضري المسجد الحرام) بأن يكون على مسافة القصر (واتقوا الله) في ملازمة ما يأمركم به واجتناب ما ينهاكم عنه (واعلموا أن الله) عند تعدي حدوده (شديد العقاب) وبطشه شديد (الحج) زمنه (أشهر معلومات) وهي شوال و ذو القعدة وعشر ذي الحجة الأول (فمن فرض) أوجب على نفسه (فيهن) الضمير للأشهر (الحج) بأن أحرم (فلا رفث) بعد ذلك (و لا فسوق) أيضا (و لا جدال في الحج) وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الرفث الإعراب و التعريض للنساء بتالجماع و الفسوق المعاصي كلها و الجدال جدال الرجل صاحبه (وما تفعلوا من خير) كم صلاة أو صوم أو حج أو غير ذلك (يعلمه الله) فيجازيكم به (وتزودوا) لآخرتكم (فإن خير الزاد) للمعاد (التقوى) تقوى الله جل شأنه وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم خير الزاد التقوى وخير ما ألقى في القلب اليقين رواه أبو الشيخ في العظمة (واتقون) بامتثال أوامري و اجتناب نواهي























    (يا أولي الألباب) يا أهل العقول السليمة و الأفهام المستقيمة (ليس عليكم جناح) إثم (أن تبتغوا) تطلبوا (فضلا من ربكم) إذا ذهبتم إلي الحج بتجارة فإنهم كانوا يرون أن التجارة مع الحج تضيع أجر الحج(فإذا أفضتم) وتوجهتم (من عرفات) التي الوقوف بها معظم أركان الحج (فاذكروا الله) وينبغي أن يكون الذكر بالأذكار الوارة في السنة (عند المشعر الحرام) بموضع جمع وقد بات به النبي صلى الله عليه وسلم ووقف من طلوع الفجر إلي أن أسفر الصبح يدعو الله (واذكروه) ذكرا كثيرا(كما هداكم) لإقامة مناسكه و الطلب لمرضاته (وإن كنتم من قبله) أي من قبل هدايته (لمن الضالين) عن شرائع دينكم(ثم أفيضوا) من عرفة (من حيث أفاض الناس) وسبب نزول الآية أن قريشا كانوتا يقفون بمزدلفة وباقي الناس يقفون بعرفة وفعل قريش ذلك ترفعا على الناس فأمروا بأن يساووهم وقرئ الناس بكسر السين (واستغفروا الله) من ارتكابكم ما لا يليق وتغييركم لأحكامه (إن الله غفور) لمن تاب (رحيم) بمن أناب (فإذا قضيتم) أيها المؤمنون(مناسككم) فرغتم من عباداتكم الحجية (فاذكروا الله) وأكثروا من ذكره والثناء عليه(كذكركم آباءكم) وكان العرب إذا قضوا مناسكهم يقفون بمنى ويذكرون مفاخر آبائهم فأمرهم الله بذكره(أو أشد ذكرا)من ذكركم لآبائكم فإنه الإله المستحق أن يذكر(فمن الناس) بني آدم(من يقول) و يطلب بعبادته ويسأل (ربنا آتنا في الدنيا) أموالا وانتظام دنيا(وما له في الآخرة) لقصده بأعماله الدنيا
























    (من خلاق) من نصيب (و منهم من يقول) يطلب بعبادته ويسأل (ربنا آتنا في الدنيا حسنة) من صحة وزوجة صالحة وقوة على عبادة (وفي الآخرة حسنة) جنة النعيم و النظر إلي وجه الله الكريم (وقنا عذاب النار) التي هي دار غضب الجبار (أولئك) المؤمنون الطالبون بأعمالهم وأقوالهم وسؤالهم صلاح دينهم ودنياهم (لهم نصيب) حظ وافر (مما كسبوا) جزاء لما عملوا (والله سريع الحساب) فيقضي حسابهم في اليوم الآخر في مقدار نصف يوم (واذكروا الله) المستحق أن يكثر من ذكره على حال وخصوصا بالذكر المشروع (في أيام معدودات) وهو التكبير دبر الصلوات في أيام التشريق و عند ذبح القرابين و رمي الجمار (فمن تعجل) في نفرة من منى (في يومين) في ثاني أيام التشريق بعد أن يرمي الجمار (فلا إثم عليه) في تعجيله (ومن تأخر) بات الليلة الثالثة ورمى الجمار (فلا إثم عليه) أيضا وهذا (لمن اتقى) الله وسلك السبيل الأعلى وفي الصحيحين وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحج عرفة من جاء قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد أدرك الحج وأيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا لإثم عليه (واتقوا الله) واسعوا في مراضيه (واعلموا أنكم إليه تحشرون) فيجازيكم على ما كنتم تعلمون (ومن الناس) نزلت هذه الآية في الأخنس بن شريق الثقفي كان حلو الكلام للنبي صلى الله عليه وسلم وهو منطو على النفاق و يقول و الله إني بك مؤمن ولك محب ولذا قال الله تعالى (من يعجبك قوله) المرونق















    (في الحياة الدنيا) وهو منطو على خلاف ما ينجيه في الآخرة(ويشهد) يستشهد(الله على مافي قلبه) أنه موافق لما نطق به (و هو) أي و الحال أنه (ألد الخصام) أي شديد خصومته (وإذا تولى) أدبرلا عنك(سعى) سار(في الأرض) قاصدا(ليفسد فيها) الضمير للأرض(ويهلك الحرث) ويتلف الزرع(و النسل) ويهلك الأنعام وقد فعل هذا الخبيث حين رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتلف زراعة المسلمين وعقر حمارا وهكذا فعل المنطوي على النفاق لا يبالي بما لله و لابحقوق المسلمين (والله لا يحب) لا يرضى (الفساد) فاجتنبوه (وإذا قيل له) لمن هذه صفته (اتق الله) اخشه وخف من تعديك لحرمة (أخذته العزة) الحمية و الأنفة (بالأثم) على ما هو مرتكبه من الإثم (فحسبه) كفايته (جهنم) دار غضب الجبار(ولبئس المهاد) ولبئس الفراش له هي و القرار (ومن الناس) وهو صهيب نزلت فيه حين آذاه المشركون بمكة فترك ماله لهم وهاجر إلي النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ولذا قال الله تعالى (من يشري نفسه) أي يبذلها في طاعة مولاه (ابتغاء) و طلب (مرضاة الله) فيكون رضا الحق أكبر مناه (والله) الهادي إلي أقوم الرشد (رءوف بالعباد) مثل هذا المهدى إلي سبيل الرشاد (يا أيها الذين أمنوا) بالله ورسوله (ادخلوا في السلم) وقرئ بفتح هذا المهدى إلي سبيل الرشاد (يا أيها الذين أمنوا) بالله ورسوله (ادخلوا في السلم) وقرئ بفتح السين أي الإسلام (كافة) في جملة أحكامه وشرائعه (و لا تتبعوا خطوات) سبل
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty رد: سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin السبت مايو 05, 2012 1:52 am

    فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (57)وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ
    (فتوبوا) مما جنيتموه ( إلي بارئكم ) خالقكم (فاقتلوا أنفسكم ) أي فاقتلوها بمجاهدتها وخالفوها بترك الشهوات فإن من ماتت نفسه أدرك أشرف الحالات وإلي هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله موتوا قبل أن تموتوا ( ذلكم ) القتل ( خير لكم عند بارئكم ) و أرفع لدرجاتكم لديه ( فتاب عليكم ) حين تبتم ( إنه هو التواب ) على من تاب (الرحيم ) بمن أقبل عليه و أحسن ماللمآب ( ولإذ قلتم ) لموسى لما خرجتم تعتذرون إلي الله من عبادة العجل ( يا موسى لن نؤمن لك ) ونقر (حتى نرى ) بأبصارنا (الله جهرة ) بلا حجاب بل عيانا (فأخذتكم الصاعقة ) صيحة البطش الإلهي حتى خررتم ميتين مستوليا عليكم الإغماء و الدهش يوما وليلة ( وأنتم تنظرون ) ما نزل بكم (ثم بعثناكم ) أحييناكم و أخرجناكم ( من بعد موتكم ) الذي متموه ودهشكم الذي بالصاعقة حللتموه (لعلكم تشكرون ) آلاء الله التي كفرتموها حين رأيتم كبير نعمته (وظللنا عليكم الغمام) بأن سخرناه لكم في التيه فصار من فوقكم يقيكم من حر الشمس (وأنزلنا عليكم ) في التيه (المن ) الترنجبين وهو شيء حلو ( و السلوى ) السماني وهو طير فتأكلون لحمه من غير تعب (كلوا من طيبات ما رزقناكم ) واشكروا من أولاكم ( وما ظلمونا ) بكفرانهم هذه النعم ( ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ) بإدخالهم لها العذاب لكفرهم بما أنعمنا عليهم ( وإذ قلنا لهم بعد خروجهم من التيه ( ادخلوا هذه القرية ) بيت المقدس أو أريحا ( فكلوا منها ) الضمير للقرسية أي مما فيها من النعم ( حيث شئتم رغدا ) واسعا ( وادخلوا الباب ) باب القرية
    سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (58) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (59) وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60) وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا
    (سجدا) لله شكرا على إنجائكم من التيه ( وقولوا ) مسألتنا (حطة) نسألك أن تحط عنا خطايانا وقرئ بالنصب (نغفر لكم ) وقرئ يغفر لكم وتغر لكم بالناء للمعول (خطايكم ) ذنوبكم ( وسنزيد المحسنين) بطاعتنا ثوابا جزيلا (فبدل الذين ظلموا ) من بني إسرائيل لشقاوتهم ( قولا غير الذي قيل لهم ) من الذلة والانكسار و التوبة للعزيز الغفار بمطالب دنيوية و أحوال عند الله غير مرضية (فأنزلنا على الذين ظلموا ) حين فعلو ذلك (رجزا ) وقرئ رجزا بالضم ( من السماء ) وهو الطاعون فمات منهم نحو سبعين ألفا (بما كانوا يفسقون ) وعن طاعة الله يخرجون (وإذ استسقي ) طلب الإغاثة من الله (موسى لقومه ) لما كانوا في التيه وأصابهم العطش (فقلنا) له حين أردنا إغاثته ( اضرب بعصاك) وهي العصا التي أخذها من شعيب (الحجر ) وكان مربعا (فانفجرت) انشقت (منه) من الحجر بقدرة الله معجزة لموسى (اثنتا عشرة عينا) بعدة أسباط بني إسرائيل ( قد علم كل أناس ) من الأسباط (مشربهم ) الذي يشربون منه (كلوا واشربوا من رزق الله ) الذي من عليكم به ( ولا تعثوا في الأرض مفسدين ) وتكونوا عن طاعة الله خارجين ( وإذ قلتم ) لخبث طبيعتكم (ياموسى ) كليم الله (لن نصبر على طعام واحد ) وهو المن و السلوى ( فادع ) تضرع وأسأل ( لنا ربك ) المعتنى بك المجيب لدعواتك (يخرج لنا ) أي يوجد لنا (مما تنبت الأرض ) بأمر الله لها (من بقلها ) وهو ما تنبت الأرض من الخضروات ( وقثائها ) نوع منها وقرئ وقثاؤها بالضم (وفومها) وهو الثوم أو الحنطة
    وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (61)إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ
    (وعدسها) نوع من الحبوب ( وبصلها قال ) موسى ( أتستبدلون) تتخذون بدلا (الذي هو أدنى ) أحقر و أخس وقرئ أدنا من الدناءة ( بالذي هو خير ) أي المن و السلوى فإنه أعظم و أرفع ( اهبطوا ) انحدروا (مصرا ) من التيه وقرأ ابن مسعود غير منون (فإن لكم ) في الأمصار ( ما سألتم ) من الطعام ( وضربت ) جعلت (عليهم الذلة ) والهوان و الصغار (و المسكنة ) ألزموها فلا يزالون في أثر البؤس و الفقر (وباءوا ) وانصرفوا و عادوا (بغضب من الله ) حل بهم (ذلك ) العقاب ( بأنهم ) بسبب أنهم (كانوا يكفرون بآيات الله ) من فلق البحر وإظلال الغمام و الآيات التي فيها وصف النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك (ويقتلون النبين) كزكرياء وشعيب وغيرهما (بغير الحق ) بل ظلما و عدوانا (ذلك بما عصوا ) أي بسسبب عصيانهم لرب العالمين ( وكانوا يعتدون ) حدوده فبئس مثال الظالمين ( إن الذين آمنوا ) بالأنبياء من قبل ( و الذين هادوا ) أي تهودوا وهم اليهود ( و النصارى ) وهم الذين نصروا المسيح وكانت قريتهم تسمى نصران (و الصابئين ) جماعة منهما وقريء الصابيين بالياء (من آمن ) منهم (بالله ) وأخلص التوحيد له ( واليوم الآخر ) وما فيه من الوعد و الوعيد ( وعمل صالحا) بالإيمان بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم (فلهم أجرهم ) جزاؤهم على أعمالهم (عند ربهم ) لديه ( ولا خوف عليهم ) من سوااه ( ولا هم يحزنون ) لفقد أحد عداه ( وإذ أخذنا ) عليكم (ميثاقكم) وهو العهد بالعمل بما في التوراة ( ورفعنا فوقكم الطور) حين أبيتم قبول التوراة فأمرنا جبريل بقلع الطور فظلله عليكم فخفتم من رضخكم به فقبلتم فقلنا لكم
    خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (64) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (65) فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ
    (خذوا) قابلين (ما آتيناكم) أعطيناكم وهو التوراة (بقوة) باجتهاد وعزم ( واذكروا ما فيه ) واعملوا به (لعلكم تتقون ) وعن عذاب الله تبعدون (ثم توليتم ) معرضين ( من بعد ذلك ) الميثاق (فلولا فضل الله عليكم ) بتوفيقكم للتوبة ( رحمته) بكم ليدخلكم دائرة النعمة (لكنتم من الخاسرين) أنفسهم الموبقين لها في دار النكال و الوبال ( ولقد علمتم ) عرفتم ( الذين اعتدوا ) بمجاوزة ما حد لهم ( منكم ) يا أهل قرية إيلياء ( في السبت ) بأن لا يصطادوا الحوت في يومه (فقلنا لهم ) حين تجاوزوا حدنا و اصطادوا ( كونوا قردة ) بأن لا يصطادوا الحوت في يومه (فقلنا لهم ) حين تجاوزوا حدنا و اصطادوا ( كونوا قردة ) بأن مسخناهم (خاسئين ) مطرودين وقرئ قردة بفتح القاف وكسر الراء وحذف همزة خاسئين (فجعلناها ) أي المسخة ( نكالا) عبرة ( لما بين يديها ) أهل عصرهم ( وما خلفها ) من بعدهم ( وموعظة ) أي عظة وتذكرة ( للمتقين ) الذين غلبت عليهم خشية الله ( و إذ قال موسى ) بن عمران (لقومه ) وذلك حين قتل بنو أخي رجل غني وكانوا فقراء عمهم وكان لا وراث له سواهم فلما قتلوه وحولوه إلي فناء قرية بجانبهم ثم أصبحوا يطليبون بثأره فجاءوا بناس إلي موسى فادعوا عليهم فسألهم موسى فأنكروه فاشتبه الأمر على موسى فطلبوا من موسى أن يدعوا الله أن يبين لهم القاتل فدعا الله و أوحى إليه فقال لهم ( إن الله يأمركم ) إذا أردتم معرفة القاتل ( أن تذبحوا بقرة ) فيظهر لكم أمر القاتل ( قالوا أتتخذنا هزوا ) وقرئ هزءاً بالهمزة وبسكون الزاي مع الهمزة (قال ) موسى ( أعوذ بالله ) أعتصم ( أن أكون من الجاهلين ) الذين يسخرون بالمؤمنين ( قالوا ادع ) أسأل ( لنا ربك يبين لنا ما هي ) أي ما سنها
    قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ (68) قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (69)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآَنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
    (قال) موسى (إنه ) أي الله جل شأنه ( يقول ‘نها بقرة لا فارض ) مسنة كبيرة (ولابكر) فتية صغيرة ( عوان ) نصف متوسطة ( بين ذلك) أي بين السنين ( فافعلوا ما تؤمرون) به من عند الله فشددوا الأمر (قالوا ادع لنا ) أسأل لنا (ربك يبين لنا ما لونها ) أي لون يكون لون البقرة ( قال ) موسى (إنه ) أي الله تعالت ذاته (يقول إنها) أي البقرة المأمور بذبحها ( بقرة صفراء فاقع لونها ) شديدة الصفرة (تسر ) تعجب ( الناظرين ) إليها لبهجتها وحسنها (وقالوا) أيضا مشددين (ادع لنا ربك ) ياموسى وأسأله (يبين لنا ما هي) أعملة أم سائمة ( أن البقر ) الموصوف لنا (تشابه علينا ) لأن نوعه كثير ( وإنا إن شاء الله ) هدايتنا ( لمهتدون ) إلي ذبحها وامتال الحق وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم يستثنوا لما بينت لهم آخر الأبد ( قال ) موسى (لإنه ) أي ربنا تبارك وتعالى ( يقول إنها ) أي البقرة المطلوبة منكم (بقرة) نعتها ( لا ذلول ) مذللة بالعمل وقرئ لا ذلول بالفتح (تثير الأرض ) تقلبها للزراعة (و لا تسقي الحرث) أي الأرض المهيأة للزراعة (مسلمة ) من العيوب و العمل (لا شية فيها ) لا لون فيها يخالف لون جلدها (قالوا الآن ) وقرئ الآن بالمد (جئت بالحق ) وأوضحت لنا الصفة وبينتها
    فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73)
    (فذبحوها) بعد تحصيلها وذلك أنه كان في بني إسرائيل شيخ صالح له طفل وله عجلة فأتى بها إلي غيضة فقال اللهم إني أستودعك هذه العجلة لابني حتى يكبر ومات الرجل فصارت العجلة في الغيضة عوانا وكان الولد يحتطب كل يوم وله أم وهو بار بها فيأتيها بثلث قيمة الحطب ويتصدق بالثلث ويأكل الثلث فأخبرته أمه يوما عن العجلة وقالت له اذهب بها إلي السوق وبعها بثلاثة دنانير ولا تبع إلا بمشورتي فذهب بها إلي السوق فبعث الله إليه ملكا ليختبره بره بوالدته وهو أعلم فقال له الملك بكم أبيع هذه البقرة فقال بثلاثة دنانير ولكن أستاذن و الدتي فقال الملك بستة دنانير ولا تستأمرها فقال الفتى لو أعطيتني وزنها ذهبا لم آخذه إلا برضا والدتي فأتى إلي والدته فأخبرها فقالت له عد إليه وبع بذلك فأتاه الملك فقال له استأذنت أمك فقال نعم وأمرتني أن لا أنقصها عن الستة الدنانير ولكن على أن أستأمرها أيضا فقال الملك له إني أعطيك إثني عشر دينارا على أن لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع إلي أمه و أخبرها بذلك فقالت له هذا ملك إذا أتاك سله أن إثني عشر دينارا على أن لا تستأمرها فأبى الفتى ورجع إلي أمه و أخبرها بذلك فقالت له هذا ملك إذا أتاك سله أن أبيع هذه البقرة أم لا ففعل فقال له الملك اذهب إلي أمك وقل لها إمسكي البقرة فإن موسى يشتريها منكم لقتيل من بني إسرائيل فلا تبيعونها إلا بملء مسكها دنانير أي جلدها فأمسكوها فأخذها منهم بنو إسرائيل بتلك القيمة فذبحوها ( وما كادوا ) أي وما قاربوا ( يفعلون ) لغلاء ثمنها وما ذاك إلا أنهم شددوا فشدد عليهم كما قال صلى الله عليه وسلم لو اعترضوا أي بقرة كانت فذبحوها لكفتهم ولكن شددوا على انفسهم فشدد الله عليهم ( وإذ قتلتم نفسا) بغير حق بل طمعا في الدجنيا (فادارأتم ) اختصمتم (فيها ) في شأنها ( والله مخرج ) مظهر ( ما كنتم تكتمون) من أمر القتيل (فقلنا اضربوه) أي القتيل (ببعضها ) بالعجب فحي وسمى لهم قاتله قال الله تعالى ( كذلك ) مثل ما إأحيا الله هذا ( يحي الله الموتى ) الذي ينكر بعثهم من ليس له عقل ( ويريكم آياته) الدالة على كمال قدرته ( لعلكم تعقلون ) أن من قدر على مثل هذا قادر على بعث الأموات من قبورهم
    ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74) أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)أَوَلَا يَعْلَمُونَ
    (ثم قست ) غلظت وصلبت (قلوبكم ) المدبرة عن الله (من بعد ذلك ) أي مشاهدة إحياء القتيل وغيره من الآيات ( فهي ) الضمير لقلوبهم القاسية (كالحجارة) في قسوتها وشدتها ( أو أشد قسوة ) من الحجارة ( وإن من الحجارة لما يتفجر ) وتخرج ( منه الأنهار ) الجارية (وإن منها) الضمير للحجارة ( لما يتشقق فيخرج ) فينبع ( منه الماء وإن منها ) أيضا ( لما يهبط ) متدليا من علوه إلي السفل ( من خشية الله ) وخوفه وقلوبكم من شدة غفلتها عن الله وإدبارها لا يقع لها ذلك ( وما الله بغافل عما تعملون ) فيمهلكم ( أفتطمعون) خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم و المؤمنين ( أن يؤمنوا ) اليهود (لكم) ويصدقوكم (وقد كان فريق ) طائفة ( منهم ) أي من اليهود وهم أحبارهم (يسمعون كلام الله ) في التوراة من وصف النبي صلى الله عليه و سلم وكآية الرجم (ثم يحرفونه ) يبدلونه (من بعد ما عقلوه ) وعرفوه و فهموه ( وهم يعلمون ) أنهم مغيرون ومبدلون (وإذا لقوا ) المنافقون منهم (الذين آمنوا ) المؤمنين الصادقين ( قالوا آمنا) بالنبي صلى الله عليه وسلم وأنه المنعوت في كتابنا ( وإذا خلا بعضهم إلي بعض ) واجتمعوا مختلين ليس معهم مؤمن (قالوا ) الرؤساء منهم المصممون على الكفر ( أتحدثونهم ) أتخبرونهم ( بما فتح الله عليكم ) من نعت النبي عليه وسلم في التوراة (ليحاجوكم) ليجادلوكم ( به عند ربكم ) يوم العرض عليه ( أفلا تعقلون ) أن إخباركم لهم بذلك مما يقيم عليكم الحجة يوم القيامة ( أو لا يعلمون ) الاستفهام للتقرير
    أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى
    (إن الله يعلم) منهم ومن جميع العباد ( ما يسرون) من النيات والإيمان وما يسر هؤلاء المنافقون من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وما يعلنون) يظهرون من الإيمان به ( ومنهم) من اليهود (أميون ) عوام لا يقرءون ولا يكتبون فلذلك ( لا يعلمون الكتاب ) كتاب التوراة وما فيه من وصف النبي صلى الله عليه وسلم ( إلا ) لكن ( أماني) يغشهم بها أحبارهم كما قال تعالى عنهم ((وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أما نيهم )) ( وإن هم ) ما هم في إنكارهم نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (إلا يظنون ) ظنا فاسدا (فويل ) واد في جهنم وفي الحديث قال رسول صلى الله عليه وسلم ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ويختلفون من تلقاء أنفسهم ويضمنونه تحريف ما فيه من نعت النبي صلى الله عليه وسلم ( ثم يقولون ) لجهالهم (هذا من عند الله ) وفعلهم ذلك ( ليشتروا به ) لينالوا به (ثمنا قليلا) من أغراض الدنيا (فويل لهم مما كتبت أيديهم ) من التقول على الله ( وويل لهم مما يكسبون ) مما يأخذونه من الثمن المذكور ( وقالوا ) تأليا على الله حين هددهم النبي صلى الله عليه وسلم بالنار ( لنتمسنا النار) أي نار جهنم ( إلا أياما معدودة ) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل (قل ) أيها النبي الكريم ( أتخذتم ) بذلك وقرئ اتخذتم بالإدغام ( عند الله عهدا ) وميثاقا (فلن يخلف الله عهده ) أن عهد إليكم أن لا يعذبكم إلا هذه المدة ( أم ) بل ( تقولون على الله ) تهكما وجرأة ( مالا تعلمون) أن الله واعدكم به فاستولت أحبارهم على جهالهم وجهالهم على علمائهم فصار الكل على الوبال وفي الحديث في معنى مثل ذلك ويل للعالم من الجاهل وويل للجاهل من العالم (بلى ) تمسكم النار وتخلدون فيها
    مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83)وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ
    (من كسب سيئة ) واقترف قبيحة ( وأحاطت به ) من جميع جوانبه ( خطيئته ) وقرئ خطياته بقلب الهمزة ياء والإدغام وهذا وصف الكافر لا تحيط الخطيئة إلا به لخلوه من حسنة ولذا قال فيه تعالى ( فأولئك أصحاب النار) سكانها الملازمون ( هم فيها خالدون) لا يخرجون ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات) و خالفوا أنفسهم وجاهدو في طاعة الله ( أولئك أصحاب الجنة ) ساكنوها (هم فيها خالدون ) من غير خروج أبدا ( وإذ أخذنا ) في التوراة ( ميثاق ) وعهد ( بني إسرائيل لا تعبدون ) أي وقلنا لهم في ذلك العهد لا تعبدون وقرئ لا تعبدون وقرئ أن لا تعبدوا وقرئ يعبدوا بالياء ( إلا الله ) الذي خلقكم ( وبالوالدين ) أحسنوا إليهما ( إحسانا) بأن تبروهم ( وذي القربى ) أحسنوا إليهم بالمواصلة ( واليتامى و المساكين ) أيضا أحسنوا إليهم بأنواع ال‘حسان ( وقولوا للناس ) إن جادلتموهم أو هديتموهم ( حسنا ) وقرئ حسنا بفتحتين وقرئ حسنا بضمتين أي قولوا لهم قولا حسنا مشتملا على لطف ولين ووعظ و تذكير بصورة غير منفرة حتى ينقادوا وفيما ذكرنا من معنى الآية تعليم خطاب المعلم لمن يتعلم منه و أما اليهود فلم يفعلوا ما أمرهم الله8 به ثم قال لهم الله في العهد ( وأقيموا الصلاة ) التي افترضتها عليكم ( و آتوا الزكاة ) التي أوجبتها عليكم ( ثم توليتم) عن ذلك بعد قبوله ( إلا قليلا منكم ) وهم الذين أسلموا ( وأنتم معرضون ) عن قبول الحق كما دأب آبائكم من قبلكم ( و إذ أخذنا ) أيضا عليكم ( ميثاقكم ) وعهدنا إليكم بأن قلنا لكم ( لا تسفكون دماءكم) لا يقتل بعضكم بعضا

    وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84) ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ
    (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ) بأن لا يخرج بعضكم بعضا من داره ( ثم أقررتم ) اعترفتم بالميثاق ( وأنتم تشهدون ) على إقراركم ( ثم أنتم ) بعد ذلك ( هؤلاء ) نداء أي يا هؤلاء ( تقتلون أنفسكم ) أي يقتل بعضكم بعضا وقرئ تقتلون مشددا ( وتخرجون فريقا ) طائفة ( منكم من ديارهم ) وتخرقبونها ( تظاهرون ) أي تتعاونون (عليهم ) وقرئ تظاهرون بتشديد الظاء وقرئ بتاءين ( بالإثم ) المعصية ( والعدوان) العداوة ظلما بغير حق ( وإن يأتوكم أسارى ) وقرئ أسرى ( تفادوهم ) أي تنقذوهم من أسرهم بالمال وقرئ تفدوهم ( وهو ) أي المعهود إليكم من الله ( محرم عليكم إخراجهم ) أي إخراجهم من ديارهم ( أفتؤمنون ببعض غالكتاب ) أي فدائهم ( وتكفرون ببعض ) وهو القتل و الإخراج و المظاهرة والقصة أن قريظة حالفوا الأوس و النضير حالفوا الخزرج فكان كل منهم يقاتل مع حلفائه ويخرب ديار الآخرين ويخرجهم فإذا أسروا فدوهم فإن قيل لهم لم تفدونهم يقولون أمرنا بالفداء وإن قيل لهم لم تقاتلونهم يقولون لا نرضى أن يهان حلفاؤنا فهذا هو الإيمان بالبعض و الكفر بالبعض وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الله عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك ال‘خراج وترك المظاهرة وفداء أسراهم فأعرضوا عن كل ما أمروا إلا الفداء ( فما جزاء من يفعل ذلك منكم ) معشر اليهود ( إلا خزى ) تعاملون به ( في الحياة الدنيا ) وقد وقع لهم ذلك فقتل بنو قريظة وسبوا وأجلى بنوا النضير وضربت الجزية على غيرهم فما أشده من خزي وذل (ويوم القيامة ) مع ما وقع لهم في الدنيا ( يردون) وقرئ بالتاء ( إلي أشد العذاب ) لارتكابهم أشد معصية لنقضهم العهود و تغيير ما جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم المحمود
    وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (86) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ (88)وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ
    (وما الله بغافل عما تعملون ) بل هو بالمرصاد وقرئ بالياء (أولئك) اليهود المبدلون ( الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) و آثروها عليها (فلا يخفف عنهم العذاب ) لا في الدنيا بنقص الجزية ولا في الآخرة ( و لا هم ينصرون ) فيدفع عنهم ( ولقد آتينا موسى ) بن عمران الكليم ( الكتاب ) التوراة (وقفينا) على أثره ( من بعده بالرسل) أي بأن أرسلنا من بعده رسلا ( و آتينا عيسى) كلمة الله ( ابن مريم ) خادم الله الصالحة ( البينات) المعجزات الظاهرات المذكورة في قوله تعالى (( وأبرئ الأكمة والأبرص وأحي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون )) الآية وما قبلها ( وأيدناه ) أي قويناه (بروح القدس) جبريل وقرئ القدس بالإسكان في جميع القرآن (أفكلما جاءكم ) معشر الكافرين (رسول ) من عند الله (بما لاتهوى) تحب ( أنفسكم) الخبيثه ( استكبرتم) عن الايمان والانقياد له (ففريقا كذبتم ) كموسى وعيسى (وفريقا تقتلون ) كزكريا ويحي ( وقالوا) النبي صلى الله عليه وسلم مستهزئين (قلوبنا غلف) عليها غشوة لا تعي قولك ( بل) ليست بغلف إنما (لعنهم الله) لعدم قبولهم الحق وطردهم عن رحمته (بكفرهم) بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم عنادا (فقليلا ما يؤمنون) أي إيمانهم قليل وما مؤكدة (ولما جاءهم ) على لسان رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم (كتاب من عند الله ) وهو القرآن (مصدق لما معهم) وهو التوراة (وكانوا من قبل ) أي قبل ظهور بعث النبي صلى الله عليه وسلم و نزول القرآن ( يستفتحون) يستنصرون
    عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91) وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ
    (على الذين كفروا) ويقولون اللهم انصرنا بنبي آخر الزمان المنعوت في التوراة ( فلما جاءهم ما عرفوا ) وهو النبي صلى الله عليه وسلم المنعوت عندهم في التوراة ( كفروا به ) حسدا من عند أنفسهم وخوفا على رياستهم ( فلعنة الله على الكافرين ) الذين ستروا الحق وأظهروا الباطل ( بئس ما اشتروا ) بحسب ظنهم الفاسد ( به أنفسهم ) ظنا أنهم خلصوها من العقاب ( أن يكفروا بما أنزل الله ) من القرآن (بغيا) حسدا لا حقيقة له ( أن ينزل الله ) أي حسدهم على أن ينزل الله وقرئ ينزل بالتخفيف (من فضله) نبوته ووحيه ( على من يشاء ) يختار (من عباده ) لرسالته ( فباءو بغضب على غضب ) لكفرهم وحسدهم ( وللكافرين عذاب مهين ) على محمد وهو القرآن وما أنزل على الرسل من الكتب القديمة ( قالوا نؤمن بما أنزل علينا ) أي التوراة ( ويكفرون بما وراءه) أي بما سواه ( وهو الحق) أي القرآن ( مصدقا) أي موافقا ( لما معهم ) أي التوراة التي معهم ( قل ) لهم أيها النبي الكريم (فلم تقتلون ) أي قتل آباؤكم (أنبياء الله ) وقرئ بالهمزة وأنتم راضون بفعل آبائكم ( من قبل إن كنتم مؤمنين ) بالتوراة فلم خالفتم ما فيها وهو النهي عن قتلهم ( ولقد جاءكم موسى بالبينات ) آي الايات الواضحات التسع المذكورة في قوله تعالى (( ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات))
    ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)
    (ثم اتخذتم العجل ) إلها فعبدتموه (من بعده) من بعد ذهاب موسى إلي المكالمة( وأنتم ظالمون) أي وعاداتكم تعدي الحدود وعدم الوفاء بالعهود ( وإذ أخذنا ميثاقكم ) العهد عليكم بالعمل بما في التوراة ( ورفعنا فوقكم الطور ) حين أعرضتم عن قبول ذلك ( خذوا ما آتيناكم ) ما أمرناكم به في التوراة وآمنوا بمحمد واعملوا بأمره ( بقوة) بجد ( واسمعوا ) لأمره مطيعين (قالوا سمعنا ) قوله ( وعصنا ) أمره (وأشربوا) وسقوا ( في قلوبهم العجل ) أي اختلط حب العجلل بقلوبهم وذلك (بكفرهم) أي بسب كفرهم (قل بئسما ) أي بئس شيئا (يأمركم به ‘يمانكم ) أي بالتوراة عبادتكم العجل ( ‘ن كنتم مؤمنين ) بالتوراة كما زعمتم و المعنى أنكم لستم بمؤمنين لأنه لم يأتكم في التوراة أمر بعبادة العجل و إن كان عبدة العجل آباءهم فهم كذلك كذبوا بما في التوراة من الأمر بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم فكلهم خالفوا ما في التوراة (قل إن كانت ) كما تقولون ( لكم الدغار الآخرة) أي الجنة ( عند الله خالصة ) وخاصة بكم ( من دون الناس ) كما حكى عنهم تعالى في قوله (( وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى )) (فتمنوا الموت ) فإن من علم أن مصيره إلي الجنة بلا شك يؤثر الموت على الحياة فتمنوا ( إن كنتم صادقين ) فإنه من علم أن مصيره إلي الجنة بلا شك يؤثر الموت على الحياة فتمنوا ( إن كنتم صادقين ) فإنه يفرح به من كان يحسن عمله مع الله كما قال بعض الصحابة حين أشرف على الموت غدا ألقى الأحبة محمدا وحزبه وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تحفة المؤمن الموت ( ولن يتمنوه) اليهود ( أبدا بما قدمت أيديهم ) من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم والإعراض عن موجبات الرحمة ( والله عليم بالظالمين ) المتعدين الحدود وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم لو تمنوا الموت لغص كل إنسان بريقه فمات مكانه وما بقى على وجه الأرض يهودي
    وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96) قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ
    (ولتجدنهم ) أي اليهود ( أحرص الناس على حياة ) أي أشد الناس حرصا على الحياة وقرئ الحياة ( ومن الذين أشركوا ) هم أحرص أيضا على الحياة ( يود ) يتمنى ( أحدهم ) الضمير لليهود ( لو يعمر ) يطول عمره في الدنيا ( ألف سنة ) وما ذلك إلا لعلمهم بسوء ما قدموه ( وما هو ) الضمير للشان (بمزحزحه) بمبعده ( من العذاب) في النار (أن يعمر ) أي تعميره ( والله بصير بما تعملون ) فيجازيهم عليه (قل) لليهود حيث سألوك عمن يأتيك بالوحي فأخبرتهم أنه جبريل فقالوا هو عدونا يأتي بالعذاب و الغضب ولو كان ميكائيل لآمنا لأنه يأتي بالخصب و السلم (من كان عدوا لجبريل ) أمين وحي الجليل (فإنه ) القرآن الذي فيه غيظهم (نزله ) جبريل (على قلبك) الذي هو أشرف القلوب و أفضلها لأنك أشرف الخلق وأفضلها وفي الحديث قال لي جبريل قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد نبيا أفضل من محمد من بني هاشم فإذا كان ليس في الأنبياء أحد مثلك فليس في القلوب قلب مثل قلبك فلم ينكر هؤلاء المخذولون المطرودون نزول الوحي عليك و أنت أعظم مستحق له وجبريل أصدق مرسل به وقد وصل إليك ( بإذن الله ) وأمره العزيز الحكيم ( مصدقا لما بين يديه ) أي لما قبله من الكتب القديمة ( وهدى ) لمتبعيه ( وبشرى ) برضوان الله الأكبر ( للمؤمنين ) العاملين بما فيه ( من كان عدوا لله وملائكته ) المقربين ( ورسله ) المحبوبين ( وجبريل ) أمين الوحي ( وميكال ) وقرئ ميكائيل وقرئ و ميكاييل وقرئ وميكالئل (فإن الله عدو للكافرين ) الذين عادوا أحبابه ( ولقد أنزلنا إليك) لهداية العباد ( آيات بينات) واضحات
    وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ


    ( وما يكفر بها إلا الفاسقون ) الذين قالوا لك ما جئتنا بشئ نعرفه وما أنزل عليك من آية فنتبعك ( أو كلما عاهدوا ) الله ( عهدا ) في تصديقك وعدم المناصرة عليك وقرئ عوهدوا وعهدوا ( نبذه ) نقضه و رماه ( فريق منهم ) جماعة منهم ( بل أكثرهم لا يؤمنون ) وإن أظهر البعض ذلك فهم مبطنون النفاق ( ولما جاءهم رسول ) وهو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( من عند الله ) يدعو إليه ( مصدق ) موافق ( لما معهم ) للتوراة المحتوية على وصفه (نبذ ) طرح ورمى ( فريق من الذين أوتوا الكتاب ) التوراة ( كتاب الله ) هي أيضا لأن تركهم للعمل بما فيها من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم هو نبذها كلها ( كتاب الله ) هي أيضا لأن تركهم للعمل بما فيها من تصديق النبي صلى الله عليه وسلم هو نبذها كلها ( وراء ظهورهم ) وأعرضوا عنها ( كأنها لا يعلمون ) وما ذاك إلا حسدا وعنادا وبغضا للنبي صلى الله عليه وسلم ( واتبعوا ) علماء اليهود ( ما تتلوا الشياطين ) من السحر ( على ملك سليمان ) أي على زمان ملكه أنهم كانوا يسترقون السمع فيضمون إلي ما سمعوه أكاذيب ويلقونها إلي الكهنة فيدونونها و للناس يعلمونها وشاع أن الجن تعلم الغيب وأن ملك سليمان تم بهذا العلم وأنه بمثل هذه الأسحار كان ملكه ( وما كفر سليمان ) بزعمهم الفاسد أنه كان ساحرا وإنما هو نبي من خاصة الله ورسله ( ولكن ) وقرئ مخففا (الشياطين ) المضلين عن الطريق الملك المبين ( كفروا ) بإضلالهم من تبعهم ( يعلمون الناس السحر ) فضلوا وأضلوا وفي غضب الله حلوا ( وما أنزل على الملكين ) أي ويعلمونهم ما أنزل على الملكين وقرئ على الملكين بكسر اللام ( ببابل ) بلد من سواد العراق ( هاروت وماروت ) وهما ملكان أنزلا لتعليم السحر وقرئ هاروت و ماروت بالرفع ( وما يعلمان ) الملكان ( من أحد ) السحر ( حتى يقولا ) له وينصحاه نهيا عن تعلمه ( إنما نحن فتنة ) ابتلاء و اختبار من الله ( فلا تكفر ) فإنه لا يجتمع علمه و العمل به مع الإيمان ( فيتعلمون ) السابق لهم الخذلان ( منهما ) من هاروت وماروت ( ما يفرقون به ) الضمير للسحر ( بين المرء وزوجه ) بأن يفعلوا لهما شيئا يوقع بينهما البغض و الكره ( وما هم ) فاعلوا السحر ( بضارين به ) أي بالسحر ( من أحد ) من العباد ( الا بإذن الله ) فاعلم أنه لا يضر و لا ينفع الا الله ( ويتعلمون ) السحر ( ما يضرهم ) في آخرتهم ( ولا ينفعهم ) في دنياهم ( ولقد علموا ) اليهود ( لمن اشتراه ) الضمير للسحر أي استبدله بكتاب الله ) ماله في الآخرة ) لدى الله ( من خلاق ) نصيب وحظ ( ولبئس ما ) بئس شيئا ( شروا به أنفسهم ) وهو بيعها بما يوجب عذاب الله ( لو كانوا يعلمون ) أن تعلمه موجب للخسار ودخول النار ( ولو أنهم ) أي اليهود ( آمنوا ) بالله ورسوله وكتابه ( واتقوا ) خافوا عقاب الله فلم ينبذوا كتابه ولم يعلموا بالسحر ( لمثوبة ) أي لأثيبوا مثوبة ( من عند الله ) ومن خذائن رحمته ( خير ) لهم مما شروا به أنفسهم ( لو كانوا يعلمون ) أن ما عند الله من الثواب وحسن المآب خير لمن أقبل عليه وترك سواه و امتثل أوامره وسعى في رضاه (يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا ) لنبيكم محمد صلى الله عليه وسلم ( راعنا ) فإنكم لما قلتم ذلك وقصدكم به المراعاة والتأني فيما يقوله لكم حتى تفهموا قال اليهود ذلك اللفظ وقصدوا به سبا قاتلهم الله فإذا اجتنبتم ذلك فهم يجتنبوه وقرئ راعونا ( قالوا انظرنا ) بدل راعنا ( واسمعوا ) لما قلناه لكم وسدوا على اليهود باب مكايدهم ( وللكافرين عذاب أليم ) المتجرئين على الرسول العظيم ( ما يود ) يحب ويتمنى ( الذين كفروا من أهل الكتاب ) لعداوتهم لكم وبغضكم ( ولا المشركين ) من العرب ( أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) من الوحي الدال لكم إلي سبيل السعادة الموصلة لنعيم الجنة المحسوسة وزيادة ( والله يختص برحمته ) و نبوته وحكمته ( من يشاء ) ‘دخاله في ديوان خاصته ( والله ذو الفضل العظيم ) الذي لا يتناهى و لايحيط به مخلوق ( ما ننسخ من آية ) نزلها إما لفظها مع حكمها أو حكمها فقط وقرئ ننسخ بضم النون ( أو ننسها ) نؤخرها ونرفع تلاوتها وقرئ ننسها وتنسها على البناء للمفعول وننسكها بإظهار المفعولين ( نأت بخير منها ) في المنفعة للعباد و الثواب في المعاد ( أو مثلها ) أي أو نأت بمثلها ثوابا وتكليفا ( ألم تعلم ) أيها النبي صاحب القدر الكبير ( أن الله على كل شئ قدير ) من النسخ والإتيان بالمثل وغير ذلك ونزلت الآية حين قال اليهود يأمر محمد أصحابه بأمر ثم ينهاهم عنه ويأمرهم بخلافه ما هو أي القرآن إلا كلام محمد ( ألم تعلم ) أيها المصطفى ( أن الله له ملك السموات و الأرض ) يتصرف فيهما كما يختار ( وما لكم ) أمة النبي محمد أنتم ونبيكم ( من دون الله ) من غيره ( من ولى ) يتولى تأييدكم ( ولا نصير ) من الأذية يمنعكم ونزلت الآية حين طلب أهل مكة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوسعها وأن يجعل الصفا ذهبا ( أم ) بل ( أتريدون ) معشر المكذبين ( أن تسألوا رسولكم ) وتقترحوا عليه بالسؤال ( كما سئل موسى ) أي سأله اليهود ( من قبل ) فقالوا أرنا الله جهرة وقلتم لنبينا محمد صلى الله عليه و سلم لن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ( ومن يتبدل ) يتعوض و يأخذ ( الكفر بالإيمان ) ويترك الأخذ بالآيات البينات ( فقد ضل سواء ) وسط ( السبيل ) وحاد عن طريق الحق ( ود) أحب ( كثير من أهل الكتاب ) علماء اليهود و النصارى ( لو يردونكم ) ويصدونكم ( من بعد إيمانكم ) من بعد أن تحليتم بالإيمان ( كفارا ) مرتدين ( حسدا ) وذلك منهم حسدا لكم ( من عند أنفسهم ) الخبيثة المعرضة عن الله ( من بعد ما تبين ) وظهر (لهم ) لليهود ( الحق ) بصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم (فاعفوا ) عن عقوبتهم واتركوهم ( واصفحوا ) أعرضوا عن مجازاتهم ( حتى يأتي الله ) لكم ( بأمره ) بالقتال فقاتلوهم ( إن الله على كل شئ قدير ) من الانتقام منهم و غيره ( وأقيموا الصلاة ) وأدوا أركانها بقلوب حاضرة متوجهة صادقة وإقامتها أن تصلي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وفي الحديث صلوا كما رأيتموني أصلي وكان صلى الله عليه وسلم إذا كبر لا فتتاح الصلاة يرفع مرة يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ومرة أرفع من ذلك ومرة كما في رواية أبي دواد لو كنت قدام النبي
















    صلى الله عليه وسلم لرأيت إبطيه و أما القبض ففي مسلم وضع يده اليمنى على اليسرى وعند الترمذي مرفوعا كان يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه وعند النسائي قبض يمينه على شماله وعند رزين عن على السنة وضع الكف على الكف في الصلاة ويضعهما تحت السرة وفي كشف الغمة كان صلى الله عليه وسلم إذا كبر للإحرام وضع يده اليمنى على اليسرى والرسغ والساعد تحت السرة وعند الطبراني في الكبير مرفوعا ثلاث من أخلاق النبوة تعجيل الفطور وتأخير السحور ووضع اليمنى على الشمال في الصلاة قال المناوي بأن يجعلهما تحت صدره فوق سرته وأما الرفع فعند أبي داود مرفوعا إلي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه إذا كبر وإذا رفع رأسه من الركوع فيبلغ بهما أذنيه وعند النسائي مثله وزاد وإذا سجد وإذا رفع رأسه من سجوده وكان يسكت سكتتين سكته إذا كبر وسكتة بعد قوله ولا الضالين كذا في كشف الغمة وكان استفتاحه في السكتة الأولى مرة بما رواه أبو داود و الترمذي وغيرهما بقولهم كان إذا استفتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وأكثر مدامته على ذلك وتارة يستفتح بقوله اللهم باعد بيني وبين خطاي كما باعدت بين المشرق و المغرب اللهم نقني من خطاي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج و الماء والبرد وتارة يقولؤ مستفتحا وجهت وجهي للذي فطر السموات و الأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي و نسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ومرة يستفتح بقوله اللهم أنت الملك لا إله إلا انت أنت ربي وأنا عبدك عملت سوءا وظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا انت و اهدني لأحسن الاخلاق لايهدي لأحسنها إلا أنت و اصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا انت لبيك وسعديك و الخير كله في يديك و الشر ليس ^إليك أنابك و إليك تباركت و تعاليت أستغفرك وأتوب إليك وكان صلى الله عليه و سلم بعد ذلك يستعيذ فمرة يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم و أخرى يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه فأما البسملة ففي كتابنا رحمة الأحد معزيا للترمذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وفي كشف الغمة قال لجابر كيف تفتتح الصلاة يا جابر فقلت بالحمد لله رب العالمين فقال صلى الله عليه و سلم قل بسم الله الرحمن الرحيم و أما الفاتحة فلازم عليها سواء كنت إماما أو مأموما أو فذا وفي البخاري وغيره عنه صلى الله عليه وسلم لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وقيل لأبي هريرة في حديث لمسلم إنا نكون وراء الإمام فقال اقرأ بها في نفسك الحديث مطولا منه وعند الطبراني في الكبير من
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty رد: سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin السبت مايو 05, 2012 1:53 am

    كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)




    (كذلك قال ) من هذه الأمة ( الذين لا يعلمون ) وهم المشركون ( مثل ) قولهم ) أي قول اليهود و النصارى فالكل في التعنت و العناد وطلب ما لايليق سواء ( فالله يحكم بينهم ) بين المختلفين ( يوم القيامة ) يوم العرض عليه ( فيما كانوا ) في الدنيا ( فيه يختلفون ) فيدخل المؤمنين الجنة و الكافرين النار ( ومن أظلم ) لا أحد أظلم ( ممن منع ) الطالب ( مساجد الله أن يذكر فيه اسمه ) ويعبد فيها و الآية نزلت في المشركين ( وسعى في خرابها ) من تعطيل إقامة الدين فيها وهدمها ( أولئك ) المانعون ( ما كان لهم أن يدخلوها ) ما كان ينبغي لهم أن يدخلوها ( إلا خائفين ) ولله خاشعين ( لهم في الدنيا ) جزاء على سوء فعلهم (خزى) من القتل للحربى و الجزية للذمى ( ولهم في الآخرة ) بكفرهم و تعديهم حدود الله ( عذاب عظيم ) وهو النار وبئس المصير ( ولله المشرق و المغرب ) أي الأرض كلها له والإشارة لصلاة النافلة على الراحلة في السفر لكونها لا يتعين فيها استقبال القبلة ( فأينما تولوا ) في الصلاة وجوهكم بأمر من الله (فثم وجه الله ) فالأمر للشارع و الحكم حيثما وجه ( إن الله واسع عليم ) فسبحانه ما أعظم شأنه الكريم ( وقالوا ) الكفار ( اتخذ الله ولدا ) تعالى الله عما قالوا فقالت اليهود عزيرا ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وقال مشركو العرب الملائكة بنات الله (سبحانه ) تنزه عما قالوا ( بل له ما في السموات و الأرض ) عبيدا وخلقا ( كل له قانتون ) مطيعون













    بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
    (بديع السموات و الأرض ) مبدعهما على أحسن صنع ( وإذا قضى ) أراد (أمرا ) يوجده ( فإنما يقول له ) عند تكوينه ( كن فيكون ) وقرئ فيكون بالنصب ( وق4ال الذين لا يعلمون ) الجهلة من المشركين ( لولا ) هلا ( يكلمنا الله ) فيقول لنا محمد أرسلته ( أو تأتينا آية ) وذلك قولهم لن نؤمن لك حتى تفجر لنا الأرض ينبوعا إلي قوله كتابا نقرؤه ( كذلك ) كما قالوا ( قال الذين من قبلهم ) من كفار الأمم الماضية ( مثل قولهم ) كقولهم أرنا الله جهرة وغير ذلك ( تشابهت ) وقرئ بتشديد الشين ( قلوبهم ) في العناد والإعراض عن الله (قد بينا الآيات ) الواضحات ( لقوم يوقنون ) يؤمنون لا يتعنتون ( إنا أرسلناك ) تدعو الناس إلينا ( بالحق ) و سبيله المستقيم ( بشيرا ) للمؤمنين ( ونذيرا ) للكافرين ( و لاتسئل عن أصحاب الجحيم ) لم لم يؤمنوا وقرئ تسأل على أنه نهى له صلى الله عليه وسلم عن السؤال ( ولن ترضى عند اليهود ) لفساد عقولهم ( و لا النصارى ) أيضا ( حتى تتبع ملتهم ) أي دينهم ( قل ) لهم ( إن هدى الله ) الذي هو الإسلام ( هو الهدى ) طريق الحق المستقيم وما عداه فباطل ( ولئن اتبعت أهواءهم ) آراءهم الفاسدة ( بعد الذي جاءك من العلم ) بأنك على الحق ( مالك من الله ولي ) يتولى إعانتك ( و لا نصير ) يدفع عنك فاقتك وقد حفظناك من ذلك بولايتنا ونصرناك عليهم بحمايتنا ( الذين آتيناهم الكتاب ) أي مؤمنو أهله

    الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ(123) وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَلَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ













    (يتلونه ) يقرءونه ( حق تلاوته ) فيتقونه و يعملون بما فيه ( أولئك يؤمنون به ) فليسوا كالحرفين ( ومن يكفر به ) وهم المحرفون له (فأولئك هم الخاسرون ) حيث غيروا أحكام الله لأهوائهم (يا بني إسرائيل ) أولاد يعقوب ( اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) من إخراجكم من التيه و تظليلكم بالغمام و إدراككم زمن نبي محمد ( وأنى فضلتكم على العالمين ) وجعلت منكم الأنبياء و المرسلين ( واتقوا ) واخشوا (يوما ) يوم القيامة ( لا تجزى ) لا تغنى ( نفس عن نفس شيأ ) قل أو كثر ( و لايقبل منها عدل ) فداء ( و لاتنفعها شفاعة ) فإن الشفاعة في الكافر ليس لها محل ( و لاهم ينصرون ) من عذاب الله ويمنعون ( و إذ ابتلى ) اختبر ( إبرهيم ) وقرئ إبراهام ( ربه بكلمات ) أوامر ونواهي مناسك الحج وغيرها وقرئ إبراهيم بالرفع وربه بالنصب أي دعاه بكلمات مثل رب أرني كيف تجي الموتى ( فأتمهن ) فاداهن بتمام ( قال ) الله سبحانه و تعالى له (إني جاعلك للناس إماما ) يقتدون بك ( قال ) إبراهيم ( ومن ذريتي ) أي ومن أولادي أجعل أئمة يقتدى بهم ( قال ) الله سبحانه و تعالى ( لا ينال عهدي ) و إما متي وقرئ بفتح الياء ( الظالمين ) المتعدين حدودي بالكفر وقرئ الظالمون ( وإذ جعلنا البيت ) الكعبة المشرفة ( مثابة ) مرجعا ( للناس ) يثوبون إليه من كل جهة















