الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة
"يتضمن آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين عن
التصوف ونشأته ورجاله ومعتقداته"
تأليف
الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
http://www.daraleman.org/forum/uploads/2005-11-28_054125_Sofyya.rar
محتويات:
مقدمة في نشأة التصوف وتعريف الصوفية
لمحة عامة على التصوف
نشأة التصوف
التصوف تعريفاً واشتقاقا
مـن هـو الصوفـي ؟
القرآن والسنـة (مصـدر التصـوف الإسلامـي)
عقيـدة أهـل التصـوف
من هـم الأشاعــرة ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية
رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء
رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية
رد دار الإفتاء المصرية
المفتي العام للجمهورية العربية السورية
وزارة الشئون السلامية والأوقاف الإماراتية
القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (مديرية الافتاء)
مفتي الجمهورية اللبنانية
جمهـورية القمـر الاتحاديـة (دار الإفتــاء)
الصوفية وحركة الحياة الشاملة
دور الصوفية في الحروب الصليبية
وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي يجيب
الخاتمة
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة
المؤلف : السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
منشورات منتديات دار الإيمان
الصوفية والتصوف
في ضوء الكتاب والسنة
" يتضمن آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين
عن
التصوف ونشأته ورجاله ومعتقداته "
تأليف
الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
(الكويت )
الطبعة الأولى
9141 هـ ـ 1999 م
________________________________________
المحتويات:
مقدة في نشأة التصوف وتعريف الصوفية
لمحة عامة على التصوف
نشأة التصوف
التصوف تعريفاً واشتقاقا
من هو الصوفي ؟
القرآن والسنة (مصدر التصوف الإسلامي)
عقيدة أهل التصوف
من هم الأشاعرة ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية
رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء
رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية
رد دار الإفتاء المصرية
المفتي العام للجمهورية العربية السورية
وزارة الشئون السلامية والأوقاف الإماراتية
القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (مديرية الافتاء)
مفتي الجمهورية اللبنانية
جمهورية القمر الاتحادية (دار الإفتاء)
الصوفية وحركة الحياة الشاملة
دور الصوفية في الحروب الصليبية
وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي يجيب
الخاتمة
________________________________________
نشأة التصوف وتعريف الصوفية
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه *** ولا البكاء إذا غنى المغنونا
إن التصوف أن تصفو بلا كدر*** وتتبع الحق و القرآنَ و الدينا
*****
اشتقاق اسم الصوفي
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا *** فيه وظنوه مشتقاً من الصوفِ
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى *** صافى فصوفي حتى سُمِّي الصوفي
*****
وقال ( المؤلف ) غفر الله تعالى له :-
ليس التصوف ثوباً أنت لابسه *** تزهو به بين أصناف الدواوين
بل التصوف إيمان ومعرفة *** وخدمة لفقير أو لمسكين
وهو التهجد في الليل البهيم إذا *** نام الأنام ليوم الحشر والدين
وهو الجهاد جهاد النفس عن سفه *** وشهوة وألاعيب الشياطين
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي ونسلم على رسوله الكريم
وبعد: فلقب ( الصوفية ) إذا أطلق اليوم فإنما يراد به جمهور الناس من المسلمين الذين يقلدون أحد أئمة المذاهب الأربعة ( الشافعي ومالك وأبن حنبل وأبو حنيفة ) رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الفروع ، وعقيدتهم عقيدة السلف الصالح ومنهم من يعتنق مذهب الأمام أبي الحسن الشعري ، وهي عقيدة عامة أهل السنة والجماعة في العالم الإسلامي الفسيح ، والتي تدرس في ( الأزهر الشريف ) وغيره من المعاهد الدينية في شتى أصقاع العالم الإسلامي ما عدا المملكة العربية السعودية ومعاهدها الرسمية الواقعة تحت إشراف المشايخ المقلدين للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع دعوته المسماة " بالدعوة السلفية " .
كما يطلق هذا اللقب ( الصوفية ) اليوم على من يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف وبالإسراء والمعراج وبهما تحتفل الدول الإسلامية رسمياً في ( عطلة رسمية ) كما أن هؤلاءهم المستمرون على ما كان عليه سلفهم الصالح في العالم الإسلامي من زيارة ( القبر النبوي الشريف ) في المدينة المنورة قبل أو بعد أداء فريضة الحج أو العمرة الشريفة ، وختم القرآن في اليوم الثالث على موتاهم واستعمال السبحة في ذكر الله تعالى وتلقين الميت وزيارة المقابر في الأعياد والجمع للاعتبار وإهداء ثواب القرآن الكريم لأقاربهم وأرحامهم من الموتى ومن جاورهم من المسلمين مما عليه العمل في غالب بلاد المسلمين .. هكذا يتبين أن من يُنسبون إلى (الصوفية) ما هم إلا السواد الأعظم والأكثرية الصامتة من المسلمين المتمسكين بالعادات والأعراف الدينية التى ورثوها عن أجدادهم وأسلافهم مما لا يتعارض مع ما أجمع عليه علماء الأمة وفقهاؤها من كتاب الله تعالى وسنة المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله , وقد قال النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ( عليكم بالسواد الأعظم ) رواه صاحب ( مشكاة المصابيح ) . هذا وقد استعنت الله تعالى في تأليف هذا الكتاب عن التصوف والصوفية لما رأيت التصوف يتعرض لهجمة شرسة ظالمة وخاصة هذه الأيام ، وذلك توضيحاً للحق وذبا عن أعراض أولياء الله الصالحين ودرءاً لبلادنا عن غضب الله تعالى الذي يقول في الحديث القدسي الصحيح : ((من عادى ولياً فقد آذنته بالحرب)) رواه البخاري وغيره .
