تبرئته في سنن القرآن :
يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين ) ، رواه البيهقي في "شعب الإيمان" و البيهقي لا يروي الضعيف ، والهيثمي في "مجمع الزوائد" ، وقال رجاله ثقات ، والذهبي في " المعجم الكبير" ...
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ألا إنها ستكون فتنة ، فقيل : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم . هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه . هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به . من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . خذها إليك يا أعور ) ، رواه الترمذي في "سننه" ، و ابن كثير في " فضائل القرآن" ، وقال : حسن صحيح ...
وفي رواية أخرى لعلي كرم الله وجهه : ( و الذي بعثني بالحق نبياً لتفترقن أمتي عن أصل دينها وجماعتها إلى اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة مضله يدعون إلى النار ، فإن كان ذلك فعليكم بكتاب الله عز وجل فإن فيه نبأ من كان قبلكم ، ونبأ ما يأتي بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من خالفه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى العلم بغيره أضله الله عز وجل ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وشفاؤه النافع ، وعصمة من تمسك ، ونجاة من تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستقيم ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلقه كثرة الترديد ) ، ورد في كتاب "الإحياء" للغزالي { ربع العبادات الكتاب الثامن } ...
وأما ما حدث مع الحلاج فيمكن استنباط سننه من القرآن الكريم ومطابقة كتوافق سنن في سورة "يس" ...
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن "يس" ) رواه الترمذي في "سننه" وفي "تهذيب التهذيب" ...
فلكتاب الله خصوصية ظاهرة وعمومية باطنه في المقاصد وهنا هي التوافقية بين سنن القرآن وما حدث مع الحلاج من فعل وردت فعل وفق القوانين الإلهية ...
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن للقرآن ظاهر وباطن ، وحداً ومطلعا ) ، رواه ابن حبان في "صحيحة" ، و الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" ...
يقول الله تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ۞ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ۞ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ۞ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۞ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ۞ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَ لَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۞ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ۞ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۞ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ ۞ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۞ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ۞ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ۞ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ۞ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۞ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) [يس :13-27] صدق الله العظيم ...
فضرب المثل في الآيات أعلاه يدل على حالة مطلقه غير مقيده بجهة معينة ويكمن أن تسن في أي زمن ...
( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ) [يس : 13] ...
والقرية هنا هي كل تجمع سكاني بسيط أو خالي من الترف الحضاري ...
وهي مظهر الدولة الإسلامية وهي في أوجها حيث أن المسلمين كانوا أخرويين لا ركون لهم إلى الدنيا في ذاك الوقت ؟ !! ...
ولكن مع توسع الفتوحات واستقرار الدولة ، والاستقرار و الإقرار هو قصد ثاني لكلمة قرية في الآية من الجانب التأويلي المعنوي للآية ...
هنا توافد لقلب دولة الإسلام العلماء و الأدباء من الدول التي خضعت للفتح الإسلامي ومن بينهم علماء جاءوا بأفكار وعقائد فلسفية مغايرة لما كان ثابت عند المسلمين ، لذلك فإن أصحاب القرية ، وهم أصحاب العقائد الثابتة أو المستقرة ، بدأت ثوابتهم في الأصول تتغير ؟ !!! ...
( إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ) و المرسلين هنا تشمل العدو المفسد المرسل من قبل من عجزوا بالسيف فأعملوا اللسان للنيل من الأمة ؟؟ !!! ...
و هم الذين جاءوا بهذه العقائد الفاسدة واستقطبوا عامة الناس وحركوا هذا الفساد ، مثل عقائد المعتزلة و المرجئة و القدرية و الجبرية ..... الخ ...
و المرسلين هي أيضاً إشارة إلى المصلحين الذين تحرك بوازع ديني ، ومحرك رباني خفي بواعظ الضمير الديني الإيماني لإيقاف هذا الترف و الفساد الفكري ...
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال ، يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) ، رواه البخاري في "صحيحة" ...
( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) [يس : 14] ...
والاثنين كانا هم السري السقطي وابن أخته تاج العارفين "أبو القاسم الجنيد" رحمهما الله اللذان اختصا في إصلاح العقيدة و السلوك ، ولكن لم يتثنى لهم إنقاذ الموقف ، فعزز الله الموقف برجل ثالث مصلح جامع تتلمذ عند المحاسيبي في العقائد وعند الجنيد بالسلوك ...