    (وأمنا ) مأمنا لهم من الخوف وقد كان الرجل يلاقي قاتل أبيه في الحرم فلا يتجرأ عليه ( و اتخذوا ) عباد الله المؤنين ( من مقام إبراهيم مصلى ) ولما فرغ صلى الله عليه و سلم من طوافه عمد إلي مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فبين المقصود من الآية للعباد وقرئ واتخذوا بلفظ الماضي ومقام إبراهيم هو الحجر الذي كان يقف عليه حين يبني البيت ( وعهدنا إلي إبراهيم و ‘سماعيل ) بأن أمرناهما وأوصينا إليهما ( أن طهرا بيتي ) وقرئ بسكون الياء من الأوثان و الأنجاس وسائر الأدناس (للطائفين ) به ( و العاكفين ) فيه أي المقيمين عنده ( و الركع السجود ) أي المصلين ثم ( و إذ قال إبراهيم ) سائلا مولاه ( رب ذاجعل هذا ) البلد ( بلدا آمنا ) أي ذا أمن فاستجاب الله له ما سأل و في الحديث ان إبراهيم حرم مكة فلا يسفك فيها دم إنسان و لا يصاد صيده و لايقطع شجره إلا الإذخر و لا بظلم فيه أحد ( وارزق أهله ) لأنى أسكنتهم في محل ليس فيه معاش (من الثمرات) أي أنواع ما تحمل الأشجار (من آمن منهم ) من سكان البلد ( بالله و اليوم الآخر ) وعمل له (قال ومن كفر ) منهم (فأمتعه ) بالرزق في دنياه وقرئ فأمتعه من أمتع (قليلا ) مدة إقامته في الدنيا ( ثم أضطره ) ألجئه ( إلي عذاب النار ) في الآخرة وقرئ فمتعه ثم اضطره بلفظ الأمر وقرئ فنمتعه ثم نضطره ( وبئس المصير ) النار لمن كفر بالملك الكبير (واذ يرفع ) لله وفي الله














    (إبراهيم) الخليل (القواعد) أصول الأساس (من البيت) الكعبة الشريفة (و إسماعيل) معه يناوله الحجارة يقولان (ربنا تقبل) عملنا وفرئ يقولان ربنا (منا إنك أنت السميع ) لدعائنا لك (العليم) بتضرعنا إليك (ربنا واجعلنا) بعنايتك بنا (مسلمين لك ) وقرئ مسلمين بالجمع ( ومن ذريتنا) أولادنا (أمة) جماعة (مسلمة لك ) منقادة مطيعة (وأرنا) أبصرنا وقرئ أرنا بسكون الراء (مناسكنا) كيفية معاملتنا لك في الحج (وتب علينا) من النظر لسواك (إنك أنت التواب) على من بكليته أتاك ( الرحيم) به تبارك علاك(ربنا وابعث) للدعوة إليك(فيهم) أي في سكان الحرم (رسولا منهم) فبعث الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم واستجاب الدعوة وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا دعوة إبراهيم وكان آخر من بشر بي عيسى ابن مريم (ويتلو عليهم آياتك) قرآنك العزيز فيجلو بصائرهم وينور أفئدتهم ( ويعلمهم الكتاب) الذي هو القرآن المتلو عليهم فيعلمون أسراره ويدرون حكمه وأخباره (و الحكمة) التي يعبرون بها عن حقائق الكمالات وينطقون فيها بأنواع الأسرار الخبآت (ويزكيهم) من درن المعاصي والسيئات (إنك أنت العزيز) الذي لا يغلبه شئ(الحكيم) المربي بحكمته كل حي (ومن يرغب) يعرض من العباد(عن ملمة إبراهيم) الطاهرة الطيبة (إلا من سفه) جهل (نفسه) أنها مخلوقة للحق وحقها العبادة و الطاعة لله(ولقد اصطفيناه) اخترناه بالخلة الكاملة (في الدنيا) و المقامات العلية(وإنه في الآخرة) في نهاية درجات القرب















    (لمن الصالحين) بالأهلية لها(إذ قال له ربه) يدعوه لكمال الإخلاص(أسلم) أخلص دينك لله ومعاملته (قال) إبراهيم لما تحقق بذلك (أسلمت لرب العالمين) أخلصت وتوجهت بكلتي إليه (ووصى بها) باتباع الملة وقرئ أوصى بها ( إبراهيم بنيه) أولاده (ويعقوب) وصى كذلك بنيه وقرئ بالنصب (يابني) أي قال يابني (إن الله اصطفى) اختار (لكم الدين) صفوة أديانه الإسلام (فلا تموتن) أي فاثبتوا على الاإسلام فلا يأتيكم الموت ( إلا وأنتم مسلمون ) أي إلا وأنتم متحققون بالإسلام ومقاماته وكمالاته قل لليهود (أم كنتم شهداء) حضورا (إذ حضر يعقوب الموت) ونزلت حين قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم أوصى يعقوب بنيه باليهودية حين مات (إذ قال) يعقوب حين حضره الموت (لبنيه ما تعبدون من بعدي) هذا الذي قال لهم (قالوا) بنوه (نعبد إلهك) المستحق أن يعبد ( وإله آبائك) وقرئ وإله أبيك (إبراهيم وإسماعيل وإسحق) وهو الله سبحانه وعد إسماعيل لأنه عم و العم كألاب (إلها واحدا) إله الكل (ونحن له مسلمون) وبه مؤمنون وله منقادون (تلك أمة) إبراهيم و يعقوب وما بينهما (قد خلت) مضت (لها ما كسبت) جزاء ما عملت (ولكم ما كسبتم) جزاء أعمالكم (ولا تسئلون) أنتم (عما كانوا يعملون) وهم كذلك لا يسألون عن أعمالكم















    (وقالوا كونوا هودا) هذا قول اليهود (أو نصارى) وهذا قول النصارى ( تهتدوا) إن تهودتم أو تنصرتم يقولونه للمسلمين (قل) لهم أيها النبي ومن معك من المؤمنين (بل) نتبع (ملة إبراهيم) الخليل (حنيفا) مائلا إلي الحق عن الباطل ( وما كان المشركين) فنحن وهو دينا الإسلام و التوحيد وأنتم في ضلالكم (قولوا) معشر المؤمنين (آمنا بالله)(1) واعتقدنا أنه هو الإله الحقيقي المستحق أن يعبد ( وما أنزل إلينا) أي القرآن أمنا به ( وما أنزل إلي إبراهيم) من الصحف (وإسماعيل وإسحق ويعقوب و الأسباط) بالكل آمنا ( وما أوتي موسى أي آمنا بالتوراة التي أوتيها موسى (وعيسى) أي و الأنجيل الذي أوتيه عيسى ( وما أوتي النبيون) كلهم ( من ربهم) من كتب وآيات(لانفرق بين أحد منهم) كما فعلتم فنؤمن ببعض ونكفر ببعض (ونحن له) أي لله (مسلمون فإن آمنوا) اليهود و النصارى (بمثل ما آمنتم به) مععشر المؤمنين من أمة محمد (فقد اهتدوا) إلي سبيل النجاة عند الله و صدقوا بالكل واتبعوا نبينا محمدا الذي هو أشرف أحباب الله (وإن تولوا) عن الإيمان (فإنما هم في شقاق) خلاف لما أمرهم الله به ولا موافقة بينكم(2)
    ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

    (1) (قوله عزل وجل آمنا بالله الخ) لما نزلت هذه الآية قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اليهود و النصارى وقال إن الله أمرني بهذا فلما سمعت اليهود بذكر عيسى أنكروا وكفروا وقالوا لن نؤمن بعيسى وقالت النصارى عيسى ليس بمنزلة الأنبياء ولكنه ابن الله فأنزل الله قوله تعالى فإن أمنوا بمثل ما آمنتم به الآية اهـ.
    (2) (قوله فسيكفيكهم الله) فكفاه الله شرهم بالقتل والسبي في قريظة و الجلاء والنفي في بني النضير والجزية والذلة في نصارى نجران ا هـ.










    (فسيكفيكهم الله) ويصرف أيها النبي الكريم مناوأتهم لك ومعادتهم (وهو السميع) لما تقولونه (العليم) بما تكونونه (صبغة الله) (1) أي صبغنا الله صبغة وهي فطرته (ومن أحسن من الله صبغة) لا أحسن من صبغة الله(ونحن له عابدون) ولحكمه منقادون (قل أتحاجوننا) تجادلوننا(2) (في الله) أن اختار نبيا من العرب ونزلت حين قال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء كلهم منا فلو كنت نبيا لكنت منا (وهو ربنا وربكم) فله أن يختص برسالته من يشاء منا ومنكم (ولنا أعمالنا) فنجازي عليها(ولكم أعمالكم) تجازون عليها(ونحن له مخلصون) (3) ولطاعته منقادون (أم تقولون) وقرئ بالياء ( إن إبراهيم) الخليل (وإسماعيل) الذبيح (وإسحاق ويعقوب منقادون (أم تقولون) وقرئ بالياء (إن إبراهيم) الخليل (وإشسماعيل) الذبيح (وإسحاق ويعقوب و الأسباط) أبناء يعقوب (كانوا هودا أو نصارى) بزعمكم الفاسد (قل ءأنتم أعلم أم الله) هو أعلم وقد قال تعالى ((ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا)) و هم تبعا (4) له معه(ومن أظلم) لا أحد أظلم
    ...................................................
    (1) قوله (صبغة) أي دين الله لأن دين الإسلام يؤثر في المتدين به من الطهر و الصلاة و الوقار وسائر شعائر الإسلام كالصبغ الذي يكون في الثوب و لاشئ في الأديان أحسن من دين الإسلام ا هـ بغوى.
    (2) قوله (تجادلوننا) من ذلك أن اليهود كانوا يقولون نحن أهل الكتاب الأول و العلم القديم وكانوا يقولون هم و النصارى نحن أبناء الله وأحباؤه فأمر الله نبيه بهذه الآية 1 هـ.
    (3) قوله (مخلصون) أي موحدون قال صلى الله عليه وسلم ما بلغ عبد حقيقة الاخلاص حتى لا يحب أن يحمد على شئ من عمله لله وقال الفضيل ترك العمل لأجل الناس رياء و العمل لأجل الناس شرك والاخلاص أن يعافيك الله منهما ا هـ.
    (4) قوله (وهم تبعا الخ) كذا في الأصل وعبارة الجلال و المذكرون معه تبع له ا هـ مصححه.










    (ممن كتم) وأخفى (شهادة عنده) ثابتة (من الله) وهو ما عرفوه في التوراة من حنيفية إبراهيم وصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (وما الله بغافل) يامعشر الخاسرين(عما تعملون) من الجراءة عليه وكتمان ما تعملون وقرئ بالياء (تلك أمة) الأنباء المذكورون ومن معهم (قد خلت) سلفت (لها ما كسبت) من الخيرات عند الله ( ولكم ما كسبتم) من السيئات (ولا تسئلون عما كانوا يعملون) فكل أحد مؤاخذ بعلمه (سيقول السفهاء) (1) الجهال(من الناس) من المشركين و اليهود والمنافقين (وما ولاهم) ما الذي صرفهم (عن قبلتهم) النبي عليه الصلاة و السلام و المؤمنين (التي كانوا عليها) وهي استقبال بيت المقدس (قل لله المشرق و المغرب) يوجه عباده في التوجه حيث شاء (يهدى من يشاء) هدايته (إلي صراط) سبيل (مستقيم) يرتضيه جل شأنه
    ..........................................
    (1) قوله (سيقول السفهاء الخ) نزلت في اليهود ومشركي مكة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركو مكة قد تردد على محمد أمره و اشتاق إلي معشر مولده و مولد آبائه وقد توجه نحو قبلتكم وهو راجع إلي دينكم عاجلا فأنزل الله تعالى قل لله المشرق و المغرب الآية أي المشرق و المغرب لله ملكا وخلقا والخلق عبيده يحولهم كيف يشاء وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلى بمكة إلي الكعبة وربما كان يجعل الكعبة بينه وبيت المقدس فلما هاجر إلي المدينة أمر أن يصلى إلي بيت المقدس لئلا يكذبه اليهود لأن نعته في التوراة أن يكون صاحب القبلتين يصلي إلي بيت المقدس نحوا من سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشر ثم يأمره الله بالتحول إلي الكعبة ليمتحن أهل الإسلام ا هـ خازن.












    (كذلك) كما هديناكم الصراط المستقيم (جعلناكم) يا أتباع هذا النبي الكريم ( أمة وسطا) خيارا عدولا مزكين(لتكونوا شهداء)لله يوم العرض عليه (على الناس) أمم الأنبياء السابقين حين ينكرون تبليغ الرسل إليهم (ويكون الرسول) محمد سيد المرسلين(عليكم شهيدا) فيزكيكم في شهادتكم (وما جعلنا) صيرنا(القبلة) المشرفة(التي كنت عليها) وذلك أنه كان يصلي إليها بمكة ثم لما هاجر أمر تألفا لليهود باستقبال الصخرة(إلا لنعلم) لنرى(من يتبع الرسول) بالرجوع إلي القبلة(ممن ينقلب على عقبيه) أي يرتد ويظن أن محمدا في حيرة(وإن كانت) التوالية إلي الكعبة(لكبيرة) عظيمة شديدة مشقة وقرئ لكبيرة بالرفع(إلا على الذين هدى الله) وقواهم على أنفسهم فخالفوها واتبعوا الحق ولما قالت اليهود للمؤمنين من مات منكم قبل التحويل إلي القبلة مات على الضلال في مقام الجدال قال الله (وما كان الله ليضيع) معشر المؤمنين (إيمانكم) (1) أي تصديقكم بالقبلة الأولى ليضيع أجركم (إن الله) العالم بحقائق العباد (بالناس) المؤمنين (لرؤف) شديد الرأفة بهم (رحيم) فلا يضيع أجرهم ولما كان التوجه إلي الكعبة أحب إليه صلى الله عليه وسلم وأقرب لدخول قومه في الإسلام قال لجريل وددت لو أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلي غيرها قال له جبريل إنما أنا عبد مثلك و أنت كريم على ربك فاسأله ثم ارتفع جبريل وجعل يديم النظر إلي السماء النبي الجميل راجيا أن يأتيه بما طلب الأمين جبريل فأنزل الملك الجليل
    ................................................
    (1) قوله (إيمانكم) أي صلاتكم إلي بيت المقدس وذلك أن حي بن أخطب و أصحابه من اليهود قالوا للمسلمين أخبرونا عن صلاتكم إل بيت المقدس أكانت هدى أم ضلالة فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وإن كانت ضلالة فقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها مات على الضلال فانطلق عشائرهم إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بذلك وقالوا ان الله حولك إلي قبلة إبراهيم فكيف بإخواننا الذين ماتوا وهم يصلون إلي بيت المقدس فأنزل الله وما كان الله ليضيع ايمانكم الآية ا هـ.










    (قد نرى تقلب وجهك في السماء) أي في النظر إليها (فلنولينك) فلنوجهنك(قبلة ترضاها) تريدها و تهواها (فول) وجه واصرف(وجهك) في الصلاة(شطر) نحو(المسجد الحرام) الذي أحببت التوجه إليه وهو أشرف الأرض بلاكلام (وحيثما كنتم) (1) معشر هذه الأمة (فولوا وجوهكم) في الصلاة (شطره) نحوه(وإن الذين أوتوا الكتاب) اليهود(ليعلمون) علم يقين (أنه) توجهكم إلي الكعبة (الحق) الذي لا شك فيه(من ربهم) لما وجدوه في كتبهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتحول إليه (وما الله بغافل) لعباده(عما يعملون) وقرئ بالتاء (ولئن أتيت) (2) أيها النبي الكريم(الذين أتوا الكتاب) اليهود و النصارى(بكل آية) حجة وبرهان على صدق تحولك إلي الكعبة (ما تبعوا قبلتك) لتصميمهم على التكذيب كفرا وعنادا (وما أنت بتابع قبلتهم) فلا يطعموا فيك ولييأسوا (وما بعضهم) بعض الفريقين(بتابع قبلة بعض) لأن اليهود تستقبل الصخرة و النصارى مطلع الشمس فلا يتفقون على جهة واحدة
    ...........................................
    (1) قوله عز وجل (وحيثما كنتم) أي ببر أو بحر أو سهل أو جبل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم شطره فحولت القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين نزلت الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني سلمة وقد صلى بأصحابه ركعتين من الظهر فحولت في الصلاة فاستقبل الميزاب فسمى ذلك المسجد مسجد القبلتين فلما حولت إلي الكعبة قالت اليهود يا محمد ما أمرت بهذا أو ما هذا الا شئ ابتدعته من نفسك فتارة تصلى إلي قبلتنا بيت المقدس وتارة إلي الكعبة فلو ثبت إلي قبلتنا لكنا نرجو أن تكون صاحبنا الذي كنا ننتظره فأنزل الله وإن الذين أتوا الكتاب الآية.
    (2) قوله (وليئن أتيت الخ) يعني قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ائتنا بآية كما أتي بها الأنبياء قبلك فأنزل الله ولئن أتيت الآية ا هـ.










