بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
(بسم الله الرحمن الرحيم الم) الألف إشارة لحضرة الألوهية و اللام لحضرة اللطف و الميم إشارة لمحمد صلى الله عليه و سلم فيكون المقصود من الحروف الله اللطيف ومن جليل لطفه أرسل محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين ليهديهم إلي ما يوصلهم إلي جنابه العظيم ويدعوهم إلي ما يدخلهم ديوانه الأسمى وبدلهم على ما يصونهم تحت حجاب عزة الصون الأحمى وقال ابن عباس رضي الله عنه الألف من الله واللام من جبريل و الميم من محمد صلى الله عليه و سلم وقال على غير ذلك وقال بعض بالوقف عن تفسير أوائل السور التي هي مثل هذه كالمر والمص والروكهيعص وطه وطسم وطس ويس و ص وحم وحم عسق وق ونون وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة و الحسنة بعشر أمثالاها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (ذلك ) المنزل من عند الله وهو ( الكتاب ) القرآن العزيز و الإشارة إليه (لا ريب ) لا شك (فيه) أنه نزل من عند الله وفيه ( هدى ) هداية ( للمتقين ) الملقين أسماعهم لمواعظه و قلوبهم لمعانيه و إفادته وفي الحديث مرفوعا من رزق تقى فقد رزق الدنيا و الآخرة رواه أبو الشيخ (الذين ) موصول وهو نعت للمتقين (يؤمنون ) يصدقون (بالغيب) من أخبار الدار الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين و المسيئين ( ويقيمون ) على أكمل الوجوه ( الصلاة ) لله بالإخلاص و اعتدال الأركان و الحضور فيها ( ومما ) أي ومن الذي ( رزقناهم ) من الأرزاق الحسية و المعنوية ( ينفقون ) فيعطي المؤمن العامي في سبيل الله من الذهب و الفضة و الطعام وغير ذلك ما يقدر عليه و يعطي العارف ذلك و يزيد بإفاضة الأنوار الحقية و الأسرار الفردية و العلوم اللدنية المتلقاة من الحضرة اللإلهية (و الذين يؤمنون ) يصدقون (بما أنزل إليك ) أي القرآن (وما ) أي والذي (أنزل ) من عند الله (من قبلك ) من الكتب الإلهية كعبد الله بن سلام ومن معه من مؤمني أهل الكتب (وبالآخرة) و ما أعد الله فيها من الثواب للمطيعين و العقاب للعاصين ( هم يوقنون ) و يحققون ذلك (أولئك ) المؤنون بالبعث و بما أنزل ( على ) طريق (هدى ) أي هداية (من ربهم ) رباهم بها ووفقهم إليها ( وأولئك ) المذكورين (هم المفلحون ) الفائزون بالتصديق و الجزاء عليه و الوهب و التوفيق (إن الذين كفروا ) كأبي جهل ومن طبع على الكفر (سواء عليهم ) مستو لديهم ( ءأنذرتهم) خوفتهم بالله (أم لم تنذرهم ) أم تركتهم (لايؤمنون ) لسبق الشقاوة لهم (ختم الله ) طبع (على قلوبهم ) و استوثق عليها فلا يدخلها الإيمان (وعلى سمعهم ) فلا يمتثلون أوامر الحق ( وعلى أبصارهم ) أعينهم (غشاوة ) غطاء فلا يبصرون الحق الواضح ( ولهم ) أي للكفار (عذاب عظيم ) متواصل قوى (ومن الناس ) وهم المنافقون ( من يقول ) بلسانه (آمنا بالله و ) آمنا (باليوم الآخر ) وما أعد الله فيه ( وما هم ) على الحقيقة (بمؤمنين ) نفى الله إيمانهم لأنطوائهم على النفاق (يخادعون الله ) بصورة ذلك اللإيمان ( و الذين آمنوا ) كذلك يخادعهم المنافقون لإظهارهم خلاف ما يبطنون خشية من النبي صلى الله عليه و سلم و المؤمنين على دمائهم و أموالهم وقرئ يخدعون (وما يخدعون إلا أنفسهم ) فإن وبال ذلك عائد عليهم وقرئ وما يخادعون وقرئ يخدعون بضم الياء وتشديد الدال
وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ
(ومايشعرون ) أي ما يحسون بذلك لتماديهم على الغفلة (في قلوبهم مرض ) شك و نفاق (فزادهم الله مرضا ) فشكوا في القرآن كما شكوا في الذي قبله (ولهم ) بسبب كفرهم (عذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكذبون ) حيث قالوا آمنا وقرئ يكذبون مشددا أي يكذبون الرسول فيما جاء به (وإذا قيل لهم ) أي للمنافقين ( لا تفسدوا في الأرض ) بمخادعة المسلمين و موالاة الكفار (قالوا ) المنافقون (إنما نحن ) في سعينا (مصلحون ) ليس سعينا سعي فساد بل صلاح ( ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم المفسدون ) في الأرض (ولكن لا يشعرون ) بأنهم مفسدون ( و إذ قيل لهم ) للمنافقين (آمنوا ) ظاهرا و باطنا (كما آمن الناس ) الصحابة (قالوا ) جوابا لذلك (انؤمن ) أنفعل (كما آمن ) كما فعل (السفهاء ) وتسفيهم لهم لأعتقادهم فساد رأيهم وتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء (ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم السفهاء ) الجهلاء بما ينفعهم ( ولكن لا يعلمون ) لا يشعرون بسفهاتهم التي أوجبت لهم فساد دنياهم و آخرتهم (و إذا لقوا ) المنافقون ( الذين آمنوا ) ظاهرا و باطنا (قالوا ) لهم (آمنا ) و ذلك حين اجتماعهم معهم (وإذا خلوا) من المؤمنين وعادوا (إلي شياطينهم ) كبرائهم من الكفار (قالوا إنا معكم ) في الإعتقاد (إنما نحن ) فيما ترونه منا (مستزءون ) مظهرون خلاف ما نبطن (الله يستهزئ بهم ) يجازيهم على استهزائهم (و يمدهم ) بأن يمهلهم و يقويهم وهم (في طغيانهم ) تعديهم الحدود (يعمهون ) يترددون متحيرين (أولئك الذين اشتروا ) استبدلوا (الضلالة ) طريق الغواية (بالهدى) بالسبيل المستقيم واختاروها عليه (فما ربحت تجارتهم ) بل خسرت
وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
(وإن كنتم في ريب ) أي شك (مما نزلنا ) لهدايتكم وبيان وحدانيتنا وظهور صدق نبينا محمد وأوردناه (على عبدنا ) المستكمل لمقام العبودية التي هي أشرف المقامات (فأتوا بسورة من مثله ) أي من مثل هذا القرآن في حسن النظم وبلاغته و إعجازه عن المغيبات وطلاوته (وادعوا شهداءكم ) أي استعينوا بأصنامكم التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها (إن كنتم صادقين ) في أن القرآن ليس بكلام الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من تلقاء نفسه (فإن لم تفعلوا ) ما ذكرنا (ولن تفعلوا ) ولن تستطيعوا ذلك فإنه ليس في وسع مخلوق لأنه كلام الحق (فاتقوا ) احذروا (النار التي وقودها الناس ) أي الذي يوقد بها هو الناس ( و الحجارة ) أي الذهب و الفضة اللذان كانوا يكنزونهما و يشتغلون بهما عن الله (أعدت ) هيئت (للكافرين ) الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله و كتابه (وبشر ) أيها المصطفى الكريم وقرئ وبشر على البناء للمفعول (الذين آمنوا ) بالله ورسوله وكتابه (وعملوا الصالحات ) واجتهدوا في الطاعات ( أن لهم جنات ) حدائق محتوية على حور و قصور (تجري من تحتها ) أي من تحت الأشجار (الأنهار ) المحتوية على أنواع الشراب اللطيفة (كلما رزقوا منها) الضمير للجنة ( من ثمرة رزقا ) من أنواع الطعام اللطيفة (قالوا هذا ) مثل ( الذي رزقنا من قبل ) في الدنيا ( وأتوا به ) الضمير للرزق ( متشابها ) أي مشابها لطعام الدنيا في اللون و الصورة و الاسم و أما الطعم واللذة فبعيد وفي الحديث مرفوعا ليس في الجنة شئ لها في الدنيا إلا الأسماء أخرجه في الجامع الصغير (ولهم ) أي للمؤمنين العاملين الصالحات(فيها) الضمير للجنات (ازواج مطهرة ) من القذر والدرن والحيض وسوء الخلق وكل ما هو مستقبح في نساء الدنيا (وهم ) المؤمنون (فيها ) في الجنات (خالدون ) دائمون لا يخرجون منها (إن الله لا يستحي ) لايترك (أن يضرب ) لعباده (مثلا ) وقرئ مثل (ما بعوضة ) أي بالبعوضة فما فوقها ) أكبر منها مثل الذباب و العنكبوت ( فأما الذين آمنوا ) وفكروا في حقائق الأمور (فيعلمون أنه ) أي ضرب المثل ( الحق من ربهم ) الذي لا يسوغ إنكاره ( وما الذين كفروا ) ولم يكن فيهم أهلية أن يعلموا حقائق الأمور ( فيقولون ) منكرين لذلك (ماذا ) ما الذي ( أراد الله بهذا مثلا ) أي فائدة في ضرب المثل به فأجابهم الله فقال ( ويضل به ) أي المثل ( كثيرا ) من العباد ( ويهدي به ) إلي الحق (كثيرا ) منهم فيصدقون ويؤمنون ( وما يضل به ) عن سبيل هدايته ( إلا الفاسقين ) الكافرين الخارجين عن حوطة الإيمان وقرئ يضل على البناء للمفعول والفاسقون بالرفع (الذين ينقضون ) يفسدون ويخربون ويفسخون (عهد الله ) الذي عهده إليهم في الكتب المتقدمة بأن يؤمنوا بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم (من بعد ميثاقه ) و تأكيده عليهم في إجابة ذلك ( ويقطعون ) جراءة على الله ( ما أمر الله به ) عباده (أن يوصل ) كالرحم ومحاببة المؤمن وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته رواه البخاري ( ويفسدون ) بمنع العباد عن الإسلام ( في الأرض ) وسلوك سبل الهدى ( أولئك هم الخاسرون ) الذين خسروا أنفسهم بإدخالها النار
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
(كيف تكفرون ) معشر الخاسرون (بالله) المنفرد بالألوهية ( وكنتم أمواتا ) من نطفة ومضغة (فأحياكم ) بنفخ الأرواح فيكم (ثم يميتكم ) حين تنتهي آجالكم ( ثم يحييكم ) بعد الموت (ثم إليه ترجعون ) تردون فيجازيكم على ما عملتم (هو) الله (الذي خلق لكم ) أي لأجلكم ( مافي الأرض جميعا ) تنتفعون به وكذا تعتبرون (ثم استوى ) قصد بارادته (إلي السماءليسويها (فسواهن ) على أحسن أتقان (سبع سموات ) معتدلات ( وهو بكل شيء عليم ) فيحكم صنعته ( ولإذ قال ربك ) أيها النبي العظيم (للملائكة ) الكرام (إني جاعل في الأرض خليفة ) المراد به آدم وفي الآية تعليم المشاورة ( قالوا ) الملائكة ( أتجعل فيها ) الضمير للأرض ( ما يفسد فيها )لا لأن طبع البشر يقتضي الإصلاح و الافساد ( ويسفك الدماء) وذلك من أكبر الفسغاد ( ونحن نسبح ) ملتبسين (بحمدك ) قائلين سبحان الله وبحمده ( ونقدس لك ) وننزه جنابك العظيم عما لا يليق به (قال ) الحق لهم (إني ) وقرئ بفتح الياء (أعلم ) من صلاحه للخلائق (ما لاتعلمون ) أنتم به ( وعلم آدم ) وذلك حين قال الملائكة لن يخلق ربنا خلقا أعلم منا ( الأسماء كلها ) بأن نفث في روعه علم الأسماء كلها حتى القصعة و القصيعة ( ثم عرضهم ) أي عرض المسميات بالأسماء وقرئ عرضهن وعرضها
عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)
(على الملائكة ) المكرمين (فقال ) جل شأنه (انبئوني ) وأخبروني (بأسماء هؤلاء ) ومراده من ذلك أن يبين عجزهم عن العلم الذي أودعه فيؤ آدم و أنه أولى بالخلافة منهم (إن كنتم صادقين) أنكم أولى بالخلافة (قالوا ) معترفين بعجزهم (سبحانك ) ياعليم (لا علم لنا ) من تلقاء أنفسنا (إلا ما علمتنا ) بإعلامك (إنك أنت العليم ) بمن يصلح للخلافة (الحكيم ) بوضعها في موضعها (قال ) الله تباركت أسماؤه وتعالت ذاته لخليفته (يا آدم أنبئهم ) أعلمهم وقرئ أنبيهم بقلب الهزة ياء وقرئ بحذف الياء وكسر الهاء (بأسمائهم فلما ) تصدر آدم للتعليم بأمر الملك الحكيم و (أنبأهم ) أخبرهم ( بأسمائهم ) وعين كل شيء بأسمه (قال ) الله لهم ( ألم أقل لكم ) توبيخ لهم حيث لم يفوضوا إليه الأمر حين شاورهم (إني) وقرئ بفتح الياء ( أعلم غيب السموات و الأرض ) ما غاب فيهما من العجائب و الغرائب ( وأعلم ) منكم (ماتبدون ) تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) تخفون وتسرون (وإذ قلنا للملائكة ) العباد المكرمين (اسجدوا لآدم ) سجود تعظيم وتحية (فسجدوا ) الملائكة المأمورون ( إلا إبليس ) المطرود عن رحمة الله (أبى) امتنع من السجود (واستكبر ) على الله حيث خالف أمره ( وكان ) في سابق علم ربنا (من الكافرين ) الذين سبقت لهم الشقاوة(وقلنا يا آدم ) إكراما لك (اسكن أنت وزوجك ) حواء (الجنة ) دار الكرامة و الرحمة ( وكلا منها ) الضمير للجنة (رغدا) واسعا رفها (حيث شئتما ) أي مكان شئتماه من الجنة ( ولا تقربا) أي لا تحوما حول (هذه الشجرة ) هي شجرة الحنطة وقرئ بكسر الشين (فتكونا من الظالمين ) أنفسهم بارتكابهما ما نهى عنه
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
(فأزلهما) أبعدهما (الشيطان عنها) عن الجنة فحملهما على الأكل من الشجرة ( فأخرجهما) آدم و حواء ( مما كانا فيه ) من النعيم ( وقلنا اهبطوا ) لآدم وحواء و إبليس والحية ( بعضكم لبعض عدو ) أي آدم وحواء و إبليس والحية وذريتهم ( ولكن في الأرض مستقر ) استقرار ( ومتاع ) تتمتعون به ( إلي حين ) إلي انقضاء آجالكم (فتلقى) أخذ ( آدم ) صفي الله ( من ربه كلمات ) وهي قوله تعالى ((ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )) وقرئ بنصب آدم ورفع كلمات ( فتاب عليه ) عاد عليه بالمغفرة و الرحمة (إنه هو ) الله ( التواب ) على من تاب إليه ( الرحيم ) بمن أقبل عليه ( قلنا اهبطوا ) تكرسير الأمر للتأكيد ( منها ) الضمير للجنة ( جميعا ) كلكم ( فإما يأتينكم ) لهدايتكم (مني هدى ) سبيل حق على ألسن رسلي ( فمن تبع هداي ) الذي أنزلته على رسلي ( فلا خوف عليهم ) في الآخرة ( ولا هم يحزنون ) في الدنيا والخطاب لآدم و حواء وذريتهما ( والذين كفروا ) بي وبرسلي ( وكذبوا بآياتنا ) المنزلة على رسلنا ( أولئك ) المكذبون ( أصحاب النار ) المجعولون لها أهلا ( هم فيها خالدون ) لا يخرجون منها ( يابني إسرائيل ) أي يا أولاد يعقوب و اسرائيل معناه عبد الله بالعربية وقرئ إسرائيل محذوف الياء ولإسرائيل بقلب الهمزة ياء و إسرال بحذفهما ( اذكروا ) و اشكروا متفكرين (نعمتي التي أنعمت عليكم ) على آبغائكم بإنجائهم من الغرق وعليكم بإدراككم زمن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ(41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا
(واأوفوا بعهدي ) الإيمان بي وبرسولي محمد ( أوف بعهدكم ) بعظيم الثواب و إدخال الجنة وحسن المآب وقرئ أوف بالتشديد ( وأياي فارهبون ) أي فخافون إن نقتضم العهد بذلك ( و آمنوا بما أنزلت ) على رسولي محمد وهو القرآن ( مصدقا لما معكم ) في التوراة من أفراد التوحيد لي و الوصف المثبت لنبوة حبيبي محمد فقد وصفته لكم ونعته و الوقت لا يسع إلا اتباعه وقد قال في هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ( ولا تكونوا) في نبي محمد ( أول كافر به ) أي أول من يكفر به ويكذبه من أهل الكتاب ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ) التي جاءتكم في التوراة بصفة رسولي محمد (ثمنا قليلا ) تستعطونه عنها وتغيرون الوصف ( وإياي فاتقون ) أي فاخشوني إذ فعلتم ذلك ( ولا تلبسوا ) تخلطوا ( الحق ) الذي جاءكم في تبيين أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (بالباطل ) الذي تفترونه من تلقاء أنفسكم من تغيير نعته وحاله ومن ذلك قوله ((فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله )) الآية إلي ((يكسبون )) ( وتكتموا