وهو ابن البغوي " أبو الحسين النوري" رحمه الله ...
هنا جاهر الرسل برسالتهم بإصلاح الترف الفكري ( فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) ...
ولكن الأمر بالحقيقة تعدى الترف الفكري إلى الترف المادي ، فأصبح الإصلاح ضد مصالح العباد وخصوصاً المترفين من الأغنياء و التجار وأعوان السلطة وهم أول الفساق ...
لقوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) [الإسراء : 16] ...
فوصل الإصلاح عند ابن البغوي إلى الخليفة ؟؟ !!!
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن المحتسب أبا الحسين النوري حطم دنانخمر كانت مرسلة إلى الخليفة العباسي "المعتضد" ، و أوقفوه بين يديه ، فقال له : لماذا حطمت الدنان ؟ ، قال أنا "المحتسب" وهذا عملي ، قال الخليفة : ومن دلاكالحسبة(1)؟ قال : من دلاك الخلافة ، فأطرق الخليفة قليلاً ،ثم قال له : اذهب ، فقد أطلقت يدك ، فغير ما أحببت أن تغيره من المنكر...
(1) الحسبة : هي الأمر بالمعروف و النهيعن المنكر ...
فكانت المفاجأة برفض الإصلاح من قبل الفساق المنافقين الذين من المفترض أنهم مؤمنين الذين عللوا رفضهم بأن الدين تام وأن الرحمن أبطل الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ ) ، وهو إقرار بوجود الله وكونه إله رحمة أيضاً ...
( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ) [يس : 15] ...
وهنا الإشارة إلى المثلية تدل على الكبر وسيطرة الهوى كفساد سلوكي إضافة للترف الفكري الذي قوى النفاق وشيوع المهلكات ...
يقول صلى الله عليه وسلم : ( ما أخاف على أمتي إلا ثلاثا : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإمام ضلال ) ، صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ...
وسبب التكذيب العام الفكري هو افتتان المسلمين بذلك الوقت بالفلسفة الفارسية ، كون أكثر العلماء كانوا من فارس ...
يقول الفاروق الأكبر رضي الله عنه في شأن بلاد فارس : ( وددت لو كان بيني وبينهم جبل من نار لا يدخلون إلي و لا أخرج إليهم ) أو كما قال رضي الله عنه ...
يقول الله تعالى : ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) [المنافقون : 1] ...
ونعود الآن إلى تسلسل الآيات ...
( قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۞ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين ) [يس :16-17] ...
( قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) من خلال ما نزل في الكتاب الكريم ...
( وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين ) وأن دعوتنا مبنية على أصول الدين وهو القرآن و السنة ...
لقوله تعالى : ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) [يوسف : 108] ...
وبيانه قوله تعالى : ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [النحل : 125] ...
( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَ لَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ )[يس : 18] ...
هنا لم يعد للحوار جدوى عند فساق الأمة من أصحاب المصالح بما في ذلك رجال الدين المداهنين للسلطة ...
فأظهروا فجورهم وضيقهم ، وهددوا المصلحين بالرجم وهو الإقصاء و الإبعاد عن ساحة الدعوة بالسجن ...
أو القتل قصاصاً وهو في الآية المس بالعذاب الأليم ، لأن الموت قتلا هو ذوق لعذاب مركز آني ...
لقوله تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) [الأنبياء : 35] ...
وبالفعل حدث ذلك في عهد الخليفة العباسي "المعتمد" حيث سجن الدعاة بتهمة الزندقة وكادت تضرب أعناقهم لولا دفاع الله عنهم وتهيئة أسباب النجاة ...
( وقد ساح النوري إلى الشام ، وأخذ عن أحمد بن أبي الحواري ، وقد جرت له محنة ، وفر عن بغداد في قيام غلام خليل على الصوفية ، فأقام بالرقة مدة متخليا منعزلا . حكى ذلك أبو سعيد بن الأعرابي ، قال : ثم عاد إلى بغداد وقد فقد جلاسه وأناسه وأشكاله ، فانقبض لضعف قوته ، وضعف بصره .