    (ولئن اتبعت أهواءهم) الفاسدة في استقبال قبلتهم(من بعد ما جاءك من) الله من (العلم) بأن القبلة هي الكعبة (إنك إذا لمن الظالمين) وقد عصمك الله من مخالفته واتباع القوم الخاسرين(الذين آتيناهم) أعطيناهم (الكتاب) التوراة(يعرفونه) أي نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم بنعته المنعوت فيها(كما يعرفون أبناءهم)بل أشد قال ابن سلام أنا أعلم به منى بابني قالوا ولم قال لأني لست أشك في محمد أنه نبي وأما ولدي فلعل والدته خانت(وإن فريقا منهم) من اليهود وهم المنكرون له صلى الله عليه وسلم (ليكتمون الحق) الثابت عندهم (وهم يعلمون) أن هذا النبي الصادق ونبوته حق (الحق من ربك) أي هذا الحق من ربك وقرئ الحق بالنصب على البدلية مما قبله(فلا تكونن) في تحقيق ذلك ( من الممترين) الشاكين(ولكل) من الأمم (وجهة) قبلة (هو موليها) مستقبلها بوجهه وقرئ مولاها (فاستبقوا) بهمة قوية (الخيرات) واعلموها من أمر القبلة وغيرها(أينما تكونوا) أي فيأي موضع تكونوا (يأت بكم الله جميعا) يجمعكم يوم القيامة ويثبت طائعكم ويعاقب عاصيكم ( إن الله على كل شئ قدير) من الإحياء والإماتة وغيرهما الملك الكبير(ومن حيث خرجت) لسفر (فول وجهك) إذا صليت (شطر) نحو (المسجد الحرام) الكعبة (وإنه) أي التوجه إليها (للحق) الثابت (من ربك) سبحانه (وما الله بغافل عما تعملون) بل محفوظ لديه وقرئ بالياء















    (ومن حيث خرجت) أي من أي موضع خرجت(فول وجهك شطر المسجد الحرام) وقد أكدنا عليك ولأتباعك ذلك فلا كلام(وحيثما كنتم) من الجهات (فولوا) وجهوا(وجوهكم) في صلاتكم(شطره) نحوه(لئلا يكون) في التولي إلي غير الكعبة(للناس عليكم حجة) مجادلة فلا تبالوا قول اليهود تجحدون ديننا وتتبعون قبلتنا وقول المشركين تدعى ملة إبراهيم وتخالف قبلته(إلا الذين ظلموا) أنفسهم (منهم) بالعناد حتى أدخلوها في طرق الفساد(فلاتخشوهم) تخافوهم وتبالوا بحاججتهم(واخشوني) خافوني واجتهدوا فيما أمرتكم به(ولأتم نعمتي عليكم) بالتأييد عليهم( ولعلكم تهتدون) إلي سبيل الحق فتنصروا(كما) أنعمت عليكم بالاهتداء إلي القبلة(أرسلنا فيكم) سيد المرسلين جملة (رسولا منكم) محمدا صلى الله عليه وسلم(يتلو عليكم) لهدايتكم(آياتنا) القرآن(ويزكيكم) ويطهركم من الآثام(ويعلمكم الكتاب) ومافيه من الأحكام(و الحكمة) الأسرار الإلهية (ويعلمكم ما لم تكونوا) من قبل (تعلمون) من أنواع القربات إلي و الى الهبات(فاذكروني) (1) بأنواع الأذكار (أذكركم) في حضرتي وأجازكم بما ليس له انحصار وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملء ذكرته في ملء خير منهم (واشكروا لي) على ما أوليتكم ( و لا تكفرون) فتجحدوا نعمتي
    .........................................
    (1) (قوله فاذكروني) أي اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة اذكروني بالندم أذكركم بالكرم اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة اذكروني بالإخلاص أذكركم بالاختصاص اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب اذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان اذكروني ذكرا فانيا أذكركم ذكرا ياقيا اذكروني بصفاء السر أذكركم بخالص البر اذكروني بالصفو أذكركم بالعفو اذكروني بالتعظيم أذكركم بالتكريم اذكروني بالمناجاة أذكركم بالنجاة اذكروني بترك الجفاء أذكركم بحفظ الوفاء اذكروني بالجهد في الخدمة أذكركم بالنعمة ولذكر الله أكبر ا هـ.










    (يا أيها الذين آمنوا) السالكين سبيل الإيمان (استعينوا) على إدراك الدرجات العلى(بالصبر) على المصيبة وعلى الطاعة وعن المعصية وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر على المعصية (1) فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين السماء و الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلي منتهى العرش ومن صبر على المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجتين كما بين تخوم الأرضين إلي منتهى العرش مرتين (و الصلاة) التي هي رأس الدين ( ‘ن الله مع الصابرين) بالنصر و الظفر المبين(و لا تقولوا لمن يقتل) (2) يقتله الكفار (في سبيل الله) وطلب ‘علاء كلمته (أموات) ليسوا كذلك (بل أحياء) قال صلى الله عليه وسلم إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة (ولكن لا تشعرون) بحياتهم وما هم فيه من النعيم (ولنبلونكم) نعاملكم معاملة المختبر(بشئ من الخوف) من أعدائكم (والجوع) بالقحط(ونقص من الأموال) في البر و البحر (والأنفس) قتلا وموتا ( والثمرات) بالحوائج فإذا فعلنا بكم ذلك ننظر أتصبرون أم لا ( وبشر الصابرين) من العباد على ذلك الابتلاء
    ...................................................
    (1) قوله (على المعصية) أي عنها ا هـ تقرير ختم.
    (2) قوله (تعالى و لا تقولوا الخ) نزلت في قتلى بدر من المسلمين وكانوا أربعة عشر رجلا ، وكان الكفار يقولون للشهداء على طريق الطعن إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقتلون أنفسهم في الحرب بغير سبب ثم يموتون فيذهبون فنهى المسلمون أن يقولوا مثل هذا القول ا هـ.




















    (الذين إذا أصابتهم مصيبة) من المصائب المذكورة (قالوا) مسلمين لله (إنا لله) وما أصابنا منه رضينا (وإنا إليه راجعون) ومرتجون للثواب على ذلك منه(أولئك) القائلون (عليهم صلوات) تطهرهم (من ربهم ورحمة) تغمرهم(وأولئك هم المهتدون) إلي سبيل الحق وعند الله مقبلون (إن الصفا) هو جبل بمكة(والمروة) جبل بها أيضا(من شعائر الله) متعبداته (فمن حج البيت) الحرام (أو اعتمر) قصد للزيارة(فلا جناح عليه) لا إثم عليه(أن يطوف بهما) أي بينهما و السعي ركن في الحج لقوله عليه الصلاة و السلام اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي ولما حج صلى الله عليه وسلم وقف على الصفا وبدأ بها وقال نبدأ بما بدأ الله به ( ومن تطوع خيرا) فعل طاعة وغير واجبة عليه من أنواع العبادات وقرئ يطوع وقرئ بخير( فإن الله شاكر) لعمله بجزائه بالثواب عليه(عليم) به (إن الذين يكتمون) وهم علماء اليهود (ما أنزلنا) لهداية الناس(من البينات) أي الآيات الواضحات من الحدود و الرجم المذكورة في التوراة(والهدى) من نعت النبي صلى الله عليه وسلم فيها(من بعد ما بيناه) على أكمل الوجوه (للناس في الكتاب) أي في التوراة (أولئك) الفاعلون ذلك (يلعنهم الله) يطردهم من رحمته (ويلعنهم الاعنون) من الملائكة و النبيين(إلا الذين تابوا) عن الكتم (وأصلحوا) المعاملة مع الله (وبينوا) ما في كتبهم من الأحكام (فأولئك أتوب عليهم) أمن عليهم بالتوبة وأقبلها منهم (وأنا التواب) لمن تاب (الرحيم) بمن أناب
























    (إن الذين كفروا) وأشركوا مع الله إلها آخر (وماتوا وهم كفار) ولم يرجعوا (أولئك عليهم) لكفرهم (لعنة الله) البعد عن رحمته (والملائكة) تلعنهم(والناس أجمعين) وقرئ و الملائكة و الناس أجمعون (خالدين) الكفار (فيها) في اللعنة التي هي غضب الحق وموضع نقمته النار(لا يخفف عنهم) عن الكفار (العذاب) في النار(ولا هم ينظرون) يمهلون ليعتذروا(وإلهكم) معشر العباد كفارا و مسلمين (إله و احد) لا شريك له في الإلوهية (لا إله إلا هو) لا معبود بحق سواه(الرحمن الرحيم) ومن رحمته أن أبقى الكفار مع كفرهم في الدنيا(إن في خلق السموات) المتقن بنيانها(و الأرض) العجيب دحيها (واختلاف الليل و النهار) تعاقبهما (و الفلك) السفن (التي تجري في البحر) بإذن الله (بما ينفع الناس) من حملها لهم من بلد آخر وحمل تجارتهم ( وما أنزل الله) لمنفعة عباده (من السماء من ماء) مطر (فأحيا به الأرض) بأنواع النبات (بعد موتها) ويبسها (وبث) نشر (فيها) الضمير للأرض (من كل دابة) لنموهم عن الخصب الذي بها (وتصريف) تقليب (الرياح) جنوبا وشمالا وباردة وحارة وقرئ الريح بالإفراد (و السحاب المسخر) بتيسير الله


























    ( بين السماء و الأرض) بلا ماسك له (لآيات) تدل على أن الله هو الواحد (لقوم يعقلون) عن الله ما أودع من الآيات في مكنوناته وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل لمن قرأ هذه الآية فمج بها أي لم يتأمل فيها ونزلت الآية هذه لما قال الكفار حين قال النبي صلى الله عليه وسلم إن إلهكم لواحد إن كنت صادقا فأتنا بآية تدل على صدقك (ومن الناس) بني آدم (من يتخذ) لفساد عقله وخبث نيته(من دون الله) غيره (أندادا) أوثانا وأصناما بعضها أنداد بعض (يحبونهم) عبادهم (كحب الله) أي كحب المؤمنين لله ربهم(و الذين آمنوا) بالله (أشد حبا لله) فلا يعرضون عنه لا في الشدة ولا في الرخاء كما يعرض الكفار عن أندادهم في الشدة ( ولو ترى) أيها النبي الكريم وقرئ بالياء (الذين ظلموا) كفروا بالله (إذ يرون) وقرئ بالبناء للمفعول ( العذاب) يوم الحساب لرأيت شيئا مهولا (أن القوة) التي لا ترد (لله جميعا) جل شأنه ( وأن الله شديد العذاب) على من كفر به وقرئ بكسر همزة إن في الموضعين (‘ذ تبرأ الذين اتبعوا) أي المتبعون (من الذين اتبعوا) من الأتباع وقرئ بالعكس على أن المتبرئين هم الأتباع(و) قد (رأوا العذاب) وشاهدوا غضب رب الأرباب (وتقطعت) وقرئ بالبناء للمفعول لمشاهدة ذلك و هوله ( بهم) عنهم وبينهم (الأسباب) فلم تبق مواصلة و لا مودة بل العداوة و الشدة (وقال الذين اتبعوا) أي الأتباع

























    (لو أن لنا كرة ) رجعة إلي دنيانا(فنتبرأ منهم) من المتبوعين(كما تبرءوا منا) الآن (كذلك) كتبرؤ بعضهم من بعض (يريهم الله) الذي خالفوا أمره (أعمالهم) التي اقترفوها (حسرات) ندامات كائنة(عليهم وما هم) الكل (بخارجين من النار) بعد دخولهم فيها بل خلود واستقرار (يا أيها الناس كلوا) ياعباد الله (مما في الأرض) أوجده الله لكم (حلالا) مباحا(طيبا) مباركاو الآية نزلت فيمن حرموا أكل السوائب و الوصائل و البحائر (و لاتتبعوا خطوات) وقرئ بسكون الطاء وقرئ بفتحتين سبل (الشيطان) وما يحسنه لكم(إنه) الضمير للشيطان(لكم) معشر الناس (عدو مبين) فلا تتبعوه وأنزلوه في منزل العداوة كما قال تعالى ((إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا)) (إنما يأمركم) لعداوته لكم(بالسوء) بمخالفة الحق (و الفحشاء) العمل القبيح (وأن تقولوا على الله) تفتروا عليه اجتراء (ما لا تعملون) فتحرموا ما أحل ونحو ذلك (وإذا قيل) قال المؤمنون (لهم) للمجرمين ما أحل الله (اتبعوا) وامتثلوا ( ما أنزل الله) من التحليل و التحريم (قالوا) لسبق شقاوتهم (بل نتبع) ونمتثل (ما ألفينا) وجدنا (عليه ءآباءنا) من تحريم الحلال وسلوك مجاري الضلال قال الله ردا عليهم (أولوا كان آباؤهم) الذين سلكوا سبيل الضلال وتركوا طريق الحق (لا يعقلون شيئا) مما ينفعهم و لايضرهم (و لا يهتدون) إلي ما فيه نجاتهم ثم ضرب الله مثلا للكفار في عدم استماعهم لكلام النبي صلى الله عليه وسلم ودعايته الصريحة (و مثل الذين كفروا) أي نعتهم وحالهم مع من يدعوهم إلي الله (كمثل) الراعي (الذي ينعق) يصيح بالغنم وهي لا تعقل وذلك قوله























    (بما لا يسمع دعاء و نداء) أي فلا يسمعون وعظه وحسن دعايته بتدبير حتى يعقلوا من ذلك شيئا بل هم كالبهائم التي تسمع صوت راعيها و لاتعقل شيئا من ذلك (صم) عن سماع ما ينفعهم لدى الله (بكم) عن النطق بما يخلصهم عند الله (عمي) عن النظر فيما يدلهم على الله (فهم لا يعقلون) شيئا من ذلك لعدم عملهم به (يا أيها الذين آمنوا) بالله و رسوله (كلوا) مستعينين بأكلكم على طاعة الله (من طيبات ما رزقناكم) أي من الحلال الذي مننا عليكم به وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم ‘ن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا و أن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى ((يا أيها الرسل كلوا من الطيبات وعملوا صالحا)) وقال تعالى ((يا أيها الذين أمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)) (واشكروا لله) على ما أولاكم من جميل نعمه وأحله لكم بجوده وكرمه (إن كنتم إياه تعبدون) وفي التوجه إليه مخلصون وفي الخبر قال صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى إني و الجن والإنس في نبأ عظيم أخلق و يعبد غيري وأرزق ويشكر غيري (إنما حرم) ربكم (عليكم) معشر المؤمنين ( الميتة) وهو ما فارقته الروح بغير ذكاة مما يذبح (و الدم) المسفوح كما قال تعالى أو دما مسفوحا إلا ما جاء تخصيصه عنه صلى الله عليه وسلم في قوله أحل لنا ميتتان ودمان فالميتتان السمك و الجراد وأما الدمان فالكبد و الطحال (ولحم الخنزير) بجميع أجزائه معه في التحريم (وما أهل به) من المذبوح (لغير الله) ولم يذكر اسم الله عليه كما قال تعالى ((ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه)) (فمن اضطر) احتاج حاجة فاقة فله أكله (غير باغ) أي مالم يكن خارجا عن المسلمين مخالفا لهم (و لاعاد) بأن تعدى عليهم بقطعه الطريق ونحوه من خروج لمكس وخروج آبق (فلا إثم عليه) لإذا أكل






















    (إن الله غفور) لمن فعل ذلك لعذره المذكور (رحيم) به حيث وسع له في ذلك(إن الذين يكتمون) ويخفون ويحرفون(ما أنزل الله من الكتاب) وهو ما في التوراة من نعته صلى الله عليه و سلم (ويشترون به) بأن يستبدلوا(ثمنا قليلا) من حقير الدنيا وخسيسها (أولئك) الفاعلون ذلك (ما يأكلون في بطونهم) الخبيثة (إلا النار) لأن عاقبتهم إليها (ولا يكلمهم الله) بل يحرمون لذة مناجاته ويبوءون بغضبه وكبير نقماته (ويوم القيامة) يوم العرض على جنابه العزيز (و لايزكيهم) يطهرهم من دون معاصيهم (ولهم) بما قدموا (عذاب أليم) شديد لا ينفك(أولئك الذين اشتروا) بفساد عقولهم (الضلالة) طريق الخسران (بالهدى) سبيل النجاة لدى الله(و العذاب) استبدلوه (بالمغفرة) لدى الله (فما أصبرهم) ما أشد صبرهم (على النار) التي هي دار غضب الجبار (ذلك) المذكور (بأن الله نزل الكتاب) القرآن (بالحق) الذي لا شك فيه (وإن الذين اختلفوا في الكتاب) وقالوا شعر و قالوا كهانة (لفي شقاق) خلاف عن الحق (بعيد) وبئس هم (ليس البر) الذي يقربكم إلي الله وقرئ البر بالرفع(أن تولوا) في صلاتكم (وجوهكم قبل المشرق) أي جهة المشرق



























    (والمغرب) ونزلت الآية في اليهود و النصارى حين زعموا أن ذلك عند الله هو البر(ولكن البر) عمل البر النافع لدى الله وقرئ البار وقرئ بالتخفيف ورفع البر (من آمن بالله) ولم يشرك في عبادته أحدا(و اليوم الآخر) آمن بيوم الحساب ووقوعه وما فيه من الجزاء(والملائكة) أنهم عباد الله معصومون خزنة أسراره(والكتاب) أي و الكتب أنها كلام الله المودع فيه أحكامه(والنبيين) أنهم صادقون فيما جاءوا به عن الله(وآتى المال) أي وأعطاه(على حبه) أي مع محبته له في حال صحته وفي البخاري و مسلم وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أفضل الصدقة أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تأمل العيش وتخشى الفقر ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا و لفلان كذا ألا وقد كان لفلان أو على حب الله بأن آثر الآخرة على الدنيا وأنفق ماله رغبة فيها بل أعطى المال لله فإن من أنفق ماله في محبة الله لا لطلب الآخرة بل لطلب وجهه الكريم هو العبد الحقيقي (ذو القربى) أي أعطاه أهل القرابة الحسية أو أهل القرابة المعنوية وهم أهل الله(واليتامى) الذين مات آباؤهم (و المساكين) الضعفاء أو من سكن قلبهم إلي الله (وابن السبيل) المسافر أو من توجه إلي الله بالصدق وترك علائق الكون (والسائلين) الطالبين فإن الطالب له حق وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم للسائل حق وإن جاء على فرس (وفي الرقاب) أي وأعطى المال لفك الرقاب كالمكاتب و الأسير (وأقام الصلاة) بأركانها مع الحضور (وآتى الزكاة) المفروضة عليه عن طيب نفس (والموفون بعهدهم) لله (إذا عاهدوا) فلا ينقضونه مع الناس أو مع ربهم (و الصابرين) بلا كثرة قلق (في البأساء) شدة الفقر إذا حلت بهم ( والضراء) حال المرض





