والله سبحانه وتعالى أسأل السداد والتوفيق في جهدي هذا وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
وكتبه راجي عفو مولاه الكريم
يوسف السيد هاشم االرفاعي الحسيني
________________________________________
لمحة عامة على التصوف :
إن من يلقي نظرة عابرة خلال القرون الغابرة التي مضت ويرى ما خلفه السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وحشرنا في زمرتهم من تأليف في كل فن من فنون العلم ، وفي كل جهة من جهات الفن والحضارة التي أشعت النور على العالم بعد أن كان يربض تحت تأثير الجهل والفوضى ليعترف بأن للإسلام الفضل الأول في مبعث هذه الحضارة وتثبيت دعائمها ، وأن الصدر الأول من الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين حملوا العبء الأكبر في نشر هذه الشريعة السمحة وبث أسرارها في هذا الكون وتحويله من طبيعة جرداء إلى نور أبلج يضئ لكل سالك في هذا الطريق . وكان للصوفية الحظ الأوفر في بعث هذا العمل المشرف فكانت المدرسة النبوية التي أخرجت أمثال : أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ثم كانت مدرسة الصحابة التي أنجبت أمثال : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاوس اليماني وإبراهيم التيمي وسادة غيرهم لا يحصون فضلاً وعلماً وعملاً ، وهم الذين كان لهم الفضل الأكبر في تثبيت دعائم هذه الشريعة وبهم كان تأثر الأئمة الكبار أمثال : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم فأبو حنيفة كان تأثره الأكبر بشيخه الزاهد المشهور عطاء بن أبي رباح وأمثاله كان يقول : مالقيت أفضل من عطاء .قال الشعراني في الأجوبة المرضية عن شيخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أنه قال : يكفينا في شرف طريق القوم قول موسى للخضر عليهما الصلاة والسلام : { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } فإن موسى طلب طريق الإرشاد من الخضر مع سعة علم موسى ومع كونه نبياً مرسلاً قال ذلك وكذلك يكفينا في شرفهم أن الإمام أحمد بن حنبل كان إذا توقف في مسألة يسأل عنها الشيخ أبا حمزة البغدادي وقوله : ما تقول في هذه المسألة يا صوفي ؟ فإذا حل أبو حمزة إشكال تلك المسألة تعجب أحمد من ذلك . وكان رضي الله عنه يقول لولده عبد الله : يا ولدي عليك بالحديث وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية فإنهم
ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه . فلما صحب أبا حمزة البغدادي وعرف أحوال القوم كان يقول لولده : (( يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم ذادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة )) وبلغنا أن الإمام أبا عمرو الأوزاعي طلب الصحبة لإبراهيم بن أدهم فلم يجبه إلى ذلك وقال له : يا عبد الرحمن لا يطير الطير إلا مع شكله فرجع الأوزاعي عن طلب الصحبة لعلمه بعلو مراقي الصوفية وهذا من الأوزاعي أعظم دليل على شرف الطريق وأهلها . وبلغنا أن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه كان يجالس الصوفية كثيراً ويقول : يحتاج الفقيه إلى معرفة اصطلاح الصوفية ليفيدوه من العلم مالم يكن عنده . وقيل له مرة : ما الذي استفدته من مجالسة الصوفية ؟ فقال : استفدت منهم شيئين قولهم : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وقولهم : إن لم تشغل نفسك بالخير شغلتك بالشر وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا يقول : يكفينا دليلاً على شرف الطريق إذعان الأئمة لأهلها في كل زمان وسؤالهم الدعاء منهم في الشدائد دون العكس انتهى . فهذا شيء قليل من شرف الصوفية وفضلهم . أما أوصافهم فهذه نبذة يسيرة على لسان أحد أئمتهم : قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغدادبسندهعن محمد بن شاذان الرازي قال :" سمعت يوسف بن الحسين يقول حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل ، وكان المتوكل مولعاً به يفضله على العباد والزهاد " ، فقا له المتوكل :" يا أبا الفيض صف لنا أولياءالله " ؟ فقال ذو النون :"يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته ، وجللهم بالبهاء من أردية كرامته ، ووضع على مفارقهم ذخائر الغيوب ، فهي معلقة بمواصلة المحبوب فقلوبهم إليه إليه سائرة وأعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة ، ثم أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدواء ، وعرفهم منابت الأدواء ، وجعل تلاميذهم أهل الورع والتقى وضمن لهم الإجابة عند الدعاء، وقال يا أوليائي إن أتاكم
________________________________________
عليل من فرقي فداووه ، أو مريض من إرادتي فعالجوه ، أو مجروح بتركي إياه فلاطفوه ، أو فار مني فرغبوه ، أو آبق مني فادعوه ، أو خائف مني فأمنوه أو راغب في مواصلتي فمكنوه أو قاصد نحوي فأدوه ، أو جبان في متاجرتي فجرئوه ، أو آيس من فضلي فعدوه ، أو راج لإحساني فبشروه ،أو مستشرف نحوي فارشدوه ، أو مسيء بعد إحساني فعاتبوه ، أو ناس لإحساني فذكروه ، وإن أستغاث بكم ملهوف فأعينوه ، ومن وصلكم في فواصلوه ، فإن غاب عنكم فافتقدوه ، وإن ألزمكم جناية فاحتملوه ، وأنقصر في واجب حق فأتركوه ، وان أخطأ خطيئة فأنصحوه ، فإن مرض فعودوه ، وإن وهبت إليكم هبة فشاطروه وإن رزقتكم فآثروه ، يا أوليائي لكم عاتبت ، ولكم خاطبت ، وإياكم رغبت ، ومنكم ألوفاً طلبت ، لأنكم بالآثرة آثرت وانتخبت ن وإياكم استخدمت واصطنعت واختصصت ، لا أريد استخدام الجبارين ، ولا مطاوعة الشرهين ، جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أوفر العطاء ، وبذلي لكم أغلى البذل ، وفضلي عليكم أكبر الفضل ومعاملتي لكم أوفى معاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالب . أنا مفتش القلوب . انا علام الغيوب . أنا ملاحظ اللحظ ، أنا مراصد الهم ، أنا مشرف على الخواطر ، أنا العالم بأطراف الجفون ، لا يفزعكم صوت جبار دوني ولا مسلط سواي فمن أرادكم قسمته ، ومن آذاكم آذيته ، ومن عاداكم عاديته ومن والاكم واليته ، ومن أحسن إليكم أرضيته ، أنتم أوليائي وأنتم أحبائي . أنتم لي وأنا لكم )) . ويعقب الشيخ الأكبر رضي الله عنه في ( روح القدس ) بعد أن أورد بعض هذا الكلام النفيس بقوله : هذه أحوال العارفين يا ولي ، وهكذا تكون عمارة القلوب ، وأما أهل زمانك فوالله لو أطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى نفوسهم رأيت نفوساً سامدة ، وإن نظرت إلى قلوبهم رأيت قلوبً لاهية من العمارة العلوية القدسية خالية ,على عروشها خاوية ، آجاماً لأسود ضارية ، ومرابض لذئاب عاوية ، نسأل الله تعالى عند رؤيتهم العافية . أين هم