الحق ) وتخفوه وقرأ ابن مسعود وتكتمون الحق ( وأنتم تعلمون ) أن رسالته صلى الله عليه وسلم صحيحة ثابته ( وأقيموا الصلاة ) التي افترضها الله عليكم ( وآتوا الزكاة ) التي أوجبها عليكم ( واركعوا ) لله ( مع الراكعين ) من المسلمين ( أتأمرون الناس بالبر ) بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وتنسون أنفسكم ) من ذلك ( وأنتم تتلون الكتاب ) التوراة التي فيها وصفه صلى الله عليه وسلم فما لكم لا ترغبون فيما فيها من الترغيب لمن آمن به صلى الله عليه وسلم وترهبون بما فيها من الترهيب لمن كفر به صلى الله عليه و سلم ( افلا تعقلون ) لما ينفعكم ويضركم وتتركون أهواء أنفسكم وتميلون إلي هذا السيد الكامل الذي هو سيد كل الرسل أجمعين القائل أنا سيد ولد آدم و لا فخر و آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر و أنا أول شافع و أول مشفع ( واستعينوا ) على أنفسكم
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ
(بالصبر) على مجاهدتها ومخالفتها حتى تتبع بكم الحق (و الصلاة ) ومؤالفتها لتألف النفوس مناجاة القدوس فتصير لكم قرة عين كما قال عليه الصلاة و السلام وجعلت قرة عيني في الصلاة وتنفرج لكم بها الكرب كما كان صلى الله عليه وسلم إذا أحزنه أملر فزع إلي الصلاة ( وإنها) أي الصلاة المشتملة على الحضور و الإقبال على الملك الغفور ( لكبيرة ) ثقيلة على المشركين و المنافقين المدبرين عن الملك المبين (إلا على الخاشعين ) المخبتين الذين هم لله متضرعون ( الذين يظنون أنهم ) في صلاتهم (ملاقوا ربهم ) وفي قراءة ابن مسعود يعلمون أي يحققون أنهم في هذه الصلاة لشدة حضوركم أن كل واحد منهم ملاقي مولاه وذلك من قبل قوله صلى الله عليه وسلم اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك و ايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا و إياك وما يعتذر منه رواه ابن النجار أو إنها آخر صلاة له كما قال صلى الله عليه وسلم صل صلاة مودع فيظن أنه بعدها لا يصلي صلاة فيحسنها ظنا أنها آخر ما به يلاقي مولاه ( وأنهم إليه راجعون ) فيحسنون العمل إذا كان المرجع إليه ويحق عليهم (يابني اسرائيل ) أولاد يعقوب (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي على آبائكم ( و أني فضلتكم على العالمين ) بأن جعل فيهم أهنبياء وملوكا كما قال تعالى إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين (واتقوا ) واخشوا (يوما ) هو يوم القيامة وما يقع فيه من الحساب و العذاب (لاتجزى ) لا تغنى ( نفس عن نفس شيئا ) فتحمل عنها أو تدفع ( ولا يقبل ) وقرئ بالتاء ( منها شفاعة ) لأن الشفاعة في الكافر لا تكون وهو رد لما كان يقوله اليهود آباؤنا الأنبياء يشفعون لنا ( و لايؤخذ منها عدل ) فداء ( ولاهم ينصرون ) يمنعون من العذاب ( وإذ نجيناكم ) يابني إسرائيل وقرئ نجيناكم (من آل فرعون ) وفرعون لقب لمن ملك العمالقة (يسومونكم ) يذيقونكم
سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
(سوء العذاب ) أشده وأقبحه ( يذبحون أبنائكم ) أولادكم الذكور وقرئ يذبحون بالتخفيف وفعلهم ذلك لأن فرعون أخبرته الكهنة أنه يولد في بني إسرائيل مولود يزيل ملكه ( ويستحيون ) أي ويستبقون ( نساءكم ) بناتكم أي يبقونهن في قيد الحياة يقتلونهن ( وفي ذلكم ) الأذى (بلاء ) امتحان ( من ربكم عظببيم ) كبير ( وإذ فرقنا) فلقنا وقرئ فرقنا بالتشديد (بكم) أي بسببكم (البحر ) فجعلنا فيه اثني عشر طريقا ( فأنجيناكم ) بأن أدخلناكم في تلك الطريق و أخرجناكم منها فنجوتم من الغرق ( وأغرقنا آل فرعون ) وهو معهم ( وأنتم تنظرون ) إلي إغراقنا لهم بكفرهم ( و إذ واعدنا موسى ) وقرئ وعدنا بغير ألف ( أربعين ليلة ) وذلك بعد هلاك فرعون بإعطاء التوراة ( ثم اتخذتم العجل ) فجعلتموه إلها تعبدونه ( من بعده ) من بعد ذهاب موسى ليأتيكم بالتوراة ( وأنتم ظالمون ) يجنوحكم إلي عبادة العجل (ثم عفونا عنكم ) ما ارتكبتموه من (بعد ذلك ) الاتخاذ للعجل (لعلكم تشكرون ) آلا أنا التي وهبناكم ( و إذ آتينا ) أعطينا (موسى ) الكليم ووفيناه بوعدنا (الكتاب) التوراة ( والفرقان ) الحكم الذي يفرق بين الباطل و الحق ( لعلكم تهتدون ) إلي طريقنا المستقيم وعليه تعرجون له ( و إذ قال موسى ) كليم الله ( لقومه ) من بني إسرائيل (ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم ) و أبقيتموها ( باتخاذكم العجل ) صنما تعبدونه من دون الله وكان متخذا من حليهم من الذهب و الفضة مجعولا على صفة العجل كما قال تعالى ((واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا به خوار))
الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ ( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
