شباب الختمية

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
شباب الختمية

منتدى شباب الختم يتناول قضايا الشباب وفعالياتهم


    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الأحد أبريل 27, 2008 12:19 am

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    "يتضمن آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين عن
    التصوف ونشأته ورجاله ومعتقداته"

    تأليف
    الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
    http://www.daraleman.org/forum/uploads/2005-11-28_054125_Sofyya.rar

    محتويات:
    مقدمة في نشأة التصوف وتعريف الصوفية
    لمحة عامة على التصوف
    نشأة التصوف
    التصوف تعريفاً واشتقاقا
    مـن هـو الصوفـي ؟
    القرآن والسنـة (مصـدر التصـوف الإسلامـي)
    عقيـدة أهـل التصـوف
    من هـم الأشاعــرة ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
    أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية
    رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
    رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
    المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء
    رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية
    رد دار الإفتاء المصرية
    المفتي العام للجمهورية العربية السورية
    وزارة الشئون السلامية والأوقاف الإماراتية
    القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (مديرية الافتاء)
    مفتي الجمهورية اللبنانية
    جمهـورية القمـر الاتحاديـة (دار الإفتــاء)
    الصوفية وحركة الحياة الشاملة
    دور الصوفية في الحروب الصليبية
    وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
    جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي يجيب
    الخاتمة



    تم تصدير هذا الكتاب آليا بواسطة المكتبة الشاملة
    (اضغط هنا للانتقال إلى صفحة المكتبة الشاملة على الإنترنت)

    الكتاب : الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة
    المؤلف : السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي

    منشورات منتديات دار الإيمان
    الصوفية والتصوف
    في ضوء الكتاب والسنة
    " يتضمن آراء العلماء المتقدمين والمعاصرين
    عن
    التصوف ونشأته ورجاله ومعتقداته "
    تأليف
    الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي
    (الكويت )
    الطبعة الأولى
    9141 هـ ـ 1999 م
    ________________________________________
    المحتويات:
    مقدة في نشأة التصوف وتعريف الصوفية
    لمحة عامة على التصوف
    نشأة التصوف
    التصوف تعريفاً واشتقاقا
    من هو الصوفي ؟
    القرآن والسنة (مصدر التصوف الإسلامي)
    عقيدة أهل التصوف
    من هم الأشاعرة ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
    أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية
    رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
    رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية
    المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء
    رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية
    رد دار الإفتاء المصرية
    المفتي العام للجمهورية العربية السورية
    وزارة الشئون السلامية والأوقاف الإماراتية
    القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية (مديرية الافتاء)
    مفتي الجمهورية اللبنانية
    جمهورية القمر الاتحادية (دار الإفتاء)
    الصوفية وحركة الحياة الشاملة
    دور الصوفية في الحروب الصليبية
    وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
    جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي يجيب
    الخاتمة
    ________________________________________
    نشأة التصوف وتعريف الصوفية

    ليس التصوف لبس الصوف ترقعه *** ولا البكاء إذا غنى المغنونا
    إن التصوف أن تصفو بلا كدر*** وتتبع الحق و القرآنَ و الدينا
    *****
    اشتقاق اسم الصوفي
    تنازع الناس في الصوفي واختلفوا *** فيه وظنوه مشتقاً من الصوفِ
    ولست أنحل هذا الاسم غير فتى *** صافى فصوفي حتى سُمِّي الصوفي

    *****
    وقال ( المؤلف ) غفر الله تعالى له :-
    ليس التصوف ثوباً أنت لابسه *** تزهو به بين أصناف الدواوين
    بل التصوف إيمان ومعرفة *** وخدمة لفقير أو لمسكين
    وهو التهجد في الليل البهيم إذا *** نام الأنام ليوم الحشر والدين
    وهو الجهاد جهاد النفس عن سفه *** وشهوة وألاعيب الشياطين
    ________________________________________
    بسم الله الرحمن الرحيم
    نحمده ونصلي ونسلم على رسوله الكريم
    وبعد: فلقب ( الصوفية ) إذا أطلق اليوم فإنما يراد به جمهور الناس من المسلمين الذين يقلدون أحد أئمة المذاهب الأربعة ( الشافعي ومالك وأبن حنبل وأبو حنيفة ) رضوان الله تعالى عليهم أجمعين في الفروع ، وعقيدتهم عقيدة السلف الصالح ومنهم من يعتنق مذهب الأمام أبي الحسن الشعري ، وهي عقيدة عامة أهل السنة والجماعة في العالم الإسلامي الفسيح ، والتي تدرس في ( الأزهر الشريف ) وغيره من المعاهد الدينية في شتى أصقاع العالم الإسلامي ما عدا المملكة العربية السعودية ومعاهدها الرسمية الواقعة تحت إشراف المشايخ المقلدين للشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباع دعوته المسماة " بالدعوة السلفية " .
    كما يطلق هذا اللقب ( الصوفية ) اليوم على من يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف وبالإسراء والمعراج وبهما تحتفل الدول الإسلامية رسمياً في ( عطلة رسمية ) كما أن هؤلاءهم المستمرون على ما كان عليه سلفهم الصالح في العالم الإسلامي من زيارة ( القبر النبوي الشريف ) في المدينة المنورة قبل أو بعد أداء فريضة الحج أو العمرة الشريفة ، وختم القرآن في اليوم الثالث على موتاهم واستعمال السبحة في ذكر الله تعالى وتلقين الميت وزيارة المقابر في الأعياد والجمع للاعتبار وإهداء ثواب القرآن الكريم لأقاربهم وأرحامهم من الموتى ومن جاورهم من المسلمين مما عليه العمل في غالب بلاد المسلمين .. هكذا يتبين أن من يُنسبون إلى (الصوفية) ما هم إلا السواد الأعظم والأكثرية الصامتة من المسلمين المتمسكين بالعادات والأعراف الدينية التى ورثوها عن أجدادهم وأسلافهم مما لا يتعارض مع ما أجمع عليه علماء الأمة وفقهاؤها من كتاب الله تعالى وسنة المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله , وقد قال النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ( عليكم بالسواد الأعظم ) رواه صاحب ( مشكاة المصابيح ) . هذا وقد استعنت الله تعالى في تأليف هذا الكتاب عن التصوف والصوفية لما رأيت التصوف يتعرض لهجمة شرسة ظالمة وخاصة هذه الأيام ، وذلك توضيحاً للحق وذبا عن أعراض أولياء الله الصالحين ودرءاً لبلادنا عن غضب الله تعالى الذي يقول في الحديث القدسي الصحيح : ((من عادى ولياً فقد آذنته بالحرب)) رواه البخاري وغيره .
    والله سبحانه وتعالى أسأل السداد والتوفيق في جهدي هذا وأن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
    وصلى الله تبارك وتعالى على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله رب العالمين .
    وكتبه راجي عفو مولاه الكريم
    يوسف السيد هاشم االرفاعي الحسيني
    ________________________________________
    لمحة عامة على التصوف :
    إن من يلقي نظرة عابرة خلال القرون الغابرة التي مضت ويرى ما خلفه السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم وحشرنا في زمرتهم من تأليف في كل فن من فنون العلم ، وفي كل جهة من جهات الفن والحضارة التي أشعت النور على العالم بعد أن كان يربض تحت تأثير الجهل والفوضى ليعترف بأن للإسلام الفضل الأول في مبعث هذه الحضارة وتثبيت دعائمها ، وأن الصدر الأول من الصحابة رضوان الله عليهم هم الذين حملوا العبء الأكبر في نشر هذه الشريعة السمحة وبث أسرارها في هذا الكون وتحويله من طبيعة جرداء إلى نور أبلج يضئ لكل سالك في هذا الطريق . وكان للصوفية الحظ الأوفر في بعث هذا العمل المشرف فكانت المدرسة النبوية التي أخرجت أمثال : أبى بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ، ثم كانت مدرسة الصحابة التي أنجبت أمثال : سعيد بن المسيب والحسن البصري وطاوس اليماني وإبراهيم التيمي وسادة غيرهم لا يحصون فضلاً وعلماً وعملاً ، وهم الذين كان لهم الفضل الأكبر في تثبيت دعائم هذه الشريعة وبهم كان تأثر الأئمة الكبار أمثال : أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم رضي الله عنهم فأبو حنيفة كان تأثره الأكبر بشيخه الزاهد المشهور عطاء بن أبي رباح وأمثاله كان يقول : مالقيت أفضل من عطاء .قال الشعراني في الأجوبة المرضية عن شيخه شيخ الإسلام زكريا الأنصاري أنه قال : يكفينا في شرف طريق القوم قول موسى للخضر عليهما الصلاة والسلام : { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } فإن موسى طلب طريق الإرشاد من الخضر مع سعة علم موسى ومع كونه نبياً مرسلاً قال ذلك وكذلك يكفينا في شرفهم أن الإمام أحمد بن حنبل كان إذا توقف في مسألة يسأل عنها الشيخ أبا حمزة البغدادي وقوله : ما تقول في هذه المسألة يا صوفي ؟ فإذا حل أبو حمزة إشكال تلك المسألة تعجب أحمد من ذلك . وكان رضي الله عنه يقول لولده عبد الله : يا ولدي عليك بالحديث وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية فإنهم
    ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه . فلما صحب أبا حمزة البغدادي وعرف أحوال القوم كان يقول لولده : (( يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم فإنهم ذادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة )) وبلغنا أن الإمام أبا عمرو الأوزاعي طلب الصحبة لإبراهيم بن أدهم فلم يجبه إلى ذلك وقال له : يا عبد الرحمن لا يطير الطير إلا مع شكله فرجع الأوزاعي عن طلب الصحبة لعلمه بعلو مراقي الصوفية وهذا من الأوزاعي أعظم دليل على شرف الطريق وأهلها . وبلغنا أن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه كان يجالس الصوفية كثيراً ويقول : يحتاج الفقيه إلى معرفة اصطلاح الصوفية ليفيدوه من العلم مالم يكن عنده . وقيل له مرة : ما الذي استفدته من مجالسة الصوفية ؟ فقال : استفدت منهم شيئين قولهم : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وقولهم : إن لم تشغل نفسك بالخير شغلتك بالشر وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا يقول : يكفينا دليلاً على شرف الطريق إذعان الأئمة لأهلها في كل زمان وسؤالهم الدعاء منهم في الشدائد دون العكس انتهى . فهذا شيء قليل من شرف الصوفية وفضلهم . أما أوصافهم فهذه نبذة يسيرة على لسان أحد أئمتهم : قال الخطيب البغدادي في تاريخ بغدادبسندهعن محمد بن شاذان الرازي قال :" سمعت يوسف بن الحسين يقول حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل ، وكان المتوكل مولعاً به يفضله على العباد والزهاد " ، فقا له المتوكل :" يا أبا الفيض صف لنا أولياءالله " ؟ فقال ذو النون :"يا أمير المؤمنين هؤلاء قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته ، وجللهم بالبهاء من أردية كرامته ، ووضع على مفارقهم ذخائر الغيوب ، فهي معلقة بمواصلة المحبوب فقلوبهم إليه إليه سائرة وأعينهم إلى عظيم جلاله ناظرة ، ثم أجلسهم بعد أن أحسن إليهم على كراسي طلب المعرفة بالدواء ، وعرفهم منابت الأدواء ، وجعل تلاميذهم أهل الورع والتقى وضمن لهم الإجابة عند الدعاء، وقال يا أوليائي إن أتاكم
    ________________________________________
    عليل من فرقي فداووه ، أو مريض من إرادتي فعالجوه ، أو مجروح بتركي إياه فلاطفوه ، أو فار مني فرغبوه ، أو آبق مني فادعوه ، أو خائف مني فأمنوه أو راغب في مواصلتي فمكنوه أو قاصد نحوي فأدوه ، أو جبان في متاجرتي فجرئوه ، أو آيس من فضلي فعدوه ، أو راج لإحساني فبشروه ،أو مستشرف نحوي فارشدوه ، أو مسيء بعد إحساني فعاتبوه ، أو ناس لإحساني فذكروه ، وإن أستغاث بكم ملهوف فأعينوه ، ومن وصلكم في فواصلوه ، فإن غاب عنكم فافتقدوه ، وإن ألزمكم جناية فاحتملوه ، وأنقصر في واجب حق فأتركوه ، وان أخطأ خطيئة فأنصحوه ، فإن مرض فعودوه ، وإن وهبت إليكم هبة فشاطروه وإن رزقتكم فآثروه ، يا أوليائي لكم عاتبت ، ولكم خاطبت ، وإياكم رغبت ، ومنكم ألوفاً طلبت ، لأنكم بالآثرة آثرت وانتخبت ن وإياكم استخدمت واصطنعت واختصصت ، لا أريد استخدام الجبارين ، ولا مطاوعة الشرهين ، جزائي لكم أفضل الجزاء ، وعطائي لكم أوفر العطاء ، وبذلي لكم أغلى البذل ، وفضلي عليكم أكبر الفضل ومعاملتي لكم أوفى معاملة ، ومطالبتي لكم أشد المطالب . أنا مفتش القلوب . انا علام الغيوب . أنا ملاحظ اللحظ ، أنا مراصد الهم ، أنا مشرف على الخواطر ، أنا العالم بأطراف الجفون ، لا يفزعكم صوت جبار دوني ولا مسلط سواي فمن أرادكم قسمته ، ومن آذاكم آذيته ، ومن عاداكم عاديته ومن والاكم واليته ، ومن أحسن إليكم أرضيته ، أنتم أوليائي وأنتم أحبائي . أنتم لي وأنا لكم )) . ويعقب الشيخ الأكبر رضي الله عنه في ( روح القدس ) بعد أن أورد بعض هذا الكلام النفيس بقوله : هذه أحوال العارفين يا ولي ، وهكذا تكون عمارة القلوب ، وأما أهل زمانك فوالله لو أطلعت عليهم لرأيت إن نظرت إلى نفوسهم رأيت نفوساً سامدة ، وإن نظرت إلى قلوبهم رأيت قلوبً لاهية من العمارة العلوية القدسية خالية ,على عروشها خاوية ، آجاماً لأسود ضارية ، ومرابض لذئاب عاوية ، نسأل الله تعالى عند رؤيتهم العافية . أين هم
    ________________________________________
    يا ولي من قوم وصفهم أبو الفيض حيث قال : ان لله لصفوة ، وان لله لخيرة . قيل يا أبا الفيض ما علامتهم قال : إذا خلع العبد الراحة ، وأعطي المجهود في الطاعة ، وأحب سقوط المنزلة ثم قال :
    منع القرآن بوعده ووعيده مقل العيون بليلها أن يهجعوا
    فهموا عن الملك الكريم كلامه فهما تذل له الرقاب وتخضع
    فقال له لعض من كان في مجلسه ؟ من هؤلاء القوم يا أبا الفيض رحمك الله ؟ قال : ويحك هؤلاء قوم جعلوا الركب لجباههم وسادا ، والتراب لجنوبهم مهادا ، هؤلاء قوم خالط القرآن لحومهم ودماءهم فشغلهم عن الأزواج ، وحركهم بالإدلاج فوضعوه على أفندتهم فأسرجت ، وضموه الي صدورهم فانشرحت ، وتصدعت هممهم به فكدحت فجعلوه لظلمتهم سراجا ، ولسبيلهم منهاجا ، ولحجتهم افلاجا ، يفرح الناس وهم يحزنون وينام الناس ويسهرون ويفطر الناس ويصومون ، ويأمن الناس ويخافون . فهم خائفون حذرون وجلون مشفقون ، مشمرون يبادرون من الفوت ويستعدون للموت الي آخر القصة رضي الله عنهم ورزقنا حبهم واتباعهم . فهذه هي بعض أوصاف القوم رضي الله عنهم .
    قلت : " وهل هذه الأوصاف إلا كما جاء وصفهم فى كتاب الله العزيز : { وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63)وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }
    سورة الفرقان / 63 ، 64 .
    ________________________________________
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وصلي الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
    ( نشأة التصوف )
    إن اسم التصوف قد استحدث في القرآن الثاني ، ومسماه ومعناه هو الذي كان عليه النبي صلي الله عليه وسلم وآله وأصحابه في القرن الأول ، فكانت بواطن أصحاب النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله على المعارف الذوقية الشهودية سواء منهم المتسبب للأرزاق أو المتجرد للعبادة من أهل الصفة ، فأقر النبي صلي الله عليه وسلم وآله أهل الصفة على تجريدهم لما رأي منهم القوة عليه وانتفاعهم به ، وأقر المتسببين علي أسبابهم لما رأي منهم التشوف للأسباب وانتفاعهم بها ( ومراد الله من الجميع ما هم عليه . وأن ليس في الإمكان أبدع مما كان ) . وكلاهما على الجادة وعلى التوحيد الخالص والدين الخالص والنية الخالصة لله في تجريدهم أو أسبابهم ، وهذا هو العلم الرباني والكمال العقلي للنبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله حيث كان يخاطب الناس على قدر على عقولهم ويوجههم للعمل الصالح المصلح لهم لكمالهم أو ترقيتهم ومزيد صفائهم .
    ________________________________________
    والتصوف الإسلامي هو الدين الخالص والنية الخالصة لله التي قامت على مبدأ تحقيق العبودية وتعظيم الربوبية وتحقيق عمارة البواطن بالمعارف والأسرار والرضا والتوكل والإخلاص وعمارة الظواهر بالعبادة والورع والتقوى ومتابعة النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله في أقواله وأفعاله . وهذا ما كان عليه النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله وأصحابه من التحقق بالدين ظاهراً وباطناً ، ورسوخاً في مراتب الدين الثلاث ( الإسلام والإيمان والإحسان ) الواردة في الحديث الصحيح الذي يرويه عمر بن الخطابوليس المراد من المسلم الموحد أن يعبد الله على حرف ، والحرف على التفسير الأول هو العلة وعلى التفسير الثاني الذي نحن بصدده هو الطرف والجانب أي أن تعبد الله على واحد وهو الظاهر فقط أو الباطن فقط وهذا خروج عن جادة التوحيد الخالص إذ من كان باطنياً فقط كان زنديقاً شيطاناً لرفضه الشريعة والحكمة ومن كان ظاهرياً فقط كان فاسقاً لخلو عبادته من الصدق والإخلاص .قال تعالى ] وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ[ أي اتركوا كل إثم بما فيه من الشرك الجلي والخفي . وصدق الله العظيم ] وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ[ ، وإن منكم من يعبدون الله بتقوى شاملة بعيداً عن ظاهر الإثم وباطنه مع ترك الشرك جليه وخفيه حريصين على المتابعة المحمدية بحواسهم الحسية وطاقتهم المعنوية فهؤلاء هم الصوفية الذين لهم قدم صدق عند ربهم لرسوخهم في ( مقام الإحسان ) وتحققهم بأقوال النبي - صلَّى الله عليه و آله و سلَّم - وآله ، وأفعاله وأحواله . ومجمل القول في ذلك أن هذا الحال هو الذي كان عليه أهل القرن الأول ثم الثاني ثم الثالث كما جاء في حديث الحبيب المصطفى - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ، ثم بعد ذلك أختلط المسلمون بغيرهم ودخلت الفلسفات الأجنبية واللغات الأجنبية فهب رجال الدين الإسلامي لحمايته والدفاع عنه ، فقام كل باختصاصه يدون ويؤلف ويكتب ، فهب رجال اللغة العربية فعملوا وأحسنوا ، وقام رجال الفقه فعملوا وأحسنوا ، وقام الأصوليون ليدافعوا عن عقيدة
    ________________________________________
    المسلمين ، وقام العابدون الورعون العارفون بربهم ليبينوا للناس الدين الخالص والحال الذي كان عليه أهل القرن الأول من الرسوخ، ( في مقام الإحسان والتحقق في الدين ظاهراً وباطناً ، وهم رجال التصوف )، فكان أسم التصوف علما ًعلى هذه الطائفة القائمة على الحق الظاهرين عليه إلى قيام الساعة .
    وكما انه في المحدثين والفقهاء وغيرهم منحرفون عن الجادة فأنالا أنكر أن الصوفية منهم الغث السمين فمنهم المتحقق ومنهم المتبرك ومنهم المتلبس المتزندق . قال تعالى :
    " هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ "
    وعلى كل حال فالحجة قائمة وهي في الكتاب والسنة ، فمن ادعى أنه صوفي متحقق وخالف الكتاب والسنة في أقواله وأفعاله فمرفوض ادعاؤه ومردود قوله وما أكثر هذا الصنف بين صفوف المسلمين أعاذنا الله والمسلمين من شرهم .
    والآن نرجع لأمر كثر الحديث حوله وهو موقف الصوفية من ( وحدة الوجود والاتحاد والحلول ) فأقول وبالله التوفيق :-
    وحدة الوجود المشار إليها عند الصوفية المسلمين مغايرة لقول الفلاسفة ووحدتهم الفكرية التي لا تفرق بين الخالق والمخلوق والصنعة والصانع فأي كفر أعظم من هذا وأي نقص ينسب إلى الله أعظم من ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، والصوفية أهل الحق براء من ذلك .
    فوحدةالوجود التي يرمز إليها بعض الصوفية أمر معنوي وعلم رباني يتعلق بتحقيق الوحدانية لله في ذاته وصفاته وأفعاله عرفوا ذلك وتحققوا فيه بنور رباني وقد قيل فيه ( أتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) ، وعرفوا ذلك أيضاً بتحققهم بالتبعية المحمدية حيث قال الله لنبيه في كتابه :
    " قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي "
    ________________________________________
    ... الآية فالبصيرة المشار إليها هي الؤية القلبية والمشاهدة الباطنية لحقائق الأمور وبواطن الأشياء فيكتسب صاحبها علماً لا مطمع للحصول عليه بالفكر أو بالعقل أو النظرة الحسية ،فنظر رحمك الله إلى قوله تعالى لنبيه :
    " عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي "
    ... الآية فليس هذا النور وتلك المشاهدة القلبية خاصة بالنبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله ولكن يشاركه في هذا المشرب من اتبعه بحق وهم خواص أمته فمن لم يتحقق بتلك التبعية المحمدية في الأقوال والأفعال والأحوال ، أو قل في ( الإسلام والإيمان والإحسان ) أو قل في (عمل الظواهر من الوقوف عند الحدود ، وفي عمل البواطن من التوكل والرضا والتعلق بالمعبود ، وفي عمل السرائر من الأذواق والمعارف والتحقق بأسرار الوجود ) وإلا فلا مطمع له بالوصول إلى مراتب الكمال ومقامات الرجال لأنه مقيد بالوهم والخيال وبالنفس الأمارة التي تتغطرس وتتكبر فتظن أنها تخرق الأرض وتبلغ الجبال طولاً وما هؤلاء بالنسبة للرجال الكمل من ذوي المعارف والأسرار إلا بمنزلة الصبيان .
    فليس المراد بوحدة الوجود عند هؤلاء الصوفية وجودين قديمين اتحدا ولا قديم وحادث اتحدا تعالى الله عن ذلك فإنه سبحانه لا يحل في شئولا يمازج شيئاً ولا شئ في ذاته في خلقه ولا من خلقه في ذاته ، وقربه وبعده ليس كقرب الأجسام وبعدها، ولا هو محصور ولا محدود ولا يحمله شئ ولا هو حامل لشيء استوى على عرشه بذاته استواء يليق به ، مطلق في ذاته وصفاته وأفعاله لا تقوم صفاته إلا بذاته ولا تفارق ذاته صفاته تنزه عن أوصاف خلقه قال تعالى :" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ "
    ________________________________________
    وكل من يتكلم في التصوف من غير أن يتذوقه ويتحققه وينصب نفسه قاضياً وحاكماً قاسياً على أولياء الله من رجال التصوف الإسلامي ويصدر حكمه فيهم بما عنده من الجهل بحقائقهم ويؤول كلامهم الذي لا يفهم معناه على مراده هو ، لا على مرادهم هم إنما ذلك لخبث في طويته أو جهل مركب أو هما معاً فلا يؤخذ بقوله في شأن الصوفية والتصوف الإسلامي لأنه جاهل بذلك إذ ليس من اختصاصه .
    فقد قال أحد الصالحين ( إن كل من يتكلم في التصوف أو يحكم عليه من غير أن يعرف حقائقه ويتذوق معانيه إنما هو جاهل بالتصوف والصوفية فمثله كمن رأى جرة مملؤة مغلقة ورأى النحل يحوم حولها فحكم على ما في باطنها من تحويم النحل عليها من غير أن يتحقق بما فيها ) .
    والنحل هو الإشارات والرموز التي توحي بأن هناك شيئاً لا يستطيع من يراه التعبير عنه لدقته وغرابته بين العامة لأنه من أسرار الله تعالى ، كما قال ابو هريرة رضي الله عنه ( حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاءين من العلم أما أحدهما فبثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم مني هذا البلعوم ) صحيح رواه البخاري وقال الإمام زين العابدين :-
    إني لأكتم من علمي جواهره *** كيلا يرى ذاك ذو جهل فيفتنا
    وقد تقدم في هذا أبو الحسن*** إلى الحسين ووصى قبله الحسنا
    يارب جوهر علم لو أبوح به *** لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
    ولاستحل رجال مسلمون دمي *** يرون أقبح ما يأتونه حسنا
    وأما الأشخاص الذين حكموا على ما في الجرة خطأ فهم الذينيتكلمون في التصوف بغير علم ولا تحقق ويزعمون أنه على علموان لهم يداً على أهل الله وأوليائه وهم مخطئون لأنهم لم يعرفوا التصوف ولم يلموا بمصطلحاته ورموزه وعباراته.
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty رد: الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 05, 2012 1:11 pm