    (وحين البأس) حين يحمى القتال (أولئك) المنعتون (الذين صدقوا) في معاملتهم مع مولاهم (وأولئك هم المتقون) المختشون الله المتحققون بخوفه وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان (ياأيها الذين آمنوا) بالله و رسوله ( كتب) فرض (عليكم القصاص) باعتبار المماثلة وقرئ كتب بالبناء للفاعل و القصاص بالنصب (في القتلى) فالحكم أن القتل (الحر) المسلم (بالحر) المسلم وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر (والعبد) يقتل (بالعبد) وفي مسند أحمد عنه صلى الله عليه و سلم لا يقتل حر بعبد (والأنثى) تقتل (بالأنثى) ويقتل الذكر بها كما وضحت السنة (فمن عفى له) أي عفا القاتلون له ( من أخيه) أي من دم المقتول (شئ) بأن عفا بعض الأولياء فيسقط القود حينئذ (فاتباع) على العافي للقاتل (بالمعروف) فيطالبه بالدية بلا تشديد عليه (وأداء) على القاتل (إليه) إلي الوارث العافي للدية (بإحسان) بلا تسويف ومطل (ذلك) الحكم المذكور من الله (تخفيف) وتهوين (من ربكم) عليكم (ورحمة) بكم فإنه وسع عليكم يا أمة محمد ما حجره على غيركم فإنه قد أوجب جل شأنه على النصارى الدية وعلى اليهود القصاص (فمن اعتدى) فقتل القاتل المعفو عنه (بعد ذلك) العفو الواقع (فله عذاب أليم) في الدار الآخرة ويقتل في الدنيا أيضا لما ورد أنه صلى الله9 عليه وسلم قال لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية (ولكم) معشر عباد الله المؤمنين (في القصاص) وقتل القاتل بالمقتول (حياة) لأنه إذا علم أنه يقتل ترك القتل أو من رأى القصاص لا يتجرأ على القتل فاعلموا ما أراد بذلك الله (يا أولي الألباب) العقلاء أهل الفطانة و العقول السليمة (لعلكم تتقون) تجتنبون القتل






















    (كتب عليكم) فرض عليكم (إذا حضر أحدكم الموت) بأن بانت أسبابه وظهرت علاماته عليه (إن ترك خيرا) مالا (الوصية) يوصى بها (للوالدين و الأقربين) وكان هذا في بدء الإسلام ونسخ بآية المواريث وقوله صلى الله عليه وسلم لا وصية لوارث (بالمعروف) و العدل فلا يعطي الغني أكثر من الفقير و لا يتجاوز الثلث (حقا) ذلك (على المتقين) المختشين الله سبحانه (فمن بدله) أي غير الإيصاء من وصى و شاهد (بعد ما سمعه) بنفسه أو وصل إليه بتحقيق (فإنما إثمه) إثم تغييره (على الذين يبدلونه) لا على الميت (إن الله سميع) لما يقوله الموصون (عليم) بما يفعل كل وصى فيجازيهم عليه (فمن خاف) توقع و علم (من موص) وقرئ مثقلا (جنفا) ميلا إلي الخطأ في أمر الوصية (أو إثما) كأن يتعمد الزيادة على الثلث أو تفضيل الغنى ( فأصلح بينهم) أي بين الموصى لهم على الطريق الشرعي (فلا إثم عليه) فيما فعل ( إن الله غفور) للمسيئين (رحيم) بالمحسنين (يا أيها الذين آمنوا كتب) فرض (عليكم الصيام) صيام رمضان (كما كتب) مطلق صوم أيام (على الذين من قبلكم) من الأنبياء وأممهم (لعلكم تتقون) ما يبعد عن الله فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي أول داع إلي المعاصي وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالباءة فمن لم يستطيع فعليه بالصوم فإنه له وجاء

























    (أياما معدودات) موقتات هي مدة شهر رمضان القائل فيها صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين (فمن كان منكم) معشر عباد الله المؤمنين (مريضا) فيها (أو على سفر) كذلك مسافرا سفر قصر (فعدة) إذا أفطر تلزمه (من أيام أخر) على عدد ما أفطر (وعلى الذين يطيقونه) أي الصوم (فدية) أي يفتدى عنها وذلك (طعام مسكين) من غالب قوت البلد ونسخت بقوله تعالى ((فمن شهد منكم الشهر فليصمه)) وقدرها مد عن كل يوم (فمن تطوع خيرا) زاد للمساكين في الفدية (فهو) التطوع (خير له) عند الله وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله (وأن تصوموا) معشر المؤمنين (خير لكم) في آخرتكم (‘ن كنتم تعلمون) ما في الصوم من الثواب (شهر رمضان) هو الواجب صومه على هذه الأمة (الذي أنزل فيه) من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلي بيت العزة في سماء الدنيا (القرآن) ثم أنزل نجوما إلي النبي صلى الله عليه و سلم في مدة البعثة (هدى) من الضلال (للناس) أجمعين (وبينات) آيات و اضحات الدلالة (من الهدى) المهتدى به إلي الصواب مما أحله الله وحرمه (و الفرقان) المفرق بين الحق و الباطل (فمن شهد) حضر (منكم) عباد الله المؤمنين (الشهر) المذكور (فليصمه) و لايفرط في يوم منه بغير عذر (ومن كان مربضا) مرضا مبيحا له الإفطار (أو على سفر) مسافرا مدة قصر (فعدة) يلزمه صيامها محل تلك الأيام (من أيام أخر) من باقي السنة (يريد الله بكم) حيث أباح لكم الفطر مع المرض و السفر (اليسر) وعدم المشقة (و لا يريد بكم العسر) المشقة بالتكاليف
























    (ولتكملوا) وقرئ بالتشديد (العدة) عدة أيام صومكم (و لتكبروا الله) يوم الفطر (على ما هداكم) على هدايته لكم للصوم (و لعلكم تشكرون) الله على ما وفقكم له من صومكم الموجب لكم أكبر الجزاء لديه وفي الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فهو لي وأنا أجازي به والصيام جنة ولإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث و لايصخب وإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم و الذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عد الله من ريح المسك و للصائم فرحتان إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه وكيف لا يشكر شئ أوجب المعاملة مع الحق حتى تولى جزاءه بنفسه ولعل المقصود بجزائه تجلية بنفسه للصائم ولما سأل جماعة المصطفى صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه نزل (وإذا سألك عبادي) طالبين مني مقاصدهم (عني) إذا دعوني أقريب أم بعيد قل لهم قال لكم ربكم(فإني قريب) أقرب إليهم من حبل الوريد (أجيب دعوة الداع) لجنابي(إذا دعان) وطلب مني (فليستجيبوا لي) ما دعوتهم إليه من اللإيمان و الطاعة وليطيبوا مطعمهم ومشربهم فإن إجابة دعائم لي مقرونة بذلك وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص يا سعد إن الله لا يستجيب دعاء عبد لم يطب مطعمه ذكر الحديث بطوله الجد سيدي عبدالله المرغني في حاشيته على كتابه المعجم و عند مسلم في آخر حديث له مرفوعا ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه لإلي السماء يا رب يارب و مطعمه حرام و ملبسه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك (وليؤمنوا بي) يدوموا على الإيمان بي و العمل بما يزيدهم إيمانا (لعلهم يرشدون) وإلي سبيل الخير يهتدون وقرئ بكسر الشين و فتحها (أحل لكم) أيها الصائمون (ليلة الصيام) أي الليلة التي تصبحون صائمين نهارها (الرفث إلي نسائكم) الإفضاء إليهن بالجماع (هن) أي نساؤكم (لباس لكم) فراش



















    (وأنتم لباس لهن)أي لحاف وهو كناية عن التعانق (علم الله) منكم (أنكم) لغلبة نفوسكم (كنتم تختانون) تخونون وتظلمون (أنفسكم) وذلك حين حجر عليكم فعل ذلك من أول الليل (فتاب عليكم) ما فعلتموه (وعفا عنكم) فيما أسأتموه(فالآن) وسع لكم في ذلك فقال لكم (باشروهن) أي جامعوهن(وابتغوا) اطلبوا(ما كتب الله لكم) الترخيص فيه من الجماع و طلب الولد (وكلوا) من طيبات ما أحل الله لكم (واشربوا) كذلك طول الليل (حتى يتبين) و يظهر (لكم الخيط الأبيض) وهو مبادي الفجر (من الخيط الأسود) وهو الليل (من الفجر) المعبر عنه بالخيط الأبيض فقد وسعنا لكم وأبحنا لكم ما كنا حجرناه عليكم من أول الليل إلي الفجر (ثم أتموا) من وقتكم ذلك (الصيام) عن كل مفطر (إلي الليل) وفي البخاري و مسلم عنه صلى الله عليه و سلم قال إذا أقبل الليل من ههنا و أدبر النهار من ههنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم (و لا تباشروهن) الضمير للنساء (وأنتم) أيها المؤمنون (عاكفون) مقيمون (في المساجد) بنية الاعتكاف فإنه يفسد (تلك) أحكام الله التي ذكرها (حدود الله) حدها لعباده (فلا تقربوها) فإنه من قرب من الشئ يخشى أن يدخل فيه و في الخبر عنه صلى الله عليه وسلم أن لكل ملك حمى و حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه (كذلك) مثل ما بين الله لكم هذه الأحكام (يبين الله آياته) التي يفرق بها بين الحق و الباطل (للناس) الطالبين النجاة منه
























    (لعلهم يتقون) يجتنبون ما يوجب غضبه وعقابه (ولا تأكلوا) إن أردتم النجاة عند الله (أموالكم بينكم) بأن يأكل بعضكم مال بعض (بالباطل) بغير وجه حلال من سرقة و غصب ونهب وغير ذلك (و تدلوا بها) تعرضوا بها (إلي الحكام) كالرشوة (لتأكلوا) بتحاكمكم (فريقا) طائفة (من أموال الناس) تعديا على الله (بالإثم) أي بما يحصل لكم الإثم (وأنتم تعلمون) أنكم غير محقين فيصيبكم مقت الله وغضبه (يسألونك) بعض من الصحابة (عن الأهلة) ما بالها تبدو دقيقة كالخيط ثم تزيد حتىتستوى ثم لا تزال تنقص حتى ترجع كما بدأت (قل) لهم أيها النبي الكريم (هي) الأهلة (مواقيت للناس) معالم للناس يعلمون بها أوقات أمورهم و معالم لعبادتهم كأوقات صيامهم وإفطارهم (و الحج) كذلك يعلم وقته بها قلو بقيت على حالة واحدة لم يعرف ذلك(وليس البر) الذي تتقربون به إلي الله (بأن تأتوا البيوت) حين تقدموا محرمين وقرئ بكسر الباء (من ظهورها) لأنهم كانوا ينقبون نقبا في ظهر البيت فيخرجون به ويظنون أن ذلك البر (ولكن البر) المقرب إلي الله (من اتقى) الله واخشى حتى لم ير سواه (وأتوا البيوت) حالة إحرامكم (من أبوابها) كما كنتم تأتونها في غير وقت الأحرام(واتقوا الله) واخشوه وامتثلوا ما أمركم به (لعلكم) بما يقرب لديه(تفلحون) تظفرون (وقاتلوا) لله ونزلت هذه الآيةر حين صد النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت ووقع الصلح بينه وبين الكفار
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان Empty رد: سورة البقرة مدنية و آياتها ست و ثمانون ومئتان

    مُساهمة  Admin السبت مايو 05, 2012 1:54 am

    (في الحياة الدنيا) وهو منطو على خلاف ما ينجيه في الآخرة(ويشهد) يستشهد(الله على مافي قلبه) أنه موافق لما نطق به (و هو) أي و الحال أنه (ألد الخصام) أي شديد خصومته (وإذا تولى) أدبرلا عنك(سعى) سار(في الأرض) قاصدا(ليفسد فيها) الضمير للأرض(ويهلك الحرث) ويتلف الزرع(و النسل) ويهلك الأنعام وقد فعل هذا الخبيث حين رجع من عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتلف زراعة المسلمين وعقر حمارا وهكذا فعل المنطوي على النفاق لا يبالي بما لله و لابحقوق المسلمين (والله لا يحب) لا يرضى (الفساد) فاجتنبوه (وإذا قيل له) لمن هذه صفته (اتق الله) اخشه وخف من تعديك لحرمة (أخذته العزة) الحمية و الأنفة (بالأثم) على ما هو مرتكبه من الإثم (فحسبه) كفايته (جهنم) دار غضب الجبار(ولبئس المهاد) ولبئس الفراش له هي و القرار (ومن الناس) وهو صهيب نزلت فيه حين آذاه المشركون بمكة فترك ماله لهم وهاجر إلي النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ولذا قال الله تعالى (من يشري نفسه) أي يبذلها في طاعة مولاه (ابتغاء) و طلب (مرضاة الله) فيكون رضا الحق أكبر مناه (والله) الهادي إلي أقوم الرشد (رءوف بالعباد) مثل هذا المهدى إلي سبيل الرشاد (يا أيها الذين أمنوا) بالله ورسوله (ادخلوا في السلم) وقرئ بفتح هذا المهدى إلي سبيل الرشاد (يا أيها الذين أمنوا) بالله ورسوله (ادخلوا في السلم) وقرئ بفتح السين أي الإسلام (كافة) في جملة أحكامه وشرائعه (و لا تتبعوا خطوات) سبل















    (الشيطان) بالتفرق (إنه) أي الشيطان (لكم عدو) لا شك في عداوته (مبين) ظاهرة عداوته (فإن زللتم) عن دخولكم في جملة شرائع الإسلام (من بعد ما جاءتكم) من عند الله (البينات) البراهين الساطعات لأنها حق (فاعلموا) إذا خالفتم (أن الله عزيز) لا يعجزه شئ عن الانتقام منكم (حكيم) في ترتيب ما حرمه وأحله (هل ينظرون) ما ينتظر المعرضون عما أمرناهم به (إلا أن يأتيهم الله) يوم العرض عليه (في ظلل) وقرئ ظلال (من الغمام) السحاب الأبيض (و الملائكة) تأتي أفواجا وقرئ بالجر (وقضى الأمر) بأن فرغ من هلاكهم وقرئ وقضاء الأمر (وإلي الله ترجع الأمور) فيجازي العباد وقرئ ترجع بالناء للفاعل (سل) أيها النبي الكريم (بني إسرائيل) مكيدة لهم وتبكيتا عليهم (كم آتيناهم) أعطيناهم (من آية بينة) كفلق البحر وإنجائهم من عدوهم وإنزال المن و السلوى عليهم وغيرها فكفروا بها وبدلوها (ومن يبدل نعمة الله) التي هي سبب هدايته (من بعد ما جاءته) من ربه (فإن الله شديد العقاب) لمن بدل نعمة وكفر بها وسلك غير طريق الصواب (زين) وقرئ بالفتح (للذين كفروا) بالله ورسوله (الحياة الدنيا) وترونقها فاشتغلوا بها وأعرضوا (ويسخرون) ويستهزئون (من الذين آمنوا) لفقرهم كصهيب وعمار ويؤتفعون عليهم بالمال















    (و الذين اتقوا) خافوا الله واشتغلوا به فلم تغرهم زينة الدنيا وزخارفها (فوقهم) الضمير للذين كفروا (يوم القيامة) لأنهم في الجنان و هؤلاء الكفار تحتهم في النيران ( والله يرزق) رزقا حسنا طيبا (من يشاء) من عباده (بغير حساب) في الدنيا بملك أموال الخاسرين الساخرين بهم وفي الآخرة بأنواع النعيم التي لا تحسب (كان الناس) على عهد إبراهيم (أمة واحدة) متفقين على الكفر (فبعث الله النبيين) إبراهيم وغيره(مبشرين) من آمن بالجنان (ومنرين) محذرين ومخوفين من كفر بالنيان(وأنزل معهم) لهداية العباد وإقامة الحجة(الكتاب) أي الكتب(بالحق) أي ملتبسة بالحق مع كل نبي منهم كتاب يخصه بل أكثرهم لم يكن لهم كتب وإنما حكمهم بكتب من قبلهم (ليحكم) الله (بين الناس) المرسل إليهم الرسل (فيما اختلفوا فيه) من الحق(وما اختلف فيه) الضمير للحق (إلا الذين أوتوه) الضمير للكتاب (من بعد ما جاءتهم) من عند الله (البينات) الحجج الواضحات على انفراده بالألوهية وصدق رسله وما كان اختلافهم لإلا (بغيا) حسدا وظلما (بينهم) وحرصا على ديناهم ورياستهم فلذلك اختلف اليهود في أمره (فهدى الله الذين آمنوا) به وبرسوله(لما اختلفوا فيه) الكفار (من الحق) الذي أوضحه في كتبه (بإذنه) ب‘رادته و توفيقه لذلك (والله يهدي) من العباد (من يشاء) هدايته وعنايته (إلي صراط) طريق (مستقيم) على الحق (أم حسبتم) معشر المؤمنين ((أن تدخلوا الجنة) التي هي دار نعيم الحق (ولما) ولم















    (يأتكم مثل)شبه امتحان (الذين خلوا من قبلكم) من الرسل وأممهم(مستهم) أصابتهم (البأساء) شدة الحاجة (و الضراء) الأمراض (وزلزلوا) أزعجوا بأنواع المصائب الشديدة فاصبروا كصبرهم إن أردتم الدرجات العلى (حتى يقول) وقرئ بالرفع (الرسول) الداعي إلي الله طلبا لنصر دين الله (و الذين آمنوا معه) استبطاء لذلك لشدة ما هم فيه(متى) يأتينا (نصر الله) الذي وعدنا به فأجابهم الحق فقال (ألا إن نصر الله) الذي وعدكم به (قريب) مجيؤه لكم فأبشروا واعلموا أن درجة الجنان بالص2بر على المكاره كما قال صلى الله عليه وسلم حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات (يسألونك) أيها النبي الكريم (ماذا) الذي (ينفقون) نزلت حين سأل عمرو بن الجموح النبي صلى الله عليه وسلم ما انفق من أموالنا وأين نضعها فقال الله لرسوله عليه الصلاة و السلام (قل) لهم مرشدا المحل ما يضعون أموالهم لتنفعهم لدينا (ما أنفقتم من خير) تطلبون به رضانا و التقرب إلينا (فللوالدين) أنفقوه (و الأقربين) وفي الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم اثنتان صدقة وصلة (و اليتامى) الذين لا آباء لهم(و المساكين) الفقراء (وابن السبيل) المسافر (وما تفعلوا) في المعاملة مع الله (من خير) تطلبون به وجه الله (فإن الله به عليم) فيجازيهم عليه بما لا يحسب كما في هذا الحديث أن اللقمة تقع في يدي الرحمن فيربيها حتى تكون مثل جبل أحد (كتب) فرض معشر المؤمنين (عليكم القتال) للكفار


















