وقال أبو نعيم : سمعت عمر البناء البغدادي بمكة يحكي محنة غلام خليل ، قال : نسبوا الصوفية إلى الزندقة ، فأمر الخليفة المعتمد في سنة أربع وستين ومائتين بالقبض عليهم ، فأخذ في جملتهم النوري ، فأدخلوا على الخليفة ، فأمر بضرب أعناقهم ، فبادر النوري إلى السياف ، فقيل له في ذلك ، فقال : آثرت حياتهم على نفسي ساعة ، فتوقف السياف عن قتله ، ورفع أمره إلى الخليفة ، فرد الخليفة أمرهم إلى قاضي القضاة إسماعيل بن إسحاق ، فسأل أبا الحسين النوري عن مسائل في العبادات ، فأجاب ، ثم قال : وبعد هذا ، فلله عباد ينطقون بالله ، ويأكلون بالله ، ويسمعون بالله . فبكى إسماعيل القاضي ، وقال : إن كان هؤلاء القوم زنادقة ، فليس في الأرض موحد . فأطلقوهم ) ورد في "سيرأعلام النبلاء" للذهبي { ج 14 / ص : 71 } ...
لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ) [الحج : 38] ...
وقوله عز من قائل : (كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) [يونس : 103] ...
( قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ) [ يس : 19] ...
هنا كان جواب المصلحين إن ما يكدركم يذهبه الإيمان الحق و التقوى بالاستقامة ، لكنكم قوم سيطر على قلوبهم حب الدنيا ، لأنهم بنوا آمالهم عليها وأسرفوا ذلك فانشغلوا عن الله ...
يقول تعالى : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ) [الأنعام : 70] ...
هنا توقف الدعاة عن دعوتهم بعد أن غلب الترف والركون إلى الدنيا على أهل الدنيا ...
ولكن مع تتبع الآيات نجد القرية أصبحت مدينة ( وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ) أي أن الترف تجاوز الفكر إلى الترف المادي ...
و الحلاج هنا في الآيات هو الرجل الذي يسعى ( وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ...
وسعيه أنه عندما حقق الجمع بين العلم و الولاية إنصبغ قلبه وكيانه بمعاني الرحمة لقربة وموافقته لربه فأراد أن يعكس هذه السعادة على من ضل من أمة محمد ...
وسعوه الغيري هو الإصلاح الديني الذي أفسده المضلين من أعداء الإسلام ...
يقول محمد بن خفيف في مقام الحلاج : ( الحسين بن منصور عالم رباني ) ، ورد في "طبقات الصوفية" للسلمي { ص : 308} ...
لقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت : 33] ...
أما فحوا دعوته فتبينها الآيات : ( وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۞ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ) [يس :22-23] ...
العبادة هنا من التعبد ، وهي الإخضاع و التطويع ...
نقول طريق معبد أي مطوع ...
وكانت عند الحلاج هي إخلاص العبادة لله وحده بالتفريد وإخلاص الوجه له سبحانه ...
أو وحدة الشهود التي تعني "شهود الحق بلا خلق" أو "شهود المؤثر بدون أثر" وهو الفناء بالله ...
يقول الحلاج في التفريد : ( لا يجوز لمن يرىأحد ، أو يذكر أحداً ، أن يقول : إني عرفت الأحد ، الذي ظهرت منه الآحاد ) ورد في "طبقات الصوفية" للسلمي { ص : 310} ...
يقول الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) [النساء : 125] ...
وإبراهيم كمعنى تعني من "أبر الله هيامه" بالفناء به فأبقاه الله خليلاً أي تخلل نور قدسيته تعالى في ذاتية الإنسان المؤمن المحسن فسيطر عليها وملكها فلم يبقى به حي إلا هو ...
وهنا تكمن حقيقة العبودية و هي : ( فناء المريد وما يريد بالمراد وما أراد ) ...
فهو الذي ملك قلوب العارفين فأحرقها بنور هيبته ...
وهو الذي ملك قلوب العاشقين فأغرقها بنور محبته ...
وهو الذي ملك قلوب الصديقين فأزهقها بنور رحمته ...
و نرجع إلى سياق الآيات ...