    وقدقال الشيخ محي الدين بن عربي في الباب 314 من الفتوحاتالمكية : " لو صح أن يرقى الإنسان عن إنسانيته ، والملك عن ملكيته ، ويتحد بخالقه تعالى ، لصح انقلاب الحقائق وخرج الإله عن كونه إلهاً ، وصار الحق خلقاً ، والخلق حقاً ، وما وثق أحد بعلم ، وصار المحال واجباً ، فلا سبيل إلى قلب الحقائق أبداً " كما قال في ذلك شعراً :
    ودع مقالة قوم قال عالمهم بأنه بالإله الواحد اتحدا
    الاتحاد محال لا يقول به إلا جهول به عن عقله شرداً
    وعن حقيقته وعن شريعته فاعبد إلهك لا تشرك به أحدا
    فأنظر كيف ينفي الاتحاد والحلول بشدة ، فما كان في كتبه مما يوهم ذلك فهو إما مدسوس عليه ، وإما فهم على غير حقيقته... فليتقالله من يطلق لسانه على أهل الله تعالى ( راجع اليواقيت والجواهر جـ1 ص80 -81 ) ، وهذا أيضاً غير ما أشار إليه الشيخ محي الدين بن عربي في الفتوحات جـ4 ص372-379 (ما قال بالاتحاد إلا أهل الإلحاد ومن قال بالحلول فهو معلول لا دواء له) .
    وقد قال الشيخ علوان الحموي ( ت 936هـ ) في أحكام النظر صـ187 ومن ذلك ما أثر من كلام محمد بن واسع تلميذ الحسن البصري في فنائه عن الخلق بالحق ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه. فقال معلقاً على المعنى : مذهب أهل الحق أن مولانا عز وجل لا يحل في شيء ، ولا يحل فيه شيء ، وكلما ورد عليك ما يوهم ظاهره الحلول فاوله .
    ومن التأويل الواعي ما قاله الشيخ أبن تيميه : ( في مجموعة الرسائل والمسائل صـ86 ) : " إذا قال قائل إلا ورأيت الله فيه " ، أو قبله وبعده ، بمعنى ظهور الصانع آثار الصانع في صنعته .
    فهذا القول صحيح ـ بل القرآن كله مبنى على هذا ، وهو سبحانه نور السموات والأرض
    ________________________________________
    أما الشيخ الهجويري (ت. 470هـ) في كتابه ( كشف المحجوب صـ115) تعليقاً على هذه العبارة فقد قال : " إن المرأ عندما تغلبه المحبة للذات الإلهية يصل إلى مرحلة لا يرى فيها الصنع وإنما يرى الصانع " وقال أحد العارفين : ( أراد بهذه الرؤية الشهود لا رؤية البصر لأن الرؤية من خصائص البصر ، والشهود من خصائص البصيرة ) ن فليتدبر ذلك من يهاجمون الصوفية ، وليتعظوا بمقولة الشيخ ابن تيمية ، وغيره من أهل المعرفة والبصيرة .
    فعلى كل حال سنترك كل من يطوي خبثاً وإساءة لأولياء الله الذاكرين الله كثيراً من رجال التصوف الإسلامي سنتركه إلى الله يوم تنكشف الأستار ، وتبرز الأسرار فيعرف حين ذلك ما عندهم من الحقائق وما عنده من الخيال ، ولكن بعد أن يقطف ثمرة الخسران من القطيعة والحرمان ويندم حين لا ينفعه الندم . قال عليه الصلاة والسلام في شأن الذاكرين حديثاً له معناه ( لا يتحسر أهل الجنة في الجنة إلا على ساعة مرت في الدنيا لم يذكروا الله فيها ) وقال تعالى : (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) سورة الرعد / 28 .
    فماذا نقول لأمثال هؤلاء إلا (أنهم نيام عن الحقائق فإذا ماتوا انتبهوا) فبدلاً من أن يثوبوا إلى رشدهم ويذكروا ربهم ويصحبوا هؤلاء الصادقين الذن امر الله بصحبتهم قال تعالى :
    " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ "
    فبدلاً من ذلك أطلقوا ألسنتهم وأقلامهم لتمطر على الذاكرين والصالحين مطر السوء فرحماك اللهم فأنت أرحم الراحمين .
    بما سبق لخص أحد المفكرين نشأة التصوف في الإسلام ويؤيد هذا الرأي عن نشوء التصوف ما ذكره العلامة القشيري حيث يقول الإمام أبو القاسم عبد الكريم القشيري في رسالته ( الرسالة القشيرية ) :-
    ________________________________________
    ( أعلموا رحمكم الله تعالى أن المسلمين بعد رسول الله - صلَّى الله عليه و سلَّم - لم يتسم أفضلهم في أجيالهم بتسمية علم سوى صحبة رسول الله - صلَّى الله عليه و سلَّم - إذ لا فضيلة لهم فوقها فقيل لهم ، ( الصحابة ) ، ولما أدركهم أهل العصر الثاني سمي من صحب الصحابة ( التابعين ) ، ورأوا ذلك أشرف سمة ، ثم قيل لمن بعدهم ( أتباع التابعين ) ، ثم أختلف الناس وتباينت المراتب ، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية بأمر الدين ( الزهاد والعباد ) ، ثم ظهرت البد وحصل التداعي بين الفرق فكل فريق أدعوا أن فيهم زهادا ، فانفرد خواص أهل السنة المراعون أنفاسهم مع الله تعالى الحافظون قلوبهم عن طوارق الغفلة باسم ( الصوفية ) واشتهر هذا الأسم لهؤلاء الأكابر قبل المائتين من الهجرة .
    وهكذا يتبين لنا أن التصوف نشأ مع اللإسلام وولد معه ، لأنه جزء منه وليس بشيء زائد عليه بل هو التطبيق العملي والجانب الروحي منه ، وهو لا يمت بصلة إلى ما يقوله أعداء الإسلام عنه أنه مأخوذ عن الأمم الأخرى ، بل ما هو في واقع الأمر إلا حال النبي - صلَّى الله عليه و سلَّم - وآله والقرون الثلاثة الأولى المشهود لها بالخيرية ، وما الصوفي إلا المسلم الذي يكون في حاله مع الله ومع الناس أقرب شئ إلى ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام وصفوة أصحابه .
    ________________________________________
    التصوف تعريفاً واشتقاقاً:
    تعريف التصوف:
    للتصوف تعاريف كثيرة بلغت الألفين . أحسنها وأجمعها هذان التعريفان :
    قال ابن عجيبة رحمه الله :
    التصوف : (صدق التوجه إلى الله بما يرضاه ومن حيث يرضاه ).
    وقال أيضاً :-
    ( التصوف علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك ، وتصفية البوان من الرزائل وتحليتها بأنواع الفضائل فأوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة ).
    ولقد كادت كتب التصوف تجمع على أنه ( صدق التوجه المشروط برضى الله سبحانه وتعالى ) .
    اشتقاق التصوف:
    للتصوف عدة اشتقاقات ذكرت في كتب السادة الصوفية كالرسالة القشيرية والإحياء وغيرهما ، ولم يتفق الصوفية على واحدة منها تكون أصلاً لاشتقاق التصوف ، لكن الشيخ ابن عجيبة رحمه الله ذكر أكثرها واختار الأخيرة منها ، وإليك نص كلامه رحمه الله :-
    واشتقاقه ـ أي التصوف إما : -
    1- من الصفاء ، لأن مداره على التصفية .
    2- أو من الصفوة (الكاملين) لأنه اتصاف بالكمالات .
    3- أو من صفة المسجد النبوي ، لأن الصوفية متشبهون بأهل الصفة في التوجه والانقطاع . وليس هذا اشتقاقاً وإنما هو من قبيل النسبة لأهل الصفة .
    4- أو من الصوف لأن جل لباسهم الصوف تقللاً من الدنيا وزهداً فيها ، واختاروا ذلك لأنه كان لباس الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
    وقد أختار ابن عجيبة رحمه الله الاشتقاق الأخير فقال :
    ( هذا الاشتقاق أليق لغة وأظهر نسبة ، لأن لباس الصوف حكم ظاهر على الظاهر ونسبتهم إلى غيره أمر باطن ، والحكم بالظاهر أوفق وأقرب ) .
    ________________________________________
    من هو الصوفي ؟
    ويقول الشيخ ابن عجيبة رحمه الله :
    ( قال سهل التستري : الصوفي من صفا من الكدر وامتلاء من الفكر وأنقطع إلى الله عن البش واستوى عنده الذهب والمدر ـ أي لا رغبة له في شئ دون مولاه ) .
    وقال الجنيد : ( الصوفي كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح ) .
    وقال أيضاً : الصوفي كالأرض يطؤه البر والفاجر ، وكالسماء تظل كل شئ وكالمطر يسقي كل شئ )
    وزبدة القول :
    والحق أن التصوف تفسير ( لمقام الإحسان ) الذي هو ( مقام الشهود والعيان ) ولا مشاحة في المصطلحات وإنما العبرة للحقيقة والجوهر ، فإذا كان إصلاح الظاهر واجباً فإصلاح الباطن أوجب لأنه موضع نظر الله عز وجل ، وإذا كان إصلاح باطن العبد وسريرته وقلبه جوهر الدين فذلك هو التصوف ، ولا يزيد أبداً عن كونه إصلاحاً للقلوب .
    ________________________________________
    القرآن الكريم والسنة النبوية
    ( مصدر التصوف الإسلامي )
    الطرق الصوفية المنسوبة إلى أكابر الأولياء ـ وبمعزل عما يلصقه بها الأدعياء والمنتسبون من الداخل أو يفتريه عليها السفهاء والمرجفون من الخارج ـ هي في حقيقتها مدارس عملية لتطبيق المنهج الإسلامي الشامل ( عقيدةً وشريعةً وسلوكاً وممارسةً وصوراً حيةً ومعبرةً لما كان عليه الصحابة والتابعون في القرون الإسلامية الزاهرة ) ، دعت إلى الله تعالى بالسلوك والتطبيق العملى في المقام الأول لأحكام الشريعة وبالموعظة الحسنة وسبت أغوار النفس الإنسانية بكل جوانبها السلبية والإيجابية فكان التوفيق حليفها في هذا المضمار . ومن أقوال أعلام التصوف وأئمته ننقل هنا مايشير إلى حقيقة ماهم عليه وما يدينون أنفسهم به ويدعون أتباعهم إليه .
    قال أبو الفيض ذو النون المصري : ( مدار الكلام على أربع حب الجليل وبغض القليل ، وأتباع التنزيل ، وخوف التحويل ) ، القليل هنا بمعنى " ما قل من العمل الصالح " وقيل هو الدنيا لقوله تعالى ( قل متاع الدنيا قليل ) وهو الأرجح .
    وقال أبوالحسن السري المغلس السقطي : ( التصوف اسم لثلاثة معان وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ، ولا يتحمله علي هتك أستار محارم الله ) .
    وقال أبو يزيد طيفور بن عيسي البسطامي : ( لو نظرتم الي رجل أعطي من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة ).
    وقال أبو الحسن أحمد بن الحواري : ( من عمل بلا تباع سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم فباطل عمله ) .
    وقال أبو حفص الحداد : ( من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال ) .
    وقال أبو القاسم الجنيد بن محمد : ( من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ) .
    وقال أبو الحسين أحمد بن حمد النوري : ( من رأيته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه ) .
    وقال أبو سعيد أحمد بن عيسي الخراز : ( كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل ) .
    وقال أبو العباس احمد بن محمد بن عطاء الله السكندري : ( من ألزم نفسه آداب الشريعة نور الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب صلي الله عليه وسلم وآله وصحبه وسلم في أوامره وأفعاله وأخلاقه ) .
    وقال أبو حمزة البغدادي البزار : ( من علم طريق الحق تعالي سهل عليه سلوكه ، ولا دليل على الطريق الي الله تعالي الا متابعة الرسول صلي الله عليه وسلم في أحواله وأفعاله وأقواله ) .
    وقال الامام عبد الله بن علوي الحداد باعلوي الحسيني رحمه الله تعالى في قصيدته التائية الكبرى :
    وما في طريق القوم بدء ولا انتهاء مخالفة للشرع فاسمع وأنصت
    وخل مقالات الذين تخبطوا ولا تك إلا مع كتاب وسنة
    فثم الهدي والنور والأمن من ردي ومن بدعه تخشى وزيغ وفتنه
    ومتبعو حكم الكتاب وسنة هم المفلحون الفائزون بجنة
    عليهم من الرحمن رضوانه الذي هو النعمة العظمي وأكبر منة
    ومن حاد عن علم الكتاب وسنة فبشره في الدنيا يخزي وذله
    وبشره في العقبى بسكني جهنم وحرمان جنات الخلود ورؤية
    ويقول الشيخ ابن تيمية عن تمسك السادة الصوفية بالكتاب والسنة في قسم ( علم السلوك ) من فتاواه ما نصه :
    ________________________________________
    " والشيخ عبد القادر ( الجيلاني رحمه الله ) ونحوه من مشائخ زمانهم أمروا بالتزام الشرع والأمر والنهي ، وتقديمه على الذوق والقدر ، وهو من أعظم المشائخ أمراً بترك الهوى ، والإرادة النفسية ، فإن الخطأ في الإرادة من حيث هي إرادة إنما تقع من هذه الجهة . فهو يأمر السالك إن لا تكون له إرادة من جهته هو أصلاً ، بل يريد ما يريد الرب عز وجل ، إما إرادة شرعية إن تبين له ذلك ، و إلا جرى مع الإرادة القدرية ، فهو إما مع الرب ، إما مع خلقه ، وهو سبحانه له الخلق والأمر ، وهذه طريقة شرعية صحيحة " .
    ________________________________________
    عقيدة أهل التصوف:
    بعض أعداء الصوفية المعاصرين يتهمونهم بان لهم عقائد مخالفة لعقائد المسلمين أهل السنة والجماعة ، وهذه عقائد الصوفية ومعتقداتهم كما بينها الصوفي الكبير الشيخ عبد الوهاب الشعراني في كتابه (الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ) الطبعة الثانية ـ دار جوامع الكلم ـ الدراسة ـ القاهرة .
    ومنها يتبين أنها مطابقة تماماً لمعتقد أهل السنة والجماعة الموافقة للكتاب والسنة وعقيدة السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم.
    عقائد القوم وبيان موافقتها لعقائد أهل السنة والجماعة :
    " اعلم يا أخي أن القوم اجمعوا على أن الله تعالى إله واحد لا ثاني له ، منزه عن الصاحبة والوالد ، مالك الملك لا شريك له ، صانعه لا مدبر معه ، موجود بذاته من غير افتقار إلى موجد يوجده ، بل كل موجود مفتقر إليه في وجوده ، فالعالم كله موجود به ، وهو تعالى موجود بذاته ، لا افتتاح لوجوده ، ولا نهاية لبقائه ، بل وجوده مطلق مستمر ، قائم بنفسه ، ليس بجوهر فيقدر له المكان ولا بعرض فيستحيل عليه البقاء ، ولا بجسم فتكون له الجهة والتلقاء ، مقدس عن الجهة والأقطار مرئي بالقلوب والأبصار ، استوى تعالى على عرشه كما قال ، وعلي المعنى الذي أراده كما أن العرش وما حواه به استوى ، له الآخرة والأولي ، ليس له مثل معقول ولا دلت عليه العقول ، لا يجده زمان ، ولا يقله مكان ، وهو الآن على ما عليه كان خلق المتمكن والمكان ، وأنشأ الزمان ، وقال أنا الواحد الحي الذي لا يؤوده حفظ المخلوقات ولا ترجع إلية صفة لم يكن عليها ولا تلحقه صفة من صفات المصنوعات ، تعالي أن تحله الحوادث أو يحلها ، أو تكون قبله أو يكون قبلها ، بل يقال كان ولا شئ معه ، لأن القبل والبعد من صيغ الزمان الذي أبدعه ، فلا نطلق عليه تعالي ما لم يطلقه علي نفسه فإنه أطلق علي نفسه : الأول والآخر لا القبل والبعد . فهو القيوم الذي لا ينام ، والقهار الذي لا يرام ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، خلق العرش وجعله حد الاستواء . أنشأ الكرسي وأوسعه الأرض والسماء ، اخترع اللوح والقلم الأعلى ، وأجراه كاتباً في خلقه إلى يوم الفصل والقضاء . أبدع العالم على غير مثال سابق وخلق الخلق ، وأخلق ما خلق
    ________________________________________
    أنزل الأرواح إلى الأشباح أمنا ، وجعل هذه الأشباح المنزلة إليها الأرواح في الأرض خلقا ، وسخر لها ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه ، فلا تتحرك ذرة إلا عنه ، خلق الكل من غير حاجة إليهم له ، ولا موجب أوجب ذلك عليه ، لكن علمه بذلك سبق ، فلا بد أن يخلق ما خلق . فهو (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(3)) ، أحاط بكل شئ علما ، وأحصى كل شئ عدداً ، يعلم السر وأخفى ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور كيف لا يعلم شيئا خلقه؟،
    " أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ "
    علم الأشياء قبل وجودها ثم أوجدها على حد ما علمها ، فلم يزل عالما بالأشياء لم يتجدد له علم عند تجرد الأشياء ، أتقن الأشياء وأحكمها بعلمه ، يعلم الكليات والجزئيات على الإطلاق ، فهو عالم الغيب والشهادة فتعالي عما يشركون ، فعال لما يريد فهو مريد للكائنات في عالم الأرض والسموات ، لم تتعلق قدرته تعالى بإيجاد شئ حتى أراده ، كما أنه سبحانه ما أوجده حتى علمه ، إذ يستحيل أن يريد سبحانه وتعالى ما لم يعلم ، أو يفعل المختار من ذلك الفعل ما لا يريده ، كما يستحيل أن توجد هذه الحقائق من غير حي ، كما يستحيل أن تقوم الصفات بغير ذات موصوفة بها .
    ________________________________________
    فما في الوجود طاعة ولا عصيان ، ولا ربح ولا خسران ، ولا عبد ولا حر ، ولا برد ولا حر ، ولا حياة ولا موت ، ولا حصول ولا فوت ، ولا نهار ولا ليل ، ولا اعتدال ولا ميل ، ولا بر ولا بحر ، ولا شفع ولا وتر ، ولا جوهر ولا عرض ، ولا صحة ولا مرض ، ولا فرح ولا ترح ، ولا روح ولا شبح ، ولا ظلمه ولا ضياء ، ولا أرض ولا سماء ، ولا تركيب ولا تحليل ، ولا كثير ولا قليل ولا غداة ولا أصيل ، ولا بياض ولا سواد ، ولا سهاد ولا رقاد ، ولا ظاهر ولا باطن ، ولا متحرك ولا ساكن ، ولا رطب ولا يابس ، ولا قشر ولا لب ، ولا شئ من جميع المتضادات المختلفة والمتماثلات ، إلا وهو مراد للحق تعالى ، وكيف لا يكون مراداً له وهو أو جده ؟ . فكيف يوجد المختار ما لا يريد ؟ . لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه ، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء ويضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن .
    لو اجتمع الخلائق كلهم على أن يريدوا شيئاً لم يرد الله تعالى لهم أن يريدوه ما أرادوه ، أو أن يفعلوا شيئاً لم يرد الله إيجاده وأرادوا ما فعلوه ولا استطاعوا ولا أقدرهم عليه ، فالكفر والإيمان والطاعة والعصيان من مشيئته وحكمته وإرادته ، ولم يزل سبحانه وتعالى موصوفاً بهذه الإرادة أزلاً والعالم معدوم ، ثم أوجد العالم من غير تفكر ولا تدبر ، بل أوجده عن العلم السابق ، وتعيين الإرادة المنزهة الأزلية القاضية على العالم بما أوجدته عليه من زمان ومكان وأكوان وألوان فلا مريد في الوجود على الحقيقة سواه إذ هو القائل سبحانه :
    " وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "
    ________________________________________
    وأنه تعالى كما علم ما خلق ، وأراد فخص ، وقدر فأوجد ، كذلك سمع ورأى ما تحرك وسكن ، ونطق في الورى ،من العالم الأسفل والأعلى ولا يحجب سمعه البعد ، فهو القريب ، ولا يحد بصره القرب ، فهو البعيد ، يسمع كلام النفس في النفس ، وصوت المماسة الخفية عند اللمس ، يرى السواد في الظلماء والماء في الماء ، لا يحجبه الامتزاج ، ولا الظلمات ، ولا النور وهو السميع البصير .
    تكلم سبحانه ، لا عن صمت متقدم ولا سكوت متوهم ، بكلام قديم ازلي كسائر صفاته من علمه وإرادته وقدرته ، كلم به موسى عليه الصلاة والسلام ، سماه التنزيل والزبور والتوراة والإنجيل والقرآن ، من غير تشبيه ولا تكييف ، إذ كلامه تعالى بغير لهاة ولا لسان كما ان سمعه من غير أصمخة ولا آذان ، كما أن بصره من غير أعين ولا أجفان ، كمت أن إرادته من غير قلب ولا جنان ، كما أن علمه من غير أضطرار ولا نظر في برهان كما أن حياته من غير بخار تجويف قلب حدث عن امتزاج الاركان كما أن ذاته لا تقبل الزيادة ولا النقصان
    فسبحانه سبحانه من بعيد دان ، عظيم السلطان عميم الإحسان جسيم المتنان ، كل ما سواه فهو عن وجود فائض ، وفضله وعدله الباسط والقابض ، أكمل صنع العالم وابدعه حين أوجده واخترعه ، لا شريك له في ملكه ولا مدبر معه فيه إن أنعم فنعم العبد فذلك فضله ، وإن أبلى فعذب فذلك عدله لم يتصرف في ملك غيره فينسب إلى الجور والحيف ، ولا يتوجه عليه من سواه حكم فيتصف بالجبر لذلك والخوف ، كل ما سواه فهو تحت سلطان قهره ومتصرف عن إرادته وامره ، فهو الملهم نفوس المكلفين للتقوى والفجور ] أي لتعمل بالتقوى وتجتنب الفجور أو تقوم عليها الحجة بالعلم بما تفعل [ . فهو المتجاوز عن سيئات من شاء هنا وفي يوم النشور لا يحكم عدله في فضله ولا فضله في عدله لقدم صفاته كلها ، وتنزهها عن الحدوث .
    ________________________________________
    أخرج العالم قبضتين ، وأوجد لهم منزلتين ، فقال : هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصرف أسمائه ، فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلائه ، لو أراد سبحانه أن يكون العالم كله سعيداً لكان ، أو شقياً لما كان في ذلك من شان لكنه سبحانه لم يرد ذلك فكان كما أراد فمنهم الشقي ومنهم السعيد ، هنا وفي يوم الميعاد ، فلا سبيل إلى تبدي ما حكم عليه القدم وقد قال تعالى في حديث فرض الصلاة :" هي خمس وهي خمسون "
    قال تعالى : " مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ "
    وذلك لحقيقة عميت عنها البصائر ولم تعبر عنها عليها الأفكار ولا الضمائر إلا بوهب إلهي ووجود رحماني ، لمن أعتنى الله به من عباده ، وسبق له ذلك في حضرة إشهاده ، فعلم حين أعلم أن الألوهية أعطت هذا التقسيم ، وإنها من دقائق القديم فسبحان من لا فاعل سواه ، ولا موجود بذاته إلا إياه
    قال تعالى : " وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ "
    " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ "
    " قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ "
    وكما شهدنا لله تعالى بالوحدانية وما يستحقه من الصفات العلية ، كذلك نشهد لسيدنا ومولانا محمد (- صلى الله عليه وسلم -) بالرسالة إلى جميع الناس كافة بشيراً ونذيرا ، " وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا "
    ________________________________________
    وأنه - صلى الله عليه وسلم - بلغ جميع ما أنزل إليه من ربه وأدى أمانته ، ونصح للأمة ، وقد ثبن أنه - صلى الله عليه وسلم - ، وقف في حجة الوداع على كل من حضره من الأتباع ، فخطب وذكر وخوف وأنذر ووعد وأوعد ، وأمطر وأرعد ،وما خص بذلك التذكير أحداً دون أحد ، عن إذن الواحد الصمد ثم قال : ألا هل بلغت؟ فقالوا جميعاً : قد بلغت يا رسول الله ، فقال - صلى الله عليه وسلم - وآله : اللهم فاشهد
    ونؤمن بكل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، مما علمنا ومما لم نعلم فمما علمنا وتحققنا مما جاء به وقرر ، أن الموت عن أجل مسمى عند الله إذا جاء لا يؤخر ، فنحن مؤمنون بهذا إيماناً لا ريب فيه ولا شك ، كما آمننا وأقررنا وصدقنا أن سؤال منكر ونكير في القبر حق ، وأن عذاب القبر حق ، والبعث من القبور حق ، والعرض على الله تعالى حق والحوض حق ، والميزان حق ، وتطاير الصحف حق ، والصراط حق ، والجنة والنار حق ، وفريقاً فى الجنة وفريقاً في السعير حق ، وأن كرب ذلك اليوم على طائفة حق وطائفة أخرى لا يحزنهم الفزع الأكبر حق ، وأن شفاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم حق وأن شفاعة الأنبياء والملائكة وصالحي المؤمنين حق ، وشفاعة أرحم الراحمين حق ، فتشفع أسماؤه من الحنان والرحمة عند أسماء الجبروت والنقمة والعدل وكذلك نؤمن بأن إيمان أهل النار كفرعون وغيره غير مقبول ولا نافع ، وأن جماعة من أهل الكبائر من الموحدين يدخلون جهنم ثم يخرجون بالشفاعة حق وأن كل ما جاءت به الكتب والرسل من عند الله تعالى حق .
    ________________________________________
    كذلك نؤمن بأن التأبيد للمؤمنين في النعيم المقيم حق ، والتأبيد للكافرين والمشركين والمجرمين في النار حق ، فهذه عقيدة القوم رضي الله عنهم أجمعين . وعقيدة عليها حيينا وعليها نموت . كما هو رجاؤنا في الله عز وجل . فنسأل الله من فضله أن ينفعنا بهذا الإيمان ويثبتنا عليها عند الانتقال إلى الدار الحيوان . ويحلنا دار الكرامة والرضوان ، ويحول بيننا وبين دار( سرابيل أهل القطران) ، ويجعلنا من العصابة التي تأخذ كتبها بالإيمان ، وممن ينقلب من الحوض وهو ريان ويرجح له الميزان بالإحسان ، وثبت منه على السراط القدمان . إنه المنعم المنان آمين اللهم آمين ، اللهم آمين ( بفضل الله العظيم ورسول رحمته الكريم )
    حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ " سورة التوبة / 59
    فأمعن يا أخي النظر في هذه العقيدة فإنها عظيمة الشأن ،. وإن حفظتها عن ظهر قلب كان أولى لك فأولى ، والله يتولى هداك ، والله يرعاك ولك يتولى .
    تلك كانت (عقيدة أهل التصوف ) كما بينها الصوفي الكبير الشيخ عبد الوهاب الشعراني صاحب المؤلفات الكثيرة في علم الصوف ، وهي عندما يتدبرها المنصف يراها مطابقة تماماً بل هي نفس عقيدة السواد الأعظم ، أهل السنة والجماعة ، التي عبر عنها كل من الإمام الطحاوي والإمام حجة ـ الإسلام الغزالي ، وأخيراً الإمام عبد الله ابن علوي الحداد الحضرمي الحسيني رحمهم الله تعالى أجمعين .
    ________________________________________
    من هم الأشاعرة:
    ومن أعلام الهدى فيهم ؟!
    يتضح مما مر من اعتقاد الصوفية أنه اعتقاد الأشاعرة غالباً فمن هم الأشاعرة ؟
    يقول العلامة السيد الشيخ محمد علوي المالكي :
    يجهل كثير من أبناء المسلمين مذهب الأشاعرة ، ولا يعرفون من هم الأشاعرة ، ولا طريقتهم في أمر العقيدة ، ولا يتورع البعض أن ينسبهم إلى الضلال أو يرميهم بالمروق من الدين والإلحاد في صفات الله . وهذا الجهل بمذهب الأشاعرة سبب تمزق وحدة أهل السنة وتشتت شملهم حتى غدا البعض يسلك الأشاعرة ضمن طوائف أهل الضلال ، ولست أدرى كيف يقرن بين أهل الإيمان وأهل الضلال ؟
    وكيف يساوى بين أهل السنة وبين غلاة المعتزلة وهم الجهمية ؟
    " مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(36)أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ " سورة القلم / 35-36
    الأشاعرة هم أئمة أعلام الهدى من علماء المسلمين الذين ملأ علمهم مشارق الأرض ومغاربها ، وأطبق الناس على فضلهم ودينهم . هم جهابذة علماء أهل السنة وأعلام علمائهم الأفاضل الذين وقفوا في وجه طغيان المعتزلة أنهم طوائف المحدثين والفقهاء والمفسرين من الأئمة الأعلام :
    شيخ الإسلام أحمد بن حجر العسقلاني شيخ المحدثين بلا مراء صاحب كتاب " فتح الباري على شرح البخاري " أشعري المذهب وكتابه لا يستغنى عنه أحد من العلماء .
    شيخ علماء أهل السنة الإمام النوري صاحب " شرح صحيح مسلم " وصاحب المصنفات الشهيرة أشعري المذهب .
    شيخ المفسرين الإمام القرطبي صاحب تفسير " الجامع لأحكام القرآن " أشعري المذهب .
    شيخ الإسلام ابن حجر الهيثمي صاحب كتاب " الزواجر عن اقتراف الكبائر " أشعري المذهب .
    شيخ الفقه والحديث الإمام الحجة زكريا الأنصاري أشعري المذهب
    الإمام ابن حجر العسقلاني ـ صاحب فتح الباري على شرح البخاري .
    الإمام النسفي صاحب التفسير .
    الإمام الشربيني .
    أبو حيان التوحيدي صاحب تفسير " البحر المحيط " .
    الإمام ابن جزي صاحب " التسهيل في علوم التنزيل " ... الخ
    الإمام ابن كثير صاحب التفسير .
    الإمام الشوكاني .
    الإمام ابن عطية صاحب التفسير .
    ________________________________________
    كل هؤلاء من أئمة الأشاعرة . ولو أردنا أن نعدد هؤلاء الأعلام من المحدثين والمفسرين والفقهاء من أئمة الأشاعرة لضاق بنا الحال واحتجنا إلى مجلدات في سرد هؤلاء العلماء الأفاضل الذين ملأ علمهم مشارق الأرض ومغاربها إن من الواجب أن نرد الجميل لأصحابه وأن نعرف الفضل لأهل العلم والفضل . الذين خدموا شريعة سيد المرسلين (من العلماء الأعلام) . وأي خير يرجى فينا إن رمينا علماءنا وأسلافنا الصالحين بالزيغ والضلال ؟ وكيف يفتح الله علينا لنستفيد من علومهم إذا كنا نعتقد فيها الإنحراف والزيغ عن طريق الإسلام ؟ إنني أقول : هل يوجد بين علماء العصر من الدكاترة والعباقرة من يقوم بما قام به شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني والإمام النووي من خدمة السنة النبوية المطهرة كما فعل هذان الإمامان الجليلان تغمدهما الله بالرحمة والرضوان؟ فكيف نرميهما وسائر الأشاعرة بالضلال ونحن بحاجة إلى علوم هؤلاء ؟ وكيف نأخذ العلوم عنهم إذا كانوا على ضلال ؟ ، وقد قال الإمام الزهري رحمه الله : إن العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .
    أفما كان يكفي أن يقول المعارض : إنهم رحمهم الله اجتهدوا فأخطئوا في تأويل الصفات وكان الأولى أن لا يسلكوا هذا المسلك ، بدل أن نرميهم بالزيغ والضلال ونغضب على من عدهم من أهل السنة والجماعة ؟ . وإذا لم يكن الإمام النووي ، والعسقلاني والقرطبي والفخر الرازي والهيثمي وزكريا الأنصاري وغيرهم من جهابذة العلماء وفطاحل النبغاء إذا لم يكونوا من أهل السنة والجماعة فمن أهل السنة والجماعة إذن؟
    إنني أدعو مخلصاً كل الدعاة وكل العاملين في حقل الدعوة الإسلامية أن يتقوا الله في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبخاصة في أجلة علمائها وأخيار فقهائها ولا خير فينا إذا لم نعرف لعلمائنا قدرهم وفضلهم .
    وهذا محرر من ( مفاهيم يجب أن تصحح ) 38 ـ 40 للسيد محمد علوى المالكي ) وغيره من المراجع الموثقة .
    ________________________________________
    أما الإمام محيي الدين النووي المتوفى سنة 676 هـ فيقول في رسالته ( المقاصد السبعة في أصول طريق التصوف ) :
    وهي خمس . تقوى الله في السر والعلانية . واتباع السنة في الأقوال والأفعال . والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار . والرضا عن الله تعالى في القليل والكثير . والرجوع إلى الله في السراء والضراء .
    ( فتحقيق التقوى ) بالورع ، والاستقامة . وتحقيق السنة بالتحفظ ، وحسن الخلق . ( وتحقيق الإعراض ) بالصبر ، والتوكل . ( وتحقيق الرضا ) عن الله بالقناعة والتفويض . ( وتحقيق الرجوع إلى الله تعالى ) بالشكر له في السراء ، واللجوء إليه في الضراء .( وأصول ذلك خمسة ) علو الهمة، وحفظ الحرمة ، وحسن الخدمة ونفوذ العزيمة ، وتعظيم النعمة .
    ( فمن علت همته ) ارتفعت رتبته . ومن حفظ حرمة الله حفظ الله حرمته . ومن حسنت خدمته وجبت كرامته : ومن نفذت عزيمته دامت هدايته ، ومن عظم النعمة شكرها . ومن شكرها استوجب المزيد .
    ( وأصول المعاملات خمسة ) طلب العلم ، للقيام بالأمر . وصحبة المشائخ والأخوان للتبصر . وترك الرخص والتأويلات . للتحفظ . وضبط الأوقات بالأوراد ، للحضور . وأتهام النفس في كل شئ . للخروج عن الهوى . والسلامة من العطب .
    ( فطلب العلم ) آفته صحبة الأحداث سناً وعقلاً وديناً مما لا يرجع إلى أصل ولا قاعدة ، وآفة الصحبة الأغترار والفضول . وآفة ترك الرخص والتأويلات الشفقة على النفس : وآفة اتهام النفس الأنس بحسن أحوالها وأستقامتها : وقد قال الله تعالى وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا سورة الانعام / 70
    ( وأصول ما تداوى به علل النفس ) خمسة : تخفيف المعدة بقلة الطعام والشراب واللجأ إلى الله مما يعرض عند عروضه ، والفرار من مواقف ما يخشى الوقوع فيه ، ودوام الاستغفار مع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بأجتماع الخاطر ، وصحبة من يدلك على الله تعالى .
    ________________________________________
    أقوال بعض كبار العلماء في التصوف والصوفية:
    قال الشيخ ( عبد القاهر البغدادي ) : قد أشتمل كتاب تاريخ الصوفية لأبى عبد الرحمن السلمي على زهاء ألف شيخ من الصوفيه ما فيهم واحد من أهل الأهواء .
    وقال ( أحمد بن زروق ) حد التصوف ورسم وفصل بوجوه تبلغ نحو ألفين ترجع كلها لصدق التوجه إلى الله تعالى ، وإنما هي وجوه فيه ( والله أعلم ) وصدق التوجه مشروط بكونه من حيث يرضاه الحق تعالى ، ولا يصح مشروط بدون شرط ـ
    "وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُم " فلزم تحقيق الإيمان
    فلزم العمل بالإسلام فلا تصوف إلا بفقه ، إذ لا تعرف أحكام الله الظاهرة إلا منه ، ولا فقه إلا بتصوف ، إذ لا عمل إلا بصدق التوجه إلى الله ( ومنه قول مالك رحمه الله ) : " من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق " ( محرر من إيقاظ الهمم في شرح الحكم : 5-6 ) .
    وقال الشيخ ( عبد الوهاب الشعراني ) : إن طريق القوم مشيدة بالكتاب والسنة ، ومبينة على سلوك أخلاق الأنبياء والأصفياء ، وهي لا تكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الأحكام لا غير ، وأما إذا لم تخالف فغاية الكلام أنه فهم أوتيه رجل مسلم ، فمن شاء فليعمل به ومن شاء تركه ، ومن بقى باب للإنكار إلا سواء الظن بهم ، وحملهم على الرياء وذلك لا يجوز شرعاً . فمن دقق النظر علم أنه لا يخرج شئ من علوم أهل الله تعالى عن الشريعة ، وكيف تخرج علومهم عن الشريعة ، والشريعة هي وصلتهم إلى الله عز وجل في كل لحظة ، ولكن أصل أستغراب من لا إلمام له بأهل الطريق أن علم التصوف من عين الشريعة، وكونه لم يتبحر في علم الشريعة ، وذلك قال الجنيد رحمه الله تعالى : ( علمنا هذا مشيد بالكتاب والسنة ) رداً على من توهم خروجه عنهما في ذلك الزمان أو غير .
    ________________________________________
    وقد أجمع القوم على أنه لا يصلح للتصدر في طريق الله عز وجل إلا من تبحر في علم الشريعة وعلم منطوقها ومفهومها وخاصها وعامها وناسخها ومنسوخها وتبحر في لغة العرب حتى عرف مجازاتها واستعارتها . وغير ذلك ، فكل صوفي فقي ولا عكس .
    وبالجملة فما أنكر أحوال الصوفية إلا من جهل حالهم . وقال القشيري : لم يكن عصر في مدة الإسلام وفي شيخ من هذه الطائفة إلا وأئمة ذلك الوقت من العلماء قد أستسلموا لذلك الشيخ وتواضعوا معه وتباركوا به ولولا مزية وخصوصية القوم لكان الأمر بالعكس ( أنتهى ) (محرر من الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار :
    1 - 4 للشعراني ) .
    وقال الشيخ ( محمد أمين الكردي النقشبندي ) :
    فحدالتصوف هو علم يعرف به أحوال النفس محمودها ومذمومها وكيفية تطهيرها من المذموم منها وتحليتها بالاتصاف بمحمودها ، وكيفية السلوك والسير إلى الله تعالى والفرار إليه .
    " فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ " الذاريات / 50
    وثمرته تهذيب القلوب بمعرفة علام الغيوب ذوقاً ووجداناً ، والنجاة في الآخرة ، والفوز برضا الله تعالى ، ونيل السعادة الأبدية ، وتنوير القلب وصفاؤه بحيث تتكشف له أمور جليلة ، ويشهد أحوالاً عجيبة ، ويعاين ما عميت عنه بصيرة غيره ( محرر من تنوير القلوب في معاملة علام الغيوم 406 ) .
    ________________________________________
    رأي الصوفية في الاتحاد والحلول
    ( استحالة الحلول والاتحاد )
    أ - الحلول :
    يقول ( الإمام الغزالي ) : المفهوم من الحلول أمران أحدهما النسبة التي بين الجسم وبين مكانه الذي يكون فيه وذلك لا يكون إلا بين جسمين فالبريء عن معنى الجسمية يستحيل في حقه ذلك ، والثاني النسبة التي بين العرض والجوهر فإن العرض يكون قوامه بالجوهر فقد يعبر عنه بأنه حال فيه وذلك محال على كل ما قوامه بنفسه فدع عنك ذكر الرب تعالى في هذا المعرض فإن كا ما قوامه بنفسه يستحيل أن يحل فيما قوامه بغيره ، إلا بطريق المجاورة الواقعة بين الأجسام فلا يتصور الحلول بين عبدين فكيف يتصور بين العبد والرب تعالى .
    ب ـ الأتحاد :
    وأما الاتحاد فذلك أيضاً أظهر بطلاناً لأن قول القائل أن العبد صار هو الرب كلام متناقض في نفسه ، بل ينبغي تنزه الرب سبحانه عن أن يجري إنسان في حقه بأمثال هذه المحاولات ويقول قولاً مطلقاً ، إن قول القائل أن شيئاً صار شيئاً آخر محال على الإطلاق لأننا نقول إذا عقل زيد وحده ثم قيل أن زيداً صار عمراً واتحد به فلا يخلو عند الاتحاد إما أن يكون كلاهما موجودين أو كلاهما معدومين أو زيداً موجوداً وعمرو معدوماً أو بالعكس ولا يمكن قسم وراء هذه الاربعة .
    فإن كانا موجودين فلم يصر أحدهما عين الآخر . بل عين كل واحد منهما موجود وإنما الغاية أن يتحد مكانهما وذلك لا يوجب الاتحاد ، فإن العلم والإرادة والقدرة قد تجتمع في ذات واحدة ولا يتباين محلها ولا تكون القدرة هي العلم والإرادة ولا يكون قد اتحدا بعضهما بالبعض . وإن كانا معدومين فما اتحدا بل عدما ولعل الحادث شئ . وإن كان أحدهما معدوماً والآخر موجوداً فلا اتحاد إذ لا يتحد موجود بمعدوم ، فالأتحاد بين الشيئين مطلقاً محال وهذا جار في الذوات المتماثلة فضلاً عن المختلفة " فالقول في حق الله بذلك ضلال وغفلة .
    يقول السيد أحمد الرفاعي إمام الطريقة الرفاعية في كتابه ( البرهان المؤيد ) :
    ________________________________________
    * الطريق واضح : صلاة وصوم وحج وزكاة والتوحيد والشهادة برسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول الأركان واجتناب المحرمات .
    * ويقول الفقير ـ أي الصوفي ـ على الطريق مادام على السنة ، فمتى حاد عنها زل عن الطريق .
    * كونوا مع الشرع في آدابكم كلها ظاهراً وباطناً . فإن من كان مع الشرع ظاهراً وباطناً كان الله حظه ونصيبه ، ومن كان الله حظه ونصيبه كان من أهل مقعد صدق عند مليك مقتدر .
    * ويقول الحارس (المحاسبي ) وأبو يزيد ( البسطامي ) ـ وهما من كبار الصوفية :- ( الشرع لا ينقص ولا يزيد ) ويقول الإمام الرفاعي ( في البرهان المؤيد ) : قال ابن أدهم قال : وأبو يزيد لا ينقص ولا يزيد وقال : الشافعي ومالك يهدي لأنجح الطرق وأقرب المسالك . شيدوا دعائم الشريعة بالعلم والعمل ، وبعدها ارفعوا الهمة للغوامض من أحكام العلم والعمل ) .
    * وقال الإمام الرفاعي : والله ـ يا هذا، ما ثم اتصال ولا انفصال، ولا حول ولا أنتقال ، ولا حركة ولا زوال ) .
    * ويقول نافياً للوحدة والاتحاد والحلول : اتبع ولا تبتدع .. كل حقيقة خالفت الشريعة فهي زندقة .
    ويقول الشيخ محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمدية في كتابه ( فقه الصلوات والمدائح النبوية ) وهو من كبار الصوفية المعاصرين :
    العقائد المنحرفة :
    ونقرر بهذا أننا نبرأ إلى الله تعالى من القول : باتحاد العبد بالرب بمعنى حلول الرب في العبد ، أو فناء العبد في الرب ، ونبرأ إليه من القول بوحدة الوجود التي تجعل الكون هو الله والله هو الكون ، ونبرأ إليه من القول : بالحقيقة المحمدية بمعنى أن محمداً هو الله ، أو هو الكون ، فالأمر منه وإليه ونبرأ إلى الله من القول بمخالفة الشريعة للحقيقة ، ومن كل فكر أو قول أو عمل ، يخالف ظاهر الشرع الشريف ، ونستغفر الله ونتوب إليه .
    ________________________________________
    الشيخ الصوفي وشروط المشيخة:
    قال الشيخ ( أحمد بن زروق ) :
    وشروط الشيخ الذي يلقى إليه المريد نفسه وقيادة خمسة : علم صحيح ، وذوق صريح ، وهمة عالية ، وحالة مرضية ، وبصيرة نافذة .
    ومن فيه خصال من خمس خصال لا تصح مشيخته وهي :
    الجهل بالدين ، وإسقاط حرمة المسلمين ، ودخول فيما لا يعنيه ، واتباع الهوى في كل شئ ، وسؤ الخلق من غير مبالاة .
    وإن لم يكن شيخ مرشداً أو إن وجد ناقصاً عن الشروط الخمسة ، أعتمد على ما كمل فيه وعومل بالأخوة في الباقي ( محرر من كتاب قوانين حكم الإشراق إلى كافة الصوفية في جميع الآفاق ) .
    وقال الإمام السيد أحمد الرفاعي في ( البرهان المؤيد ) صـ43،4:
    ( عليكم بنا : صحبتنا ترياق مجرب البعد عنا سم قاتل . أي محبوبي: تزعم أنك أكتفيت عنا بعلمك . ما الفائدة من علم بلا عمل . ما الفائدة من عمل بلا إخلاص . الإخلاص على حافة طريق الخطر . من ينهض بك إلى العمل ، من يداويك من سم الرياء ، من يدلك على الطريق القويم ، بعد الإخلاص ) فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ( هكذا أنبأنا العليم الخبير، وقال أيضاً : ( لازم أبوابنا أيها المحبوب فإن كل درجة وآونة تمضي لك في أبوابنا درجة وإنابة إلى الله تعالى ، فقد صحت إنابتنا إلى الله .
    قال تعالى : " وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ " سورة لقمان /15 انتهى
    ________________________________________
    ثم إن كلا من الصاحب والمصحوب . إما أن يكون شيخاً وإما أن يكون أخاً ، وإما أن يكون مريداً . فإن كان شيخاً فينبغي أن يكون مرشداً كاملاً متشرعاً متديناً عارفاً في أصول الطريقة وأركانها وآدابها وخلواتها وجلواتها وأذكارها وأسرارها وسلوكها مطابقاً للشرع الشريق في أقواله وأفعاله وأحواله . عارياً من الكبر ، والعجب ، والحقد والحسد لمشايخ القوم . والكذب . خالياً من دسائس النفس متواضعاً ذا حرمة للفقراء . والمشايخ والغرباء ، طلق اللسان في تعريف السلوك ، يراعي المسائل في الجواب ، مهذب الأخلاق ، صاحب قلب ولسان ثابت قدم ، متسللاً بإجازة مربوطة واصلة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله .
    وقال سيدي السيد أحمد عز الدين الصياد الرفاعي :
    (( اعلم من تصدر للمشيخة في هذه الطريقة العلية الرفاعية فقد جلس على بساط النيابة عن شيخ الأمة سيدنا السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنه . فيجب عليه أن يكون عالماً بما أمره الله ونهاه عنه ، فقيهاً في الأمور التعبدية ، حسن الأخلاق طاهر العقيدة ، عارفاً بأحكام الطريقة سالكاً مسلكاً كاملاً شيخاً زاهداً متواضعاً حمولاً للأثقال ، صاحب وجد وحال وصدق مقال ، ذا فراسة وطلاقة لسان في تعريف أحكام الطريقة ، متبرئاً من عوائق الشطح ، طارحاً ربقة الدعوى والعلو ، محباً لشيخه حافظاً شأن حرمته في حياته وبعد وفاته يدور مع الحق أين دار ، منصفاً في أقواله وأفعاله ، متكلاً على الله في جميع أحواله .
    ________________________________________
    وذكر شيخنا السيد محمد أبو الهدى الصيادي الرفاعي في كتابه ( العقد النضيض : في آداب الشيخ والمريد ) ، فقال : وينبغي أن يتصف الشيخ المسلك باثنتي عشرة صفة : صفتان من حضرة الله
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty رد: الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 05, 2012 1:12 pm