________________________________________
يا ولي من قوم وصفهم أبو الفيض حيث قال : ان لله لصفوة ، وان لله لخيرة . قيل يا أبا الفيض ما علامتهم قال : إذا خلع العبد الراحة ، وأعطي المجهود في الطاعة ، وأحب سقوط المنزلة ثم قال :
منع القرآن بوعده ووعيده مقل العيون بليلها أن يهجعوا
فهموا عن الملك الكريم كلامه فهما تذل له الرقاب وتخضع
فقال له لعض من كان في مجلسه ؟ من هؤلاء القوم يا أبا الفيض رحمك الله ؟ قال : ويحك هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا ، والتراب لجنوبهم مهادا ، هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم فشغلهم عن الأزواج ، وحركهم بالإدلاج فوضعوه على أفندتهم فأسرجت ، وضموه الي صدورهم فانشرحت ، وتصدعت هممهم به فكدحت فجعلوه لظلمتهم سراجا ، ولسبيلهم منهاجا ، ولحجتهم افلاجا ، يفرح الناس وهم يحزنون وينام الناس ويسهرون ويفطر الناس ويصومون ، ويأمن الناس ويخافون . فهم خائفون حذرون وجلون مشفقون ، مشمرون يبادرون من الفوت ويستعدون للموت الي آخر القصة رضي الله عنهم ورزقنا حبهم واتباعهم . فهذه هي بعض أوصاف القوم رضي الله عنهم .
قلت : " وهل هذه الأوصاف إلا كما جاء وصفهم فى كتاب الله العزيز : { وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63)وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }
سورة الفرقان / 63 ، 64 .
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
( نشأة التصوف )
إن اسم التصوف قد استحدث في القرآن الثاني ، ومسماه ومعناه هو الذي كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم وآله وأصحابه في القرن الأول ، فكانت بواطن أصحاب النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله على المعارف الذوقية الشهودية سواء منهم المتسبب للأرزاق أو المتجرد للعبادة من أهل الصفة ، فأقر النبي صلي الله عليه وسلم وآله أهل الصفة على تجريدهم لما رأي منهم القوة عليه وانتفاعهم به ، وأقر المتسببين علي أسبابهم لما رأي منهم التشوف للأسباب وانتفاعهم بها ( ومراد الله من الجميع ما هم عليه . وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان ) . وكلاهما على الجادة وعلى التوحيد الخالص والدين الخالص والنية الخالصة لله في تجريدهم أو أسبابهم ، وهذا هو العلم الرباني والكمال العقلي للنبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله حيث كان يخاطب الناس على قدر على عقولهم ويوجههم للعمل الصالح المصلح لهم لكمالهم أو ترقيتهم ومزيد صفائهم .
________________________________________
والتصوف الإسلامي هو الدين الخالص والنية الخالصة لله التي قامت على مبدأ تحقيق العبودية وتعظيم الربوبية وتحقيق عمارة البواطن بالمعارف والأسرار والرضا والتوكل والإخلاص وعمارة الظواهر بالعبادة والورع والتقوى ومتابعة النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله في أقواله وأفعاله . وهذا ما كان عليه النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله وأصحابه من التحقق بالدين ظاهراً وباطناً ، ورسوخاً في مراتب الدين الثلاث ( الإسلام والإيمان والإحسان ) الواردة في الحديث الصحيح الذي يرويه عمر بن الخطابوليس المراد من المسلم الموحد أن يعبد الله على حرف ، والحرف على التفسير الأول هو العلة وعلى التفسير الثاني الذي نحن بصدده هو الطرف والجانب أي أن تعبد الله على واحد وهو الظاهر فقط أو الباطن فقط وهذا خروج عن جادة التوحيد الخالص إذ من كان باطنياً فقط كان زنديقاً شيطاناً لرفضه الشريعة والحكمة ومن كان ظاهرياً فقط كان فاسقاً لخلو عبادته من الصدق والإخلاص .قال تعالى ] وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ[ أي اتركوا كل إثم بما فيه من الشرك الجلي والخفي . وصدق الله العظيم ] وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ[ ، وإن منكم من يعبدون الله بتقوى شاملة بعيداً عن ظاهر الإثم وباطنه مع ترك الشرك جليه وخفيه حريصين على المتابعة المحمدية بحواسهم الحسية وطاقتهم المعنوية فهؤلاء هم الصوفية الذين لهم قدم صدق عند ربهم لرسوخهم في ( مقام الإحسان ) وتحققهم بأقوال النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله ، وأفعاله وأحواله . ومجمل القول في ذلك أن هذا الحال هو الذي كان عليه أهل القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث كما جاء في حديث الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ، ثم بعد ذلك أختلط المسلمون بغيرهم ودخلت الفلسفات الأجنبية واللغات الأجنبية فهب رجال الدين الإسلامي لحمايته والدفاع عنه ، فقام كل باختصاصه يدون ويؤلف ويكتب ، فهب رجال اللغة العربية فعملوا وأحسنوا ، وقام رجال الفقه فعملوا وأحسنوا ، وقام الأصوليون ليدافعوا عن عقيدة
________________________________________
المسلمين ، وقام العابدون الورعون العارفون بربهم ليبينوا للناس الدين الخالص والحال الذي كان عليه أهل القرن الأول من الرسوخ، ( في مقام الإحسان والتحقق في الدين ظاهراً وباطناً ، وهم رجال التصوف )، فكان أسم التصوف علما ًعلى هذه الطائفة القائمة على الحق الظاهرين عليه إلى قيام الساعة .