فالذي فطرني ، أي أنشأني من العدم ، ومنه أخذت تسمية نبات الفطر لأنه ينبت في الأرض من دون بذرة أو اثر إنشائي محسوس ...
وإليه ترجعون أي عائديه الخلق بالكلية لله رب العالمين ، وهنا يتجسد مفهوم "وحدة الشهود" ...
أي الإنشاء من العدم ، ومرجعية الإنشاء و الخلق لله وحده ...
وهو مقصد الحلاج في قوله : ( ما في الجبة سوى الحق )أي جعل من نفسه مثل أعلى للمرجعية إلى الله و الفناء والبقاء به سبحانه ...
وهي مفهوم "لا إله إلا هو "
ويؤيد ذلك قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۞ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [الرحمن : 27] ...
و تتجسد هذه الحقيقة عياناً يوم القيامة في قوله تعالى : ( يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [غافر : 16] ...
و مع تتبع الآيات : ( أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ) ...
أي أأرجع مصيري لغير الله ...
كلمة إله مأخوذة من المآل أي المرجع فالإله هو الذي آل له كل شيء وهو القائم على كل شيء المتحكم بكل شيء ...
ويبين هذه الآية قوله تعالى : ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) [الرعد : 16] ...
و الآلهة في زمن الحلاج هو تلك التعلقات الدنيوية التي سيطرت على المجتمع الإسلامي من تعشق للمال و السلطة ... الخ ..
ولكن سيطرت هذه التعلقات على أصحاب الترف المالي و أصحاب السلطة بالدرجة الأولى ...
وهنا وجد الحلاج بأنه إذا أذعن ، وسكت عن هذا الطغيان سوف يكون بضلال كبير ( إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) ...
هنا أظهر الحلاج معارضته بشكل واضح ضد أصحاب السلطة و المال الفاسدين ( إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ) ...
فكادوا له وقتلوه لقوله تعالى : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۞ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) [يس :26-27] صدق الله العظيم ...
فيروى أن الحلاج ناجى ربه وهو في يعد للقتل ؟؟ !!! ، قائلاً : ( يا رب إني أضحيت بين الناس غريب ، وإن ذكرك أضحى بينهم غريب ، و لا يأوي الغريب إلا الغريب ) ...
عن إبراهيم بن شيبان قال : ( دخلت على ابن سريج يوم قتل الحلاج ، فقلت :
يا أبا العباس ، ما تقول في فتوى هؤلاء في قتل هذا الرجل ؟؟! ...
قال : لعلهم نسوا قول الله تعالى : ( َتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) [غافر : 28] ) ، ورد في "نفحات الأندلس" للجامي { ص : 245 } ...
يقول الله تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنيَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) [غافر : 28] ...
(وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) وهنا ابن السريج ممثل قضاة الشافعية ، وأبو العباس بن عطاء يمثل القضاة الحنبلية الذين منعوا من التحكيم لعدالتهم وإيمانهم بصدق الحلاج ...
ومعنى كلمة فرعون أي "من فر من عون الله بطغيان نفسه عليه وغلبة تبعيته للشيطان"
لقول الله تعالى : ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) [طه : 24] ...
أما آل فرعون هم فجرة السلطة في الدولة من قضوا على الحلاج بالقتل غيلة بعد أن ثار أعوانه ...
ومع تتابع الآيات (َمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ۞ إن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) [يس :28-29] ...
فقد تتابعت الأحداث منذ ذلك الحين وبدأت الدولة العباسية بالتراجع كسلطة حتى لم تعد تتجاوز سلطتها العراق ثم بغداد وأصبحت سلطة الخليفة على العالم الإسلامي صورية ...
يقول الله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَ بَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) [البقرة : 61] ...
وانتهى الأمر بغضب الله عندما جاء سوط الله في الأرض هولاكو وجيشه البربري فسحق رفات الخلافة بشكل نهائي ...
و الحمد لله رب العالمين ..
يقول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( من أراد العلم فليثور القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين ) ، رواه البيهقي في "شعب الإيمان" و البيهقي لا يروي الضعيف ، والهيثمي في "مجمع الزوائد" ، وقال رجاله ثقات ، والذهبي في " المعجم الكبير" ...