    نعالى وهما الحلم والستر . وصفتان من حضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وهما الرأفة والرحمة ، وصفتان من حضرة الصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه وهما الصدق والتصديق وصفتان من حضرة الفاروق الأعظم رضي الله تعالى عنه وهما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وصفتان من حضرة عثمان ذي النورين رضي الله تعالى عنه ، وهما الحياء والتسليم . وصفتان من حضرة الكرار رضي الله تعالى عنه وهما الزهد الأتم والشجاعة ومتى أتصف الشيخ بهذه الأوصاف وتمكن قدمه ، وزكت شيمه ، صلح أن يكون قدوة في الطريق أ . هـ
    وقد نقل نحو ذلك أيضاً عن حضرة السيد الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله سره ومن كلامه رضي الله عنه في وصف الشيخ المرشد . هذه الأبيات الشريفات :
    إذا لم يكن للشيخ خمس فوائد .0. وإلا فدجال يقود إلى الجهل
    عليم بأحكام الشريعة ظاهراً .0. ويبحث عن علم الحقيقة عن أصل
    ويظهر للوراد بالبشر والقرى .0. ويخضع للمسكين بالقول والفعل
    فهذا هو الشيخ المعظم قدره .0. عليم بأحكام الحرام من الحل
    يهذب طلاب الطريقة ونفسه .0. مهذبة من قبل ذو كرم كلي
    وإن كان الصاحب أو المصحوب أخاً فينبغي أن يكون خادماً لإخوانه . واقفاً على رؤسهم بإنشراح صدر بفرح وسرور متلذذاً بخدمتهم . باذلاً جهده في رضاهم . فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله : ( الخادم في أمان الله مادام في خدمة أخيه المؤمن ) وقال : ( والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله " خادم القوم أعظمهم أجراً " رواه الديلمي .
    أما شيوخ الطريقة الرفاعية فيقولون :-
    ________________________________________
    أول آداب الطريقة الرفاعية الصحبة ، وهي خدمة المرشد وذلك لتتطيع طباع المريد على طباع المرشد فتتبدل أخلاقه وطباعه ، من سؤ الخلق إلى حسن الخلق ، ومن الغضب إلى الحلم ، ومن البخل إلى السخاء ، ومن الكبر إلى التواضع ومن الجفاء والغلظة إلى الوفاء والبشاشة ، ومن الغدر والضرر إلى النفع والبر ومن الدعوى إلى الوقوف عند الحد ، ومن الشطح إلى الأدب ، ومن الخوض بالأقاويل الكاذبة المكفرة التي أعتادها جماعة من أهل الزيغ كالقول بالوحدة المطلقة وكنسبة تأثير الفعل إلى المخلوق وغير ذلك إلى الخضوع والانقهار تحت مرتبة العبدية ورد الآثار إلى المؤثر الحقيقي وهو الله تعالى .
    ________________________________________
    وليخرج المريد من ورطة الكسل إلى ساحة النشاط بالعمل ، وتجنب الزلل وليكون متجرداً عن غرض نفسه ، ومرض طبعه لا يريد فساداً في الأرض ، ولا علواً عاملاً بكتاب الله ، مقتفياً آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، دائراً مع الحق حيث دار ، معمداً على الله متكلاً عليه ، منصرفاً عن الأغيار ، ناشراً لواء العزم ، شاداً مؤزر العزيمة ، قريباً من أهل الحق ، بعيداً عن أهل الباطل ، خاضعاً خاشعاً ، لا يرى لنفسه على غيره مزية ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، محباً للعلماء معرضاً عن السفهاء ، غير متعزز في الطريق ، لا طائشاً ولا فاحشاً ، غيوراً في دين الله لا ينحرف عن الحق اتباعاً لهوى النفس يترقب من طرفة العين الموت ، ويستحي في كل أاحواله وأفعاله من الله سبحانه ، يعظم أشياخه ، ويعرفمنزلتهم ولا ينجح إلى غيرهم ، ويحب القوم ويكثر الأدب مع أاولياء الله جميعاً ، ويحد المراتب ، ولا يغل في دين الله ، وينصرف عن الأغيار ثقة بالله ، ويحب لله ، يستمد من مدد الله بواسطة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، ويجعل أشياخه وسائط لرسول الله ، عليه أفضل صلوات الله ، ويتخذ الصدق والجد وقوة الحزم والعزم بضاعة في طريق الله مع سلامة الصدر ، وطهارة النية وهي أصل عظيم في طريقة شيخنا ووسيلتنا إلى الله تعالى السيد أحمد الكبير الرفاعي رضي الله عنه كيف لا ؟ وطريقته طريقة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وآله ، وأخلاقه ، وإن من طريقته عدم القول بتأثير المخلوقين ، ورد الأمر في كل الأمور لله رب العالمين ، وصدق الله العظيم
    " لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ " الروم /4-5 . انتهى
    ________________________________________
    وقال الإمام الشيخ عبد الكريم بن محمد الرافعي في كتابه سواد العينين : أخبرني الشيخ العارف أبو زكريا جمال الدين الحمصي : أن شيخه العارف بالله الحجة القدوة الإمام عز الدين أحمد الصياد سبط القطب الغوث أبي العباس السيد أحمد الرفاعي رضي الله عنهم أخبره أن جده سيدنا السيد أحمد الكبير قال على كرسي وعظه في ( أم عبيدة ) : قد آن أوان زوال هذه المجالس : أفلا يخبر الحاضر الغائب : من أبتدع في الطرق وأحدث في الدين وقال بالوحدة ، وكذب متعالياً على الخلق وشطح متكلفاً ، وتفكه فيما نقل عن القوم من الكلمات المجهولة لدينا وتطاول كاذباً ، وخلا بإمرأة أجنبية بلا حجة شرعية ، وطمح نظره لأعراض المسلمين وأموالهم ، وفرق بين الأولياء بعضهم عن بعض بلا وجه شرعي . وأعان ظالماً ، وخذل مظلوماً، وكذب صادقاً، وصدق كاذباً ، وعمل بأعمال السفهاء ، وقال بأقوالهم فليس مني فأنا بريء منه في الدنيا والآخرة ، وسيدي الشيخ منصور بريء منه والنبي عليه أفضل صلوات الله وسلامه بريء منه والله على ما نقول وكيل .
    ________________________________________
    فما المقصود من اتخاذ شيخ وطريق ؟
    يقول الشيخ محمد الهاشمي الشاذلي ( وأما إذا كانت الطريق طريق تبرك ، والشيخ ينقصه بعض شروط الإرشاد ، أو تعدد مطلوب المريد ، أو خالفت نية المريد همة الشيخ وتعدد الزمان أو فارق شيخه بموت أو غيره من حوادث الزمان ، وكان لم يتمم سيره إلى الله في الطريق ، ولم يحصل مقصودة من الطريق على يده ، فيجب عليه أن يواصل مطلوبة من الطريق ، ولا يجوز أن يبقى مربوطاً بالأول طول عمره ، وإلا أدى ذلك إلى موته جاهلاً بربه ويظن أن هذا هو المقصود من الطريق . كلا فإن المقصود من الطريق الوصول إلى المطلوب الأعظم ـ عز وجل ـ فطريق بلا وصول وسيلة بلا غاية ، والطريق جعلت للسير فيها بقصد الوصول إلى مطلبه لا للمكث والإقامة فيها وإلا أدى ذلك إلى موته جاهلاً بربه . والمراد بالمريد الحقيقي : هو الذي سلم نفسه مباشرة بالفعل للشيخ المرشد الحي في أيام السير إلى الله تعالى ليسلك به الطريق إلى أن يقول له : ها أنت وربك ( نقل من كتاب الحل السديد لما استشكله المريد 6-7)
    ________________________________________
    موقف ورأي الأئمة الأربعة
    ( رضوان الله تعالى عليهم )
    في التصوف والصوفية
    رأي الأئمة الأربعة في التصوف والصوفية:
    وخلافاً لما يكتب ويقال عن موقف الأئمة الأربعة رضوان الله تعالى عليهم من التصوف والصوفية ، أثبت العارف بالله تعالى الشيخ أحمد العلوي المستغانمي في كتاب ( رسالة الناصر معروف في الذب عن التصوف) محبتهم لهم واعتقادهم فيهم ، فقال : ( أما جمهور الأئمة وأكابر الملة فجميعهم مطبقون على أن التصوف هو زبدة الدين والغاية القصوى من سنن الموحدين ، وكفاه فضلاً أنه عبارة عن السير في ( مقام الإحسان) الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة المصرح بها في حديث جبريل عليه السلام ) .
    وقال ( وماذا عسى تقوله الأئمة ومن لهم اطلاع على أحوال قوم وهبوا أنفسهم لله وبذلوا جهده في طاعة الله ، وأسسوا قوائم مجدهم على تقوى من الله إلى أن عرفوا بين الخصوص والعموم بأنهم أهل الله وخاصته من خلقه ، دانو إلى الله بخالص التوجه فدانت لهم العباد وأشرقت بأنوار هداهم النواحي والبلاد ) أ.هـ
    وهأنذا أذكر لكم ما صح نقله عن المجتهدين وأئمة الدين وغيرهم من الكتاب المطلعين من جهة ما يرجع للتصوف واحترام أهله من عهد التابعين إلى يومنا هذا ، وبذلك تدركون كون مذهب الصوفية مجمعاً على إعظامه واحترامه بين سائر طبقات الأمة إلا منشذ والنادر لا حكم له .
    ونبدأ بمرجع عظيم للكل ـ في التصوف ـ ونعني به الإمام الحسن البصري ـ ثم نستفيض منه إلي الأئمة الأربعة وأتباعهم وكرام أهل البيت وأصفياء الله لنبين آرائهم ومواقفهم من الصوفية والتصوف ـ رضوان الله عليهم أجمعين .
    رأي الإمام الحسن البصري:
    من ذلك ما جاء عن الحسن البصري رضي الله عنه الذي اتفق أكثر المحققين من مؤرخي الإسلام علي أنه أول من فتح الكلام في مذهب التصوف ، وأول متصدر لنشر تعليمه بالخصوص ، وهذا مما علم بالتواتر بين علماء السنة . قال العالمة ابن الحاج في جزئه الثاني من مدخله ما نصه :
    ________________________________________
    إن الحسن البصري رضي الله عنه هو أول من فتح الكلام في طرق القوم ، وهو رضيع إحدى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله . وهي أم سلمة رضي الله عنها , وقد قيل : إن المذهب كانت تعرف رجله باسم المتصوفة من عهده ، وكان الحسن يجل ويحترم المنتمين لذلك الجناب ، ويشهد لهذا ما أخرجه أبو نصر عبد الله ابن علي الطوسي المتوفى سنة 378 هـ في كتاب ( اللمع ) قال حاكياً عن الحسن البصري رضي الله عنه إني رأيت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه ، وقال معي أربعة داونق فيكفيني ما معي ، وكان الحسن يذكر ذلك علي سبيل الإعجاب بحال ذلك الصوفي . وأظنك أيها الأخ لا تجهل مكانة الحسن البصري في الإسلام ومنزلته بين التابعين ، وهذا النقل كما أنه جاء عن الطوسي جاء عن التجيبي أيضا نقله عن ( سيدي ابن عجيبة ) في شرحه ( المباحث الأصلية ) ، مما يشهد أيضا لعظمة المتصوفة والتصوف في نظر السلف ما يروي عن ( سيفان الثوري ) وهو من عظماء أئمة القرن الثاني ومجتهديهم قولة لولا ( أبو هشام ) الصوفي ما عرفنا دقيق الرياء . ومن ذلك ما ذكره عنه ( أبن القيم الجوزيه ) في شرحه علي منازل السائرين أنه كان يقول : أعز الخلق خمسة انفس " عالم زاهد وفقيه صوفي وغني متواضع وفقير شاكر وشريف سني " .
    ________________________________________
    رأي الإمام مالك:
    فتأمل يرحمك الله قوله لولا ( أبو هشام الصوفي ) ما عرفت الرياء وهذا صريح في أخذه عن المتصوفة واحترامه لجنابهم ثم تأمل قول ( الإمام مالك ) في غير ما كتاب : " من تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق " , ومن جمع بينهما فقد تحقق ، نقله عنه ( التتائي في شرحه علي مقدمه ابن رشد ) , وكذلك ( الشيخ زروق ) ففي القاعدة الرابعة من قواعده قال : ونحن حيث تلقينا هاته القولة عن الإمام مالك من أوثق المصادر , اتضح عندنا يقيناً انه رحمه الله كان صوفياً ، لا محباً للصوفية فقد وإلا لزمه تسلط الحكم عليه , المستفاد من صريح قوله ( ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ) برأه الله من ذلك . وهذه الصراحة من الإمام كافيه في إعظامه لمذهب التصوف بدون الفقه باطل , وخلاصه القول : أن الإمام مالكاً رضي الله عنه كان جامعاً بين التصوف والفقه . وهذا لا يستبعد من مقام الإمام ما دام التصوف عبارة عن صدق التوجه إلى الله عز وجل . نعم قد يقول القائل فلماذا لم يظهر عن الإمام نظير ما ظهر علي غيره من المنتمين للتصوف ( كالحارث المحاسبي ) في ذلك العصر وطبقته ؟ والجواب أن عذر الإمام ( أي الإمام مالك رضي الله عنه) في ذلك : هو تفرغه وقيامه بما دعت إليه الضرورة من لزوم حفظ القواعد الفقهية وضبط النقول الشرعية خصوصا وهو يري من نفسه الكفاءة لأمر الذي لم يتوافر لغيره غالباُ , وكل ذلك لا يمنع أن يختص الإمام في خاصته وحد ذاته بما اختص به غيره من خاصة المتصوفة بان تكون له المشاركة في علمهم ودقائق أسرارهم التي أمروا بعدم إفشائها لغير أهلها , وقد أثبت ذلك لنفسه حسبما نقله عنه ( أبو إسحاق الشاطبى ) في الجزء الرابع صحيفة 361 من كتاب ( الموافقات ) قال : " واخبر المالك عنه نفسه انه عنده أحاديث وعلوم ما تكلم فيها ولا حدث بها " وقد ذكر الشيخ سحنون في تعليقه على الموطأ نقلاً عن القاضي عياض .
    ________________________________________
    قال :" وبلغ شيوخ الإمام مالك تسعمائة شيخ : ثلاثمائة من التابعين , وستمائة من تابعهم ممن اختارهم لدينه وفقه وتيقظه , ولزم ( ابن هرمز ) كما في المدرج ثلاثة عشر سنة , ويروي ست عشرة سنة من الصباح إلي الزوال في علم قال مالك لم أبثه لأحد من الناس " . انتهي بلفظة .
    وعليه فهل تري أيها الأخ إن هذا العلم المخبر عنه هو من مدخول الفقه , فما أظن إذ لو كان كذلك لما ساخ له كتمانه حيث إن الفقه في الدين يشترك في لزوم معرفته جميع المكلفين ويجل عن كتمانه العلماء الأعلام لما في طيه وكتمانه من التعرض لنقمة الله لحديث ( من كتم علماً علمه الله إياه ألجمه الله بلجام من النار يوم القيامة ) ، ولكنك تستبعد أن يكون للإمام مالك من العلوم الموروثة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله ، غير ما دونه للعموم ، وهذا الأستبعاد إنما يتصور مع عدم الإطلاع على ما أشتملت عليه دفاتر السنة من النصوص المثبتة لنظير ذلك وإليكم ما أخرجه البخاري رضي الله عنه :
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( حفظت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وعاءين من العلم أما أحدهما فقد بثثته فيكم وأما الآخر فلو بثثته فيكم لقطعتم مني هذا البلعوم ) . ولا شك أن هذا صريح في تأييد ما أخرجه الشاطبي وغيره عن الإمام مالك ، وليس هذا الخبر مما ينفرد به أبو هريرة رضي الله عنه ، ولا مما ينفرد بنقله البخاري أيضاً فإن المطلع لا تستعصي عليه النقول الصحيحة التي يستشهد بها في هذا الباب من أقوال السلف ، وهذا ملخص للإمام من جهة علاقته بالتصوف .
    كما يشهد لذلك ما أخرجه الشعراني في ( اليواقيت والجواهر ) ، وغيره من الحفاظ عن ( ابن عباس رضي الله عنهما ) : لو قلت لكم ما أعلم من تفصيل قوله تعالى :
    "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُن"َّ لرجمتموني ، أو لقلتم إني كافر
    ________________________________________
    ويترجم عن ذلك أيضاً ما يروى عن ( الإمام علي زين العابدين بن الحسين ) رضي الله عنهما حيث يقول :
    يارب جوهر علم لو أبوح به لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
    ولاستحل رجال مسلمون دمي يرون أقبح ما يأتونه حسنا
    إني لأكتم من علمي جواهره كي لا يرى ذاك ذو جهل فيفتتنا
    وقد تقدم في هذا أبو حسن إلى الحسين وأوصى قبله الحسنا
    وقد ذكره الإمام الغزالي في ( منهاج العابدين ) قلت : " وكل ما ورد في هذا الباب هو مصداق ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله أنه قال " إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلى العلماء بالله فإذا نطقوا به أنكره أهل الغرة بالله " .
    موقف الإمام أبي حنيفة:
    أما ما ينقل عن ( الإمام أبي حنيفة النعمان ) رضي الله عنه في التصوف فليس هو بأقل من ذلك . ذكر ( صاحب النصرة النبوية ) وهكذا صاحب كتاب ( أهل الفتوحات والأذواق ) أن الإمام رحمه الله ـ كان محباً للصوفية محترماً لمكانتهم ولربما يوجد له من التساهل معهم ما لم يوجد لغيره من الأئمة . وكما ذكر : أنه سئل عما يفعله الصوفية في الحضرة وما يتظاهرون به . أهم صادقون في ذلك ؟
    فأجاب " إن لله رجالاً يدخلون الجنة بدفوفهم ومزاميرهم " ، وما قال هذا رضي الله عنه إلا سداً لذريعة الاعتراض على المنتسبين إلى الله والله أعلم .
    لولا تفهم أيها الأخ أن غايتنا في إثبات هذا النقل الانتصار لشبه الدفوف والمزامير وما يفعله بعض الملتصقين بالقوم إنما الغرض هو أن نذكر لك كيف كان تساهل الإمام مع المنتسبين للتصوف ولو مع ارتكابهم لبعض المشتبهات ، وهذا ما يخص أبا حنيفة رضي الله عنه باختصار .
    ________________________________________
    موقف الإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل:
    وأما ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه فيزيد على ذلك بكثيرحسبما نقل عنه في غير ما كتب وممن تتبع ذلك الإمام الشعراني في غالب كتبه فقال نقلاً عن الإمام : استفدت من مجالستهم أمرين لم أستفدهما من مشايخ العلم : قولهم : الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ، وقولهم أشغل نفسك بالخير فإن لم تشغلها بالخير شغلتك بضده . ذكره النووي في ( شرح المهذب ) وقال الشعراني : كثياً ما كان الشافعي يوصي ( الإمام أحمد ) باحترامهم ومجالستهم أيضاً ويشهد لذلك ما جاء في كتاب ( جامع مجالس الصوفية ) " وكانا يحضران معهم في مجالس ذكرهم فقيل لهما ما لكما تترددان إل مثل هؤلاء ؟ فقالا لهم : إن هؤلاء عندهم رأس الأمر كله ، وهو تقوى الله ومحبته " . وكان الشعراني يقول : كفى مدحاً إذعان الإمام الشافعي ( لشيبان الراعي ) وكان لذلك قصة معروفة ، وكذلك ذكر الشعراني إذعان الإمام أحمد له بعد ما ذكر عدة حكايات جرت بينهما في مسائل علمية فلتراجعوا تلك المظان إن كانت لكم سعة من الوقت وطلبتم سعة من العلم والوضوح .
    وبالجملة إن إذعان أئمة الاجتهاد لرجال التصوفكان مشتهراً في ذلك العصر وعلى الأخص منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
    وقد ذكر الشيخ المختار الكنتي في كتابه ( جزوة الأنوار ) أن الإمام الشافعي كان كثير الإلتجاء للاولياء ، متفانياً في حبهم ، وكان يقول هم أصلي وفصلي وإليهم يحن قلبي إلى أن رماه بعض المعتزلة بالرفض فقال مجيباً لهم :-
    قالوا ترفضت غير شك ما لرفض ديني ولا اعتقادي
    لكن توليت غير شك خير إمام وخير هاد
    إن كان حب الولي رفضاً فإنني أرفض العبادي
    وقال في حب أهل البيت نظير ذلك معلناً إجلاله لهم :-
    إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
    ________________________________________
    ومن المعلوم أن أئمة الصوفية معظهم من أهل البيت كالرفاعي والجيلاني والدسوقي والشاذلي وآل باعلوي في اليمن وسواهم وان آل البيت هم أئمة الأئمة ، وهداة الحق فيها إلى الله : من الصوفية الكرام وغيرهم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله " تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي : كتاب الله وعترتي " وفي رواية : ( تركت فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدا ، أما الثقل الأكبر : فهو كتاب الله تعالى : حبل ممدود بين السماء والأرض :طرفه بيد الله وطرفه الآخر بأيديكم ، وأما الثقل الثاني فعترتي أهل بيتي . فقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة )
    وحيث صار من المعلوم أن كبار أهل التصوف قديماً وحاضراً إنما هم الأئمة من أهل البيت ، بدءاً من إمام الأئمة الإمام جعفر الصادق ، ومن بعده الإمام الجنيد ( وكان يسمى بسيد الطائفة ) ، ثم الإمام الرفاعي فعبد القادر الجيلاني ، وكان الشيخ أبن تيمية يجله بقوله ( قدس الله تعالى سره ) إذا ذكره ويقدره ، ويستشهد بحاله من مكانةعلماء الإسلام الأجلاء ، كما يستشهد بأقواله في أستقامة أهل التصوف السني . كما يجل الإمام الجنيد سيد الطائفتين ( الفقهاء والصوفية ) ومعروف الكرخي ، والحارث المحاسبي ، والسري السقطي وغيرهم ( راجع المجلد العاشر والحادي عشر من فتاوي الشيخ ابن تيمية ) . ففيهما تفصيل واسع ، وتفضيل جليل للتصوف والصوفية ، لذلك يعتبره بعض العلماء هو والشيخ أبن القيم الجوزية من الصوفية لسيرتهما وإنصافهما منهج التصوف الحق وأهله .
    ________________________________________
    المزيد من شهادات الأئمة وأكابر العلماء والحفاظ من السلف
    وآرائهم حول التصوف:
    للعلامة المحقق الشيخ عبد القادر عيسى كتاب سماه ( حقائق عن التصوف ) نقل فيه شهادات وآراء أكابر العلماء والحفاظ حول التصوف والمتصوفة والصوفية ننقل بعضاً منها هنا تتميماً للفائدة وبغاية الأختصار والإنجاز :
    1- طريقة الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت ( توفى سنة 150 هـ ):
    نقل الفقيه الحنفي الحصفكي ( صاحب كتاب الدر المختار) : أن أبا علي الدقاق رحمه الله تعالى قال : ( أنا أخذت التصوف من الشبلي وهو من السري السقطي وهو من معروف الكرخي وهو من داود الطائي ، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه وكل منهما أثنى عليه وأقر بفضله ) .
    يقول ابن عابدين في ( حاشيته على الدر المختار ) عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى : ( وهو فارس هذا الميدان ، فإنه بنى علم الحقيقة على العلم والعمل وتصفية النفس وقد وصفه بذلك عامة السلف ) .
    وقال الأستاذ عبد القادر عيسى : ( لعلك تستغرب عندما تسمع أن الإمام الكبير أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى ، يعطي الطريقة لأمثال هؤلاء الأكابر من الأولياء والصالحين من الصوفية . فهل تأسى الفقهاء بهذا الإمام فساروا على نهجه وجمعوا بين الشريعة والحقيقة لينفع الله بعلمهم كما نفع بإمامهم الأعظم الإمام الكبير معدن التقوى والورع أبي حنيفة رحمه الله تعالى ) أ هـ .
    2- الإمام مالك بن أنس ( توفى سنة 179 هـ ) :
    يقول الإمام مالك رحمه الله تعالى :-
    ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ) .
    " نقلاً عن حاشية العلامة العدوي ، وشرح ( عين العلم ) للملا علي القاري " .
    3- الإمام الشافعي ( توفى سنة 204 هـ ) :
    ________________________________________
    ذكر الحافظ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه " تأييد الحقيقة العلية " أن الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله تعالى قال : ( صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين ، وفي رواية سوى ثلاث كلمات قولهم : الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك وقولهم : " نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل " وقولهم : ( العدم عصمة ) أي الفقر عصمة للمرء من الترف المفضي للإسراف أو الإنحراف " .
    وذكر العجلوني في ( كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما أشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس ) : أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى قال : " حبب إلى من دنياكم ثلاث : ترك التكلف ، وعشرة الخلق بالتلطف ، والإقتداء بطريق أهل التصوف " .
    4- الإمام أحمد بن حنبل ( توفى سنة 241هـ ) :
    نقل الإمام الشيخ أمين الكردي عن الإمام أحمد ـ في كتابه تنوير القلوب صـ405 إنه كان يقول لوالده عبد الله قبل مصاحبة الصوفية : " يا ولدي عليك بالحديث ، وإياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم بالصوفية ، فإنهم ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه ، فلما صحب ( أبا حمزة البغدادي الصوفي ) ، وعرف أحوال القوم أصبح يقول لولده : يا ولدي . عليك بمجالسة هؤلاء القوم ، فإنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد ، وعلو الهمة " .
    ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن (إبراهيم بن عبد الله القلانسي ) رحمه الله تعالى : أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى قال عن الصوفية : لا أعلم أقواماً أفضل منهم ... فقيل له : أنهم يستمعون ويتواجدون ... قال : دعوهم يفرحوا مع الله ساعة ، قيل : فمنهم من يموت ، ومنهم من يغشى عليه ... قال : " وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون " .
    ________________________________________
    5- عبد القاهر البغدادي ( توفى سنة 429 هـ ) :
    الإمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى صنف في مقدمة كتابه " الفرق بين الفرق " أهل السنة والجماعة إلى ثمانية أصناف فقال عن الصوفية :-
    ( والصنف السادس منهم : الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا ، وأختبروا فأعتبروا وردوا بالمقدور وقنعوا بالميسور ، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل هؤلاء مسئول عن الخير والشر ، ومحاسب على مثاقيل الذر ، فأعدوا خير الإعداد ليوم الميعاد ، وجرى كلامهم في طريقتي العبارة والإشارة على سمة أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث ( لا يعلمونه رياء ولا يتركونه حياء ) دينهم التوحيد ونفي التشبيه ، ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى والتوكل عليه والتسليم لأمره ، والقناعة لما رزقوا والإعراض عن الاعتراض عليه
    6- الإمام الغزالي ( توفى سنة 505 هـ ) :
    حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي رحمه الله تعالى قال في كتابه : " المنقذ من الضلال " :
    ( وقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ... ) أ هـ .
    7- الإمام فخر الدين الرازي ( توفى سنة 606 هـ ) :
    العلامة الكبير والمفسر الشهير الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى قال في كتابه " اعتقادات فرق المسلمين والمشركين " :
    ( والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس من العلائق الجسمانية ويجتهدون أن لا يخلوا سرهم وبالهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم منطبعون على كمال الآداب مع الله عز وجل ، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين ) أ هـ .
    8- العز بن عبد السلام ( توفى سنة 660 هـ ) :
    سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام . قال رحمه الله تعالى :
    ________________________________________
    ( قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تتهدم دنيا وآخرة وقعد غيرهم على الرسوم ) قلت : وله كتاب في التصوف عن (الإنسان) كله عن التصوف وكيف يكون الإنسان خليفة الله في أرضه. أ هـ
    9- الإمام النووي ( توفى سنة 676 هـ ) :
    الإمام محي الدين يحيى بن شرف النووي رحمه الله تعالى قال في رسالته " المقاصد " ( أصول التصوف خمسة ) :-
    1- تقوى الله في السر والعلانية .
    2- اتباع السنة في الأقوال والأفعال .
    3- الإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار .
    4- الرضى عن الله في القليل والكثير .
    5- الرجوع إلى الله في السراء والضراء أ هـ .
    10- تاج الدين السبكي ( توفى سنة 771 هـ ) :
    الإمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي رحمه الله تعالى قال في كتاب ( مفيض النعم ومبيد النقم ) تحت عنوان ( الصوفية ) بعد شرح مستفيض وحديث عن تعاريف الصوفية ( الحاصل أنهم أهل الله وخاصته ، ترتجي الرحمة بذكرهم ، ويستنزل الغيث بدعائهم ، فرضى الله عنهم وعني بهم ... ) .
    11ـ جلال الدين السيوطي ( توفي سنة 911هـ ) :
    العلامة الشهير جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي رحمه الله تعالي ، قال في كتابه " تأييد الحقيقة العلية " :
    ( إن التصوف في حقيقته علم شريف ، مداره على اتباع السنة ، وترك البدع ، والتبري من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها وإراداتها واختبارها ، والتسليم لله والرضي بقضائه وطلب محبته واحتقار ما سواه ... ) .
    12 ـ الشيخ محمد راغب الطباخ ( توفي سنة 1370 هـ ) :
    العلامة الكبير والمؤرخ المعروف الأستاذ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالي قال في كتابه " الثقافة الإسلامية " :-
    ________________________________________
    ( وقد تأملنا سيره الصوفية في القرون الأولي من الإسلام ، فوجدنا سيرة حسنة جميلة مبينه علي مكارم الأخلاق ، والزهد والعبادة ، قد قاموا في عصورهم بالواجب عليهم وإرشاد الخلق إلي الحق والدعوة إليه ، وصدهم الناس عن التكالب علي الدنيا وجمع حطامها من أي وجه كان ، أو الاسترسال في الشهوات والملذات مما يؤدي إلي الانهماك في المحرمات والغفلة عن الواجبات وما خلق الإنسان له ، وتكون نتيجة ذلك انتشار الفوضى وظهور الفساد وكثرة الهرج والمرج ) .
    وأضاف رحمه الله تعالي :
    ( وإذا تتبعنا آثار الصوفية وتراجمهم نجد أن الكثير منهم قد كان للواحد منهم أتباع يعدون بالألوف من ا لمنتسبين إلي أواصر الألفة وروابط المحبة وممن تواسوا فيما بينهم وتواصوا بالحق ، وعطف غنيهم علي فقيرهم ، ورحم كبيرهم صغيرهم ، فأصبحوا بنعمه الله إخوانا وصاروا كالجسد الواحد ، وكانوا في منتهى الطاعة والانقياد لشيخهم يقومون لقيامه ويقعدون لقعوده ، ويمتثلون أوامره ويتبادرون لأدني إشاراته .... ) .
    13 ـ أبو الحسن الندوى :
    يقول أبو الحسن . ( عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ومعتمد ندوة العلماء بالهند ) في بحث ( الصوفية في الهند وتأثيرهم في المجتمع ) من كتابه " المسلمون في الهند " : ( إن هؤلاء الصوفية كانوا يبايعون الناس علي التوحيد والإخلاص واتباع السنة والتوبة عن المعاصي وطاعة الله ورسوله ويحذرون من الفحشاء والمنكر والأخلاق السيئة والظلم والقسوة ويرغبونهم في التحلي بالأخلاق الحسنة والتخلي عن الرذائل : مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب الجاه مع تزكيه النفس وإصلاحها . ويعلموهم ذكر الله والنصح لعباده والقناعة والإيثار وعلاوة علي هذه البيعة التي كانت رمز الصلة العميقة بين الشيخ ومريديه أنهم كانوا يعظون الناس دائماً ويحاولون أن يلهبوا فيهم عاطفة الحب لله سبحانه وتعالي والحنين إلي رضاه ، ورغبة شديدة لإصلاح النفس وتغيير الحال ... ) .
    ________________________________________
    واختتم الأستاذ الندوي بحثه قائلا :
    ( لقد كانت هناك بجهود هؤلاء الصوفية أشجار كثيرة وارفة الظلال في مئات من بلاد الهند استراحت في ظلها القوافل التائهة ، والمسافرون المتعبون ، ورجعوا بنشاط جديد وحياة جديدة ... ) .
    14 ـ الشاعر : محمد إقبال :
    تحدث الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه " روائع إقبال " عند زيارته للشاعر . فبعد أن أسهب الشاعر إقبال في الحديث عن التصوف ورجاله , والتجديد الإسلامي في الهند بواسطتهم ، قال للأستاذ أبي الحسن الندوي ... إنني أقول دائماً لولا وجودهم وجهادهم لابتلعت الهند وحضارتها وفلسفتها الإسلام ... ) .
    وراجع للشيخ السيد الندوي كتابه القيم عن التصوف والصوفية بعنوان ( ربانية لا رهبانية ) .
    رأي تيميه وتلميذه ابن القيم
    ونختم رأي الأئمة الأربعة وهؤلاء العلماء الكرام برأي الشيخ ابن تيميه ورأي تلميذه الشيخ ابن قيم الجوزية ، إذ طالما تترس بهما أعداء التصوف والصوفية ، وهما براء من ذلك ، فإنهما لم ينكرا التصوف من حيث المبدأ جمله وتفصيلاً ، بل أنكرا شطحات الصوفية كشأن أعلام التصوف أنفسهم المار بيانها والدليل علي ذلك أن الجزءين (العاشر والحادي عشر) من ( فتاوى ابن تيميه ) تتناول ما سبق بيانه ، وقد أفرد أحد دعاة السلفية الحديثة الكاتب ( جمال غازي ) منها رسالة بعنوان ( الصوفية والمساكين ) ذكر فيها أن الشيخ ابن تيميه قال : ( إن من الصوفية من يبلغ منزلة الصديقين ) كما ورد في الجزء الحادي عشر من ( الفتاوى ) له .
    أما ( ابن القيم ) رحمه الله تعالي فقال في كتابه ( شرح منازل السائرين ) ( الصوفية ثلاثة أقسام : صوفية الأرزاق , وصوفية الرسوم ، وصوفية الحقائق ، وبدع الفريقين المتقدمين يعرفها كل من له إلمام بالسنة والفقه ... وإنما الصوفية صوفية الحقائق الذين خضعت لهم رؤوس الفقهاء والمتكلمين فهم في الحقيقة علماء حكماء ) أهـ .
    ________________________________________
    فانظر رحمك الله وتأمل قوله ( فهم في الحقيقة علماء حكماء خضعت لهم رؤوس الفقهاء والمتكلمين ) في قولة شافية وصراحة كافية في إثبات شرف القوم الصوفية علي غيرهم خصوصا وقد قالها ابن القيم رحمه الله تعالي :
    وفي كتاب ( أصول الوصول ) يذكر الشيخ / محمد زكي إبراهيم عن الشيخ ابن تيميه في صفحة 330 ما يلي :
    ابن تيميه ينصف الصوفية
    يقول الشيخ أحمد بن عبد الحليم بن تيميه السفلية وإمامهم وفقيههم في كتابه ( الفتاوى الكبرى ) بالجزء الحادي عشر ، وبالصحيفة السابعة عشرة ، ما نصه : " والصوفيون قد يكونون من أجل الصديقين ، بحسب زمانهم ، فهم من أكمل صديقي زمانهم والصديق في العصر الأول أكمل منهم .
    والصديقون درجات وأنواع ... الخ ، ثم يقول : ولأجل ما يقع من كثير منهم الاجتهاد والتنازع فيه ، تنازع الناس في طريقهم فطائفة ذمت الصوفية والتصوف وقالوا إنهم مبتدعون خارجون عن السنة وطائفة غالت فيهم ، وادعوا أنهم أفضل الخلق وأكملهم بعد الأنبياء ، وكلا طرفي هذه الأمور ذميم . والصواب : أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أجل طاعة الله ففيهم السابق المقرب بحسب اجتهاده ، وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين . وفي كل من الصنفين من قد يجتهد فيخطئ وفيهم من يذنب فيتوب . أولا يتوب "أهـ .
    وهنا ننقل ( نص ) رأي الشيخ ابن تيميه ، في صحة كرامة الأولياء من أواخر كتابه الذي سماه ( العقيدة الواسطية ) فهو يقول بالحرف الواحد : أيدهم الله بخوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات ، وبأنواع القدر والتأثيرات ( تأمل.. ) ثم يقول :
    " والكرامات مأثورة عن أهل الله كما في سورة الكهف وسورة المائدة بالنسبة للحواريين ـ وسورة النمل بالنسبة للذي عنده علم من الكتاب وغيرها ، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، وسائر فرق الأمة ، وهي موجودة فيها إلي يوم القيامة " أهـ .
    ________________________________________
    وبعد . فهذا هو عين اعتقاد الصوفية الذي لا يعجب اليوم أتباع ابن تيميه المحدثين . والذين يتجاهلون ما قرره أتباع شيخهم ، أو يكتمونه , لإغراض في أنفسهم ، وإلا فليرجعوا إلي المجلدين رقمي ( 10 ، 11) من فتاوى الشيخ ابن تيميه فهما عن التصوف والصوفية ) . إن كانوا يريدون الحق والرشاد .
    وإلا فليمسكوا ألسنتهم عن الافتراء والتهجم علي أهل الله .
    ________________________________________
    رأي علماء الإسلام المعاصرين وفتاواهم في التصوف والصوفية:
    هذه آراء العلماء المعاصرين ومن هم أصحاب الرأي والفتوى (في التصوف والصوفية ) ... وكان المؤلف قد استفتاهم حول الموضوع بأسئلة خطية وجهها إليهم ثم تفضلوا بالإجابة الوافية عليها وهم :-
    1 ـ سماحة الإمام الأكبر الشيخ / محمد السيد طنطاوى شيخ الأزهر الشريف ( وكان حينئذ مفتي الديار المصرية ) .
    2 ـ سماحة الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام للجمهورية العربية السورية
    3 ـ سماحة الشيخ / محمد بن احمد حسن الخزرجى ـ وزير الأوقاف والشئون الإسلامية السابق بدولة الإمارات المتحدة ـ ومن كبار علمائها
    4 ـ سماحة الشيخ نوح سلمان مفتي القوات المسلحة الأردنية .
    5 ـ سماحة المرحوم الشيخ / حسن خالد مفتي الجمهورية اللبنانية .
    6 ـ سماحة المرحوم الشيخ / السيد محمد عبد الرحمن آل أبو بكر بن سالم ـ مفتي جمهورية جزر القمر .
    وتوجهت إليهم بالأسئلة الآتية :-
    1 ـ ما مدي مشروعية التصوف ؟
    2 ـ ما رأي العلماء في السادة الصوفية الأوائل أمثال الجنيد البغدادي ،
    وبشر بن الحارث والحارث المحاسبي ، ومعروف الكرخي ،
    والشيخ عبد القادر الجيلاني , والسيد أحمد الرفاعي وغيرهم من
    أعلام الأمة ؟
    3 ـ ما حكم من يكفر جميع الصوفية أو ينسبهم إلي الشرك ؟
    4 ـ هل للصوفية عقيدة خاصة تخالف وتجفو عقيدة أهل السنة
    والجماعة ؟
    5 ـ ما حكم التشهير لهم ؟
    فتلقيت الردود التالية من كل منهم جزاهم الله عنا وعن الإسلام والحق خير الجزاء .
    ________________________________________
    ردُّ دار الإفتاء المصرية:
    كلف ـ سبحانه التصوف الحقيقي معناه : الحرص التام علي الإكثار من ذكر الله تعالي ـ وعلي أداء التكاليف التي كلف ـ سبحانه ـ بها عباده، وعلي تصفية الروح والقلب من كل ما يتنافى مع آداب الإسلام وعقائده ، مع التقيد التام بقوله تعالي :
    "وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ". سورة القصص ، الآية 77 .
    ورأي العلماء في السادة الصوفية الأوائل أمثال : الجنيد البغدادي ، وبشر بن الحارث ، والحارث المحاسبي ... وغيرهم .
    أنهم كما قرأنا عنهم ـ رجال صالحون ، حافظوا علي فرائض الله تعالي ، وعلي التحلي بمكارم الأخلاق وبذلوا ما بذلوا من جهود في سبيل نشر دعوة الحق وتذكير الناس بما يجب عليهم نحو خالقهم , ونحو أنفسهم ونحو غيرهم ، وبنوا حياتهم علي قولة تعالي :
    " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " . سورة المائدة / 2 .
    وعلي قوله تعالي سبحانه وتعالي :
    " الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ". سورة الرعد / 28 .
    وقد عاشوا حياتهم لنشر العلم والمعرفة ، علي حسب فهمهم واجتهادهم .
    وحكم من يكفر جميع الصوفية أو ينسبهم إلي الشرك ، أنه إنسان مخطئ وآثم لأن تكفير من ينطق بالشهادتين ومن لم ينكر أمراً ثبت من الدين بالضرورة لا يجوز ولا يليق بعاقل وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالي عنهما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما ، فإن كان كما قال وإلا رجعت عليه " وفي الصحيحين أيضا عن أبي ذر رضي الله تعالي عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آله يقول " من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه " , أي رجع عليه وفي حديث ثالث : " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " .
    لا نعرف للصوفية الحقيقية التي هي بمعني تطهير النفس وتزكيتها عقيدة خاصة تخالف وتجافي عقيدة أهل السنة والجماعة ، لأن الدعوة إلي تطهير النفس وتزكيتها ، من أركان عقيدة أهل السنة والجماعة ، وإذا وجد أناس ينسبون أنفسهم إلي الصوفية ولكنهم يقولون أو يفعلون ما يخالف عقيدة الإسلام وآدابه فالصوفية الحقيقية برئيه منهم وهم برءاء منها . لا يصح التشهير بالمنتسبين إلي الطرق الصوفية الذين يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والذين يحرصون علي الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله ، في قوله وفعله ، والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، والذين يجتمعون علي طاعة الله تعالي وذكره .
    ومن يشهر بمن هؤلاء حالهم فانه يكون آثما ، ومرتكبا لجرم عظيم يستحق عليه العقاب من الله تعالي ، والشأن في المسلم الصادق أنه بيني حياته مع أخيه المسلم علي حسن الظن لا علي سوء الظن .
    وصدق الله إذ يقول :
    ________________________________________
    " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ " سورة الحجرات الآية 12 .
    كما أن من شأن المسلم الصادق أيضا أن ينصح غيره بالحكمة والموعظة الحسنة ، وأن يجادله فيما يختلفان فيه من أمور , بالطريقة المهذبة والتي ترضي الله تعالي ، هذا وبالله التوفيق .
    مفتي جمهورية مصر العربية
    د . محمد طنطاوى
    إمام الأزهر الشريف حالياً
    ________________________________________
    المفتي العام للجمهورية العربية السورية
    التصوف : منهج يستهدف التمسك بالقرآن الكريم قولاً وعملاً وخلقاً وسلوكاً قويماً مستهدياً بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ومتأسياً بشريف أخلاقه الكريمة . ولابد من معلم حاز إجازة في التربية والسلوك ليدل المتعلم علي أمرين هامين جداً :
    الأول : تزكية النفس المشار إليهما بقوله تعالي :
    " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا "
    وكثرة ذكر الله تعالي المشار إليه بقوله تعالي :
    " وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ "
    الثاني : معرفة الإحسان المشار إلية بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ، والذي دعا إليه القرآن بقوله تعالي :
    " كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ(5)لَتَرَوْنَ الْجَحِيمَ " .
    كما أن التصوف هو اصطلاح نشأ في عصر المصطلحات حين أصبح كل فن وعلم له مصطلحات خاصة كاللغة العربية وقواعد النحو والفرائض وسائر العلوم والفنون إلي عصرنا الحاضر تعرف بمصطلحات خاصة تمهيدا لدراسة أي علم .
    وكما يوجد في كل حرفة وكل علم وفن من لا يحسن الوصول إلي الهدف الأسمى ويعتبر دخيلا علي العلم أو الفن المقصود إتقانه , فيأتي الفقيه في ذلك العلم أو الفن , فيجلي الحقيقية وينفي الدخلاء والجهلاء ليميز الخبيث من الطيب .
    كذلك التصوف , منهم من يعاديه لأنه ومنهم من يطعن فيه لأنه عن طريق المزورين له أو الدخلاء الجهلاء بحقيقته الذين شوهوه بجهلهم به علماً وعملاً وسلوكاً .
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty رد: الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 05, 2012 1:13 pm