(بسم الله الرحمن الرحيم الم) الألف إشارة لحضرة الألوهية و اللام لحضرة اللطف و الميم إشارة لمحمد صلى الله عليه و سلم فيكون المقصود من الحروف الله اللطيف ومن جليل لطفه أرسل محمدا صلى الله عليه و سلم رحمة للعالمين ليهديهم إلي ما يوصلهم إلي جنابه العظيم ويدعوهم إلي ما يدخلهم ديوانه الأسمى وبدلهم على ما يصونهم تحت حجاب عزة الصون الأحمى وقال ابن عباس رضي الله عنه الألف من الله واللام من جبريل و الميم من محمد صلى الله عليه و سلم وقال على غير ذلك وقال بعض بالوقف عن تفسير أوائل السور التي هي مثل هذه كالمر والمص والروكهيعص وطه وطسم وطس ويس و ص وحم وحم عسق وق ونون وفي الخبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة و الحسنة بعشر أمثالاها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف (ذلك ) المنزل من عند الله وهو ( الكتاب ) القرآن العزيز و الإشارة إليه (لا ريب ) لا شك (فيه) أنه نزل من عند الله وفيه ( هدى ) هداية ( للمتقين ) الملقين أسماعهم لمواعظه و قلوبهم لمعانيه و إفادته وفي الحديث مرفوعا من رزق تقى فقد رزق الدنيا و الآخرة رواه أبو الشيخ (الذين ) موصول وهو نعت للمتقين (يؤمنون ) يصدقون (بالغيب) من أخبار الدار الآخرة وما أعد الله فيها للمحسنين و المسيئين ( ويقيمون ) على أكمل الوجوه ( الصلاة ) لله بالإخلاص و اعتدال الأركان و الحضور فيها ( ومما ) أي ومن الذي ( رزقناهم ) من الأرزاق الحسية و المعنوية ( ينفقون ) فيعطي المؤمن العامي في سبيل الله من الذهب و الفضة و الطعام وغير ذلك ما يقدر عليه و يعطي العارف ذلك و يزيد بإفاضة الأنوار الحقية و الأسرار الفردية و العلوم اللدنية المتلقاة من الحضرة اللإلهية (و الذين يؤمنون ) يصدقون (بما أنزل إليك ) أي القرآن (وما ) أي والذي (أنزل ) من عند الله (من قبلك ) من الكتب الإلهية كعبد الله بن سلام ومن معه من مؤمني أهل الكتب (وبالآخرة) و ما أعد الله فيها من الثواب للمطيعين و العقاب للعاصين ( هم يوقنون ) و يحققون ذلك (أولئك ) المؤنون بالبعث و بما أنزل ( على ) طريق (هدى ) أي هداية (من ربهم ) رباهم بها ووفقهم إليها ( وأولئك ) المذكورين (هم المفلحون ) الفائزون بالتصديق و الجزاء عليه و الوهب و التوفيق (إن الذين كفروا ) كأبي جهل ومن طبع على الكفر (سواء عليهم ) مستو لديهم ( ءأنذرتهم) خوفتهم بالله (أم لم تنذرهم ) أم تركتهم (لايؤمنون ) لسبق الشقاوة لهم (ختم الله ) طبع (على قلوبهم ) و استوثق عليها فلا يدخلها الإيمان (وعلى سمعهم ) فلا يمتثلون أوامر الحق ( وعلى أبصارهم ) أعينهم (غشاوة ) غطاء فلا يبصرون الحق الواضح ( ولهم ) أي للكفار (عذاب عظيم ) متواصل قوى (ومن الناس ) وهم المنافقون ( من يقول ) بلسانه (آمنا بالله و ) آمنا (باليوم الآخر ) وما أعد الله فيه ( وما هم ) على الحقيقة (بمؤمنين ) نفى الله إيمانهم لأنطوائهم على النفاق (يخادعون الله ) بصورة ذلك اللإيمان ( و الذين آمنوا ) كذلك يخادعهم المنافقون لإظهارهم خلاف ما يبطنون خشية من النبي صلى الله عليه و سلم و المؤمنين على دمائهم و أموالهم وقرئ يخدعون (وما يخدعون إلا أنفسهم ) فإن وبال ذلك عائد عليهم وقرئ وما يخادعون وقرئ يخدعون بضم الياء وتشديد الدال
وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ
(ومايشعرون ) أي ما يحسون بذلك لتماديهم على الغفلة (في قلوبهم مرض ) شك و نفاق (فزادهم الله مرضا ) فشكوا في القرآن كما شكوا في الذي قبله (ولهم ) بسبب كفرهم (عذاب أليم ) مؤلم ( بما كانوا يكذبون ) حيث قالوا آمنا وقرئ يكذبون مشددا أي يكذبون الرسول فيما جاء به (وإذا قيل لهم ) أي للمنافقين ( لا تفسدوا في الأرض ) بمخادعة المسلمين و موالاة الكفار (قالوا ) المنافقون (إنما نحن ) في سعينا (مصلحون ) ليس سعينا سعي فساد بل صلاح ( ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم المفسدون ) في الأرض (ولكن لا يشعرون ) بأنهم مفسدون ( و إذ قيل لهم ) للمنافقين (آمنوا ) ظاهرا و باطنا (كما آمن الناس ) الصحابة (قالوا ) جوابا لذلك (انؤمن ) أنفعل (كما آمن ) كما فعل (السفهاء ) وتسفيهم لهم لأعتقادهم فساد رأيهم وتحقير شأنهم فإن كثيرا من المؤمنين كانوا فقراء (ألا إنهم ) هذا رد من الله عليهم (هم السفهاء ) الجهلاء بما ينفعهم ( ولكن لا يعلمون ) لا يشعرون بسفهاتهم التي أوجبت لهم فساد دنياهم و آخرتهم (و إذا لقوا ) المنافقون ( الذين آمنوا ) ظاهرا و باطنا (قالوا ) لهم (آمنا ) و ذلك حين اجتماعهم معهم (وإذا خلوا) من المؤمنين وعادوا (إلي شياطينهم ) كبرائهم من الكفار (قالوا إنا معكم ) في الإعتقاد (إنما نحن ) فيما ترونه منا (مستزءون ) مظهرون خلاف ما نبطن (الله يستهزئ بهم ) يجازيهم على استهزائهم (و يمدهم ) بأن يمهلهم و يقويهم وهم (في طغيانهم ) تعديهم الحدود (يعمهون ) يترددون متحيرين (أولئك الذين اشتروا ) استبدلوا (الضلالة ) طريق الغواية (بالهدى) بالسبيل المستقيم واختاروها عليه (فما ربحت تجارتهم ) بل خسرت
وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)
(وإن كنتم في ريب ) أي شك (مما نزلنا ) لهدايتكم وبيان وحدانيتنا وظهور صدق نبينا محمد وأوردناه (على عبدنا ) المستكمل لمقام العبودية التي هي أشرف المقامات (فأتوا بسورة من مثله ) أي من مثل هذا القرآن في حسن النظم وبلاغته و إعجازه عن المغيبات وطلاوته (وادعوا شهداءكم ) أي استعينوا بأصنامكم التي كنتم تدعونها من دون الله وتعبدونها (إن كنتم صادقين ) في أن القرآن ليس بكلام الله وأن النبي صلى الله عليه وسلم جاء به من تلقاء نفسه (فإن لم تفعلوا ) ما ذكرنا (ولن تفعلوا ) ولن تستطيعوا ذلك فإنه ليس في وسع مخلوق لأنه كلام الحق (فاتقوا ) احذروا (النار التي وقودها الناس ) أي الذي يوقد بها هو الناس ( و الحجارة ) أي الذهب و الفضة اللذان كانوا يكنزونهما و يشتغلون بهما عن الله (أعدت ) هيئت (للكافرين ) الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله و كتابه (وبشر ) أيها المصطفى الكريم وقرئ وبشر على البناء للمفعول (الذين آمنوا ) بالله ورسوله وكتابه (وعملوا الصالحات ) واجتهدوا في الطاعات ( أن لهم جنات ) حدائق محتوية على حور و قصور (تجري من تحتها ) أي من تحت الأشجار (الأنهار ) المحتوية على أنواع الشراب اللطيفة (كلما رزقوا منها) الضمير للجنة ( من ثمرة رزقا ) من أنواع الطعام اللطيفة (قالوا هذا ) مثل ( الذي رزقنا من قبل ) في الدنيا ( وأتوا به ) الضمير للرزق ( متشابها ) أي مشابها لطعام الدنيا في اللون و الصورة و الاسم و أما الطعم واللذة فبعيد وفي الحديث مرفوعا ليس في الجنة شئ لها في الدنيا إلا الأسماء أخرجه في الجامع الصغير (ولهم ) أي للمؤمنين العاملين الصالحات(فيها) الضمير للجنات (ازواج مطهرة ) من القذر والدرن والحيض وسوء الخلق وكل ما هو مستقبح في نساء الدنيا (وهم ) المؤمنون (فيها ) في الجنات (خالدون ) دائمون لا يخرجون منها (إن الله لا يستحي ) لايترك (أن يضرب ) لعباده (مثلا ) وقرئ مثل (ما بعوضة ) أي بالبعوضة فما فوقها ) أكبر منها مثل الذباب و العنكبوت ( فأما الذين آمنوا ) وفكروا في حقائق الأمور (فيعلمون أنه ) أي ضرب المثل ( الحق من ربهم ) الذي لا يسوغ إنكاره ( وما الذين كفروا ) ولم يكن فيهم أهلية أن يعلموا حقائق الأمور ( فيقولون ) منكرين لذلك (ماذا ) ما الذي ( أراد الله بهذا مثلا ) أي فائدة في ضرب المثل به فأجابهم الله فقال ( ويضل به ) أي المثل ( كثيرا ) من العباد ( ويهدي به ) إلي الحق (كثيرا ) منهم فيصدقون ويؤمنون ( وما يضل به ) عن سبيل هدايته ( إلا الفاسقين ) الكافرين الخارجين عن حوطة الإيمان وقرئ يضل على البناء للمفعول والفاسقون بالرفع (الذين ينقضون ) يفسدون ويخربون ويفسخون (عهد الله ) الذي عهده إليهم في الكتب المتقدمة بأن يؤمنوا بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم (من بعد ميثاقه ) و تأكيده عليهم في إجابة ذلك ( ويقطعون ) جراءة على الله ( ما أمر الله به ) عباده (أن يوصل ) كالرحم ومحاببة المؤمن وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم الرحم شجنة من الرحمن قال الله من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته رواه البخاري ( ويفسدون ) بمنع العباد عن الإسلام ( في الأرض ) وسلوك سبل الهدى ( أولئك هم الخاسرون ) الذين خسروا أنفسهم بإدخالها النار
كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
(كيف تكفرون ) معشر الخاسرون (بالله) المنفرد بالألوهية ( وكنتم أمواتا ) من نطفة ومضغة (فأحياكم ) بنفخ الأرواح فيكم (ثم يميتكم ) حين تنتهي آجالكم ( ثم يحييكم ) بعد الموت (ثم إليه ترجعون ) تردون فيجازيكم على ما عملتم (هو) الله (الذي خلق لكم ) أي لأجلكم ( مافي الأرض جميعا ) تنتفعون به وكذا تعتبرون (ثم استوى ) قصد بارادته (إلي السماءليسويها (فسواهن ) على أحسن أتقان (سبع سموات ) معتدلات ( وهو بكل شيء عليم ) فيحكم صنعته ( ولإذ قال ربك ) أيها النبي العظيم (للملائكة ) الكرام (إني جاعل في الأرض خليفة ) المراد به آدم وفي الآية تعليم المشاورة ( قالوا ) الملائكة ( أتجعل فيها ) الضمير للأرض ( ما يفسد فيها )لا لأن طبع البشر يقتضي الإصلاح و الافساد ( ويسفك الدماء) وذلك من أكبر الفسغاد ( ونحن نسبح ) ملتبسين (بحمدك ) قائلين سبحان الله وبحمده ( ونقدس لك ) وننزه جنابك العظيم عما لا يليق به (قال ) الحق لهم (إني ) وقرئ بفتح الياء (أعلم ) من صلاحه للخلائق (ما لاتعلمون ) أنتم به ( وعلم آدم ) وذلك حين قال الملائكة لن يخلق ربنا خلقا أعلم منا ( الأسماء كلها ) بأن نفث في روعه علم الأسماء كلها حتى القصعة و القصيعة ( ثم عرضهم ) أي عرض المسميات بالأسماء وقرئ عرضهن وعرضها
عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ(35)
(على الملائكة ) المكرمين (فقال ) جل شأنه (انبئوني ) وأخبروني (بأسماء هؤلاء ) ومراده من ذلك أن يبين عجزهم عن العلم الذي أودعه فيؤ آدم و أنه أولى بالخلافة منهم (إن كنتم صادقين) أنكم أولى بالخلافة (قالوا ) معترفين بعجزهم (سبحانك ) ياعليم (لا علم لنا ) من تلقاء أنفسنا (إلا ما علمتنا ) بإعلامك (إنك أنت العليم ) بمن يصلح للخلافة (الحكيم ) بوضعها في موضعها (قال ) الله تباركت أسماؤه وتعالت ذاته لخليفته (يا آدم أنبئهم ) أعلمهم وقرئ أنبيهم بقلب الهزة ياء وقرئ بحذف الياء وكسر الهاء (بأسمائهم فلما ) تصدر آدم للتعليم بأمر الملك الحكيم و (أنبأهم ) أخبرهم ( بأسمائهم ) وعين كل شيء بأسمه (قال ) الله لهم ( ألم أقل لكم ) توبيخ لهم حيث لم يفوضوا إليه الأمر حين شاورهم (إني) وقرئ بفتح الياء ( أعلم غيب السموات و الأرض ) ما غاب فيهما من العجائب و الغرائب ( وأعلم ) منكم (ماتبدون ) تظهرون ( وما كنتم تكتمون ) تخفون وتسرون (وإذ قلنا للملائكة ) العباد المكرمين (اسجدوا لآدم ) سجود تعظيم وتحية (فسجدوا ) الملائكة المأمورون ( إلا إبليس ) المطرود عن رحمة الله (أبى) امتنع من السجود (واستكبر ) على الله حيث خالف أمره ( وكان ) في سابق علم ربنا (من الكافرين ) الذين سبقت لهم الشقاوة(وقلنا يا آدم ) إكراما لك (اسكن أنت وزوجك ) حواء (الجنة ) دار الكرامة و الرحمة ( وكلا منها ) الضمير للجنة (رغدا) واسعا رفها (حيث شئتما ) أي مكان شئتماه من الجنة ( ولا تقربا) أي لا تحوما حول (هذه الشجرة ) هي شجرة الحنطة وقرئ بكسر الشين (فتكونا من الظالمين ) أنفسهم بارتكابهما ما نهى عنه
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(37)قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ
(فأزلهما) أبعدهما (الشيطان عنها) عن الجنة فحملهما على الأكل من الشجرة ( فأخرجهما) آدم و حواء ( مما كانا فيه ) من النعيم ( وقلنا اهبطوا ) لآدم وحواء و إبليس والحية ( بعضكم لبعض عدو ) أي آدم وحواء و إبليس والحية وذريتهم ( ولكن في الأرض مستقر ) استقرار ( ومتاع ) تتمتعون به ( إلي حين ) إلي انقضاء آجالكم (فتلقى) أخذ ( آدم ) صفي الله ( من ربه كلمات ) وهي قوله تعالى ((ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )) وقرئ بنصب آدم ورفع كلمات ( فتاب عليه ) عاد عليه بالمغفرة و الرحمة (إنه هو ) الله ( التواب ) على من تاب إليه ( الرحيم ) بمن أقبل عليه ( قلنا اهبطوا ) تكرسير الأمر للتأكيد ( منها ) الضمير للجنة ( جميعا ) كلكم ( فإما يأتينكم ) لهدايتكم (مني هدى ) سبيل حق على ألسن رسلي ( فمن تبع هداي ) الذي أنزلته على رسلي ( فلا خوف عليهم ) في الآخرة ( ولا هم يحزنون ) في الدنيا والخطاب لآدم و حواء وذريتهما ( والذين كفروا ) بي وبرسلي ( وكذبوا بآياتنا ) المنزلة على رسلنا ( أولئك ) المكذبون ( أصحاب النار ) المجعولون لها أهلا ( هم فيها خالدون ) لا يخرجون منها ( يابني إسرائيل ) أي يا أولاد يعقوب و اسرائيل معناه عبد الله بالعربية وقرئ إسرائيل محذوف الياء ولإسرائيل بقلب الهمزة ياء و إسرال بحذفهما ( اذكروا ) و اشكروا متفكرين (نعمتي التي أنعمت عليكم ) على آبغائكم بإنجائهم من الغرق وعليكم بإدراككم زمن نبينا محمد عليه أفضل الصلاة و السلام
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ(41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا
(واأوفوا بعهدي ) الإيمان بي وبرسولي محمد ( أوف بعهدكم ) بعظيم الثواب و إدخال الجنة وحسن المآب وقرئ أوف بالتشديد ( وأياي فارهبون ) أي فخافون إن نقتضم العهد بذلك ( و آمنوا بما أنزلت ) على رسولي محمد وهو القرآن ( مصدقا لما معكم ) في التوراة من أفراد التوحيد لي و الوصف المثبت لنبوة حبيبي محمد فقد وصفته لكم ونعته و الوقت لا يسع إلا اتباعه وقد قال في هذا المعنى رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حيا لما وسعه إلا اتباعي ( ولا تكونوا) في نبي محمد ( أول كافر به ) أي أول من يكفر به ويكذبه من أهل الكتاب ( ولا تشتروا ) تستبدلوا ( بآياتي ) التي جاءتكم في التوراة بصفة رسولي محمد (ثمنا قليلا ) تستعطونه عنها وتغيرون الوصف ( وإياي فاتقون ) أي فاخشوني إذ فعلتم ذلك ( ولا تلبسوا ) تخلطوا ( الحق ) الذي جاءكم في تبيين أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (بالباطل ) الذي تفترونه من تلقاء أنفسكم من تغيير نعته وحاله ومن ذلك قوله ((فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله )) الآية إلي ((يكسبون )) ( وتكتموا الحق ) وتخفوه وقرأ ابن