وكما انه في المحدثين والفقهاء وغيرهم منحرفون عن الجادة فأنالا أنكر أن الصوفية منهم الغث السمين فمنهم المتحقق ومنهم المتبرك ومنهم المتلبس المتزندق . قال تعالى :
" هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ "
وعلى كل حال فالحجة قائمة وهي في الكتاب والسنة ، فمن ادعى أنه صوفي متحقق وخالف الكتاب والسنة في أقواله وأفعاله فمرفوض ادعاؤه ومردود قوله وما أكثر هذا الصنف بين صفوف المسلمين أعاذنا الله والمسلمين من شرهم .
والآن نرجع لأمر كثر الحديث حوله وهو موقف الصوفية من ( وحدة الوجود والاتحاد والحلول ) فأقول وبالله التوفيق :-
وحدة الوجود المشار إليها عند الصوفية المسلمين مغايرة لقول الفلاسفة ووحدتهم الفكرية التي لا تفرق بين الخالق والمخلوق والصنعة والصانع فأي كفر أعظم من هذا وأي نقص ينسب إلى الله أعظم من ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، والصوفية أهل الحق براء من ذلك .
فوحدةالوجود التي يرمز إليها بعض الصوفية أمر معنوي وعلم رباني يتعلق بتحقيق الوحدانية لله في ذاته وصفاته وأفعاله عرفوا ذلك وتحققوا فيه بنور رباني وقد قيل فيه ( أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) ، وعرفوا ذلك أيضاً بتحققهم بالتبعية المحمدية حيث قال الله لنبيه في كتابه :
" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي "
________________________________________
... الآية فالبصيرة المشار إليها هي الؤية القلبية والمشاهدة الباطنية لحقائق الأمور وبواطن الأشياء فيكتسب صاحبها علماً لا مطمع للحصول عليه بالفكر أو بالعقل أو النظرة الحسية ،فنظر رحمك الله إلى قوله تعالى لنبيه :
" عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي "
... الآية فليس هذا النور وتلك المشاهدة القلبية خاصة بالنبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ولكن يشاركه في هذا المشرب من اتبعه بحق وهم خواص أمته فمن لم يتحقق بتلك التبعية المحمدية في الأقوال والأفعال والأحوال ، أو قل في ( الإسلام والإيمان والإحسان ) أو قل في (عمل الظواهر من الوقوف عند الحدود ، وفي عمل البواطن من التوكل والرضا والتعلق بالمعبود ، وفي عمل السرائر من الأذواق والمعارف والتحقق بأسرار الوجود ) وإلا فلا مطمع له بالوصول إلى مراتب الكمال ومقامات الرجال لأنه مقيد بالوهم والخيال وبالنفس الأمارة التي تتغطرس وتتكبر فتظن أنها تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولاً وما هؤلاء بالنسبة للرجال الكمل من ذوي المعارف والأسرار إلا بمنزلة الصبيان .
فليس المراد بوحدة الوجود عند هؤلاء الصوفية وجودين قديمين اتحدا ولا قديم وحادث اتحدا تعالى الله عن ذلك فإنه سبحانه لا يحل في شئولا يمازج شيئاً ولا شئ في ذاته في خلقه ولا من خلقه في ذاته ، وقربه وبعده ليس كقرب الأجسام وبعدها، ولا هو محصور ولا محدود ولا يحمله شئ ولا هو حامل لشيء استوى على عرشه بذاته استواء يليق به ، مطلق في ذاته وصفاته وأفعاله لا تقوم صفاته إلا بذاته ولا تفارق ذاته صفاته تنزه عن أوصاف خلقه قال تعالى :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "
________________________________________
وكل من يتكلم في التصوف من غير أن يتذوقه ويتحققه وينصب نفسه قاضياً وحاكماً قاسياً على أولياء الله من رجال التصوف الإسلامي ويصدر حكمه فيهم بما عنده من الجهل بحقائقهم ويؤول كلامهم الذي لا يفهم معناه على مراده هو ، لا على مرادهم هم إنما ذلك لخبث في طويته أو جهل مركب أو هما معاً فلا يؤخذ بقوله في شأن الصوفية والتصوف الإسلامي لأنه جاهل بذلك إذ ليس من اختصاصه .
فقد قال أحد الصالحين ( إن كل من يتكلم في التصوف أو يحكم عليه من غير أن يعرف حقائقه ويتذوق معانيه إنما هو جاهل بالتصوف والصوفية فمثله كمن رأى جرة مملؤة مغلقة ورأى النحل يحوم حولها فحكم على ما في باطنها من تحويم النحل عليها من غير أن يتحقق بما فيها ) .
والنحل هو الإشارات والرموز التي توحي بأن هناك شيئاً لا يستطيع من يراه التعبير عنه لدقته وغرابته بين العامة لأنه من أسرار الله تعالى ، كما قال ابو هريرة رضي الله عنه ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم أما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم مني هذا البلعوم ) صحيح رواه البخاري وقال الإمام زين العابدين :-
إني لأكتم من علمي جواهره *** كيلا يرى ذاك ذو جهل فيفتنا
وقد تقدم في هذا أبو الحسن*** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
يارب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وأما الأشخاص الذين حكموا على ما في الجرة خطأ فهم الذينيتكلمون في التصوف بغير علم ولا تحقق ويزعمون أنه على علموان لهم يداً على أهل الله وأوليائه وهم مخطئون لأنهم لم يعرفوا التصوف ولم يلموا بمصطلحاته ورموزه وعباراته.