    (إن الله لذو فضل) لا حد له (على الناس) ومن فضله إحياء هؤلاء (ولكن أكثر الناس) لغفلتهم عن آلائه (لايشكرون) جزيل نعمائه (وقاتلوا) معشر المؤمنين (في سبيل الله) لإعلاء كلمته (واعلموا أن الله) جل شأنه (سميع) لمن يقاتل في سبيله (عليم) بحسن نيته يجازيه عليه (من ذا الذي) من العباد (يقرض الله) بالإنفاق في سبيله (قرضا حسنا) لا يطلب به إلا وجهه (فيضاعفه) وقرئ فيضعفه بالتشديد (له) للمقرض (أضعافا كثيرة) لا يحصرها إلا هو ( والله يقبض) يقتر الرزق على من يشاء (ويبسط) الرزق لمن يشاء وقرئ ويبصط بالصاد (و إليه ترجعون) فيجازيكم على ما تعملون (ألم تر) أيها النبي الكريم (إلي) خبر (الملإ) الجماعة (من بني إسرائيل) أمة موسى ( من بعد موسى) أي بعد موته (إذ قالوا لنبي لهم) وهو يوشع (ابعث لنا) أقم لنا (ملكا) أميرا (نقاتل) معه (في سبيل الله) وقرئ نقاتل بالرفع (قال) نبيهم لهم (هل عسيتم) قاربتم وقرئ بالكسر (إن كتب عليكم القتال) من ربكم (أن لا تقاتلوا) أي أتوقع منكم جنبكم عن القتال (وقالوا) الملأ (وما لنا أن لا نقاتل) أعداءنا (في سبيل الله وقد أخرجنا) وكان أخرجهم جالوت ومن معه من العمالقة (من ديارنا وأبنائنا) وكانوا سبوا أولادهم (فلما كتب عليهم) الضمير للملإ


























    (القتال) في سبيل الله (تولوا) وجنبوا(إلا قليلا منهم) وهم و ثلاثة عشر عدد أهل بدر ( والله عليم بالظالمين) الذين ظلموا أنفسهم بالتأخر عن الجهاد بعد أن طلبوه(وقال لهم نبيهم) حين سألوه إرسال ملك يجاهدون معه (إن الله قد بعث لكم) للقتال (طالوت ملكا) فقاتلوا معه (قالوا) لعدم كمال نظرهم (أنى) كيف (يكون له) الضمير لطالوت (الملك علينا) أي بما يستحق التقديم علينا بالملك(ونحن أحق بالملك منه) لأنه ليس من سبط النبوة و لا الملك وكان راعي غنم وما علموا أن رعاية الغنم من أشرف الحرف وفيها يقول سيد المرسلين ما من نبي إلا و قد رعى الغنم حتى أنا كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة (و لم يؤت سعة) كثيرة (من المال) يكون عونا له على إقامة الملك و (قال) لهم نبيهم (إن الله اصطاه) اختاره (عليكم) بالملك (وزاده) من خزائن فضله (بسط) سعة ووفورا (في العلم و الجسم) وكان أعلم بني إسرائيل يومئذ وأتمهم خلقا وأجملهم (والله يؤتي) يعطي (ملكه من يشاء) أي هو مالك الملك يمنح ملكه من يختار (والله واسع) يسع فضله مثل هذا وغيره (عليم) بمن يستحق ذلك (وقال لهم نبيهم) حين سألوه آية تدل على استحقاق طالوت للملك (إن آية) علامة (ملكه) أنه بأمر من الحق (أن يأتيكم التابوت) الصندوق الذي فيه صور الأنبياء (فيه سكينة) طمأنينة لكم (من ربكم) يسكن به قلوبكم ويثبتها
























    (وبقية) فيه (مما ترك آل موسى) وهي رضاض الألواح وثيابه وعصاه ونعلاه (وآل هرون) عمامته(تحمله) الضمير للتابوت (الملائكة) فنزلت به وهم ينظرون إليه (إن في ذلك) إتيان التابوت(لآية لكم) على أنه حقيق بالملك(إن كنتم مؤمنين) فقد رأيتم ما يدل على أهليته للملك (فلما فصل) خرج عن بلده (طالوت بالجنود) لقتال العمالقة (قال) طالوت (إن الله مبتليكم) مختبركم (بنهر) وهو بين الأردن و فلسطين يظهر به عاصيكم من طائعكم (فمن شرب منه) من ماء ذلك النهر (فليس مني) من أشياعي (ومن لم يطعمه) أي لم يذقه (فإنه مني) وسيفوز بما أفوز به (إلا من اغترف) من ذلك النهر(غرفة) وقرئ بالفتح (بيده) ولم يزد عليها فذلك مني(فشربوا منه) حين قدموا عليه (إلا قليلا منهم) اكتفوا بالغرفة وقرئ قليل بالرفع (فلما جاوزه) الضمير للنهر (وهو والذين آمنوا معه) الذين اكتفوا بالغرفة (قالوا) الشاربون (لا طاقة) لا قدرة (لنا اليوم بجالوت) أي على قتال جالوت (وجنوده) فجبنوا ولم يجاوزوه(قال الذين يظنون) حققوا و أيقنوا(أنهم ملاقو الله) فيجازيهم على حسن أعمالهم (كم) كثير(من فئة) جماعة (قليلة غلبت) لما ثبتت (فئة كثيرة) أكثر منها (بإذن الله) وتيسيره (والله مع الصابرين) على الحق حين تتزلزل الأقدام (ولما برزوا) خرجوا (لجالوت وجنوده) أي لقتالهم واصطفوا
























    (قالوا) المؤمنون(ربنا) أي ياربنا (أفرغ) من واسع فضلك (علينا صبرا) جميلا (وثبت أقدامنا) عند مصادمة العدو أي قو قلوبنا على قتالهم (وانصرنا) بتأييدك يا مولانا (على القوم الكافريين) الذين هم أعداؤنا وأعداؤك(فهزموهم) كسروهم (بإذن الله) وعونه و نصره(وقتل) نبي الله (داود) عدو الله (جالوت) وكان داود عليه السلام في عسكر طالوت (وآتاه الله) من محض فضله (الملك) أي ملك بني إسرائيل (والحكمة) النبوة بعد موت يوشع و طالوت ولم يجتمع الملك و النبوة لأحد قبله (وعلمه) من خزائن علمه (مما يشاء) كصنعة الدروع و كلام الطير و الدواب (ولولا دفع الله الناس) وقرئ دفاع الله(بعضهم ببعض) بنصر المسلمين على الكفار (لفسدت الأرض) وخربت واضمحل الإسلام ودرست بيوت الله (ولكن الله ذو فضل على العالمين) حيث دفع شر الكافرين بالمؤمنين (تلك آيات الله ) المذكورة آنفا (نتلوها) نقصها (عليك) أيها النبي الكريم (بالحق) المطابق للواقع ( وإنك لمن المرسلين) فالويل لمن كذبك والعز لمن آمن بك (تلك الرسل) جماعة الرسل كلها المعلومة لك أيها الرسول (فضلنا بعضهم ) ببعض المزيا (على بعض) على من سواه وهو محمد صلى الله عليه وسلم ( منهم من كلم الله ) وقرئ كالم الله بالنصب وهذا وجه تفضيل موسى ومنهم من فضل بالخلة كإبراهيم (ورفع بعضهم) أي بعض الرسل (درجات) وفي الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم قال أنا أول الناس حروجا إذا بعثوا و أنا خطيبهم إذا وفدوا وأنا مبشرهم إذا أيسوا لواء الحمد يومئذ بيدي و أنا أكرم ولد آدم على ربي و لافخر























    (وآتينا عيسى) السيد الحصور ((ابن مريم) الطاهرة الزكية (البينات) الآيات الواضحات(وأيدناه) قويناه(بروح القدس) جبريل الأمين فكان يسير معه حيث سار(ولو شاء الله) هدى بنى آدم كلهم (ما اقتتل الذين من بعدهم) الضمير للرسل أي ما اقتتل قومهم من بعدهم (من بعد ما جاءتهم البينات) المعجزات الظاهرات فأخذ بعضهم بتضليل بعض (ولكن اختلفوا) بحسب ما سبق في علم الله فيهم (فمنهم من آمن) بهداية الله له إلي الإيمان(ومنهم من كفر) وباء بالخسران(ولو شاء الله) هداية الكل( ما اقتتلوا) ولتوافقوا على الحق (ولكن الله يفعل) في عباده (مايريد) فيهدي من أراد هدايته ويضل من كتب إضلاله (يا أيها الذين آمنوا) الطالبون من الله النجاة (أنفقوا) لليوم الآخر (ومما رزقناكم) واخرجوه زكاة أموالكم (من قبل أن يأتي) عليكم (يوم لا بيع فيه) و لاقداء فيه لعبد (و لاخلة) أي و لا يغني خليل عن خليل ( ولا شفاعة) إلا بإذن الله لمن يستحقها وقرئ الثلاثة بالنصب (والكافرون) بالله و رسوله (هم الظالمون) أنفسهم بإدخالها النار(والله لا إله إلا هو) لا معبود بحق سواه (الحي) الذي يموت (القيوم) الدائم القائم بتدبير الخلق (لا تأخذه) جل شأنه (سنة) نعاس (و لانوم) الغشية الثقيلة (له ما في السموات وما في الأرض) يتصرف فيه كيف شاء (من ذا الذي) لا أحد (يشفع عنده) من العباد

























    (إلا بإذنه) فإذا أذن له شفع (يعلم ما بين أيديهم) أي أمر الدنيا(وما خلفهم) أي أمر الآخرة (ولا يحيطون بشئ) لا يعلمون شيئا (من علمه) جل شأنه (إلا بما شاء) أن يعلمهم به منه ( وسع كرسيه السموات و الأرض) الفلك التاسع الذي دون العرش وفي الحلية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الكرسي لؤلؤ و القلم لؤلؤ وطول القلم سبعمائة سنة و طول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون (ولا يؤده) و لايثقله (حفظهما) الضمير للسموات و الأرض (وهو العلي) عن جميع خلقه بكبريائه وعظمته (العظيم) بجلال سبحات وجهه وللديلمي في الفردوس قال صلى الله عليه وسلم في أثناء الحديث وسيد الكلام القرآن وسيد القرآن البقرة وسيد البقرة آية الكرسي أما إن فيها خمس كلمات في كل كلمة خمسون بركة وفي النسائي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة الا أن يموت وقال صلى الله عليه وسلم إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي من قرأها بعث الله له ملكا يكتب من حسناته ويمحو من سيئاته إلي الغد من تلك الساعة (لا ‘كراه في الدين) على الدخول فيه نزلت فيمن كان له من الأنصار أولاد وأراد أن يكرههم على الإسلام (قد تبين الرشد) أنه هو الإيمان (من الغي) أنه هو الكفر (فمن يكفر بالطاغوت) بالأصنام (ويؤمن بالله) يوحده ويصدق رسله (فقد استمسك) تمسك (بالعروة الوثقى) الشديدة القوية التي (لا انفصام) لا انقطاع (لها) لقوتها (والله سميع) لمن تمسك بالإيمان(عليم) به فيجازيه على ذلك (والله ولي) ناصر ومتولي(الذين آمنوا) بعنايته





















    (يخرجهم من الظلمات) ظلمات الشرك (إلي النور) نور الهدى (والذين كفروا) بالله (أولياؤهم) الذين في عونهم (الطاغوت) الشيطان (يخرجونهم) بغوايتهم (من النور) الإيمان (إلي الظلمات) الكفر (أولئك) المكتوب عليهم الشقاوة المعدون لها (أصحاب النار هم فيها خالدون) وعنها لا ينفكون ( ألم تر إلي) قصة (الذي حاج) جادل (إبراهيم في ربه) وهو النمروذ ( أن آتاه الله) أعطاه (الملك) ومع ذلك كفر بنعمة الله (إذ قال إبراهيم) للنمروذ حين قال له من ربك قال إبراهيم (ربي الذي يحي) يخلق الحياة في الأجسام ( ويميت) بإظهار الموت في الأجساد (قال) النمروذ (أنا أحي) أيضا (وأميت) ودعا برجلين فقتل أحدهما وأبقى الآخر وقال ها أنا أحي و أميت فلما أبصر إبراهيم قلة عقله وشدة سكرته وغفلته عن ربه (قال إبراهيم) له (ف‘ن الله يأتي بالشمس) أي يطلعها (من المشرق) فإن كنت صادقا في ادعئك الربوبية (فأت بها من المغرب) عكس ما يرى ( فبهت الذي كفر) تحير وصار مدهوشا وقرئ فبهت بالبناء للفاعل(والله لا يهدي) إلي طريق الاحتجاج (القوم الظالمين) الكافرين (أو كالذي) أي أو رأيت مثل الذي(مر على قرية) هي بيت المقدس وهو عزير راكب على حمار ومعه قدح عصير وسلة تين (وهي خاوية) خالية ساقطة (على عروشها ) على سقوفها وذلك لما خربها بختنصر (قال) عزير (أنى) كيف















    (يحي هذه) القرية (الله بعد موتها) وذلك استعظاما لقدرة الحق جل شأنه(فأماته الله) وألبثه ميتا(مائة عام) لا روح فيه(ثم بعثه) أحياه بعد ذلك (قال) له (كم لبثت) أي أقمت هنا (قال لبثت) في موضعي هذا (يوما أو بعض يوم) إضراب لأنه رأى بقية الشمس فظن أنه بعض يوم ظانا ذلك لأنه قبض أول نهار حيننام و أحي عند الغروب (قال) الله له (بل لبثت مائة عام) في مكانك هذا (فانظر إلي طعامك) التين الذي في السلة (وشرابك) العصير الذي في القدح (لم يتسنه) لم يتغير وقرئ لم يتسن (وانظر إلي حمارك) سالما في مكانه فرآه ميتا وعظامه بيض تلوح وفعلنا معك هذا لتعلم قدرتنا على إحياء القرية إذا أردنا إحياءها ومن فيها (ولنجعلك آية للناس) حتى يصدقوا بالبعث (وانظر إلي العظام) عظام حمارك (كيف ننشزها) نحييها و قرئ ننشرها بالراء (ثم نكسوها لحما) فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخت روحها فيها ونهق الحمار (فلما تبين له) الأمر بالمشاهدة (قال أعلم) مع مشاهدتي وقرئ أعلم على الأمر(أن الله على كل شئ قدير) لا يعجزه شئ (وإذ قال إبراهيم) خليل الله (رب أرني) عيانا (كيف تحي الموتى) تبعثهم (قال) الله له (أو لم تؤمن) بذلك (قال بلى) آمنت يارب (ولكن) سألتك ذلك (ليطمئن) ليسكن (قلبي) فأجمع مع الإيمان العيان(قال) له الحق(فخذ أربعة من الطير) طاوسا وديكا ونسرا وغرابا(فصرهن) ضمهن وقرئ بكسر الصاد وقرئ بضمها وكسرها مع تشديد الراء















    (إليك) أيها الخليل (ثم اجعل على كل جبل) من الجبال القريبة منك ( منهن) الضمير للطيور المذكورة(جزءا ثم) إذا فعلت ذلك (ادعهن) فقل تعالين بإذن الله (يأتينك) يأتين إليك (سعيا) مسرعات ففعل ومسك الرؤوس عنده فتطايرت الأجزاء إلي بعضها حتى تكاملت ثم جاءت إلي رؤوسها وأتينه طيرانا ومشيا (واعلم أن الله) القادر على كل شئ (عزيز) لا يعجزه شئ(حكيم) في ترتيب مخلوقاته (مثل الذين) أي صفة إنفاق الذين (ينفقون أموالهم) الحلال الطيب (في سبيل الله) وطلب مراضيه (كمثل حبة) أي مثل نفقتهم كمثل حبة (أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة) منها (مائة حبة) فتلك مضاعفة الحسنات إلي سبعمائة وفي الترمذي نحو ذلك عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال من أنفق نفقة في سبيل الله كتبت له سبعمائة ضعف (والله يضاعف لمن يشاء) يزيد على العدد المذكور في النفقة وفي غيرها من الأعمال كما ورد في الحديث الذي أخرجه أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الصلاة و الصيام و الذكر تضاعف على النفقة في سبيل الله تعالى بسبعمائة ضعف (والله و اسع) لا يضيق فضله عن الزيادة (عليم) بنية كل أحد فيجازيه على قدر حسن نيته (الذين ينفقون أموالهم) الحلال (في سبيل الله) وطلب وجهه الكريم (ثم لا يتبعون ما أنفقوا) الشئ الذي أنفقوه (منا) على من يعطونه و المن كأن يقول له أعطيك كذا وفعلت لك كذا (و لا أذى) بأن يسيئه بقول أو فعل (لهم أجرهم) على إنفاقهم(عند ربهم) فيجازيهم من خزائنه الواسعة (و لا خوف عليهم) في الدنيا (ولا هم يحزنون) في الآخرة(قول معروف) جواب حسن للسائل














    (ومغفرة) لإلحاحه في السؤال(خير من صدقة) تعطى له (يتبعها) من المعطي (أذى) للسائل بتعبير ومن (والله غني) عن صدقة عبد يتبعها أذى و منا (حليم) بعدم معاجلته بالعقوبة له (يا أيها الذين آمنوا) الطالبين أجر الصدقات (لا تبطلوا) لا تحبطوا(صدقاتكم) أي أجرها (بالمن و الأذى) فلا تجدونه غدا عند الله فإن مثل ذلك (كالذي ينفق ماله رئاء) لأجل رياء (الناس ولا يؤمن بالله) المرتجى ثوابه على الإنفاق بالإخلاص (واليوم الآخر) المعدود للجزاء على الإنفاق (فمثله) مثل المنفق المرائي (كمثل صفوان) حجر أملس (عليه تراب فأصابه) أصاب الصفوان (وابل) مطر كثير (فتركه صلدا) أملس نقيا لا شئ عليه من التراب(لا يقدرون) لا ينتفع المنفقون رياء (على شئ مما كسبوا) أي لا يجدون ثوابه يوم العرض على الله كما لا يوجد على الحجر الألمس بعد المطر الشديد شئ من التراب (والله لا يهدي) إلي الإنفاق الذي يوجب الثواب إليه في الآخرة(القوم الكافرين) لأنهم أعداء (ومثل) إنفاق(الذين ينفقون) على الفقراء (أموالهم) التي اكتسبوها من الحل(ابتغاء) طلب (مرضات الله) رضاه(وتثبيتا من أنفسهم) لعلمهم أنهم يجدون ثواب ذلك في الآخرة لا كما يبتلى به المنافقون من إنكار ذلك مثل المنفقين (كمثل جنة) بستان وحديقة(بربوة) موضع مرتفع(أصابها) الضمير للجنة(وابل) مطر شديد