    أما التصوف بحقيقته وجوهره فسيبقي مزداناً بالثناء عليه ممن علمه وعلم رجاله الصادقين في حقيقة العلم , ولا يهاجمه إلا فئتان :-
    * فئة لا تعمله وتجهل حقيقة العلم , وتجهل علماءه والعارفين به .
    * وفئة تهاجم الدخلاء ومات حشوا به أفكار العامة من أمور ومن
    أعمال وسلوك وبدع لا يقرها الشرع الشريف , ولا الفكر الإسلامي
    الصحيح .
    أو ما دسه المغرضون الحاسدون في كتب التصوف قبل أن تظهر المطابع حيث كانت المؤلفات تكتب باليد ( أي وينسخ منها باليد كذلك ) .
    أما آثار التصوف الحقيقي فقد استبان نهجها القويم وظهر أثرها في كثير من الفتوحات الإسلامية المجيدة , وفي آفاق مختلقة من شعوب العالم .
    تلك التربية السلوكية الأخلاقية عرف رجالاتها بمواقفهم البطولية في ميدان جهاد أعداء الإسلام , كما عرفت آثار التصوف بمعرفة سلوك وأخلاق هؤلاء الصوفية المتحققين بمعرفة الله ومحبته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه ، ومن الدعاه ممن اصطفي الله وأخرج من النماذج من الأنباء الأبرار أبناء الإسلام الحقيقيين عبر الأجيال .
    والتاريخ أكبر شاهد علي هذه الآثار الحميدة ، فكان أهل التصوف الحقيقي السراج المنير في أخلاقهم وأعمالهم وسلوكهم ومعاملتهم للناس :
    أية رقم " وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا " سورة الأحقاب /19 .
    ________________________________________
    إذا نسب قول لأحد ، فالمرجع لا كلامه ولا قوله ، ولكن المرجع هو الكتاب والسنة ، وقد يكون ما نسب إليهم مدسوساً عليهم ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله : " من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد " . رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " .
    وبذلك يتبين أن المنهج هو القرآن الكريم والسنة المشرفة وعلي ضوء ذلك يكون كل من سلك هذا المسلك فقد تربي علي حقيقة معرفة الله ومحبته وتطبيق كتاب الله والتأسي برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، وأخلاقه المشار إليها بالقرآن الكريم ، فذلك ما عليه حقيقة أهل السنة والجماعة .
    وأما التشهير والتكفير لمن ذكر فإنه يدخل تحت عنوان ( سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر ) ، نسأل الله تعالي أن يجمع كلمة المسلمين علي كتاب الله وسنته وما كان عليه سلفنا الصالح وأن لا نحكم علي موضوع أو مبلغ خبر حتى نتحققه ونتيقنه ، كما قال الله تعالي :
    أية رقم " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " سورة الحجرات / 6 .
    أما قولكم ما رأي العلماء في السادة الصوفية الأوائل أمثال : ( الجنيد البغدادي ، وبشر بن الحارث ، والحارث المحاسبي ، ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني ، والسيد احمد الرفاعي ) ، وغيرهم من أعلام الأئمة فمن المعلوم أن آثارهم تدل عليهم وقد قيل :
    تلك آثارنا تدل علينا *** انظروا بعدنا إلي الآثار
    وكما ذكرنا آنفا فقد نشر الإسلام علي أيديهم وعلي أيدي أتباعهم في مشارق الأرض ومغاربها ولا يحاربهم ليلا ونهاراً إلا دعاة التبشير وعملاء الاستعمار ، ولا يغمط حقهم أو يقصر في حقهم والثناء عليهم إلا من لم يدرس تاريخ الدعاة ولم يطلع علي أعمالهم وآثارهم .
    ________________________________________
    وقد أوضح ( الشيخ أبو الحسن الندوي ) رئيس ندوة العلماء في الهند وعضو المجمع العلمي العربي بدمشق في كتابه الحديث ، ( رجال الفكر والدعوة في الإسلام ) نبذه يسيرة عن مسعاهم الخير وآثارهم فقال في صفحة 349 عنهم تحت عنوان ( دعاة الإسلام ومشاعل الإيمان ) :
    " كان لهؤلاء فضل كثير لنشر الإسلام في الأمصار البعيدة التي لم تغزها جيوش المسلمين أو لم تستطع إخضاعها للحكم الإسلامي ، وانتشر بهم الإسلام في أفريقيا السوداء وفي أندونيسيا وجزر المحيط الهندي وفي الصين وفي الهند ، وفي سيبيريا وإلي شواطئ البحر المتجمد الشمالي .
    ويقول في هذا الكتاب أيضا لما فتح التتار العالم الإسلامي في القرن السابع الهجري وأثخنوه جراحاً وقتلاً ولم يتركوا فيه إلا روحاً ضعيفة ونفساً خافتاً ، وفل سيف الجهاد والمقاومة فأصبح لا يؤثر ولا يعمل وأغمده المسلمون يأساً وقنوطاً ، وآمن الناس بأن التتار لا يمكن إخضاعهم ، وأن العالم الإسلامي قد كتب عليه أن يعيش تحت حكم هؤلاء الهمج وأن الإسلام انتهي ولا مستقبل له .
    هنا قام هؤلاء الدعاة المخلصون الذي لا يزال تاريخ الدعوة والإصلاح علي إحصائه واستقصائه ـ يجهل كثيرا منهم قاموا يتسربون في هؤلاء الطغاة من التتار يفتحون قلوبهم للإسلام حتى تفتحت له وأحبته وصاروا يدخلون في دين الله أفواجا ، ولم يمض علي زحفهم علي العالم الإسلامي وإذلالهم له كثير من الزمان حتى أسلم جلهم أو كلهم وصاروا من حمله الإسلام وحمله لوائه ورايته وكان منهم فقهاء وزهاد ومجاهدون.
    أما رأي العلماء في السادة الصوفية الأوائل فنلخص طرفا منه :-
    أبو القاسم الجنيد بن محمد ذو الجناحين وإمام الطائفين : ( الفقهاء والصوفية ) كان فريد زمانه ومن أعظم فقهاء الشريعة وأكابر أقطاب الحقيقة ، تفقه علي أبي ثور ، وتصوف علي خاله السري السقطى ، قال
    ________________________________________
    ( الإمام السبكي ) في جمع الجوامع : ونري أن طريقة الشيخ الجنيد وصحبه طريق قوم مستقيمين لا اعوجاج فيه لكونه جامعاً بين ( الأحكام الشريعة والأخلاق المصفية للقلوب ) من أعراض النفوس الأمارة بالسوء ومن كلام الإمام الجنيد قولة : ( علمنا ومذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ) ، وقال أيضا : ( الطريق كلها مسدودة إلا علي من اقتفي أثر الرسول علية الصلاة والسلام ) .
    وقال ( عبد الله بن خفيف ) : اقتدوا بخمسة من شيوخنا الباقين وعد منهم ( الحارث بن أسد المحاسبي والجنيد بن محمد ) لأنهم جمعوا بين العلم والحقائق ، قال شيخ الإسلام زكريا في شرحه : ( أي جمعوا بين الشريعة والحقيقة ومن جمع بينهما كلم الناس بما يقتضيه أحوالهم ) .
    وجاء في كتاب ( حليلة الأولياء وطبقات الأصفياء ) ، للحافظ أبو نعيم أحمد ابن عبد الله الأصفهاني ( الجنيد بن محمد الجنيد ) : المربي بفنون العلم ، المؤيد بعيون الحلم ، المنور بخالص الإيقان وثابت الإيمان العالم بمودع الكتاب ، والعامل بحكم الخطاب ، الموافق فيه للبيان والصواب ، كان كلامه بالنصوص مربوطاً ، وبيانه بالأدلة مبسوطاً ، حيث فاق أشكاله بالبيان الشافي واعتناقه للمنهج الكافي ولزومه للعمل الوافي ) .
    وجاء في كتاب ( حليلة الأولياء وطبقات الأصفياء ) للحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله شرح أحوالهم وأقوالهم من بيان علمهم وزهدهم وتصوفهم ومواعظهم وإرشادهم المؤثرة وعباداتهم وقيامهم الليل وتهجدهم .
    كما أوضح مكانه الشيخ عبد القادر الجيلاني وأعماله في الإصلاح والإرشاد ونصرته للسنة الشريفة والمؤهلات العلمية التي حاز عليها بما يستبين به الحق لكل منصف ، مخلق ، باحث عن الحقيقة .
    أما معروف الكرخي فقد ترجم له في ( حلية الأولياء ) وفي (وفيات الأعيان ) و ( شذرات الذهب ) و( سير أعلام النبلاء ) وفي (طبقات الصوفية ) بما فيه الكفاية .
    ________________________________________
    وقال الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الفقي الحنبلي المتوفى سنة 703 هـ في كتابه ( أحسن المحاسن ) ، عن معروف الكرخي : كان قد أباده الله تعالي بالاجتباء في حال الصبا .
    وقال السري السقطى بحقه : هذا الذي أنا فيه إنما هو من بركات معروف وكان الجنيد يقول بحق عن السري السقطي : " ما رأيت أعبد الله من سري السقطي " .
    وكذا إذا نظرت إلي من تسأل عنهم تري في كتاب العلامة الشيخ أبي إسحق الآنف الذكر ما يسرك .
    وجاء ف كتاب ( حليلة الأولياء وطبقات الأصفياء ) للحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني المتوفي في سنة 430 هـ نبذه عن (الحارث بن أسد المحاسبي ) بين فيها أقواله وأحواله مع الله ونبذه يسيره عن مكانته أنقلها كما وردت : ( كان الحارث المحاسبي لألوان الحق مشاهدا ومراقباً ولآثار الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله مساعداً ومصاحباً ، وتصانيفه مدونه مسطورة ، وأقواله مبوبة مشهورة ، وأحواله مصححة مذكورة ، كان في علم الأصول راسخاً وراجحاً وعن الخوض في الفضول جافيا وجانحا ، وللمخالفين الزائفين قامعاً ناطحاً وللمريدين والمنيبين قابلاً وناصحاً .
    ومن أقواله : ( العلم يورث المخالفة , والزهد يورث الراحة , والمعرفة تورث الإنابة من صحح باطنه بالإخلاص والمراقبة زين ظاهرة بالمجاهدة واتباع السنة ) لقولة تعالي :
    "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ(69) " سورة العنكبوت /69.
    ومن أقوال الجنيد : ( علمنا مضبوط بالكتاب والسنة ، ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدي به ) .
    وجاء في كتاب الحلية المذكور : ( أبو نصر بشر بن الحارث الحافي ، من حياه الحق بجزيل الفواتح وحماه عن وبيل الفوائح ) .
    ________________________________________
    ومن أقواله " لقي حكيم حكيما فقال أحدهما لصاحبه : لا يراك الله عندما نهاك ويفقدك عندما أمرك " أقول لو رجعنا إلي أقوالهم وأحوالهم مع الله لرأينا العجب العجاب وفي أقوالهم الروح والريحان والكثير الطيب ما يشرح الصدور .
    أما الشيخ ( الشيخ عبد القادر الجيلاني ) : قال بحقه شهاب الدين السهر وردي : الشيخ عبد القادر سلطان الطريق .
    وقال عبد الله القرشي : الشيخ عبد القادر سيد أهل زمانه عارفين وأولياء وعلماء ومشايخ .
    وقال الشيخ أحمد الرفاعي عنه : بح الشريعة عن يمين الشيخ عبد القادر وبحر الحقيقية عن يساره أيهما شاء أعترف .
    وبالإجماع فالشيخ عبد القادر الجيلاني كان يجلس في مجلسه الألوف وكانت تكتب في مجلسه ما يقول أربعمائة محبرة .
    لقي أكابر الشيوخ وتلقي عنهم العلوم الشريعة , وأعطاه الله المواهب وأوقع له القبول والهيبة وأظهر الحكمة من قلبه علي لسانه ، وقصده الطلبة من العلماء والصلحاء ، وانتهت إلية تربية المريدين بالعراق وسلمت إلية أزمة المعارف ولقب بإمام الفريقين وموضح الطريقتين وتتلمذا له خلق كثير .
    وقال له الشيخ العارف بالله يوسف الهمذانى : يا عبد القادر ( تكلم علي الناس ) حفظت الفقه وأصول ومسائل الخلاف والنحو واللغة وتفسير القرآن ، فكيف لا يصح لك أن تتكلم ، اصعد علي الكرسي فإني رأيت فيك عرقاً سيصير نخلة .
    وبالإجماع فالشيخ الإمام دليل الطريقة وترجمان الحقيقة أستاذ الشيوخ ، قدوة العارفين وعمدة السالكين وحصلت له المواهب وصار شيخ زمانه بلا نزاع ولا دفاع وانتهت إلية الرياسة في تربية المريدين يكفي في معرفته ـ كتاب العوارف ـ المشتمل علي مكنونات المعارف ومصونات المحاسن واللطائف المشتملة علي دور المعارف ويواقيت الحكم وما به من حياة القلوب وشفائها من السقم للشيخ شهاب الدين أبي السهر وردى ( ص 570 ) .
    ________________________________________
    أما الشيخ أحمد الرفاعي ) ولادته سنة 500 هـ إلي وفاته سنة 578 هـ جاء في كتاب شرح العينيه لناظمها ( عبد الله بن علوي الحداد باعلوى ) ـ تأليف ( السيد الشريف أحمد بن زين باعلوي ) في ترجمته مايلي :-
    تاج العارفين شيخ الشيوخ صدر المقربين قطب الأولياء وإمام الأصفياء أحمد أبو العباس بن أبي الحسن الرفاعي .
    وما قاله اليافعي عفيف الدين بحقه : والذي أدين الله به أن السيد أحمد بن الرفاعي الشريف الفاطمي الحسيني : كان جبلاً راسخاً ووليا عظيماً وبحراً من بحار السنة عجاجاً .
    وقال بتقديمه وتقدمه رجال عصره كافة ومشي أكابر من قادة عصره تحت لواء إرشاده وانتهي إليه التواضع ومكارم الأخلاق وحسن التأسي والاتباع للنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله .
    (وللإمام السيوطي ) بيان واضح عن رفعه شأنه ، وبالإجماع فالشيخ أحمد الرفاعي ممن عرف قدره الحفاظ والأعيان ، وانتشرت طريقته وأحرز قصب السبق ، وكان جبلاً راسخاً في الاستقامة علي الشريعة وفي التربية وتعليم الكتاب والحكمة وتزكية النفوس .
    وقد نفع الله علي يديه خلقاً لا يحصيهم إلا الله وكان لخلفائه وتلاميذه فضل كبير في نشر الإسلام .
    ومع ذلك فسير هؤلاء الذين تسأل عنهم وأمثالهم مبسوطة في الكتب المطولة مثل كتاب : ( البداية والنهاية ) لابن كثير ، وكتاب (حلية الأولياء ) ، وكتاب ( طبقات الصوفية ) لأبي عبد الرحمن السلمي ، وكتابي ( طبقات الشعراني وقلائد الجواهر ) وفي كتاب ( العبودية ) لابن تيميه وفي كثير من كتب التراجم ، وفي كثير من الكتب الحديثة أوسعت البحث في مختلف نواحي حياتهم .
    وما أجمل البحث عنهم بالتزام المعرفة بآثارهم ونتاج أعمالهم وشد الرحال للأقطار التي عمرت بهم ، وغني عن التعريف وجوب الإشادة بهؤلاء الأفذاذ الذين ملأوا الدنيا بأعمالهم النيرة وبمفاخر مساعيهم الحميدة في لواء الدعوة إلي الله وكانوا الأئمة الأعلام في التزامهم شرع الله جهاداً في سبيله ودفاعاً عن دينه .
    والله الموفق ،،،
    مفتي ديار الجمهورية العربية السورية
    الشيخ / أحمد كفتارو
    ________________________________________
    وزارة الشئون السلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة:
    أولاً : لابد من معرفة التصوف لغةً وأصطلاحاً ومن خلال أربابه وأساتذته : ورد في " الرسالة " للإمام العالم أبي القاسم القشيري قوله : " قال الأستاذ : ( الصفاء محمود بكل لسان وضده الكدورة وهي مذمومة ) ، ( وعن أبي جحيفة قال خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله متغير اللون فقال : (ذهب صفو الدنيا وبقي الكدر فالموت اليوم تحفة لكل مسلم ) .
    قال الأستاذ : هذه التسمية غلبت على هذه الطائفة فيقال رجل صوفي وللجماعة صوفية ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوف وللجماعة المتصوفة ، وليس يشهد لهذا الأسم من حيث العربية قياس والأظهر فيه أنه كالقلب ، فأما قول من قال : أنه من الصوف وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص ، فذلك وجه ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف ، ومن قال أنهم منسوبون إلى أصحاب الصفة فى صفة مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله فالنسبة إلى الصفة لا تجئ على نحو الصوفي .
    ومن قال إنه من الصفاء فاشتقاق الصوفي من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة .
    ثم إن هذه الصفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ , استحقاق اشتقاق .
    وقد تكلم الكثيرون في التصوف ما معناه ؟ وفي الصوفي من هو ؟ فكل عبر بما وقع له واستقصاء جميعه يخرجنا عن المقصود وسنذكر بعض مقالتهم فيه على التلويح ، وكما قال حجة الإسلام الإمام الغزالي في " مقصده الأسني " : ولقد نبهت بالرمز والإيماء إن كنت من أهله _ وأما أنت أيها الأخ الكريم المقصود بالشرح فلا أظنك إلا مستبصرا بسر الله في القدر مستغنياً عن هذه التحويمات والتنبيهات .
    سئل أبو محمد الجريري المتوفي سنة 311 هـ عن التصوف فقال: ( الدخول في كل خلق سني والخروج من كل خلق دني ) .
    ________________________________________
    وقال محمد بن على القصاب : ( التصوف أخلاق كريمة ظهرت في زمان كريم من رجل كريم مع قوم كرام ) .
    وقال معروف الكرخي : ( هم أهل بين واحد لا يدخل فيهم غيرهم ، والصوفي كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا كل مليح).
    ويقول أبو سعيد الخراز المتوفى سنة 268 هـ بعد ما سئل عن الصوفي : ( من صفي ربه قلبه فامتلأ قلبه نوراً ، ومن دخل في عين اللذة بذكر الله ) .
    ويقول جعفر الخلدى المتوفى في سنة 348 هـ : ( الوصف طرح النفس في العبودية والخروج من البشرية والنظر إلي الحق بالكلية ) .
    سئل الشبلى عن التصوف فقال : ( بدؤه معرفة الله ونهايته توحيده) ، ويقول الغزالى في كتابه الخالد ( إحياء علوم الدين ) المتوفى سنة 505 هـ : ( الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها والإقبال بكنه الهمة علي الله تعالي ومهما حصل ذلك كان الله المتولي لقلب عبده المتكفل له بتنويره بأنوار العلم ، وإذا تولى الله أمر القلب فاضت عليه الرحمة وأشرق النور في القلب وانشرح الصدر وانكشف له سر الملكوت وانقشع عن وجه القلب حجاب الغرة بلطف الرحمة وتلالأت فيه حقائق الأمور الإلهية فإذا ما حصل ذلك كانت المشاهدة ) .
    حدثنا محمد بن عثمام بن كرامة حدثنا خالد بن مخل حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله : " إن الله عز وجل قال : ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ) .
    ________________________________________
    وفي هذا الحديث تهديد لأن من حاربه الله أهلكه ، قال الفكهاني : وهو من المجاز إلى البليغ لأن من كره من أحب الله خالف الله ومن خالف الله عانده ومن عانده أهلكه ، وإذا ثبت هذا في جانب المعاداة ثبت ضده في جانب الموالاه فمن والى أولياء الله أكرمه الله .
    وفي حديث أنس ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً وهو مجاز وكناية عن نصرة العبد وتأييده وإعانته حتى كأنه سبحانه ينزل نفسه من عبده منزلة الآلات التي يستعين بها ولذا وقع في رواية : ( فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ) .
    وعن أبي عثمان الحبري أحد أئمة الصوفية مما أسنده عنه البيهقي في الزهد معنى الحديث كنت أسرع إلى قضاء حوائجه من سمعه في الاستماع وعينه في النظر ويده في اللمس ورجله في المشي .
    وفي حديث حذيفة عن الطبراني : " ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة " .
    يقول ( القسطلاني ) في شرحه للصحيح ومناسبة الديث للترجمة أي باب التواضع تستفاد من لازم قوله من عادي لي ولياً لأنه يقتضي الزجر عن معاداة الأولياء المستلزم لموالاتهم ، وموالاة جميع الأولياء لا تأتي إلا بغاية التواضع إذ منهم الأشعث الأغبر الذي لا يؤبه له . أو أن التقرب بالنوافل لا يكون إلا بغاية التواضع لله والتذلل له تعالى .
    وأما عن الرأي في السادة الصوفية فيكفي الوقوف على سلوكهم ومعرفة أحوالهم من خلال طبقاتهم وتراجمهم وأنهم جمعوا بين الشريعة الحقيقية إذ يقول ( بن الملقن في طبقاته ) : " فهذه جملة من طبقات الإعلام وأوتاد الأقطاب في كل قطر وأوان جمعتهم لأهتدي بمآثرهم وأقتفي بآثارهم رجاء أن أنظم في سلكهم فالمرء مع أحب ، وأحيا بذكرهم ويزول عني النصب " .
    ________________________________________
    وحينما ذكر الجنيد قال : أبو القاسم شيخ وقته ونسيج وحده أصله من نهاوند ومولده ومنشؤه ببغداد صحب جماعة من المشايخ ودرس الفقع على ( أبي ثور ) وكان يفتي في حلقته بحضرته وهو أبن عشرين سنة ومن أقواله : ( علامة إعراض الله عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه ) .
    وقوله " من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة " وقال : " من طلب عزاً بباطل أورثه الله ذلاً بحق " .
    وقال : ( الأدب أدبان أدب السر وأدب العلانية ، فالأول طهارة القلب من العيوب والعلانية حفظ الجوارح من الذنوب ) .
    وفي ذكر ( بشر الحافي ) يقول : أحد رجال الطريقة ومعدن الحقيقة مثل الصلحاء وأعيان الورعاء ) ، مناقبه جمة أفردها ابن الجوزي بالتأليف ومن أقواله : ( لا تكون كاملاً حتى يأمنك عدوك وكيف يكون فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك ) .
    وقال : ( ان العبد إذا قصر في الطاعة سلب ما يؤنسه ) ، أما (معروف الكرخي ) ( فهو أحد السادات مجاب الدعوة وقبره ظاهر يتبرك به وأهل بغداد يستسقون به ) .
    قال أبو عبد الرحمن الزهري : ( قبره معروف لقضاء الحوائج ) ، من كلامه : ( إذا أراد الله بعبد خيراً فتح له باب العمل وأغلق عليه باب الفترة والكسل ) .
    وقال (السري السقطي ) سألت معروفاً عن الطائعين لله بأي شئ قدروا على الطاعة لله قال : ( بخروج الدنيا من قلوبهم ولو كانت في قلوبهم ما صحت لهم سجدة ) .
    أما ( السيد أحمد الرفاعي ) فهو أبو العباس أحمد بن أبي الحسن علي الرفاعي نسبة إلى جده السابع الحسن الأصغر الذي كان يلقب برفاعة والذي ينتهي نسبه إلى ( علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ) .
    أستاذ الطائفة المشهور كان حقه التقديم فإنه أوحد وقته حالاً وصلاحاً فقيهاً شافعياً .
    ومن كلامه : ( من أشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه والأنس بالخلق انقطاع عن الحق والأدب سنة الفقراء ووراثة الأغنياء ) .
    وسئل عن الفتوة فقال : ( هي الصفح من عثرات الإخوان وألا ترى لنفسك فضلاً على غيرك ) .
    وهكذا نعلم أن التصوف له ظاهر وباطن فظاهره استعمال الأدب مع الخلق بالأخلاق الحسنة معهم وباطنه منازلة الأحوال والمقامات مع الحق فالظاهر علامة الباطن والباطن حقيقة الظاهر ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله لما نظر إلى المصلى وهو يعبث قال : -
    ( لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ) ونختم بما قال ( أبو نصر السراج ) : (( أدب أهل الدنيا بالفصاحة والبلاغة وحفظ العلوم والتاريخ والشعر ، وأدب أهل الدين معرفة العلم به ورياضة النفس وتأديب الجوارح وتهذيب الطباع وحفظ الحدود وترك الشهوات والمسارعة إلى الخيرات )).
    وأدب أهل الخصوصية من أهل الدين ( حفظ القلوب ومراعاة الأسرار واستواء السر والعلانية ) .
    والله ولي التوفيق ،،،
    وزير الشئون الإسلامية والأوقاف
    دولة الإمارات العربية المتحدة
    الشيخ محمد بن الشيخ أحمد بن الشيخ حسن الخزرجي
    ________________________________________
    القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية:
    مديرية الإفتاء
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين من نوح علي سليمان إلى أخيه في الله السيد يوسف بن السيد هاشم بن السيد أحمد الرفاعي حفظه الله تعالى .
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد :-