"يتضمن آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين عن
التصوف ونشأته ورجاله ومعتقداته"
تأليف
الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
http://www.daraleman.org/forum/uploads/2005-11-28_054125_Sofyya.rar
محتويات:
مقدمة في نشأة التصوف وتعريف الصوفية
لمحة عامة على التصوف
نشأة التصوف
التصوف تعريفاً واشتقاقا
مـن هـو الصوفـي ؟
القرآن والسنـة (مصـدر التصـوف الإسلامـي)
عقيـدة أهـل التصـوف
من هـم الأشاعــرة ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية
رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء
رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية
رد دار الإفتاء المصرية
المفتي العام للجمهورية العربية السورية
وزارة الشئون السلامية والأوقاف الإماراتية
القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (مديرية الافتاء)
مفتي الجمهورية اللبنانية
جمهـورية القمـر الاتحاديـة (دار الإفتــاء)
الصوفية وحركة الحياة الشاملة
دور الصوفية في الحروب الصليبية
وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي يجيب
الخاتمة
تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
(اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)
الكتاب : الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة
المؤلف : السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
منشورات منتديات دار الإيمان
الصوفية والتصوف
في ضوء الكتاب والسنة
" يتضمن آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين
عن
التصوف ونشأته ورجاله ومعتقداته "
تأليف
الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
(الكويت )
الطبعة الأولى
9141 هـ ـ 1999 م
________________________________________
المحتويات:
مقدة في نشأة التصوف وتعريف الصوفية
لمحة عامة على التصوف
نشأة التصوف
التصوف تعريفاً واشتقاقا
من هو الصوفي ؟
القرآن والسنة (مصدر التصوف الإسلامي)
عقيدة أهل التصوف
من هم الأشاعرة ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية
رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء
رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية
رد دار الإفتاء المصرية
المفتي العام للجمهورية العربية السورية
وزارة الشئون السلامية والأوقاف الإماراتية
القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (مديرية الافتاء)
مفتي الجمهورية اللبنانية
جمهورية القمر الاتحادية (دار الإفتاء)
الصوفية وحركة الحياة الشاملة
دور الصوفية في الحروب الصليبية
وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي يجيب
الخاتمة
________________________________________
نشأة التصوف وتعريف الصوفية
ليس التصوف لبس الصوف ترقعه *** ولا البكاء إذا غنى المغنونا
إن التصوف أن تصفو بلا كدر*** وتتبع الحق و القرآنَ و الدينا
*****
اشتقاق اسم الصوفي
تنازع الناس في الصوفي واختلفوا *** فيه وظنوه مشتقاً من الصوفِ
ولست أنحل هذا الاسم غير فتى *** صافى فصوفي حتى سُمِّي الصوفي
*****
وقال ( المؤلف ) غفر الله تعالى له :-
ليس التصوف ثوباً أنت لابسه *** تزهو به بين أصناف الدواوين
بل التصوف إيمان ومعرفة *** وخدمة لفقير أو لمسكين
وهو التهجد في الليل البهيم إذا *** نام الأنام ليوم الحشر والدين
وهو الجهاد جهاد النفس عن سفه *** وشهوة وألاعيب الشياطين
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي ونسلم على رسوله الكريم
وبعد: فلقب ( الصوفية ) إذا أطلق اليوم فإنما يراد به جمهور الناس من المسلمين الذين يقلدون أحد أئمة المذاهب الأربعة ( الشافعي ومالك وأبن حنبل وأبو حنيفة ) رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الفروع ، وعقيدتهم عقيدة السلف الصالح ومنهم من يعتنق مذهب الأمام أبي الحسن الشعري ، وهي عقيدة عامة أهل السنة والجماعة في العالم الإسلامي الفسيح ، والتي تدرس في ( الأزهر الشريف ) وغيره من المعاهد الدينية في شتى أصقاع العالم الإسلامي ما عدا المملكة العربية السعودية ومعاهدها الرسمية الواقعة تحت إشراف المشايخ المقلدين للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع دعوته المسماة " بالدعوة السلفية " .
كما يطلق هذا اللقب ( الصوفية ) اليوم على من يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف وبالإسراء والمعراج وبهما تحتفل الدول الإسلامية رسمياً في ( عطلة رسمية ) كما أن هؤلاءهم المستمرون على ما كان عليه سلفهم الصالح في العالم الإسلامي من زيارة ( القبر النبوي الشريف ) في المدينة المنورة قبل أو بعد أداء فريضة الحج أو العمرة الشريفة ، وختم القرآن في اليوم الثالث على موتاهم واستعمال السبحة في ذكر الله تعالى وتلقين الميت وزيارة المقابر في الأعياد والجمع للاعتبار وإهداء ثواب القرآن الكريم لأقاربهم وأرحامهم من الموتى ومن جاورهم من المسلمين مما عليه العمل في غالب بلاد المسلمين .. هكذا يتبين أن من يُنسبون إلى (الصوفية) ما هم إلا السواد الأعظم والأكثرية الصامتة من المسلمين المتمسكين بالعادات والأعراف الدينية التى ورثوها عن أجدادهم وأسلافهم مما لا يتعارض مع ما أجمع عليه علماء الأمة وفقهاؤها من كتاب الله تعالى وسنة المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله , وقد قال النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ( عليكم بالسواد الأعظم ) رواه صاحب ( مشكاة المصابيح ) . هذا وقد استعنت الله تعالى في تأليف هذا الكتاب عن التصوف والصوفية لما رأيت التصوف يتعرض لهجمة شرسة ظالمة وخاصة هذه الأيام ، وذلك توضيحاً للحق وذبا عن أعراض أولياء الله الصالحين ودرءاً لبلادنا عن غضب الله تعالى الذي يقول في الحديث القدسي الصحيح : ((من عادى ولياً فقد آذنته بالحرب)) رواه البخاري وغيره .