    (فآتت أكلها) ثمرها وقرئ بسكون الكاف (ضعفين) مثلى ما كانت تثمر (فإن لم يصبها وابل فطل) فطل مطر خفيف يصيبها وتنتج معه و المعنى أنها مع المطر القليل و الكثير تثمر فمثل ذلك نفقات من ينفق ماله ابتغاء مرضاة الله يزكو عند الله لا يضيع قل أو كثر (والله بما تعملون) من إخلاص ورياء(بصير) فيجازيكم عليه(أيود) يحب (أحدكم أن تكون له جنة) حديقة (من نخيل) شجر التمر (و أعناب) أيضا (تجري من تحتها) الضمير للجنة (الأنهار) بمائها العذب (له فيها) في الجنة (من كل الثمرات) المحتوية على المنافع الكثيرة(وأصابه) بعد ضعفه عن الكسب(الكبر) كبر السن محل الفاقة و الحاجة (وله ذرية) صغار(ضعفاء) لا يقدرون على الكسب(فأصابها إعصار) ريح شديدة (فيه) في الإعصار (نار فاحترقت) الجنة ففقدها أحوج ما كان إليها وصار هو و أولاده في غاية الحاجة متحيرين و المعنى أن مثل نفقة المرائي و المنان في خروجها من يديهما وعدم انتفاعهما بها في الآخرة حين شدة الحاجة إلي ذلك مثل صاحب الجنة (كذلك) مثل ما بين لكم المذكور (يبين الله لكم الآيات) الآيات التي بها تهتدون (لعلكم تتفكرون) وبالتفكر ترشدون (يا أيها الذين آمنوا) المؤمنون بما لله عليكم في الأموال (أنفقوا) أعطوه الزكاة (من طيبات) أحسن وحلال (ما كسبتم) من أموالكم (ومما أخرجنا لكم) أي من طيبات ما أخرجنا لكم















    (من الأرض) من حبوب وثمار ومعادن (و لاتيمموا الخبيث) الردئ(منه) مما كسبتم ومما أخرجنا لكم(تنفقون) حين تجب عليكم الزكاة (و لستم بآخذيه) الضمير للخبيث (إلا أن تغمضوا فيه) وقرئ تغمضون بالتشديد أي تغضوا البصر (واعلموا أن الله غني) عن إنفاق مثل ذلك (حميد) يقبل ممن أنفق الطيب(الشيطان) لعداوته لكم (يعدكم) على إنفاقكم(الفقر) ويقول لأحدكم إن أنفقت كذا نفتقر وقرئ الفقر بضمتين وبفتحتين (ويأمركم بالفحشاء) ويغريكم على البخل (والله يعدكم) على الإنفاق لوجهه (مغفرة منه) لما ترتكبونه(وفضلا) وخيرا وقال صلى الله عليه وسلم إن للشيطان لمة بابن آدم و للملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر و تكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير و تصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ ((الشيطان يعدكم الفقر)) (والله واسع) لمن أنفق ابتغاء مرضاته (عليم) بحسن نيته فيجازيه على ذلك (يؤتي الحكمة) العلم الألهي النافع(من يشاء) اصطفاءه وبابها في قوله صلى الله عليه وسلم الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحد في الصمت (ومن يؤت الحكمة) الشريفة (فقد أوتى) أعطى (خيرا كثيرا) في الدارين وفي ابن عدي قال صلى الله عليه و سلم الحكمة تزيد الشريف شرفا وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك(وما يذكر) يتعظ بذلك















    (إلا أولوا الألباب) أهل العقول السليمة(وما أنفقتم) في سبيل الله (من نفقة) سواء كانت زكاة أو صدقة(أو نذرتم) لله (من نذر) فوفيتموه (فإن الله يعلمه) فيثيبكم عليه(وما للظالمين) الذين يمنعون حقوق الله و لايتصدقون ( من أنصار) من مانع لهم من عذاب الله وفي الحلية لأبي نعيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الصدقة على وجهها واصطناع المعروف وبر الوالدين وصلة الرحم تحول الشفاء سعادة وتزيد في العمر وتقى مصارع السوء وفي حديث آخر الصدقة تمنع ميتة السوء وفي خبر آخر الصدقة تمنع سبعين بابا من البلاء أهونها الجذام و البرص (إن تبدوا) تظهروا(الصدقات) التي تنفقونها في مرضاة الله (فنعما هي) نعم شيئا إظهارها (وإن تخفوها) تسروها(وتؤتوها) تعطوها(الفقراء) المحتاجين(فهو خير لكم) من إبدائها وعن ابن عباس رضي الله عنهما صدقة السر في التطوع تفضل علانيتها سبيعين ضعفا وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمس وعشرين (ويكفر عنكم) ببركة ذلك(من سيئاتكم) وقرئ نكفر بالنون وقرئ بالتاء مرفوعا (والله بما تعملون خبير) لا يخفى عليه شئ(ليس عليك) أيها النبي الكريم أنت ومن تبعك (هداهم) نزلت حين منع إعطاء الصدقات للمشركين ليسلموا(ولكن الله يهدي) إلي الإيمان به (من يشاء) هدايته (وما تنفقوا) معشر المؤمنين (من خير) مال طيب بمعروف(فلأنفسكم) ثوابه















    (وما تنفقون) في سبيل الله (إلا ابتغاء وجه الله) طلب رضاه وثوابه(زما تنفقوا) على المساكين(من خير) تبتغون به وجه الله(يوف) ثوابه(إليكم) في دنياكم وآخرتكم (وأنتم لا تظلمون) لا تنقصون من جزائه شيئا (للفقراء) أعطوا صدقاتكم(الذين أحصروا) أحصروا أنفسكم (في سبيل الله) لجهاد الكفار أو جهاد الأنفس الذي هو الأكبر لقوله صلى الله عليه وسلم حين قفل من بعض الغزوات رجعنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر و أهلها أهل الصفة الذين انقطعوا معه ومن شاكلهم من المنقطعين لله وفي الله (لا يستطيعون) لاشتغالهم بمولاهم(ضربا) سفرا(في الأرض) للمعاش بتجارة أو غيرها(يحسبهم) وقرئ بفتح السين (الجاهل) بأحوالهم (أغنياء) لا يحتاجون لشئ (من التعفف) من أجل تعففهم عن السؤال (تعرفهم) أيها المنفق إذا كنت طالبا وجه الله (بسيماهم) من الضعف وأثر الجهد (لا يسألون) لا يطلبون ( الناس إالحاف) ألحاحا أي لا يسألون وإن وقع السؤال من أحد منهم على طريق الندور عن ضرورة لا يلح ( وما تنفقوا من خير) تطلبون به وجه الله (فإن الله به عليم) فيجازي عليه (الذين ينفقون أمولهم ) الحلال الطيبة (باليل و النهار) لا يتقيدون بوقت (سرا و علانية) لا يتقيدون بحال (فلهم أجرهم عند ربهم ) في حظائره العلية من تجلياته السنية (و لاخوف عليهم) في دنياهم (و لاهم يحزنون) في آخرتهم لحسن معاملته لمولاهم















    (الذين يأكلون) يأخذون للأكل وغيره (الربا) الزيادة في المعاملات في النقود و المطعومات في القدر أو الأجل وأبوابه كثيرة وشره ووباله كبير وفي الأوسط للطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه (لا يقومون) من رموسهم يوم العرض على الله (إلا كما يقوم) المصروع (الذي يتخبطه) يصرعه (الشيطان من المس) مس الجنون (ذلك) الواقع بهم (بأنهم) بسبب أنهم (قالوا) اجتراء على الله (إنما البيع) في الحكم (مثل الربا) قال الله في الرد عليهم (و أحل الله البيع) فضلا منه ( وحرم الرب) عدلا منه (فمن جاءه موعظة) فاتعظ بها (من ربه فانتهى) عن مخالفة ما حرمه عليه في أمر الربا (فله ما سلف) قبل التحريم لا يطلب منه (وأمره) في عفو ما سبق (إلي الله) يفعل به ما يشاء (ومن عاد) إلي أخذ الربا (فأولئك) المرتكبون ذلك (أصحاب النار) أهلها المعدون (هم فيها خالدون) لا يخرجوزن منها (يمحق الله الربا) يذهبه ويزيل بركته روى الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلي قل (ويربي) ينمي ويزيد (الصدقات) ويضاعف ثوابها لفاعلها (والله لا يحب كل كفار) بحكمه الذي هو تحريم الربا (أثيم) بجراءته عليه فلا بد أن يعاقبه عليه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة) بأركانها (وآتوا الزكاة) بحقوقها (لهم أجرهم عند ربهم) لديه بحسن القرب الجليل















    (و لا خوف عليهم ) من مصائب الدنيا (ولا هم يحزنون) يوم الفزع الأكبر (يا أيها الذين آمنوا) بالله ورسوله (اتقوا الله) امتثلوا أوامره واجتنبوا نواهيه (وذروا) ودعوا ( ما بقى من الرب) بعد أخذكم رؤوس أموالكم(إن كنتم مؤمنين) بما أمركم به مولاكم (فإن لم تفعلوا) ما أمركم الله به (فأذنوا) اعلموا (بحرب من الله و رسوله) يحل بكم وفي الآية تخويف (وإن تبتم) من ارتكاب الربا (فلكم رؤوس) أصول (أموالكم) التي أعطيتموها(لا تظلمون) تأخذون زيادة عن ذلك (و لا تظلمون) بنقص شئ من رؤوس أموالكم (وإن كان) الغريم (ذو عسرة) وقرئ ذا عسرة أي ليس يملك شيئا (فنظرة) صبر له (إلي ميسرة) إلي أن يجد شيئا وفي مسند أحمد و الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثلاه صدقة وعند مسلم و أحمد عنه صلى الله عليه و سلم من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله و للطبراني في الكبير من أنظر معسرا إلي ميسرته أنظره الله بذنبه إلي توبته (وأن تصدقوا) بمسامحة المعسر وقرئ بالتخفيف (خير لكم) أعظم لكم أجرا عند الله من إنظاره (إن كنتم تعلمون) فافعلوا ذلك فهو أحسن (واتقوا) واخشوا (يوما) يوم العرض على الله (ترجعون) تردون وقرئ ترجعون ببناء الفاعل (فيه إلي الله) فيجازيكم على أعمالكم (ثم توفى) هنالك (كل نفس) من العباد (ما كسبت) ما عملت من حسنة أو سيئة















    (وهم لا يظلمون) بنقص في حسناتهم و لابزيادة في سيئاتهم (يا أيها الذين آمنوا) الطالبين حسن المعاملة مع الله(إذا تداينتم) تعاملتم فيما بينكم (بدين) من سلم أو قرض (إلي أجل مسمى) وقت معلوم (فاكتبوه) ذلك الدين (وليكتب) وثيقته (بينكم) يا عباد الله (كاتب بالعدل) بالقسط لا يزيد في ذلك شيئا و لاينقص (و لايأب) يمتنع عن الكتابة ( كاتنب) يعرف وجه الكتابة (أن يكتب) إذا طلب إلي الكتابة (كما علمه الله) فضله بالكتابة ومعرفة ذلك (فليكتب) ذلك الكاتب (و ليملل) عليه (الذي عليه الحق) أي الذي عليه الدين (وليتق الله ربه) حين يملي (ولا يبخس) ينقص (منه) من الحق الذي عليه (شيئا فإن كان الذي عليه الحق) وهو المدين (سفيها) غير رشيد (أو ضعيفا) لصغر أو مرض أو كبر (أو لا يستطيع) لخرس أو جهل بلغة (أن يمل هو) ما عليه (فليملل) للكاتب (وليه) المتولى أمره سواء كان والدا أو وصيا أو مترجما أو قيما (بالعدل) بالحق (واستشهدوا) على الدين (شهيدين) من المؤمنين (من رجالكم) بالغين حرين (فإن لم يكونا) يوجدا ثم (رجلين) للشهادة (فرجل) بالغ حر مسلم (وأمرأتان) محل الرجل الآخر حرتين بالغتين مسلمتين (ممن ترضون) على ذلك (من الشهداء) لعلمكم بعد التهم و النساء خشية (أن تضل إحداهما) عن الشهادة بالنسيان لقلة ضبطهن ونقص عقولهن















    (فتكر إحداهما الأخرى) وقرئ فتذكر بالتشديد أي الذاكرة (ولا يأب) يمتنع(الشهداء) من تحمل الشهادة و أدائها (إذا ما دعوا) إذا دعوا لذلك (و لا تسأموا)تملوا (أن تكتبوه) في الشهادة (صغيرا أو كبيرا) في السن سواء كان الحق قليلا أو كثيرا (إلي أجله) إلي زمن حلوله (ذلكم) الكتاب (أقسط ) أعدل (عند الله) لديه (وأقوم) أثبت (للشهادة) لأنه يذكرها (و أدنى) أقرب (أن لا ترتابوا) تشكو في الأجل ومقدار المال (إلا أن تكون) بينكم (تجارة حاضرة) وقرئ بالنصب (تديرونها بينكم) تقبضونها بغير أجل (فليس عليكم جناح) إثم ( أن لا تكتبوها) إذ ليس في ذلك آفة تخشى (وأشهدوا) خوف النزاع (إذا تبايعتم)إذا وقع بينكم بيع (و لا يضار) بذلك (كاتب) للحق ( ولا شهيد) شاهد أي لا يضرهما بتكليفهنما (وإن تفعلوا) ما نهاكم الله عنه (فإنه فسوق) خروج (بكم) عن طاعته(واتقوا الله) من مخالفة أمره ونهيه ( ويعلمكم الله) العلوم الظاهرة و الباطنة المتعلقة بأمور دنياكم ودينكم واعلم باب التعلم إن كنت من أهل الفهم عن الله فإن الله جعله التقوى (والله بكل شئ عليم) فيجازي كل على عمله (وإن كنتم على سفر) وتداينتم ( ولم تجدوا كاتبا) وأنتم مسافرون (فرهان) وقرئ فرهن (مقبوضة) تستوثقون بها (فإن أمن بعضكم) المعطي (بعضا) الأخذ على دينه ولم يأخذ منه رهنا (فليؤد) يخلص (الذي اؤتمن) على الدين (أمانته) دينه الذي تعلق به (وليتق الله ربه) و لايخن (و لا تكتموا) تجحدوا (الشهادة) إذا دعيتم لأدائها (ومن يكتمها) وهو سامع لها (فإنه آثم قلبه) فاجر قلبه بذلك يعاقب معاقبة من ارتكب إثما (والله بما تعملون عليم) لا يخفى عليه شئ (لله ما في السموات وما في الأرض) ملكا وعبيدا يتصرف فيهم كيف يشاء (وإن تبدوا) تظهروا (ما في أنفسكم) من السوء وعزمكم عليه (أو تخفوه) تضمروه (يحاسبكم) يجزيكم (به الله) يوم العرض عليه (فيغفر لمن يشاء) أن يغفر له (و يعذب من يشاء) أن يعذبه (و الله على كل شئ قدير) ومن ذلك الحساب و المغفرة و التعذيب روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطيتهاهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم وأبناءكم فإنهما صلاة وقرآن ودعاء وفي الترمذي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله تعالى كتب كتابا قبل أن يخلق السموات و الأرض بألفي عام وهو عند العرش و أنه أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة و لا يقرآن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان و في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه (آمن الرسول) محمد صلى الله عليه و سلم (بما أنزل إليه من ربه) أي القرآن(و المؤمنون) معه (آمن الرسول) محمد صلى الله عليه وسلم (بما أنزل إليه م ربه) أي القرآن(و المؤمنون) معه (كل) منهم (آمن بالله) وأنه واحد لا شريك له (و ملائكته) أنهم عباده المكرمون وحفظته (وكتبه) أنها كلامه القديم وما فيها كله حق (ورسله) وأن ما جاؤا به حق من عند الله وأنهم صادقون فيما يقولونه عن الله (لا نفرق) نحن معشر المؤمنين








    (بين أحد من رسله)فنؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم كما فعل بعض الكفار وقرئ لا يفرق بالياء وقرئ لا يفرقون (وقالوا سمعنا) لأمرك ربنا (وأطعنا) له (غفرانك) أي نطلب غفرانك لذنوبنا (ربنا) أي ياربنا (وإليك المصير) المرجع بعد الموت ولما نزل قوله ((وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله)) شق ذلك على المؤمنين فشكوا ذلك إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله (لايكلف الله نفسا) من نفوس العباد(إلا وسعها) إلا ما في وسع قدرتها(لها ما كسبت) من الحسنات (وعليها) وزر (ما اكتسبت) من السيئلت (ربنا لا تؤاخذنا) فتعاقبنا (إن نسينا) في ترك عمل (أو أخطأنا) فيه أيضا (ربنا و لاتحمل علينا) تجعل علينا (إصرا) حملا ثقيلا (كما حملته) وجعلته (على الذين من قبلنا) وهم بنو إسرائيل من إخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة وقتل النفس في التوبة وخمسين صلاة في اليوم و الليلة ونحو ذلك من الشدائد (ربنا و لاتحملنا) تكلفنا (ما لاطاقة لنا به) أي لا قوة لنا على حمله (و اعف عنا) ما ارتكبنا من الذنوب (واغفر لنا) ما جنيناه من العيوب (وارحمنا) في الدارين بالرحمة التي تليق يجنابك وتجعلنا أهل خاصة رحابك (أنت مولانا) المتولي أمورنا (فانصرنا) اجعل لنا الغلبة (على القوم الكافرين) بك يا أرحم الراحمين ، وفي الخبر أنه عليه الصلاة و السلام لما دعاه بهذه الدعوات قيل له فعلت وللبيهقي في شعب الإيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم ولا تجعلوها قبورا ومن قرأ سورة البقرة توج بتاج في الجنة وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه اقرءوا الزهراوين البقرة و آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة.


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 26, 2024 4:36 am