    وصلتني رسالتكم الكريمة التي تسألني فيها عن التصوف والصوفية. وقبل أن أجيب عليها أبين للأخ الكريم أنني لست " علامة " كما ظننتني بل طالب علم ، ولا أقول هذا تواضعاً بل هي الحقيقة أحب بيانها حتى تكون على بينة من الأمر ، وكلمة " علامة " كبيرة علي جداً .
    ________________________________________
    وأما الصوفية فإن مثلي لا يسأل عن مثلهم ففيهم أعلام الأمة المشهود لهم بالخير والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله ، ونحن في زمن الفتن التي يبيع فيها الإنسان دينه بعرض من الدنيا قليل ، ونسأل الله حسن الختام ، ولكن نزولاً عند رغبتكم أستعين بالله وأذكر لمعاليكم ما أعتقده في الموضوع .
    أما مدى مشروعية التصوف :
    فيجب أن نحدد أولاً معنى التصوف : وقد عرفه بعض علمائه بأنه : العمل بالعلم وقال لو أن الفقهاء عملوا بعلمهم لكفونا .
    وعرف بعضهم بأنه قله الأخلاق الذميمة وغرس الأخلاق الحميدة ، وهو ما يسمى بالتخلية والتحلية ، وعرفه بعضهم بأنه الأخلاق فمن زاد في الأخلاق زاد في التصوف ، فهو بهذا أسلوب تربوي فيه تطبيق الأحكام الشرعية الظاهرة والباطنة والأساليب التربوية تختلف في الطريقة والمقصود واحد ، وهذا ما نجده ، وهذا ما نجده في كتبهم ، فإذا فهمناه بهذه المعاني لا يشك مسلم بأنه خير وبركة وعمل يقتضيه الإسلام ، ولا يهمنا بعد ذلك من أين جاءت كلمة " تصوف " ولكن لا ننكر بأن البعض انحرف في فهم التصوف فجعل فيه حلولاً ( واتحادا ) وإباحية وسقوطاً للتكليف وكلاماً لا يقره الإسلام وهؤلاء يجب التبري منهم فهم ليسوا مسلمين أصلاً والدفاع عنهم دفاع عن باطل ، وتأويل كلامهم إقرار خفي بما يقولون ، وهم الذين شوهوا التصوف ولولاهم لما تجرأ أحد على ذم أهل التصوف فهم أول أعداء التصوف .
    أما الإمام الجنيد البغدادي ، والشيخ عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد الرفاعي فهم أعلام الأمة وبمراجعة كتب التراجم يظهر ما كان لهم من شأن كريم وتقدير عظيم عند علماء الأمة المعاصرين لهم واللاحقين رضي الله عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين .
    ________________________________________
    الذي يكفر كل الصوفية وينسبهم إلى الشرك متعجل في حكمه ولو تريث لفرق بين صالحهم وطالحهم وصادقهم والمدعي فيهم ، فالذم جملة خطأ والمدح جملة خطأ والتفصيل أولى ولا أريد التفصيل في ذكر الأشخاص بل ذكر جملة العقائد ، فيقال من أعتقد كذا فهو محق ومن أعتقد كذا فهو مبطل . إلا أن يكون رجلاً جاهر بالضلال فيذكر ليحذر ويذكر معه الصالح ليتبع .
    أما عقائد أهل التصوف فهي عقائد أهل السنة والجماعة ومنهم من يسلك في فهم العقيدة مسلك الحنابلة ومن هؤلاء الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني في كتابه ( الغنية ) ومنهم من يسلك مسلك الأشاعرة ومنهم الإمام الغزالي ، والحنابلة والأشاعرة والسلفية من دقق في عقائدهم وجد الأمر قريباً وهو اختلاف في طريقة التعبير عن الشيء الواحد أو وجهتا نظر لكل منهما ما يبررها ، وتنزيه المولى عما لا يليق به محل اتفاق ومن أحب الخلاف نفخ في هذه المسائل فكبرها ونحن نعتقد بالجميع الخير .
    لا يجوز التشهير بالمسلمين ولا الافتراء عليهم ولا تصديق كل ما يقال عنهم ، وإذا قدمن حسن الظن بالمسلمين اتضحت لنا الأمور وحملناها على محمل حسن وعندها يكون التشهير بأهل الكفر الصراح لكي يتجنبه الناس ويحذروا المز الق التي وقعوا فيها .
    ونحن بحاجة إلى تنقية الصفوف ورصها في سبيل ذلك لابد من الاتفاق على نبذ الذين حرفوا الدين وشوهوا سمعة المسلمين وعقائدهم .
    ولو توفر الإنصاف وتخلينا عن حب الظهور والعصبية بالباطل وتذكرنا قوله تعالى :آية 1 ص 94
    لهان الأمر وأمكن الاتفاق لكن يبدوا أننا وصلنا إلى الزمن الذي قال عنه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وآله : ( ... إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك العوام)
    ولا شك أن الغلو من جهة يؤدي إلى التطرف من الجهة الأخرى والله المستعان ، وقد ظلم التصوف من طائفتين : الأولى طائفة الذين شوهوه بأفعالهم وشطحاتهم ودعاويهم والثانية طائفة الذين فهموه على أنه أفعال وعقائد وشطحات أولئك المشوهين فذموا كل أهل التصوف وسبوا الصالح والطالح معاً
    ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لكن من طلب الحق بصدق هداه الله إليه...
    نسأل الله أن يهدينا سواء السبيل
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    نوح علي سلمان
    مفتي القوات المسلحة الأردنية
    ________________________________________
    مفتي الجمهورية اللبنانية:
    تناول كثير من العلماء والمفكرين الحديث في التصوف والصوفية وأصل هذه النسبة كما تكلموا في منزلة بعض المتقدمين منهم والمتأخرين من الإيمان والكفر ، وإتيان الصواب والخطأ في أقوالهم وأفعالهم وفي طريقهم ومدي ما هي عليه من المجافاة أو الموافقة لما عليه أهل السنة والجماعة .
    وإني إذ أجيب علي أسئلتكم المطروحة ، أدرك أني لن أزيد في جلاء صورتها ولا في توضيح الملابسات التي حفت أو تحف بها وأن كل ما سأقوم به هو تلبية حاجة معاصرة تتطلب العودة إلي مثل تلك المعالجات للحالات الاجتماعية والسلوكية الحديثة الشبيهة بما كان لأولئك المتصوفة من سلوك ونهج .
    وقد ثبت أن لفظ " الصوفية " وما يشتق منه في المعني المستخدم فيه لم يكن متداولاً في تعابير العلماء قبيل مطلع القرن الرابع الهجري ، وكان قد انتشر ظل أولئك الصالحين من العاملين ومن ذوي الرأي الحكيم والفكر السليم والرواية والدراية من الصحابة التابعين وأتباعهم ممن اقتصوا أثرهم واتبعوهم بإحسان ، وكثيراً ما كانت تقع لهم الكرامات الربانية وتظهر منهم وعليهم سيما الولاية ومظاهر النصرة من الله ، وليس هذا مقام سردها وبيان جلالها وروعتها .
    ________________________________________
    ولم ينقل عن أحد من المؤرخين وكاتبي السير ورواتها ، أنهم تصوفوا أو اتخذوا لأنفسهم صفة " الصوفية " وإن كانوا سموا في سلوكهم إلي مراتب لا تداني من الخشوع لربهم والخشية منه فكثير منهم البكاءون والراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله الذين كانت تقشعر جلودهم وقلوبهم لذكر الله .
    وإن إمام جميعاً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، وسيد الأولين والآخرين ونبراس المتقين والصالحين والسالكين ، لم يعرف عنه إصراره علي شئ من تلك الأوصاف ، ولا أنه اتخذ لنفسه ما اتخذه رجال التصوف من الأسماء والألقاب والصور والأشكال . اللهم إلا ما تلقب به العبادة المشروعة وإلا ما أحله الله من الملبس والمظهر والأوصاف والأسماء ولم يقل أحد من السابقين الأولين ولا أتباعهم ولا من المتأخرين أن أولئك الصوفية أعرف من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله ، أو من صحبه من بعده بما يقرب إلى رضوان الله ويبعد عن سخطه أو بما يغني النفوس ويحيي القلوب من أقوال وأفعال أو من أشكال أو أساليب التعبد ، ولا أنهم أحسن سلوكاً أو أهدي سبيلاً .
    ________________________________________
    من أجل هذا فإنا إذا شئنا تحديد مشروعية التصوف في الإسلام لم يكن بمقدورنا التغافل عن المعاني التي طرحناها من قبل ، ويكون التصوف في نظرنا أسلوباً اجتهادياً من أساليب ممارسة العبادة الدينية في الإسلام ، ومذهباً من مذاهب التدين وتطبيق شرع الله وتعظيم حرمات وشعائره ، والتقرب إليه بالنوافل والطاعات حتى الفوز بمحبته ورضاه لا يحيد قيد شعره عما جاء في الكتاب أو عما بينه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله بقوله وفعله لأن من يري أن طريق هؤلاء الصوفية أو النساك هو أفضل من طريق الصحابة وتابعيهم مبتدع ومخطئ ، وذلك أن طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحابته من بعده هي طريق التوسط وهي الطريق المثلي التي جعل الله تعالي المؤمنين عليها وبينها - صلى الله عليه وسلم - وآله لأولئك الثلاثة الذين تقالوا عبادته صلي الله عليه وسلم إلي عبادتهم عندما عزم أولهم علي صوم الدهر كله ، وثانيهم علي قيام الليل كله وثالثهم علي العزوف عن النساء ، وإذ قال لهم : " إني الله لأتقاكم له وأخشاكم له ، ولكني أقوم الليل وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " ، وهي الطريق الواضحة التي ثبتها الله تعالي بقول :
    " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا " سورة البقرة / 143 .
    وبقوله :
    " فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ " سورة التغابن / 16 .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - وآله " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " .
    هذا وإن أفضل الأمم أمه محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله لقوله تعالي :
    " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " سورة آل عمران /110 .
    وقولة :
    " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا " سورة فاطر / 23 .
    ________________________________________
    وقد ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله قوله : " خير القرون القرن الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " .
    وإن جمهور العلماء متفقون علي أن أفضل السابقين الأولين هم الخلفاء الأربعة وأن أفضلهم أبو بكر وعمر ، كما اتفقت طوائف أهل السنة والجماعة علي أن أفضل الناس من أمة محمد بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله هم الخلفاء الراشدون .
    هذا وإن أفضل أولياء عند الله هو أحسنهم إدراكاً واتباعاً لما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله قولاً وعملاً ، ولهذا فإن كمال الواصلين إلي مقامات الولاية مستمد من اتباعهم لرسول الله وانتهالهم من معينه الصافي علماً وأدباً ، وإن عدم حصول بعض الكشوف لأحدهم ، أو عدم تسخير شئ من الكونيات لهم لا يزيد أو ينقص في مرتبته عند الله ، ولا يغير من حقيقة الواقع شيئا لأن الصالح صالح حصل له الكشف أو لم يحصل ، والفاسد فاسد حصل له الكشف أو لم يحصل ، وإن كان مسلماً بالسلوك عندنا أن التدين القوي والتقوى العامرة بالخشية من الله المزينة بالسلوك الحسن والشمائل الرفيعة يمهدان لكثير من ظهور الكرامات علي المتلبس بهما وذلك طبقا لقوله تعالي :
    "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2)وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ " سورة الطلاق / 2ـ3 .
    وقوله تعالي :
    " إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ " سورة الأنفال/ 29 .
    وقوله تعالي :
    " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا " سورة الطلاق / 4 .
    ________________________________________
    ... الخ ، ما هنالك من الآيات الكريمة يقربان إلي الله ويهبان للعبد من مظاهر رضوان الله وتكريمه في الحياة الدنيا ، ما يكن له حسابه وتقديره ، وحسبنا توضيحاً قوله - صلى الله عليه وسلم - وآله عن ربه في الحديث القدسي : " من عادي لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده يبطش بها ورجله التي يمشي عليها ، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش ، وبي يمشي ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض نفس عبدي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه " .
    كما كان كثير من الكفار والملحدين والوثنيين الخارجين علي منهج الحق وسنن الأنبياء والمرسلين والخارجين علي عقيدة الإسلام ومناهجه الصحيحة من عرفوا في التاريخ وفي هذا العصر الحديث في الشرق والغرب يقع لهم أو يملكون أن يوقعوا إذا شاءوا بقدرات يملكونها فيصنعون الكثير من الخوارق ، وعجائب التصرفات ، ومع ذلك فإن هذا لا يغير من حقيقة معتقداتهم الفاسدة شيئا ، ولكن الفرق بين هؤلاء وأولئك واضح وهو أن هؤلاء تحصل لهم هذه الخوارق والعجائب بمساعدة من قوي أرواح شريرة من الشياطين وأعوانهم ، وأولئك تقع لهم بفضل الله وتكريم منه .
    أحب هنا أن أذكر بأن ما سلكه بعض من نسبوا أو انتسبوا إلي الصوفية من السابقين للخيرات أو المقتصدين ممن اختاروا هذا المذهب في تطبيق الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكا ، لم يختاروه علي أنه أفضل مما كان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وعند صحابته ، بل اختاروه علي أنه سلوك في الطريق ذاتها مع شئ من التصوف الاجتهادي الذي لا يسئ طلبه ولا يعدل بهم عن أصوله وحدوده .
    ________________________________________
    وإن المغالاة في الزهادة والرهبنة والقول بأن السعي وراء الكسب حرام لا يحل إلا عند الضرورة لأنه ينفي التوكل أو ينقص منه (الاكتساب في الرزق المستطاب لمحمد الشيبباني 18 ) والانقطاع في المغارات وأعمال الصحارى ، ولبس المرقعات ، وكشف الرؤوس ، وتغسيل الشعر وحمل الحيات ، والنوم في المقابر وعند الأضرحة والصمت الدائم ، ولبس الصوف والتصوف في طاعة الشيوخ وتعظيهم أحياءً وأمواتاً إلي حد منحهم بعض امتيازات الألوهية وصفاتها ، والوقوف في الحلقات للذكر مع الطبول وضرب الدفوف وغيرها ليست عامة إمارات صلاح ، ولا وسائل طاعة وقربي إلي الله . بل إن بعضها قد يكون خطرا علي العقيدة وسلامتها إذ يخشى أن يكون سببا للانحراف بها عن الحق .
    وهكذا فإن التصوف يمكن أن يكون في حدود ما شرعه الله ، وفي حدود ما جاء به رسول الله الكريم ما لم يحل حراماً أو يحرم حلالاً ، وما لم يمكن فيه ابتداع لسلوك أو عبادة تتعارض مع نص أو مع ما اتفق عليه جمهور علماء المسلمين ، وما دام المتصوف مستلزماً بالأركان مقيماً للشعائر محلاً للحلال ومحرماً للحرام ، ومعتقداً بصورة عامة بمنهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله وصحبه من بعده وتابعيهم ومن لحقوا بهم بإحسان ، فهو مسلم مؤمن يحسن أجره ويطيب ثوابه ، وربما رقي بإيمانه وسلوكه إلي درجة الصالحين والمقربين .
    ولا يمكننا أن نقول إن التصوف علي ما عليه المنتسبون إليه وعلي اختلاف طرقهم مشروع علي إطلاقه ، لأن فيه كما أشرنا من قبل ما يتفق مع الإسلام وما تقره شريعته ، وما لا يتفق وفيه ما يرضاه وما ينكره ، وقد أحسن كثير من المتصوفة بالتزامهم حدود ما انزل الله وحدود آدابه ، وغالي الكثيرون منهم أيضا وانحرفوا وضلوا وأضلوا . ولذلك فإنه لا بد من تناول كل طريقة وكل صوفي وشيخ وما يحمل من فكر وعقيدة وتشريع وأدب ، ومناقشته في ضوء الكتاب والسنة ، وفي ضوء ما كان عليه السابقون الأولون من الاعتقاد والسلوك .
    ________________________________________
    وإن السادة الصوفية الأوائل من أمثال الجنيد البغدادي ، وبشر بن الحارث والحارث بن أسد المحاسبي ، ومعروف الكرخي ، عبد القادر الجيلانى والسيد أحمد الرفاعي ، وغيرهم هم من الذين سبقوا فولجوا هذا الطريق وأخذوا أساليب المتصوفة واشتهروا بها ، ومع ذلك لم يقل أحد منهم بأن لهم الحق في ابتداع ما يخرج من منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وحكمه ( النبيين وسنن المرسلين ) وسنن السابقين الأولين المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ، وقد روي عن الفضل بن عياض أنه فسر قوله تعالي :
    " لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا " سوره الملك /2 .
    أخلصه وأصوبه ذلك لأن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل . والخالص أن يكون لله وحده والصواب أن يكون علي النهج الذي بينه الله في كتابه والرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله في سنته .
    ________________________________________
    علي انه من مراجعة كتب التراجم وسير الرجال التي وضعها العلماء المنصفون المتقون ، لم نطلع علي ما يعاب علي أحد من هؤلاء في عقيدته أو دينه أو سلوكه وإن صاحب طبقات الأولياء ، والرسالة القشيرية ، وصفوة الصفوة وغيرهم استعرضوا سيرهم وأوسعوه الحديث عن صادق هدايتهم وحكيم أقوالهم وبعض ما كان لهم من كشوف وكرامات ، وقد تتبعنا بالذات ما كتبه عنهم العلامة ابن تيميه وما نقله عن بعضهم في كتابه ( مجموع الفتاوى وكتابه الاستقامة ) لما نعرفه عنه من شدة في هذه الأمور وتمحيص في النظر فرأيناه ينقل عن الجنيد قوله ( علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة فمن لم يقرأ القرآن ولم يكتب الحديث لا يصلح أن يتكلم في علمنا ( مجموعة الفتاوى 11 ، 595 ) ، ثم يصفه في موضع آخر بقوله : ( بخلاف الجنيد فإن الاستقامة والمتابعة غالبة علية ( مجموعة الفتاوى 494 ) ، ثم يثني عليه وعلي أمثاله من علماء وكبار المتصوفة في معرض نقده الشديد لابن عربي ، فيصفهم بأنهم من مشايخ أهل الكتاب والسنة ويدعو لهم بالرضوان من الله ذاكراً الفضيل بن عياض وإبراهيم بن أدهم وأبا سليمان الداراني ومعروفاً الكرخي ، والحفيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستر والشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ عدي والشيخ أبا مدين والشيخ أبا البيان ( مجموعة الفتاوى / 604ج11 ) ، وينقل عن سهل بن عبد الله التستر قولة : ( كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل ) ، وقولة ( كل علم علي ابتداع فإنه عذاب علي النفس وكل عمل بلا اقتداء فهو غش للنفس ) ( مجموعة الفتاوى / 11، 585 ) ، ويتحدث عن الشيخ السيد أحمد الرفاعي فيقول : ( أما كشف الرؤوس وتغسيل الشعر وحمل الحيات ، فليس هذا من شعار أحد من الصالحين لا من الصحابة ولا التابعين ولا شيوخ المسلمين لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا الشيخ أحمد الرفاعي ولا غيره وإنما ابتداع هذا بعد موت الشيخ أحمد بمدة طويلة ، وابتدعته طائفة انتسبت عليه فخالفوا طريق
    ________________________________________
    المسلمين وخرجوا من حقائق الدين وفارقوا طرق عباد الله الصالحين ) ( مجموعة الفتاوى / 494/ 11 ) ، ولا ينجو بعض اتباعه من حملة شديدة ربما بسبب أخطاء فادحة وقع فيها بعض من انتسبوا إلي طريقته ، ثم نقل عن أبي البسط أمي انه قال : ( لو رأيتم الرجل يطير في الهواء ويمشي علي الماء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف وقوفه عند الأوامر والنواهي ) .
    وهكذا فإنه يمكننا الخلوص إلي القول بأن المذكورين الذين تسألنا عن بيان الرأي فيهم ، في سلوكهم ومعتقداتهم هم من المشهود لهم أيضاً في الانصراف عن الدنيويات والزهادة فيها حباً لله وانشغالاً بآياته الربانية ، علي انه لا يجوز إطلاق الحكم علي المتصوفين جميعهم بالكفر لمجرد انهم متصوفون كما أنه لا يجوز إطلاق الحكم عليهم جميعاً بالصلاح والولاية لمجرد أنهم متصوفون بل ينبغي من خلال عرضها علي الكتاب والسنة ، فإن وافقتها فنعمت هي السيرة والأقوال والمعتقدات وإلا فيمكن إصدار الحكم عليها وعلي صاحبها في ضوء ذلك .
    ________________________________________
    ولقد قرأنا لكثير من هؤلاء وهؤلاء ، وتبين لنا أن منهم من خلط عملاً صالحاً بآخر سيئ ، ومنهم من انحرف ، ومنهم من استقام حتى كان في سلوكه وعقيدته وقولة مثلاً رائعاً في النقاء الصفاء وحسن السيرة ، فهم بشر ممن خلق الله ، وعلي الناس ، وأتباعهم بالذات ألا ينجرفوا وراءهم علي عمي وغير هدي ، بل بعد مناقشة ومحاكمة ودراسة ، وبخاصة عندما ينحرف أحدهم مه هواه ، ويسقط في بعض مغريات النفس وأضاليل الشيطان فيقع في الكذب أو النفاق أو الاحتيال أو الابتزاز ، ويطلب من اتباعه من المطالب ما لا يتفق مع منهج الإسلام وما يوردهم موارد الزيغ والضلال مثل أن يتوجهوا إليه بالاستشفاع أو الاستعانة أو الدعاء كما يستغيثون بالله ويدعونه فإن مثل هذه الأمور هي ضروب من التغرير بالناس وتضليلهم لاستغلالهم وابتزازهم يستحلون بها بعض ما حرم الله ويخرجون بها عن مناهج الأنبياء والمرسلين والصالحين من عباد الله كما أن فيها انحرافاً عن الاعتقاد السليم وسقوطاً في متاهات الزندقة أو الشرك ، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يراجعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ويسألونه وينصحون له ويستنصحونه ، وكانوا يناقش بعضهم بعضاً ويراجع بعضهم بعضاً ولذلك فإنه يلزم من يطلع علي مثل هذه التصرفات المبادرة إلي إنكارها والتبرؤ منها ومن الداعي إليها ومن معتقداته وسلوكه ومطالبته بالتوبة عنها والعودة إلي النهج القويم ، وفي حال إصراره عليها الاستعانة بأولي الأمر لوضع حد لذلك حسبما تقتضيه أحكام الشريعة الغراء ، وتنبيه الغافلين إلي فساد تلك التصرفات والمعتقدات خوفاً من انخداعهم وتأثرهم بها .
    وهكذا فإن التصوف سلوك ولكنه لا يجوز أن يخرج عن حدود ما جاء به الكتاب والسنة من عقيدة شريعة وحكمة وأدب والمتصوفة الصالحون المخلصون من أعلام هذه الأمة لا يسعهم إلا الأخذ بما أخذ به الأولون والاهتداء بهديهم ، وبخاصة وهم يحملون رسالة الإسلام وينبرون لتربية الأجيال وتعليمهم وتهذيبهم وذلك ليستمر هذا الدين مناراً للقلوب والعقول يتوارثونه كابراً ن كابر حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهم علي خير ما يجب ويرضي .
    والله ولي التوفيق ،،،
    مفتي الجمهورية اللبنانية
    حسن خالد
    ________________________________________
    جمهورية القمر الاتحادية
    دار الإفتاء
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من بعثه الله هداية ورحمة للأولين والآخرين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ـ
    أما بعد :
    فهذا ما سمح بكتابته اليراع استجابة لنداء فضيلة الشيخ السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي الكويتي في الأسئلة التي وجهها إلى أصحاب السماحة والفضيلة العلماء طلباً للإدلاء بآرائهم فيها وهي كما تلي :-
    تدور حملة مكثفة للتشهير بالصوفية عموماً دون التفرقة بين الصالحين منهم والمنتسبين ونحن نقدم إلى لجنتكم الموقرة الإجابة على هذه الأسئلة :-
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty رد: الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 05, 2012 1:14 pm