ويقول صلى الله عليه وسلم : ( ألا إنها ستكون فتنة ، فقيل : ما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم . هو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسنة ، ولا يشبع منه العلماء ، ولا يخلق عن كثرة الرد ، ولا تنقضي عجائبه . هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا : إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به . من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم . خذها إليك يا أعور ) ، رواه الترمذي في "سننه" ، و ابن كثير في " فضائل القرآن" ، وقال : حسن صحيح ...
وفي رواية أخرى لعلي كرم الله وجهه : ( و الذي بعثني بالحق نبياً لتفترقن أمتي عن أصل دينها وجماعتها إلى اثنتين وسبعين فرقة كلها ضالة مضله يدعون إلى النار ، فإن كان ذلك فعليكم بكتاب الله عز وجل فإن فيه نبأ من كان قبلكم ، ونبأ ما يأتي بعدكم ، وحكم ما بينكم ، من خالفه من جبار قصمه الله ، ومن ابتغى العلم بغيره أضله الله عز وجل ، وهو حبل الله المتين ، ونوره المبين ، وشفاؤه النافع ، وعصمة من تمسك ، ونجاة من تبعه ، لا يعوج فيقوم ، ولا يزيغ فيستقيم ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلقه كثرة الترديد ) ، ورد في كتاب "الإحياء" للغزالي { ربع العبادات الكتاب الثامن } ...
وأما ما حدث مع الحلاج فيمكن استنباط سننه من القرآن الكريم ومطابقة كتوافق سنن في سورة "يس" ...
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن "يس" ) رواه الترمذي في "سننه" وفي "تهذيب التهذيب" ...
فلكتاب الله خصوصية ظاهرة وعمومية باطنه في المقاصد وهنا هي التوافقية بين سنن القرآن وما حدث مع الحلاج من فعل وردت فعل وفق القوانين الإلهية ...
يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( إن للقرآن ظاهر وباطن ، وحداً ومطلعا ) ، رواه ابن حبان في "صحيحة" ، و الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" ...
يقول الله تعالى : ( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ۞ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ۞ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ۞ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۞ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ۞ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَ لَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ۞ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ۞ وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۞ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ ۞ وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۞ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ۞ إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ۞ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ۞ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۞ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) [يس :13-27] صدق الله العظيم ...
فضرب المثل في الآيات أعلاه يدل على حالة مطلقه غير مقيده بجهة معينة ويكمن أن تسن في أي زمن ...
( وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ) [يس : 13] ...
والقرية هنا هي كل تجمع سكاني بسيط أو خالي من الترف الحضاري ...
وهي مظهر الدولة الإسلامية وهي في أوجها حيث أن المسلمين كانوا أخرويين لا ركون لهم إلى الدنيا في ذاك الوقت ؟ !! ...
ولكن مع توسع الفتوحات واستقرار الدولة ، والاستقرار و الإقرار هو قصد ثاني لكلمة قرية في الآية من الجانب التأويلي المعنوي للآية ...
هنا توافد لقلب دولة الإسلام العلماء و الأدباء من الدول التي خضعت للفتح الإسلامي ومن بينهم علماء جاءوا بأفكار وعقائد فلسفية مغايرة لما كان ثابت عند المسلمين ، لذلك فإن أصحاب القرية ، وهم أصحاب العقائد الثابتة أو المستقرة ، بدأت ثوابتهم في الأصول تتغير ؟ !!! ...
( إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ) و المرسلين هنا تشمل العدو المفسد المرسل من قبل من عجزوا بالسيف فأعملوا اللسان للنيل من الأمة ؟؟ !!! ...
و هم الذين جاءوا بهذه العقائد الفاسدة واستقطبوا عامة الناس وحركوا هذا الفساد ، مثل عقائد المعتزلة و المرجئة و القدرية و الجبرية ..... الخ ...
و المرسلين هي أيضاً إشارة إلى المصلحين الذين تحرك بوازع ديني ، ومحرك رباني خفي بواعظ الضمير الديني الإيماني لإيقاف هذا الترف و الفساد الفكري ...
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد كان فيمن كان قبلكم من بني إسرائيل رجال ، يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم أحد فعمر ) ، رواه البخاري في "صحيحة" ...
( إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) [يس : 14] ...