والله سبحانه وتعالى أسأل السداد والتوفيق في جهدي هذا وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
وكتبه راجي عفو مولاه الكريم
يوسف السيد هاشم االرفاعي الحسيني
________________________________________
لمحة عامة على التصوف :
إن من يلقي نظرة عابرة خلال القرون الغابرة التي مضت ويرى ما خلفه السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وحشرنا في زمرتهم من تأليف في كل فن من فنون العلم ، وفي كل جهة من جهات الفن والحضارة التي أشعت النور على العالم بعد أن كان يربض تحت تأثير الجهل والفوضى ليعترف بأن للإسلام الفضل الأول في مبعث هذه الحضارة وتثبيت دعائمها ، وأن الصدر الأول من الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين حملوا العبء الأكبر في نشر هذه الشريعة السمحة وبث أسرارها في هذا الكون وتحويله من طبيعة جرداء إلى نور أبلج يضئ لكل سالك في هذا الطريق . وكان للصوفية الحظ الأوفر في بعث هذا العمل المشرف فكانت المدرسة النبوية التي أخرجت أمثال : أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ثم كانت مدرسة الصحابة التي أنجبت أمثال : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاوس اليماني وإبراهيم التيمي وسادة غيرهم لا يحصون فضلاً وعلماً وعملاً ، وهم الذين كان لهم الفضل الأكبر في تثبيت دعائم هذه الشريعة وبهم كان تأثر الأئمة الكبار أمثال : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم فأبو حنيفة كان تأثره الأكبر بشيخه الزاهد المشهور عطاء بن أبي رباح وأمثاله كان يقول : مالقيت أفضل من عطاء .قال الشعراني في الأجوبة المرضية عن شيخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أنه قال : يكفينا في شرف طريق القوم قول موسى للخضر عليهما الصلاة والسلام : { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } فإن موسى طلب طريق الإرشاد من الخضر مع سعة علم موسى ومع كونه نبياً مرسلاً قال ذلك وكذلك يكفينا في شرفهم أن الإمام أحمد بن حنبل كان إذا توقف في مسألة يسأل عنها الشيخ أبا حمزة البغدادي وقوله : ما تقول في هذه المسألة يا صوفي ؟ فإذا حل أبو حمزة إشكال تلك المسألة تعجب أحمد من ذلك . وكان رضي الله عنه يقول لولده عبد الله : يا ولدي عليك بالحديث وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية فإنهم
ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه . فلما صحب أبا حمزة البغدادي وعرف أحوال القوم كان يقول لولده : (( يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم ذادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة )) وبلغنا أن الإمام أبا عمرو الأوزاعي طلب الصحبة لإبراهيم بن أدهم فلم يجبه إلى ذلك وقال له : يا عبد الرحمن لا يطير الطير إلا مع شكله فرجع الأوزاعي عن طلب الصحبة لعلمه بعلو مراقي الصوفية وهذا من الأوزاعي أعظم دليل على شرف الطريق وأهلها . وبلغنا أن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه كان يجالس الصوفية كثيراً ويقول : يحتاج الفقيه إلى معرفة اصطلاح الصوفية ليفيدوه من العلم مالم يكن عنده . وقيل له مرة : ما الذي استفدته من مجالسة الصوفية ؟ فقال : استفدت منهم شيئين قولهم : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وقولهم : إن لم تشغل نفسك بالخير شغلتك بالشر وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا يقول : يكفينا دليلاً على شرف الطريق إذعان الأئمة لأهلها في كل زمان وسؤالهم الدعاء منهم في الشدائد دون العكس انتهى . فهذا شيء قليل من شرف الصوفية وفضلهم . أما أوصافهم فهذه نبذة يسيرة على لسان أحد أئمتهم : قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغدادبسندهعن محمد بن شاذان الرازي قال :" سمعت يوسف بن الحسين يقول حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل ، وكان المتوكل مولعاً به يفضله على العباد والزهاد " ، فقا له المتوكل :" يا أبا الفيض صف لنا أولياءالله " ؟ فقال ذو النون :"يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته ، وجللهم بالبهاء من أردية كرامته ، ووضع على مفارقهم ذخائر الغيوب ، فهي معلقة بمواصلة المحبوب فقلوبهم إليه إليه سائرة وأعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة ، ثم أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدواء ، وعرفهم منابت الأدواء ، وجعل تلاميذهم أهل الورع والتقى وضمن لهم الإجابة عند الدعاء، وقال يا أوليائي إن أتاكم
________________________________________
عليل من فرقي فداووه ، أو مريض من إرادتي فعالجوه ، أو مجروح بتركي إياه فلاطفوه ، أو فار مني فرغبوه ، أو آبق مني فادعوه ، أو خائف مني فأمنوه أو راغب في مواصلتي فمكنوه أو قاصد نحوي فأدوه ، أو جبان في متاجرتي فجرئوه ، أو آيس من فضلي فعدوه ، أو راج لإحساني فبشروه ،أو مستشرف نحوي فارشدوه ، أو مسيء بعد إحساني فعاتبوه ، أو ناس لإحساني فذكروه ، وإن أستغاث بكم ملهوف فأعينوه ، ومن وصلكم في فواصلوه ، فإن غاب عنكم فافتقدوه ، وإن ألزمكم جناية فاحتملوه ، وأنقصر في واجب حق فأتركوه ، وان أخطأ خطيئة فأنصحوه ، فإن مرض فعودوه ، وإن وهبت إليكم هبة فشاطروه وإن رزقتكم فآثروه ، يا أوليائي لكم عاتبت ، ولكم خاطبت ، وإياكم رغبت ، ومنكم ألوفاً طلبت ، لأنكم بالآثرة آثرت وانتخبت ن وإياكم استخدمت واصطنعت واختصصت ، لا أريد استخدام الجبارين ، ولا مطاوعة الشرهين ، جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أوفر العطاء ، وبذلي لكم أغلى البذل ، وفضلي عليكم أكبر الفضل ومعاملتي لكم أوفى معاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالب . أنا مفتش القلوب . انا علام الغيوب . أنا ملاحظ اللحظ ، أنا مراصد الهم ، أنا مشرف على الخواطر ، أنا العالم بأطراف الجفون ، لا يفزعكم صوت جبار دوني ولا مسلط سواي فمن أرادكم قسمته ، ومن آذاكم آذيته ، ومن عاداكم عاديته ومن والاكم واليته ، ومن أحسن إليكم أرضيته ، أنتم أوليائي وأنتم أحبائي . أنتم لي وأنا لكم )) . ويعقب الشيخ الأكبر رضي الله عنه في ( روح القدس ) بعد أن أورد بعض هذا الكلام النفيس بقوله : هذه أحوال العارفين يا ولي ، وهكذا تكون عمارة القلوب ، وأما أهل زمانك فوالله لو أطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى نفوسهم رأيت نفوساً سامدة ، وإن نظرت إلى قلوبهم رأيت قلوبً لاهية من العمارة العلوية القدسية خالية ,على عروشها خاوية ، آجاماً لأسود ضارية ، ومرابض لذئاب عاوية ، نسأل الله تعالى عند رؤيتهم العافية . أين هم