مسعود وتكتمون الحق ( وأنتم تعلمون ) أن رسالته صلى الله عليه وسلم صحيحة ثابته ( وأقيموا الصلاة ) التي افترضها الله عليكم ( وآتوا الزكاة ) التي أوجبها عليكم ( واركعوا ) لله ( مع الراكعين ) من المسلمين ( أتأمرون الناس بالبر ) بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم ( وتنسون أنفسكم ) من ذلك ( وأنتم تتلون الكتاب ) التوراة التي فيها وصفه صلى الله عليه وسلم فما لكم لا ترغبون فيما فيها من الترغيب لمن آمن به صلى الله عليه وسلم وترهبون بما فيها من الترهيب لمن كفر به صلى الله عليه و سلم ( افلا تعقلون ) لما ينفعكم ويضركم وتتركون أهواء أنفسكم وتميلون إلي هذا السيد الكامل الذي هو سيد كل الرسل أجمعين القائل أنا سيد ولد آدم و لا فخر و آدم فمن دونه تحت لوائي ولا فخر وبيدي لواء الحمد ولا فخر و أنا أول شافع و أول مشفع ( واستعينوا ) على أنفسكم
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ
(بالصبر) على مجاهدتها ومخالفتها حتى تتبع بكم الحق (و الصلاة ) ومؤالفتها لتألف النفوس مناجاة القدوس فتصير لكم قرة عين كما قال عليه الصلاة و السلام وجعلت قرة عيني في الصلاة وتنفرج لكم بها الكرب كما كان صلى الله عليه وسلم إذا أحزنه أملر فزع إلي الصلاة ( وإنها) أي الصلاة المشتملة على الحضور و الإقبال على الملك الغفور ( لكبيرة ) ثقيلة على المشركين و المنافقين المدبرين عن الملك المبين (إلا على الخاشعين ) المخبتين الذين هم لله متضرعون ( الذين يظنون أنهم ) في صلاتهم (ملاقوا ربهم ) وفي قراءة ابن مسعود يعلمون أي يحققون أنهم في هذه الصلاة لشدة حضوركم أن كل واحد منهم ملاقي مولاه وذلك من قبل قوله صلى الله عليه وسلم اعبد الله كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك و ايأس مما في أيدي الناس تعش غنيا و إياك وما يعتذر منه رواه ابن النجار أو إنها آخر صلاة له كما قال صلى الله عليه وسلم صل صلاة مودع فيظن أنه بعدها لا يصلي صلاة فيحسنها ظنا أنها آخر ما به يلاقي مولاه ( وأنهم إليه راجعون ) فيحسنون العمل إذا كان المرجع إليه ويحق عليهم (يابني اسرائيل ) أولاد يعقوب (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) أي على آبائكم ( و أني فضلتكم على العالمين ) بأن جعل فيهم أهنبياء وملوكا كما قال تعالى إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم مالم يؤت أحدا من العالمين (واتقوا ) واخشوا (يوما ) هو يوم القيامة وما يقع فيه من الحساب و العذاب (لاتجزى ) لا تغنى ( نفس عن نفس شيئا ) فتحمل عنها أو تدفع ( ولا يقبل ) وقرئ بالتاء ( منها شفاعة ) لأن الشفاعة في الكافر لا تكون وهو رد لما كان يقوله اليهود آباؤنا الأنبياء يشفعون لنا ( و لايؤخذ منها عدل ) فداء ( ولاهم ينصرون ) يمنعون من العذاب ( وإذ نجيناكم ) يابني إسرائيل وقرئ نجيناكم (من آل فرعون ) وفرعون لقب لمن ملك العمالقة (يسومونكم ) يذيقونكم
سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (51) ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (52) وَإِذْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (53) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ
(سوء العذاب ) أشده وأقبحه ( يذبحون أبنائكم ) أولادكم الذكور وقرئ يذبحون بالتخفيف وفعلهم ذلك لأن فرعون أخبرته الكهنة أنه يولد في بني إسرائيل مولود يزيل ملكه ( ويستحيون ) أي ويستبقون ( نساءكم ) بناتكم أي يبقونهن في قيد الحياة يقتلونهن ( وفي ذلكم ) الأذى (بلاء ) امتحان ( من ربكم عظببيم ) كبير ( وإذ فرقنا) فلقنا وقرئ فرقنا بالتشديد (بكم) أي بسببكم (البحر ) فجعلنا فيه اثني عشر طريقا ( فأنجيناكم ) بأن أدخلناكم في تلك الطريق و أخرجناكم منها فنجوتم من الغرق ( وأغرقنا آل فرعون ) وهو معهم ( وأنتم تنظرون ) إلي إغراقنا لهم بكفرهم ( و إذ واعدنا موسى ) وقرئ وعدنا بغير ألف ( أربعين ليلة ) وذلك بعد هلاك فرعون بإعطاء التوراة ( ثم اتخذتم العجل ) فجعلتموه إلها تعبدونه ( من بعده ) من بعد ذهاب موسى ليأتيكم بالتوراة ( وأنتم ظالمون ) يجنوحكم إلي عبادة العجل (ثم عفونا عنكم ) ما ارتكبتموه من (بعد ذلك ) الاتخاذ للعجل (لعلكم تشكرون ) آلا أنا التي وهبناكم ( و إذ آتينا ) أعطينا (موسى ) الكليم ووفيناه بوعدنا (الكتاب) التوراة ( والفرقان ) الحكم الذي يفرق بين الباطل و الحق ( لعلكم تهتدون ) إلي طريقنا المستقيم وعليه تعرجون له ( و إذ قال موسى ) كليم الله ( لقومه ) من بني إسرائيل (ياقوم إنكم ظلمتم أنفسكم ) و أبقيتموها ( باتخاذكم العجل ) صنما تعبدونه من دون الله وكان متخذا من حليهم من الذهب و الفضة مجعولا على صفة العجل كما قال تعالى ((واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا به خوار))