والاثنين كانا هم السري السقطي وابن أخته تاج العارفين "أبو القاسم الجنيد" رحمهما الله اللذان اختصا في إصلاح العقيدة و السلوك ، ولكن لم يتثنى لهم إنقاذ الموقف ، فعزز الله الموقف برجل ثالث مصلح جامع تتلمذ عند المحاسيبي في العقائد وعند الجنيد بالسلوك ...
وهو ابن البغوي " أبو الحسين النوري" رحمه الله ...
هنا جاهر الرسل برسالتهم بإصلاح الترف الفكري ( فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ) ...
ولكن الأمر بالحقيقة تعدى الترف الفكري إلى الترف المادي ، فأصبح الإصلاح ضد مصالح العباد وخصوصاً المترفين من الأغنياء و التجار وأعوان السلطة وهم أول الفساق ...
لقوله تعالى : ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) [الإسراء : 16] ...
فوصل الإصلاح عند ابن البغوي إلى الخليفة ؟؟ !!!
روى ابن عساكر في تاريخ دمشق أن المحتسب أبا الحسين النوري حطم دنانخمر كانت مرسلة إلى الخليفة العباسي "المعتضد" ، و أوقفوه بين يديه ، فقال له : لماذا حطمت الدنان ؟ ، قال أنا "المحتسب" وهذا عملي ، قال الخليفة : ومن دلاكالحسبة(1)؟ قال : من دلاك الخلافة ، فأطرق الخليفة قليلاً ،ثم قال له : اذهب ، فقد أطلقت يدك ، فغير ما أحببت أن تغيره من المنكر...
(1) الحسبة : هي الأمر بالمعروف و النهيعن المنكر ...
فكانت المفاجأة برفض الإصلاح من قبل الفساق المنافقين الذين من المفترض أنهم مؤمنين الذين عللوا رفضهم بأن الدين تام وأن الرحمن أبطل الوحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ ) ، وهو إقرار بوجود الله وكونه إله رحمة أيضاً ...
( قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ) [يس : 15] ...
وهنا الإشارة إلى المثلية تدل على الكبر وسيطرة الهوى كفساد سلوكي إضافة للترف الفكري الذي قوى النفاق وشيوع المهلكات ...
يقول صلى الله عليه وسلم : ( ما أخاف على أمتي إلا ثلاثا : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإمام ضلال ) ، صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" ...
وسبب التكذيب العام الفكري هو افتتان المسلمين بذلك الوقت بالفلسفة الفارسية ، كون أكثر العلماء كانوا من فارس ...
يقول الفاروق الأكبر رضي الله عنه في شأن بلاد فارس : ( وددت لو كان بيني وبينهم جبل من نار لا يدخلون إلي و لا أخرج إليهم ) أو كما قال رضي الله عنه ...
يقول الله تعالى : ( إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) [المنافقون : 1] ...
ونعود الآن إلى تسلسل الآيات ...
( قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ۞ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين ) [يس :16-17] ...
( قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ) من خلال ما نزل في الكتاب الكريم ...
( وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِين ) وأن دعوتنا مبنية على أصول الدين وهو القرآن و السنة ...
لقوله تعالى : ( قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) [يوسف : 108] ...
وبيانه قوله تعالى : ( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) [النحل : 125] ...
( قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَ لَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ )[يس : 18] ...
هنا لم يعد للحوار جدوى عند فساق الأمة من أصحاب المصالح بما في ذلك رجال الدين المداهنين للسلطة ...
فأظهروا فجورهم وضيقهم ، وهددوا المصلحين بالرجم وهو الإقصاء و الإبعاد عن ساحة الدعوة بالسجن ...
أو القتل قصاصاً وهو في الآية المس بالعذاب الأليم ، لأن الموت قتلا هو ذوق لعذاب مركز آني ...
لقوله تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) [الأنبياء : 35] ...
وبالفعل حدث ذلك في عهد الخليفة العباسي "المعتمد" حيث سجن الدعاة بتهمة الزندقة وكادت تضرب أعناقهم لولا دفاع الله عنهم وتهيئة أسباب النجاة ...