________________________________________
يا ولي من قوم وصفهم أبو الفيض حيث قال : ان لله لصفوة ، وان لله لخيرة . قيل يا أبا الفيض ما علامتهم قال : إذا خلع العبد الراحة ، وأعطي المجهود في الطاعة ، وأحب سقوط المنزلة ثم قال :
منع القرآن بوعده ووعيده مقل العيون بليلها أن يهجعوا
فهموا عن الملك الكريم كلامه فهما تذل له الرقاب وتخضع
فقال له لعض من كان في مجلسه ؟ من هؤلاء القوم يا أبا الفيض رحمك الله ؟ قال : ويحك هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا ، والتراب لجنوبهم مهادا ، هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم فشغلهم عن الأزواج ، وحركهم بالإدلاج فوضعوه على أفندتهم فأسرجت ، وضموه الي صدورهم فانشرحت ، وتصدعت هممهم به فكدحت فجعلوه لظلمتهم سراجا ، ولسبيلهم منهاجا ، ولحجتهم افلاجا ، يفرح الناس وهم يحزنون وينام الناس ويسهرون ويفطر الناس ويصومون ، ويأمن الناس ويخافون . فهم خائفون حذرون وجلون مشفقون ، مشمرون يبادرون من الفوت ويستعدون للموت الي آخر القصة رضي الله عنهم ورزقنا حبهم واتباعهم . فهذه هي بعض أوصاف القوم رضي الله عنهم .
قلت : " وهل هذه الأوصاف إلا كما جاء وصفهم فى كتاب الله العزيز : { وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63)وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }
سورة الفرقان / 63 ، 64 .
________________________________________
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلي الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
( نشأة التصوف )
إن اسم التصوف قد استحدث في القرآن الثاني ، ومسماه ومعناه هو الذي كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم وآله وأصحابه في القرن الأول ، فكانت بواطن أصحاب النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله على المعارف الذوقية الشهودية سواء منهم المتسبب للأرزاق أو المتجرد للعبادة من أهل الصفة ، فأقر النبي صلي الله عليه وسلم وآله أهل الصفة على تجريدهم لما رأي منهم القوة عليه وانتفاعهم به ، وأقر المتسببين علي أسبابهم لما رأي منهم التشوف للأسباب وانتفاعهم بها ( ومراد الله من الجميع ما هم عليه . وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان ) . وكلاهما على الجادة وعلى التوحيد الخالص والدين الخالص والنية الخالصة لله في تجريدهم أو أسبابهم ، وهذا هو العلم الرباني والكمال العقلي للنبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله حيث كان يخاطب الناس على قدر على عقولهم ويوجههم للعمل الصالح المصلح لهم لكمالهم أو ترقيتهم ومزيد صفائهم .
________________________________________
والتصوف الإسلامي هو الدين الخالص والنية الخالصة لله التي قامت على مبدأ تحقيق العبودية وتعظيم الربوبية وتحقيق عمارة البواطن بالمعارف والأسرار والرضا والتوكل والإخلاص وعمارة الظواهر بالعبادة والورع والتقوى ومتابعة النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله في أقواله وأفعاله . وهذا ما كان عليه النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله وأصحابه من التحقق بالدين ظاهراً وباطناً ، ورسوخاً في مراتب الدين الثلاث ( الإسلام والإيمان والإحسان ) الواردة في الحديث الصحيح الذي يرويه عمر بن الخطابوليس المراد من المسلم الموحد أن يعبد الله على حرف ، والحرف على التفسير الأول هو العلة وعلى التفسير الثاني الذي نحن بصدده هو الطرف والجانب أي أن تعبد الله على واحد وهو الظاهر فقط أو الباطن فقط وهذا خروج عن جادة التوحيد الخالص إذ من كان باطنياً فقط كان زنديقاً شيطاناً لرفضه الشريعة والحكمة ومن كان ظاهرياً فقط كان فاسقاً لخلو عبادته من الصدق والإخلاص .قال تعالى ] وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ[ أي اتركوا كل إثم بما فيه من الشرك الجلي والخفي . وصدق الله العظيم ] وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ[ ، وإن منكم من يعبدون الله بتقوى شاملة بعيداً عن ظاهر الإثم وباطنه مع ترك الشرك جليه وخفيه حريصين على المتابعة المحمدية بحواسهم الحسية وطاقتهم المعنوية فهؤلاء هم الصوفية الذين لهم قدم صدق عند ربهم لرسوخهم في ( مقام الإحسان ) وتحققهم بأقوال النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله ، وأفعاله وأحواله . ومجمل القول في ذلك أن هذا الحال هو الذي كان عليه أهل القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث كما جاء في حديث الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ، ثم بعد ذلك أختلط المسلمون بغيرهم ودخلت الفلسفات الأجنبية واللغات الأجنبية فهب رجال الدين الإسلامي لحمايته والدفاع عنه ، فقام كل باختصاصه يدون ويؤلف ويكتب ، فهب رجال اللغة العربية فعملوا وأحسنوا ، وقام رجال الفقه فعملوا وأحسنوا ، وقام الأصوليون ليدافعوا عن عقيدة
________________________________________
المسلمين ، وقام العابدون الورعون العارفون بربهم ليبينوا للناس الدين الخالص والحال الذي كان عليه أهل القرن الأول من الرسوخ، ( في مقام الإحسان والتحقق في الدين ظاهراً وباطناً ، وهم رجال التصوف )، فكان أسم التصوف علما ًعلى هذه الطائفة القائمة على الحق الظاهرين عليه إلى قيام الساعة .