( وقد ساح النوري إلى الشام ، وأخذ عن أحمد بن أبي الحواري ، وقد جرت له محنة ، وفر عن بغداد في قيام غلام خليل على الصوفية ، فأقام بالرقة مدة متخليا منعزلا . حكى ذلك أبو سعيد بن الأعرابي ، قال : ثم عاد إلى بغداد وقد فقد جلاسه وأناسه وأشكاله ، فانقبض لضعف قوته ، وضعف بصره .
وقال أبو نعيم : سمعت عمر البناء البغدادي بمكة يحكي محنة غلام خليل ، قال : نسبوا الصوفية إلى الزندقة ، فأمر الخليفة المعتمد في سنة أربع وستين ومائتين بالقبض عليهم ، فأخذ في جملتهم النوري ، فأدخلوا على الخليفة ، فأمر بضرب أعناقهم ، فبادر النوري إلى السياف ، فقيل له في ذلك ، فقال : آثرت حياتهم على نفسي ساعة ، فتوقف السياف عن قتله ، ورفع أمره إلى الخليفة ، فرد الخليفة أمرهم إلى قاضي القضاة إسماعيل بن إسحاق ، فسأل أبا الحسين النوري عن مسائل في العبادات ، فأجاب ، ثم قال : وبعد هذا ، فلله عباد ينطقون بالله ، ويأكلون بالله ، ويسمعون بالله . فبكى إسماعيل القاضي ، وقال : إن كان هؤلاء القوم زنادقة ، فليس في الأرض موحد . فأطلقوهم ) ورد في "سيرأعلام النبلاء" للذهبي { ج 14 / ص : 71 } ...
لقوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ ) [الحج : 38] ...
وقوله عز من قائل : (كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) [يونس : 103] ...
( قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ) [ يس : 19] ...
هنا كان جواب المصلحين إن ما يكدركم يذهبه الإيمان الحق و التقوى بالاستقامة ، لكنكم قوم سيطر على قلوبهم حب الدنيا ، لأنهم بنوا آمالهم عليها وأسرفوا ذلك فانشغلوا عن الله ...
يقول تعالى : ( وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ ) [الأنعام : 70] ...
هنا توقف الدعاة عن دعوتهم بعد أن غلب الترف والركون إلى الدنيا على أهل الدنيا ...
ولكن مع تتبع الآيات نجد القرية أصبحت مدينة ( وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ ) أي أن الترف تجاوز الفكر إلى الترف المادي ...
و الحلاج هنا في الآيات هو الرجل الذي يسعى ( وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ) ...
وسعيه أنه عندما حقق الجمع بين العلم و الولاية إنصبغ قلبه وكيانه بمعاني الرحمة لقربة وموافقته لربه فأراد أن يعكس هذه السعادة على من ضل من أمة محمد ...
وسعوه الغيري هو الإصلاح الديني الذي أفسده المضلين من أعداء الإسلام ...
يقول محمد بن خفيف في مقام الحلاج : ( الحسين بن منصور عالم رباني ) ، ورد في "طبقات الصوفية" للسلمي { ص : 308} ...
لقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) [فصلت : 33] ...
أما فحوا دعوته فتبينها الآيات : ( وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۞ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ) [يس :22-23] ...
العبادة هنا من التعبد ، وهي الإخضاع و التطويع ...
نقول طريق معبد أي مطوع ...
وكانت عند الحلاج هي إخلاص العبادة لله وحده بالتفريد وإخلاص الوجه له سبحانه ...
أو وحدة الشهود التي تعني "شهود الحق بلا خلق" أو "شهود المؤثر بدون أثر" وهو الفناء بالله ...
يقول الحلاج في التفريد : ( لا يجوز لمن يرىأحد ، أو يذكر أحداً ، أن يقول : إني عرفت الأحد ، الذي ظهرت منه الآحاد ) ورد في "طبقات الصوفية" للسلمي { ص : 310} ...
يقول الله تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ) [النساء : 125] ...
وإبراهيم كمعنى تعني من "أبر الله هيامه" بالفناء به فأبقاه الله خليلاً أي تخلل نور قدسيته تعالى في ذاتية الإنسان المؤمن المحسن فسيطر عليها وملكها فلم يبقى به حي إلا هو ...
وهنا تكمن حقيقة العبودية و هي : ( فناء المريد وما يريد بالمراد وما أراد ) ...
فهو الذي ملك قلوب العارفين فأحرقها بنور هيبته ...
وهو الذي ملك قلوب العاشقين فأغرقها بنور محبته ...
وهو الذي ملك قلوب الصديقين فأزهقها بنور رحمته ...
و نرجع إلى سياق الآيات ...
فالذي فطرني ، أي أنشأني من العدم ، ومنه أخذت تسمية نبات الفطر لأنه ينبت في الأرض من دون بذرة أو اثر إنشائي محسوس ...
وإليه ترجعون أي عائديه الخلق بالكلية لله رب العالمين ، وهنا يتجسد مفهوم "وحدة الشهود" ...
أي الإنشاء من العدم ، ومرجعية الإنشاء و الخلق لله وحده ...
وهو مقصد الحلاج في قوله : ( ما في الجبة سوى الحق )أي جعل من نفسه مثل أعلى للمرجعية إلى الله و الفناء والبقاء به سبحانه ...
وهي مفهوم "لا إله إلا هو "
ويؤيد ذلك قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۞ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) [الرحمن : 27] ...
و تتجسد هذه الحقيقة عياناً يوم القيامة في قوله تعالى : ( يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [غافر : 16] ...
و مع تتبع الآيات : ( أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونِ ) ...
أي أأرجع مصيري لغير الله ...
كلمة إله مأخوذة من المآل أي المرجع فالإله هو الذي آل له كل شيء وهو القائم على كل شيء المتحكم بكل شيء ...
ويبين هذه الآية قوله تعالى : ( قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) [الرعد : 16] ...
و الآلهة في زمن الحلاج هو تلك التعلقات الدنيوية التي سيطرت على المجتمع الإسلامي من تعشق للمال و السلطة ... الخ ..
ولكن سيطرت هذه التعلقات على أصحاب الترف المالي و أصحاب السلطة بالدرجة الأولى ...
وهنا وجد الحلاج بأنه إذا أذعن ، وسكت عن هذا الطغيان سوف يكون بضلال كبير ( إِنِّي إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ) ...
هنا أظهر الحلاج معارضته بشكل واضح ضد أصحاب السلطة و المال الفاسدين ( إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ) ...
فكادوا له وقتلوه لقوله تعالى : ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ۞ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ) [يس :26-27] صدق الله العظيم ...
فيروى أن الحلاج ناجى ربه وهو في يعد للقتل ؟؟ !!! ، قائلاً : ( يا رب إني أضحيت بين الناس غريب ، وإن ذكرك أضحى بينهم غريب ، و لا يأوي الغريب إلا الغريب ) ...
عن إبراهيم بن شيبان قال : ( دخلت على ابن سريج يوم قتل الحلاج ، فقلت :
يا أبا العباس ، ما تقول في فتوى هؤلاء في قتل هذا الرجل ؟؟! ...
قال : لعلهم نسوا قول الله تعالى : ( َتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ) [غافر : 28] ) ، ورد في "نفحات الأندلس" للجامي { ص : 245 } ...
يقول الله تعالى : ( وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنيَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ) [غافر : 28] ...
(وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ ) وهنا ابن السريج ممثل قضاة الشافعية ، وأبو العباس بن عطاء يمثل القضاة الحنبلية الذين منعوا من التحكيم لعدالتهم وإيمانهم بصدق الحلاج ...
ومعنى كلمة فرعون أي "من فر من عون الله بطغيان نفسه عليه وغلبة تبعيته للشيطان"
لقول الله تعالى : ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ) [طه : 24] ...
أما آل فرعون هم فجرة السلطة في الدولة من قضوا على الحلاج بالقتل غيلة بعد أن ثار أعوانه ...
ومع تتابع الآيات (َمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ۞ إن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ) [يس :28-29] ...
فقد تتابعت الأحداث منذ ذلك الحين وبدأت الدولة العباسية بالتراجع كسلطة حتى لم تعد تتجاوز سلطتها العراق ثم بغداد وأصبحت سلطة الخليفة على العالم الإسلامي صورية ...
يقول الله تعالى : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَ بَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ ) [البقرة : 61] ...
وانتهى الأمر بغضب الله عندما جاء سوط الله في الأرض هولاكو وجيشه البربري فسحق رفات الخلافة بشكل نهائي ...
و الحمد لله رب العالمين ..