وكما انه في المحدثين والفقهاء وغيرهم منحرفون عن الجادة فأنالا أنكر أن الصوفية منهم الغث السمين فمنهم المتحقق ومنهم المتبرك ومنهم المتلبس المتزندق . قال تعالى :
" هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ "
وعلى كل حال فالحجة قائمة وهي في الكتاب والسنة ، فمن ادعى أنه صوفي متحقق وخالف الكتاب والسنة في أقواله وأفعاله فمرفوض ادعاؤه ومردود قوله وما أكثر هذا الصنف بين صفوف المسلمين أعاذنا الله والمسلمين من شرهم .
والآن نرجع لأمر كثر الحديث حوله وهو موقف الصوفية من ( وحدة الوجود والاتحاد والحلول ) فأقول وبالله التوفيق :-
وحدة الوجود المشار إليها عند الصوفية المسلمين مغايرة لقول الفلاسفة ووحدتهم الفكرية التي لا تفرق بين الخالق والمخلوق والصنعة والصانع فأي كفر أعظم من هذا وأي نقص ينسب إلى الله أعظم من ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، والصوفية أهل الحق براء من ذلك .
فوحدةالوجود التي يرمز إليها بعض الصوفية أمر معنوي وعلم رباني يتعلق بتحقيق الوحدانية لله في ذاته وصفاته وأفعاله عرفوا ذلك وتحققوا فيه بنور رباني وقد قيل فيه ( أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) ، وعرفوا ذلك أيضاً بتحققهم بالتبعية المحمدية حيث قال الله لنبيه في كتابه :
" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي "
________________________________________
... الآية فالبصيرة المشار إليها هي الؤية القلبية والمشاهدة الباطنية لحقائق الأمور وبواطن الأشياء فيكتسب صاحبها علماً لا مطمع للحصول عليه بالفكر أو بالعقل أو النظرة الحسية ،فنظر رحمك الله إلى قوله تعالى لنبيه :
" عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي "
... الآية فليس هذا النور وتلك المشاهدة القلبية خاصة بالنبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ولكن يشاركه في هذا المشرب من اتبعه بحق وهم خواص أمته فمن لم يتحقق بتلك التبعية المحمدية في الأقوال والأفعال والأحوال ، أو قل في ( الإسلام والإيمان والإحسان ) أو قل في (عمل الظواهر من الوقوف عند الحدود ، وفي عمل البواطن من التوكل والرضا والتعلق بالمعبود ، وفي عمل السرائر من الأذواق والمعارف والتحقق بأسرار الوجود ) وإلا فلا مطمع له بالوصول إلى مراتب الكمال ومقامات الرجال لأنه مقيد بالوهم والخيال وبالنفس الأمارة التي تتغطرس وتتكبر فتظن أنها تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولاً وما هؤلاء بالنسبة للرجال الكمل من ذوي المعارف والأسرار إلا بمنزلة الصبيان .
فليس المراد بوحدة الوجود عند هؤلاء الصوفية وجودين قديمين اتحدا ولا قديم وحادث اتحدا تعالى الله عن ذلك فإنه سبحانه لا يحل في شئولا يمازج شيئاً ولا شئ في ذاته في خلقه ولا من خلقه في ذاته ، وقربه وبعده ليس كقرب الأجسام وبعدها، ولا هو محصور ولا محدود ولا يحمله شئ ولا هو حامل لشيء استوى على عرشه بذاته استواء يليق به ، مطلق في ذاته وصفاته وأفعاله لا تقوم صفاته إلا بذاته ولا تفارق ذاته صفاته تنزه عن أوصاف خلقه قال تعالى :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "
________________________________________
وكل من يتكلم في التصوف من غير أن يتذوقه ويتحققه وينصب نفسه قاضياً وحاكماً قاسياً على أولياء الله من رجال التصوف الإسلامي ويصدر حكمه فيهم بما عنده من الجهل بحقائقهم ويؤول كلامهم الذي لا يفهم معناه على مراده هو ، لا على مرادهم هم إنما ذلك لخبث في طويته أو جهل مركب أو هما معاً فلا يؤخذ بقوله في شأن الصوفية والتصوف الإسلامي لأنه جاهل بذلك إذ ليس من اختصاصه .
فقد قال أحد الصالحين ( إن كل من يتكلم في التصوف أو يحكم عليه من غير أن يعرف حقائقه ويتذوق معانيه إنما هو جاهل بالتصوف والصوفية فمثله كمن رأى جرة مملؤة مغلقة ورأى النحل يحوم حولها فحكم على ما في باطنها من تحويم النحل عليها من غير أن يتحقق بما فيها ) .
والنحل هو الإشارات والرموز التي توحي بأن هناك شيئاً لا يستطيع من يراه التعبير عنه لدقته وغرابته بين العامة لأنه من أسرار الله تعالى ، كما قال ابو هريرة رضي الله عنه ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم أما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم مني هذا البلعوم ) صحيح رواه البخاري وقال الإمام زين العابدين :-
إني لأكتم من علمي جواهره *** كيلا يرى ذاك ذو جهل فيفتنا
وقد تقدم في هذا أبو الحسن*** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
يارب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وأما الأشخاص الذين حكموا على ما في الجرة خطأ فهم الذينيتكلمون في التصوف بغير علم ولا تحقق ويزعمون أنه على علموان لهم يداً على أهل الله وأوليائه وهم مخطئون لأنهم لم يعرفوا التصوف ولم يلموا بمصطلحاته ورموزه وعباراته.