    - ما مدى مشروعية التصوف ؟
    2- ما رأي العلماء في السادة الصوفية الأوائل أمثال الجنيد البغدادي ، وبشر بن الحارث المحاسبي ، ومعروف الكرخي ، والشيخ عبد القادر الجيلاني ، والسيد أحمد الرفاعي وغيرهم من أعلام الأمة ؟
    3- ما حكم من يكفر جميع الصوفية أو ينسبهم إلى الشرك ؟
    4- هل للصوفية عقيدة خاصة تخالف وتجفو عقيدة أهل السنة والجماعة ؟
    5- ما حكم التشهير بهم ؟
    الإجابة :-
    ________________________________________
    أولاً قبل كل شئ أود أن أذكر شيئاً من كلام العلماء في تحديد معنى كلمة الصوفية ومأخذها في اللغة العربية ، فقد تفننوا في ذلك فقال بعضهم : إن الكلمة مأخوذة من كلمة صوفيا وهي كلمة يونانيا معناها الحكمة ، وقال آخرون إنها منسوبة إلى الصفة بتشديد الفاء محل في المسجد النبوي كان منزلاً لطائفة من الصحابة انقطعوا بقلوبهم وقوالبهم لعبادة الله وهم المعنيون بقوله تعالى مخاطباً لرسوله الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وآله بقوله :
    " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ " سورة الكهف /28
    والمعنى في نسبة الصوفية إلى هؤلاء أنهم كانوا أمثلة لهم في الزهد والتخفيف من متاع الحياة وهناك قول في الصوفية منسوب إلى قبيلة كانت منقطعة لخدمة الكعبة أسمها الصوفية ، وقال جمع إن كلمة الصوفية مأخوذة من الصفاء والمصافاة وبهذه الآراء يعلم أن الصوفية باعتبار مأخذها ونسبتها كلمة دينية يراد بها معنى ديني ولا يقدح في ذلك ولا يعد ابتداعاً كون الصوفية والتصوف باعتبار الاسم لم يكن في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله ، ولا في عهد الصحابة وعهد التابعين ما دامت عقيدتهم وأقوالهم وأعمالهم جارية وموافقة تماماً لما في الكتاب والسنة ، كما لا تعد أسماء المذاهب التي لم تكن تذكر في العهود الأولى ابتداعاً في الدين كالأشاعرة والماتريدية والمذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي وغيرهم .
    التصوف الذي يقول به الصوفية اصطلاحاً
    التصوف هو إيمان صادق في عقيدة صحيحة وعلم لما في الكتاب وما جاء في السنة المطهرة وعبادات خالصة وأخلاق كريمة ومجاهدات ورياضات لنفوسهم وتهذيب وتأديب لأتباعهم بالآداب الشرعية وسلوك تطبيقي يهدي إلى ( مقام الإحسان ) الذي فصله النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله في الحديث بقوله : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " .
    ________________________________________
    وبهذا يتضح أن التصوف الصحيح حصيلة لأتباع ما جاء في الكتاب والسنة ويتضح أيضاً إن أئمة الصوفية هم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه والتابعون ومن صار على نهجهم واقتدى بهم في العقيد والقول والأعمال كالجنيد البغدادي وبشر بن الحارث والحارث المحاسبي ومعروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني والسيد أحمد الرفاعي والسيد أبي الحسن الشاذلي وغيرهم من أعلام الأمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، ويتضح بهذا أيضاً الجواب عما جاء في الأسئلة ( ما مدى مشروعية التصوف ) .
    كما يظهر جلياً للمنصف أنه ليس للسادة الصوفية عقيدة تخالف وتجافي عقيدة أهل السنة والجماعة فمن تعرض لهم بالتكفير والتشهير ونسبة الشرك إليهم بلا تفرقة بين الصادقين منهم والمدعين الكاذبين والمشعوذين الماكرين فقد عرض نفسه للتهديد الشديد والوعيد الصارم الذي ورد عن الله تعالى في الحديث القدسي ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ) رواه البخاري .أعلن سبحانه وتعالى بالهلاك والدمار على من عادى أولياءه وحارب أحباءه لكونه عائده وحاربه ومن عاند الله وحاربه أهلكه لأنه الغالب عز وجل ولأنه عزيز ذو انتقام ومن سنته جل وعلى أن ينصر المؤمنين على أعدائهم كما قال جل وشأنه :
    " وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ " سورة الروم / 47
    وقد نوه سبحانه وتعالى بالذكر للأولياء الذين تجب موالاتهم وتحرم معاداتهم بقوله :
    " أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(63)لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ " سورة يونس /62-64
    وقسمهم تعالى في الحديث القدسي السابق الذكر في قسمين : القسم الأول : المقتصدون وهو الذين قال فيهم : وما تقرب إلى المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم ، والقسم الثاني : هم السابقون المقربون وهم الذين قال فيهم : ولا يزال عبدي يقترب إلي بالنوافل أي بعد أداء ما افترضت عليه حتى أحبه وإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها إلى آخر الحديث ، وفي النهي والتحذير عن تشهير المسلم وسبابه قال - صلى الله عليه وسلم - وآله : " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر " رواه الطبراني عن إبن مسعود ، أما الكرامات وخوارق العادات ليست من لوازم الولاية ولا من الدلائل عليها وجوداً وفقداً .
    هذا ونسأل الله تعالى القدير أن يحيينا ويميتنا ويبعثنا على دين الإسلام وأن يجعلنا في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ـ وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
    المفتي
    محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ أبو بكر بن سالم
    مفتي جمهورية جزر القمر الإسلامية
    ________________________________________
    الصوفية والعلم والعمل والجهاد في سبيل الله:
    الصوفية رهبان الليل وفرسان النهار
    طالما سمعنا دعاوى عريضة يتهجم بها على قوم الصوفية ، يدعون فيها: أنهم يتقاعسون عن الجهاد في سبيل الله ، أو يترهبون وينقطعون في الزوايا يتعبدون دون عمل يبتغون به رزقهم من فضل الله.
    والحقيقة أنهم أحقاء بالوصف المشهور : رهبان بالليل وفرسان بالنهار ، بعد صحابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، في أتم صحبة للمثل الأعلى
    ________________________________________
    - صلى الله عليه وسلم - وآله ومن أراد البراهين القاطعة فليراجع كتب التراث الإسلامي ، والتي سنورد منها هذا الفصل بعضها ، فهم أهل التضحية والفداء والرباط في سبيل الله عبر الأجيال ومنذ القرون الثلاثة الأولي ـ وهي قرون الخيرية العليا ـ كما جاء في حديث الحبيب المصطفي - صلى الله عليه وسلم - وآله : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " ـ فهم أهل العلم والجهاد في سبيل الله عبر الأجيال حتى عصرنا الحاضر ، الذي نذكر فيه : الشيخ عبد الكريم الخطابي ، والشيخ عبد القادر الجزائري ، وعمر المختار ، كما للصوفية دور كبير في حروب التتار والحروب الصليبية ورجالهم من الصوفية وأهل الفتوة في الإسلام .
    أما القرن الأول فقد قال علقمة بن مرثد ـ المتوفى 120 هـ : " انتهي الزهد إلي ثمانية من التابعين وهم : عامر بم عبد الله ، وأويس القرني ، وهرم بن حيان ، والربيع بن خيثم ، وأبو مسلم الخولاني ، الأسود بن يزيد ، ومسروق بن الأجدع ، والحسن البصري. هذا وقد عدهم العلماء أنهم من كرام التابعين الزاهدين المخلصين ، وأنهم أول من أسس حركة الزهد والتصوف في الإسلام ، بعد ما زرع بذورها صحابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، وأول من حققوا معني ( مقام الإحسان ) والصدق مع الله . بعد صحابه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، وهؤلاء من كرام التابعين بإحسان ، وما منهم أحد إلا وله قدم صدق في العلم والزهد والجهاد والمرابطة في سبيل الله ، ونخص منهم ـ في بحثناً هذا ـ الإمام الحسن البصري ـ لأهمية كمرجع جليل للصوفية علماً وعملاً وحالاً .
    الإمام الحسن البصري ( 21-110هـ )
    الحكيم المعلم ، والشيخ الزاهد ،والبطل المجاهد
    ________________________________________
    يعتبر الإمام الحسن البصري المرجع الحكيم للصوفية فما من كتاب في التصوف إلا ويشير إليه كقمة في هرم سلسلة شيوخهم ، ولأنه تعلم على أيادي الصحابة ، ولاسيما الإمام علي كرم الله وجهه وقد ذكر ( أبن كثير ) أن الحكمة التي أوتيها الحسن والعلوم من بركة رضاعة من ثدي أم المؤمنين أم سلمة زوجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله لعبد الله بن عباس : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " ، حيث كانت أمه تخرج به للصحابة وهو صغير فيدعون له وكان يقول : " أدركت 70 بدرياً وصليت خلفهم ، وما كان لبسهم سوى الصوف لو رأيتموهم لقلتم مجانين .
    وقال أبو طالب المكي ( المتوفي سنة 386هـ ) : كان الحسن - رضي الله عنه - أول من أنهج سبيل هذا العلم ( التصوف ) وفتق الألسنة به ، ونطق بمعانيه وأزهر أنواره ، وكشف قناعه أي إن التصوف تفتحت أزاهيره منذ القرن الثاني ـ وإن كان هو في أنواره وحقائقه ، وسلوكه وهدية من سيرة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه الأعلام لأنه على الحقيقة (مقام الإحسان ) الذي كانوا عليه .
    أما أن ( الحسن البصري ) كان من المجاهدين في سبيل الله فقد أورد أبن سعد في الطبقات الكبرى ( جـ3 صـ175 ) " سأل : هل غزوت ؟ قال : نعم غزوة كابل مع عبد الرحمن بن سمرة .
    كما يعده كثيراً من الحفاظ أنه ممن لازم الجهاد كما لازم العلم والعمل ، كما كان أحد الشجعان الموصوفين في الحرب .
    كما كان من كبار الزاهدين ـ فهو القائل : " ما عمل بعد الجهاد في سبيل الله أفضل من نشأة الليل " .
    وهكذا شأن كرام التابعين السبعة الأوائل الذين أفنى عليهم الحفاظ ونصوا على أولياتهم في التابعين بإحسان والصادقين مع الله وأهل الحكمة والصفاء ، ومن المجاهين في القرن الأول والثاني ـ من قرون الخيرية ـ وفي أمة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وآله ( خير أمة أخرجت للناس ) ـ كما أشتهر هذا الشأن للرعيل الصوفي طبقة بعد طبقة عبر الأجيال .
    ________________________________________
    بل ويذكر المؤرخون المنصفون أن التصوف وليد حركة الزهد والتمسك والإخلاص مع الله ، وحسن الإقتداء بحبيبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه السلف الصالح وذكروا أنهم بالأخص ( محمد بن واسع ، ومالك بن دينار ) ، ممن ترددوا على حلقة الحسن البصري ـ حيث أذن له الإمام علي كرم الله وجهه ـ دون كثي غيره للعظة والدرس فتخرج في مدرسته الكثيرون من كرام الأصفياء ، ومنهم أيضاً عبد الواحد بن زيد القائل : " لكل طريق مختصر ومختصر طريق الجنة الجهاد " .
    ونتخير لبحثنا إماماً آخر من أئمة التصوف في القرن الخيرية الثاني ، ونعني به إبراهيم بن آدم لثناء علماء الأمة عليه عبر الأجيال .
    إبراهيم بن أدهم:
    من القرن الثاني الهجري
    يعد من أئمة الصوفية الروحانيين كان أبوه ملكاً ، ولكن الأبن تزهد أختياراً وساح في البلاد ، وجعل ثغور الإسلام له مقاماً مرابطاً ومجاهداً ، وداعياً إلى الله ورسوله .
    يذكره ( أبن عساكر ) فيقول : " كان فارساً شجاعاً ، ومقاتلاً باسلاً ، رابط في الثغور وخاض المعارك ضد البيزنطيين " .
    وقد أثنى على ورعه أحمد بن حنبل والأوزاعي وسفيان الثوري والنسائي وغيرهم قال أبن حيان : إنه خرج للشام طلباً للحلال المحض ، فأقام فيها غازياً ومرابطاً يلزم الورع الشديد والجهد الجهيد حتى مات ، وحكمه في الدعوة إلى الله عز وجل مأثورة في كتب القوم وغيرهم .
    وتتلمذ على يديه وتابعه الكثير من المجاهدين الأبطال أما هو فقد ذكر ابن كثير وياقوت الحموي : أنه مات وهو قابض على قوسه متهيئاً لرمي العدو في جزيرة من بحر الروم سنة 162 هـ .
    عبد الله بن المبارك
    شهرته تغني عن الإطالة : كان يغزو سنة ويحج سنة ، ويتاجر سنة ، وما يحصل عليه في تجارته يوزعه على الفقراء ، أو يصحبهم في الحج على نفقته .
    ________________________________________
    ويقول عنه الخطيب البغدادي : كان الربانيين في العلم ومن المذكورين في الزهد . وخرج من بغداد إلى ثغر المصيصة ( مرابطأً ومجاهداً ) فصحبه الصوفية ـ في قصة طويلة طريفة ، بسطها تاريخ بغداد ( جـ10 ، ص 157 ) .
    وينقل الحافظ ابن حجر العسقلاني كلام الخليلي في الإرشاد " لأبن المبارك من الكرامات ما لا يحصى ، ويقال إنه من الأبدال وقد صدرت تراجم الصوفية بأسمه " .
    وفي حليه الأولياء : سئل ابن المبارك : من الناس ؟ قال : العلماء ، قيل: ومن المملوك ؟ قال : الزهاد ز وله كتاب ( الزهد والرقائق ) ، وهو أول من صنف في الجهاد ويفسر قوله تعالى :
    " وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ " الحج /78 .
    أن معناها مجاهدة النفس والهوى ـ وذلك حق الجهاد ، وقد توفى منصرفاً من الغزو سنة 181 هوذلك باعتبار أن المجاهدة للنفس هي الجهاد الأكبر ، وبه وحده يتم تحقيق معنى العبودية لله بالتزام شريعته ، فتتحقق الخلافة عن الله وبذلك تعمر الأرض ، ويدفع شر المفسدين فيها بالجهاد في سبيل الله وترتفع منارة التوحيد والعلم عن الله العظيم .
    أبو سعيد الشهيد ( من أتباع ابن المبارك )
    وممن أدرك عبد الله بن المبارك أبو سعيد الشهيد ، وكان صاحب بأس شديد ، استشهد بعد ما قتل العديد من الأعداء الأشداء وقد أنشد قبل موته :-
    أحسن بمولاك يا سعيد ظناً هذا الذي كنت له تمنى
    تنحين يا حور الجنان عنا مالكن قاتلنا ولا قتلنا
    لكن لربنا قد اشتقنا قد علم السر وما اعلنا
    ويقول الباحثون : ط لقد جسد الصوفية باندفاعهم إلى ميادين الجهاد الارتباط الإسلامي بين العبادة والجهاد ، وأشاعوا في الثغور والرباطات شعوراً دينياً خاصاً له أبعد الأثر في الصمود والنصر بشجاعتهم ، ودعوتهم للجنود للاستبسال والصدق مع الله "
    ________________________________________
    نماذج من الصوفية المجاهدين في القرن الثالث:
    نلتقي في المصادر بالمئات من المتطوعين الصوفيين من القرن الثالث الهجري خاضوا الجهاد ضد الروم ودرء خطرهم عن الشام ، وجزيرة الفرات ومشايخهم والشهداء من النعيم الخالد والرضوان الأكبر ومن مشاهيرهم :-
    حاتم الأصم:
    هو حاتم الأصم ـ القدوة الرباني ـ كان يلقب بلقمان الأمة ـ وقد أشترك في حرب الترك .
    أبو يزيد البسطامي:
    أبو يزيد البسطامي الملقب بسلطان العارفين ( توفى سنة 261هـ)جاء عنه في شذرات الذهب ـ وفيات سنة 237 هـ .
    " كان خلال وجوده في الثغر يحرس طيلة الليل ، ويرابط ويتعبد ويذكر الله ويذرف الدموع خشية لله العظيم ، ويتضرع إلى الله العظيم لتمام النصر " .ومن أقواله : لم أزل منذ 40 أربعين سنة ما استندت إلى حائط إلا إلى حائط مسجد أو رباط ( في سبيل الله ) وبذلك يتجلى كيف كانوا رهبان الليل وفرسان النهار .
    لذلك يقول : أقامني الحق مع المجاهدين أضرب بالسيوف في وجه الأعداء .
    أبو حمزة الصوفي:
    يعد من أوائل من تكلم بالتصوف ببغداد مع صفاء الذكر ، وجمع الهمة والمحبة والشوق والقرب والأنس بذكر الله ـ وفق ما ذكره الخطيب في تاريخه .
    وهو محمد بن إبراهيم أبو حمزة الصوفي ( توفى سنة 269 هـ ) ، كان عالماً بالقرآن . جالس أحمد بن حنبل ، وبشر بن الحارث ، وكان له مهر رباه يحب الغزو والجهاد عليه.
    ويقول الجنيد عنه : " حبب إلى أبي حمزة الغزو وكان يأتي بلاد الروم للمجاهدين معه وعليه جبة صوف "
    السري السقطي ( توفى سنة 253 هـ ):
    وهو من كبار الصوفية ، وحكى المؤرخون عنه الكثير عن المجاهدات في أرض الروم .
    ويتجلى رأيه في الجهاد في تفسيره للآية الكريمة
    " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ "
    آل عمران /200
    فقال :- صابروا أراد الثبات في المعركة مع الاستقامة والصبر .
    ________________________________________
    قال الحسن بن البزار : سألت أحمد بن حنبل عن السري السقطي بعد قدومه من الرباط في الثغر فأثنى عليه .ومن كلامه ( من صفات الصوفي الا يتكلم بباطن علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة )
    الإمام الجنيد محمد أبو القاسم الخراز ( توفى سنة 297 هـ ):
    سيد الطائفتين : ( الفقهاء والصوفية )
    وقد أجمع العلماء قاطبة علي فضلة وإمامته وتقدمه حتى عده ابن الأثير : ( عالم الدنيا في زمانه ) .
    وقال ابن كثير في ترجمته : " سمع الحديث وتفقه ولازم التعبد ففتح الله عليه بسبب ذلك علوماً نافعة كثيرة ، وأموراً لم تحصل لغيره في زمانه ، وكان يعرف سائر فنون العلم حتى اشتهر بلقب ( سيد الطائفتين: الفقهاء , والصوفية ) .
    وقد أثني عليه الشيخ ابن تيميه قائلاً : الجنيد - رضي الله عنه - سيد الطائفة إمام هدي ... إلي أن يقول : " من يخالفه فمن أهل الضلال. وقد اشترك في الجهاد في سبيل الله يقول : " أرسل إلي أمير الجيوش شيئاً من النفقة فكرهت ذلك لنفسي ففرقتها علي محاويج الغزاة .
    ________________________________________
    ومن مأثوراته : ( لكل أمه صفوة ، وصفوة هذه الأمة الصوفية ) ، ويقول : التصوف صفاء المعاملة مع الله ، كما قال الصحابي الجليل حارثة وقد سأله الحبيب المصطفي - صلى الله عليه وسلم - وآله : كيف أصبحت يا حارثة قال : ( عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى وأظمأت نهاري ، فكأني أري عرش ربي بارزا ، وأهل الجنة في الجنة يتزاورون وأهل النار في النار يتعاوون ويبكون ) ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله عرفت فالزم . عبد نور الله بالإيمان قلبه ... من أراد أن ينظر إلي رجل من أهل الجنة ، فلينظر إلي حارثة . وتدبر قوله عن سلوكه مه الله ( فأسهرت ليلي ، وأظمأت نهاري ) ففيهما ( مقام الإحسان ) متجلياً .. ثم تدبر قوله - صلى الله عليه وسلم - وآله : " عرفت فالزم " وتقريره لصدق السلوك من عبد نور الله بالإيمان قلبه .. والتابعون بإحسان هم أهل ذلك بتوفيق من الله العظيم ، وكما وصفهم :
    " وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا(63)وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا " سورة الفرقان/63-64.
    ________________________________________
    دور الصوفية في الحروب الصليبية:
    الناحية الصوفية عند بطل الحروب الصليبية
    نور الدين محمود زنكي
    أجل لقد كان للصوفية جور بطولي كريم في الجهاد في سبيل الله في الحروب الصليبية تحت قيادة بطل الإسلام والمسلمين ( نور الدين محمود زنكي ) .
    قال ابن الأثير وغيره " وكان يحضر مشايخهم ويقربهم ، ويتواضع لهم ، ويجلسهم معه علي سجادته ، ويسمع لحديثهم .
    وكان من المشايخ الكرام الشيخ القدوة ( حياة بن قيس الحراني ) "توفي سنة 586 هـ " وكان صاحب كرامات وأحوال ، وقد كان لتشجيعه نور الدين وقاده جيشه أثر كبير في الشجاعة والمثابرة والنصر العزيز ، ومنهم ( الشيخ عماد الدين أبو الفتح حموية ) نزيل دمشق سنة 563 هـ قال عنه البغدادي :" لم يكن له في علم الطريقة والحقيقة نظير ، وقد أصدر نور الدين منشوراً له بمشيخة الصوفية في الشام لكرامته في الجماعة وحكمته ولدوره الكبير في تربية الشباب والرجال من أبطال الإسلام " .
    ومنهم ( ابن الصابوني ) الزاهد الذي مر بدمشق فسأله نور الدين الإقامة بها فيكون معه ويستشيره ويأنس به فأعتذر بقصد زيارة الإمام الشافعي فجهزه علي مصر ، وأصحبه الأمير ( نجم الدين أيوب والد السلطان صلاح الدين ) .
    وكان منهم ( الشيخ عمر الملا ) ، يقول عنه البغدادي : " وهو من أئمة العارفين يزوره العلماء والملوك في زاويته ، وكان يقيم حفلً عظيماً في المولد النبوي الشريف ينشد فيه الشعر في مدح الحبيب ، وكان نور الدين يستشيره ويعظمه .
    وكذا السلطان ألب أرسلان
    هذا وقد أثني المؤرخون علي ( السلطان السلجوقي ألب أرسلان ) صاحب موقعه ( ملاذكرد ) التي انتصر المسلمون فيها علي الروم سنة 463 هـ ، كما في شذرات الذهب ، وذكر أنه كان يتبرك بالصوفية ولا سيما ( بالشيخ أبي القاسم القشيري ( توفي سنة 485 هـ ) وأبي نصر محمد بن عبد الله البخاري الصوفي ) الذي أشعل حماس الجنود بخطبته قبل المعركة فكان لذلك أثر كبير في النصر بتأييد الله العظيم .
    الناحية الصوفية عند بطل الإسلام
    صلاح الدين الأيوبي ( 532 ـ 589 هـ )
    لقد ارتبط العصر الوسيط بوصف الصلاح والزهد والورع وحسن العقيدة بالصوفي في البطل المؤيد ( صلاح الدين الأيوبي خليفة نور الدين محمود ) ، وبطل الحروب الصليبية الأشهر فقد ارتبطت صفاته بالصوفي الزاهد الورع التقي النقي بركة أهل زمانه كما يقول السبكي في طبقاته .
    ________________________________________
    وقال عنه ابن كثير : كان شجاعاً كثير الصلاة وله ( خانقاه بالديار المصرية ، أقامه للصوفية ومثله بدمشق ) ، وكان نصره الأكبر في فتح القدس في 27 رجب سنة 583 هـ بعد معركة حطين ، وشهد فتحه الكثيرون من رجال التصوف من أرباب الخرق والزهد والعلم وتوقيته بهذا اليوم العظيم في ذكري الإسراء والمعراج إشارة ربانية لرضوان الله علي الجيش وقائدة وهو القائل عز وجل :
    " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " سورة غافر/ 51
    وقد أمر بالمحافظة علي كنيسة القيامة ، فضرب بذلك مثلاً عظيماً في سماحة الإسلام وبني قريباً منها مدرسة للفقهاء الشافعية ، ورباطاً لصلحاء الصوفية ليثبت للصليبين أن الإسلام دين السماحة والسلام وهذا بجانب إحسانه لأسراهم وإطلاق سراحهم وعلاج جرحاهم .
    وتاريخ الإسلام شاد صدق علي أدوار الصوفية في الجهاد البطولات الإسلامية وصدق الرباط والحفاظ علي ثغور الإسلام ـ في كتائب الجيوش ، أو في الدعوة والإرشاد في المساجد والزوايا ، فهم بصدق كانوا ( رهبان الليل وفرسان النهار ) وكان لهم الأثر الكبير في إذكاء روح الحماس في المعارك ، والصبر والمصابرة في الجهاد في سبيل الله عبر الأجيال _ كما يشهد بذلك سجل التراث الإسلامي كله ، وقد أشرنا لبعضه كبرهان قاطع :
    " لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا " سورة الفرقان /62
    الرجوع الى فهرس المحتويات?
    وفي حروب التتار وفي العصر الحديث أيضاً
    الصوفية ( رهبان الليل وفرسان النهار )
    ________________________________________
    ثم إن الحديث يطول في شأنهم بنفس المراجع السابقة وغيرها في حروب التتار يضيق عنه المقام وإن كنا نذكر منهم الإمام أبو الحسن الشاذلي ورجاله الأصفياء والشيخ العز بن السلام ( سلطان العلماء ) وهو شيخ سيف الدين قطز أمير مصر والشام حينئذ وقائد موقعه ( عين جالوت ) بالشام والتي تمت بتوقيت إلهي جليل في 27 رمضان سنة 658 هـ للقضاء علي التتار الذين كانوا قد قضوا علي الخلافة العباسية سنة 656 هـ وذلك في إشارة ربانية عظيمة علي رضوان الله علي الجيش ورجالة وقائدة وقادته من أهل الله الذين يتم بهم وبأمثالهم استخلاص العالم الإسلامي من قبضة التتار بالنصر والتأييد
    " وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " سورة الأنفال /10
    وذلك كما تم تخليص بين المقدس والبلاد الإسلامية من قبضة الصليبين من قبل علي يد صلاح الدين البطل الصوفي العظيم في 27 رجب سنة 583 هـ
    " لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ " سورة الروم /4-5
    ________________________________________
    بل وفي العصر الحديث قام شيوخ الصوفية بدور كبير في جهاد الاستعمار والمستعمرين نذكر منهم الشيخ عبد الكريم المغربي في المغرب ، والشيخ عبد القادر الجزائري في الجزائر ، في مواجهة الاستعمار الفرنسي ، في جهاد بطولي خالد هنا وهناك . ثم عمر المختار في مواجهة الاستعمار الإيطالي ، وجهاده البطولي مع صحبة الكرام من الصوفية الأصفياء لمدة ( 25 ) خمسة عشرون عاماً في ليبيا , دوخ فيها جيوشهم جيشاً بعد جيش ، ومع قلة أصحابه وقلة سلاحه إلا أنهم كانوا صفوة أيدهم الله بروح من عنده ، فصمدوا وضربوا أمثلة عليا في الجهاد الصدق مع الله ، كما خلد القائد الحكيم أمثلة عليا في الكفاح ، بل وفي معاملة أعدائه الذين وقعوا في أسرة كشف بها عن سماحة الإسلام وأنه دين الحق والسلام ، وقد سجلها المؤرخون بإجلال في الغرب والشرق . ولقد حاول العدو إغراءه بكل وسيلة ، ولكن هيهات لأهل الله أن يتخلوا عن واجبهم المقدس ، لذلك آثر الشهادة جليلاً في مقامه عظيماً في بطولته ، صادقاً مع ربه ، ولولا نفاد ذخيرته لكان له معهم شأن آخر . لذلك كان انتقام العدو منه مروعاً ، لكنه كان استشهادا رائعاً في ميزان الحق ليكون في الملأ الأعلى ( في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
    " مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا "
    والآن ـ لطالب الحق ببراهينه ـ أن يراجع باستفاضة التراث الإسلامي القديم ولا سيما في المصادر التي جاءت في الكتاب ، وفي المصادر الحديثة التي أشرنا إليها أيضاً ، ولا سيما كتاب السيد أسعد الخطيب .
    ففيه كفاية لم أراد أن يتغير .. والله تعالي ولي النعمة والتوفيق .
    ________________________________________
    جريدة "الأنباء " اليومية الكويتية تسأل والرفاعي المؤلف يجيب على
    ( شبهات حول التوصف )
    حمل المحرر الأستاذ مهدي عبد الستار الأسئلة الساخنة التالية التي تمثل معظم شبهات ( خصوم التصوف ) إلي المؤلف حيث تمت الإجابة عليها بالشكل التالي :-
    * أنتم متهمون بنشر عقيدة وحده الوجود والقول بالحقيقة المحمدية وأنه المستوى علي العرض وقد خلقت السموات من نوره ؟
    * تدعون أن إبليس كان موحداً عابداً وهو من أهل الجنة ؟
    * أقمتم مذهبكم علي إدعاء الولاية وعلم الغيب والتعلق برموز من الزنادقة استباحوا المحرمات وأسقطوا الفرائض كالحلاج وابن عربي ؟
    * عطلتم فريضة الجهاد ونفرتم من العلم الشرعي ودعوتم إلي الزهد في الدنيا وعدم الزواج ؟
    * دعوتم إلي تعظيم القبور والتعلق بالأولياء وأحييتم مظاهر الشرك في الأمة ؟
    * تطوفون بالأضرحة وتقبلون الحديد وتستغيثون بأصحاب القبور وهذا كفر بواح ؟
    * أسستم الطريقة الرفاعية ببرقمة البلبل ؟
    * تسخرون الحيات والثعابين والسباع لخداع عوام الناس .
    مهدي عبد الستار
    المؤلف السيد يوسف هاشم الرفاعي يرد علي الاتهامات
    عناصر الرد :-
    * عندنا تحفظات علي المدارس الفلسفية التي أشاعت هذه ( عقيدة وحده الوجود ) وليس لهم مجالس ولا مريدون الآن .
    * إبليس كان موحداً لأنه أقسم بعزة الله لكن بعصيانه أصبح إمام أهل النار .
    * نتبرأ من مقولة ابن عربي في إبليس لأنها توحي بالتساهل في شأنه ، ولا يمنع أن تكون مدسوسة عليه ، كما دسوا الكثير علي الإمام الشعراني وغيره .
    * يوجد خلق بين التصوف الشرعي والفلسفي الذي نتبرأ من كثيرة .
    * الصوفيون الذين آثروا الخلوة تصرفهم فردى لا يحسب علي المهج ، فقد وجد بين العلماء من أفتي بفتاوى باطلة فهل الشرع كله باطل ؟
    * تلاميذ الرفاعي والجيلاني وأبي الحسن الشاذلي وقفوا في وجه الصليبين والتتار بالجهاد وأنا أعمل بالتجارة وقد تزوجت أكثر من مره
    * يوجد فهم خاطئ لعلاقة الأحياء بالأموات سنوضحه وزيارة القبور ليست شركاً .
    ________________________________________
    * الدعاء في مراقد الصالحين مستجاب وفئة قليلة ترفض التوسل بالميت الصالح من الأولياء .
    * نعم يوجد من يسئ بجهالة في زيارة الأضرحة وعلينا أن نعلمهم الصواب بدلاً من منعهم أو اتهامهم بالشرك وعبادة القبور .
    * نؤمن بالعلم اللدني ولا نأخذ منه حكماً شرعياً .
    * ( برقمه البلبل ) خيال فكري أدبي للشيخ الرواس وإن وجدنا فيها ما يخالف القرآن الكريم والسنة المطهرة تبرأنا منها .
    * يجب أن لا ننكر ( دور الصوفية في نشر الإسلام ) والتصوف ليس عقيدة بل زيادات في الجوانب التعبدية في النوافل والأخلاق والآداب في مقام ( الإحسان ) .
    * لا نأكل اللحوم أيام الخلوة لأنها تقسي القلوب .
    * مستعد لمناقشة علماء السلف في فكري الصوفي لاشتماله علي الجوانب الروحية ولا يكمل الدين إلا به .
    * الصوفية لم يخرجوا عن الشرع قيد أنمله وإن كان أصاب طريقتهم ما أصاب باقي العلوم من الشطحات .
    وقد أجرى الحوار وسجل الإجابات
    الأستاذ مهدي عبد الستار
    خلاصة الرد :-
    قد أكد السيد يوسف هاشم الرفاعي أنه ينتمي للفكر الصوفي ويتبناه ويدعو إليه مشيرا أن الصوفية تمثل الجانب الروحي في الإسلام وأن الدين لا يكمل إلا به .
    وأوضح أن الصوفية لم يخرجوا عن الشرع قيد أنمله وقد أصاب طرقهم ما أصاب باقي العلوم الشرعية من الشطحات مبيناً أنه عنده بعض التحفظات علي المدارس الفلسفية التي أشاعت عقيدة ( وحده الوجود ) وأن هناك خلطاً بين ( التصوف الشرعي والتصوف الفلسفي) الذي أعلن براءته من كثير منه مما يخالف نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة .
    وأشار الرفاعي في رده عل اتهامات " الأنباء " إن إبليس كان موحداً لأنه أقسم بعزة الله ، إلا أنه أصبح إمام أهل النار لأنه عصي أمر الله تعالي ، كما أعلن تبرأه من مقولة فيلسوف الصوفية محيي الدين بن عربي في إبليس لأنها توحي بالتساهل في عصيانه لله جل وعلا . إن لم يكن مدسوسة عليه .
    ________________________________________
    وبين أن هناك فهماً خاطئاً لعلاقة الأحياء بالأموات حيث عد زيارة القبور بأنها مشروعة وإن صاحبها بعض الأخطاء فيجب أن تصحح ولا تمنع ، موضحا أن الدعاء في مراقد الصالحين مستجاب وإن كان هناك من العوام من يسئ الزيارة بارتكاب الأخطاء وعلينا تصحيح منهجهم ثم تساءل عن التهم التي تلقي علي المسلمين بالكفر والمروق من الملة جزافاً دون تبصر بحقيقة الأمور وأعلن استعداده لمناقشة فكره مع أي علماء السلف الذين يكفرونهم ، وفيما يلي نصر الحوار:-
    تفصيل الحوار :-
    نبدأ الاستجواب
    س1: يشاع أنك تنتمي للمذهب الصوفي وتتبنى مدرسة صوفية علي الطريقة الرفاعية وتدعمها وتؤازرها في العالم الإسلامي .. فهل هذا صحيح ؟
    ج : نعم أنتمي للفكر الصوفي والذي يعني بمفهومه الإسلامي مقام تزكية النفوس والربانية في طريق الله وهو في الحقيقة ( مقام الإحسان ) وهو فكر أنتمي إليه أدعو لتبنيه والعمل به . ونحن كمسلمين مطالبون به لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله بجانب تعليم أصحابه وأمته الكتاب والحكمة كان ضمن مهمته كما ورد في القرآن الكريم ) ويزكيهم ( أي ويزكي أنفسهم ، أي كان يعلمهم كيف يخلون أنفسهم من السلبيات ويحلونها بالفضائل ، ولدينا الدليل عندما جاء جبريل عليه السلام يسأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله ما الإسلام وما الإيمان وما الإحسان ؟ فكان جوابه - صلى الله عليه وسلم - وآله عن الإحسان " أن نعبد الله كأنك تراه لم تكن تراه فإنه يراك " ، أي المراقبة لله سبحانه والعلم بأنه قائم علي كل أعمالك سواء كانت دنيوية أو أخروية ، وأن تتذكر أن الله سبحانه مطلع عليك وناظر إليك وهذا المفهوم للتزكية هو المفهوم المتكامل للتصوف وهو يشمل في الإسلام الجانب الروحي ولا يمكن أن نبتره ونقطعه من الدعوة الإسلامية ولا يجوز أن نهمله ولا يكمل الإسلام إلا به .
    ونستطيع القول أن التصوف هو معتقد الكثير من المسلمين عبر الأجيال ،
    ________________________________________
    الطرق الصوفية أو المذاهب الصوفية اتبعها أناس من أهل السنة والجماعة وغالياً ما يكونون تابعين لأحد المذاهب الأربعة المعروفة في المنهاج الإسلامي : الشافعية أو الحنابلة أو المالكية أو الحنفية ، وليس لهم مذهب خارج هذه المذاهب المتفق عليها بين المسلمين وعقيدتهم هي عقيدة أهل السنة الجماعة ، وفي الجملة فهم في الأصول مسلمون وفي الفروع يتبعون المذاهب المتفق عليها ويبقي الفرق فقط بمدرستهم الروحية والسلوكية أي نوعية الأذكار والأحزاب والأوراد التي يتعبدون الله بها لتغطية الجانب الروحي في حياتهم وهذا هو الجانب الذي يملأ المسلك الصوفي .
    ________________________________________
    ويوجد تصور خاطئ عند بعض الناس فيظنون أن هناك مذاهب صوفية أو عقائد صوفية خارج هذا الإطار والمنهج ، وهذا تصور خاطئ فمنذ بداية الإسلام والمسلم الصوفي المؤمن بكتاب الله ورسله موجود ، ولكنه في جانب تربية النفس اتجه للمدارس الروحية الصوفية أو ما يسمي بمدراس الطرق الصوفية ، وأصحاب الطرق الصوفية علي اختلاف مدارسهم كالأئمة الرفاعي والنقشنبدي والدسوقي والجيلاني الشاذي والجشتي والتيجاني وآل باعلوي الحضارمة وغيرهم ، هؤلاء كانوا علماء لهم مؤلفات في بقية العلوم الإسلامية كالفقه والعقيدة والتفسير وكانت لهم تجارب روحية أو تربية روحية لأنفسهم في كيفية التقرب من الله سبحانه ، وهناك زيادة في الجانب الروحي ( من النوافل ) يفرضونه علي أنفسهم تطوعاً علي ما فرضه الله علي كل مسلم في تزكية النفس وتطهيرها باعتبار أن النفس البشرية لها أمراض كالكبر والعجب والرياء والنفاق وسوء الظن ، وهو يريد أن يخلص نفسه منها وأن يكون محافظاً علي التهجد وقيام الليل وصلاة الضحى حريصاً علي ذكر الله تعالي كثيراً ولا يكتفي بما يقام في المسجد ثم ينسى الله إلى أن يأتي الفرض الثاني ،أي أن الجانب التعبدي عنده فيه زيادة ، وغالباً ما يكون زاهداً أكثر منه مادياً ، لكن الإنسان لا يستغنى عن الدنيا حتى لا يعيش على صدقات الناس ، قد كان الأولون يقولون في الدنيا : ( اللهم أجعلها في يدي ولا تجعلها في قلبي ) عملاً بالأثر ( أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) .
    ________________________________________
    وهكذا أصحاب هذه المدارس ومؤسسو هذه الطرق ، ما هم إلا صالحون من المسلمين تقربوا إلى الله بزيادة التقوى والذكر ويعتقدون إن ما عملوه ويدعون مريديهم إليه هو ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه والصحابة كان منهم العوام والغواص ، بدليل إنه - صلى الله عليه وسلم - وآله كان يدخل المسجد فيسمع أبا بكر يدعو الله فيسأله بماذا كنت تدعوا يا أبا بكر ؟ فيقول له كنت أقول ( اللهم إني أسألك وجهك الكريم ) ويسمع أعرابياً آخر فيسأله وأنت بماذا كنت تدعو ؟ فيقول : ( اللهم إني أسألك شويهة أو شاه ، اللهم ارزقني جملاً ) ، وهذا تفاوت بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وكان الرسول عندما يدعوهم لجمع الصدقات يأتي أبو بكر مثلاً بكل ماله ويأتي آخر بنصفه وآخر بربعه وهكذا .
    س2 : حتى وإن كان بعض هذه الزيادات والنوافل تخالف ما كان عليه النبي وأصحابه ؟
    ج : لا ، فالثابت عندهم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وأصحابه رضوان الله عليهم كانوا يفعلونها ، أمثال أهل الصفة وغيرهم وبالدليل الأول أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه وكان لا يبقى في بيته شئ من المال فيتصدق به ، وكان يتخفف من الدنيا وتوفى ودرعه مرهونة عند يهودي ، وكان عمر بن الخطاب شديداً على نفسه ، فكان في ثوبه عدد من الرقع وهكذا علي كرم الله وجهه وعدد من الصحابة وأهل الصفة كان عملهم إما جهاد في سبيل الله وإما التعبد والذكر والإقامة في المسجد ومن هذا يمكن القول إن الصوفية لم يخرجوا عن الشرع قيد أنملة ، وإنما حدث شطط عند بعض الأتباع وكل علم من العلوم الشرعية دخله شئ من الشطط من أتباعه ، والشطط هو الخروج عن الجادة ، وهذه الزيادة التي قد تحدث من الأتباع والمريدين لا نعتبرها حجة على المؤسسين للطرق الصوفية .
    س3 : فما دوركم عند المريدين الذين يزيدون ويشطحون ؟
    ________________________________________
    ج : دورنا هو أن ننقي الدين من الشوائب وننبه إليها وإذا رأينا عند أحد من مشايخ الطرق الصوفية شططاً نحاول أن نعرفه إن هذا ليس من الطريق ، لكن الأسلوب يختلف عندنا فلا نأتي ونتهم إنساناً بالشرك أو البدعة أو نغلظ له في القول ونقول إنه خرج من الإسلام ، وإنما نلتزم بالمنهج المحمدي من كتاب الله تعالى : آية رقم 1 صـ 134 سورة النحل /125
    س4 : مع تعدد الطرق الصوفية ... والتي يدعي كل منها إنه على الحق ، برأيك أين الصواب ؟
    ج : الأمر بسيط ، وقد قال أئمة الطريق ، فقد ذكر الإمام أحمد الرفاعي في كتابه ( البرهان المؤيد ) قوله : ( اتبع ولا تبدع ) ، وقال : ( إن كل طريقة خالفت الشريعة فهي زندقة ، وكذلك قول الجنيد وهو من كبار أئمة الطريق ( إن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة ) ، ويقول البعض ( لو طار أمامك رجل في الهواء أو سار علي الماء ثم رأيته غير ملتزم بكتاب الله وسنة رسوله فقل إنه مستدرج أو أنه ساحر ) .
    إذن الالتزام بالكتاب والسنة واجب . ولكن ما من علم من علوم الإسلامية إلا ودخله الخلل ، والله تعالي لم يتعهد إلا ( بحفظ القرآن الكريم ) فقط ، فقال جل شأنه :
    " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ " سورة الحجر / 9
    ________________________________________
    أما ما عدا القرآن الكريم من العلوم الشريعة فقد تسرب إليه الوضاعون والكذابون والجهلاء والدساسون وذلك واضح في بعض التفاسير التي دخلتها الإسرائيليات والأحاديث التي دخلت فيها الموضوعات والمكذوبات وكذلك الأمر بالنسبة للتصوف الذي دخل فيه الشطاحون الذين خرجوا ن الجادة ويقولون بعبارات ويأتون بتصرفات مخالفة للشريعة المحمدية ، وهؤلاء نرد عليهم ، ولكن لا نقول إن التصوف كله ضلال أو كله بدعه ، وهذا قول المنصفين من السلفيين كما قسم الشيخ أحمد بن تيميه في فتاواه الصوفية إلي ثلاثة أقسام : منهم من أوصلهم إلي درجة الصديقين ومنهم من قال عنهم إنهم علي خير ، ومنهم من قال عنه إنهم علي ضلال شطحوا وضلوا ، وهو لم يحارب التصوف ، وإنما قال فيهم بالإنصاف ، ونحن نؤيد هذا ونقول به ونستشهد بما عليه المسلمون الآن ، فهل سلوكهم حجه في الإسلام ؟ لا ، وإنما نقول المسلم الذي يمشي علي الكتاب والسنة هو الحجة علي الإسلام والذي ينحرف فالإسلام برئ منه ، ولذلك أقول لو أن التصوف لم يوجد فيه سوي الجانب الروحي في الإسلام لكفي .
    ولو تركنا الناس يعتمدون عل كتب الفقه فقط في همهم المحدود في القرآن الكريم وكفي فإن القرآن يقول :
    " قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ(1)الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " سورة المؤمنون /1-2.
    فمن أين نتعلم الخشوع ؟ لا يوجد في كتب الفقه ما يعلم الخشوع في الصلاة ، لكنه يوجد في كتاب " الإحياء " للغزالي ، وفي كتاب " قوت القلوب " للمكي ، وفي كتاب " رعاية حقوق الله " للمحاسبي ، إذن لا بد أن نحتاج لكتب الصوفية حتى نتعلم الخشوع كيف يحصل وكيف يكون وبقية المهلكات والمنجيات التي جلاها الإمام الغزالي في الإحياء .
    ________________________________________
    وكذلك فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله يقول : " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " ، فكيف نتعرف علي الكبر وكيف يتسرب إلي النفس ؟ وكيف نتخلص منه ؟ سنجد هذا في كتابات الإمام الغزالي الذي صنف أمراض القلوب وكيفية الخلاص منها ، ونجد أيضا من الإمراض التي تفشت ( سوء الظن بالمسلمين والغيبة والنميمة ) وغيرها من الأمور التي حذر منها الإسلام ، وهذه الإمراض استطاع أطباء القلوب هؤلاء أن يبينوا كيف يكون الخلاص منها ، وهذا غير متوفر في كتب الفقه ، فيوجد بها أن الشح حرام ، لكن كيف يكون الخلاص من الشح ؟ ، هذا غير موجود بكتب الفقه ، لكنه متوفر في كتب الصوفية التي تسمي كتب التزكية ، وكتب التربية ، ولقد تكلم كثير من العلماء المعاصرين أمثال الشيخ أبو الحسن الندوي عن ذلك ، الذي له كتاب مشهور عنوانه "ربانية لا رهبانية " وسمي التصوف ربانية لا رهبانية ، ولقد قاله الله تعالي :
    " وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ " سورة آل عمران /79.
    ومعناه لا تكن مسلماً عادياً ، ولكن مسلماً ربانياً يعني مسلماً عنده جانب روحاني عال ، أي عنده علاقة بالله خاصة ، وكما قال الله تعالي :
    " ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ " سورة فاطر /32.
    فكيف يكون سابقاً بالخيرات ولا يعرف أبواب القرب من الله فيسلكها ، وأبواب القرب هي التي اهتم بها الصوفية ، وهي الزيادات علي الفرائض ومنها النوافل في كل الواجبات من صلاة وصيام وزكاة وحج وصدقة وخدمة لخلق الله تعالي فخير الناص أنفعهم للناس ـ كما جاء في الحديث الشريف .
    ________________________________________
    س 5 : ظهرت في تاريخ الأمة الإسلامية عقيدة وحده الوجود ، والقول بالحقيقة المحمدية وأنه المستوي علي العرش وينزل الوحي ومن نوره خلقت السموات والأرض ، واتهم الصوفية بأنهم وراء هذه العقيدة الفاسدة .. فما موقفكم من هذا الفكر ؟
    ج : بادئ ذي بدء لا بد أن نعرف أن التصوف فيه مدرستان : مدرسة سلوكية ملتزمة بالكتاب والسنة ، وهي التي تهدف إلي تصحيح سلوك المسلم بحسب ما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة ، وتدله علي كيفية الترب إلي الله مثل مدرسة الإمام الغزالي والرفاعي والجيلاني والشاذلي والدسوقي والنقشنبدي والتي يتبعها غالبية المسلمين في العالم الإسلامي كله وتستقطبهم دون غيرها ، وهذه الطرق هي التي تلتزم بالكتاب والسنة الحقه والتي تسمي ( بالتصوف الشرعي ) الذي يتسم بالسلوك القويم إلي الله وهذه المدارس هي التي نعتمدها ونعتقدها وندعو إليها .
    ________________________________________
    وهناك قسم ثان من مدارس التصوف وهي التي ألحقت بالتصوف ، وهي المدارس التي تطلق عليها المدارس الفلسفية أو " فلسفة التصوف" أو " مدارس الاستشراقات " أو " مدارس المعارف والفيوضات " ، وهذه المدارس لها رموز كبا أمثال الشيخ محيي الدين بن عربي والشيخ عبد الكريم الجيلي والحلاج وغيرهم ممن اشتهروا بفلسفة التصوف ، وهذه المدارس لنا تحفظات عليها ، ولله الحمد هذه المدارس ليس لها مريدون في عالمنا الإسلامي ولم يعد لم تكايا وزوايا الآن . وإنما هذه أفكار موجودة عند المسلمين غيرهم ممن يقرءون عنه في كتب هؤلاء يدخلون الإسلام بعد إطلاعهم علي الأفكار التي كتبها أصحاب هذه المدارس ثم تصحح أفكارها ، واليوم لم يعد يحسب هؤلاء علي التصوف ،حيث لم تعد هناك مجالس ذكر وزوايا للشيخ ابن عربي أو الحلاج كما هي متواصلة ومنتشرة في مجالس ذكر الشيخ الرفاعي والقادري والشاذلي ، وهذا يدل علي أن هؤلاء كانوا فلاسفة ومفكرين ، وقد يكونون تأثروا بالفلاسفة اليونانيين أو غيرهم ، إلا أن الفرق بيننا وبين غيرنا أن غيرنا من المسلمين يكفرهم ونحن لا نكفرهم لأننا نخاف أن نقع تحت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله " من كفر مسلماً فقد كفر " ثم لماذا لا نكفرهم ؟ لأن هناك علماء أجلاء من بينهم الشيخ عبد الوهاب الشعراني كذبوا عليه في حياته ونسخ قوم كتبه وزوروا عليها الكثير فطبعت ونشرت ولم يعلم طابعوها وناشروها بما كتبوا ، وقد قال هو مره لأصحابه : لقد أتيت بما كتبت من النسخة الأصلية وما كتب عني وعرضته علي رجال الأزهر فشهدوا لي بأن هذه الزيادات مكذوبة عليك ، ومنها عرفت أنه كذب علي الشيخ محيي الدين بن عربي . ونحن نرجح أن هؤلاء الفلاسفة من الممكن أن يكذب عليهم ، كما أننا قد نتأول الكلام ، ونبرره بأنه ربما لم يكن يقصد هذا الأمر ، بدليل أن في كتب ابن عربي ( ما يفهم عند وحده الوجود ) كما يوجد فيها ( ما ينكر وحده الوجود ) ، فهذا التناقض يجعل
    ________________________________________
    من الصعوبة الحكم عليه ، ونحن نسير علي ماعده القانون الحديث ( بأن الشك يؤول لصالح المتهم ) . وأنت إذا رأيت شخصا يمدح إنساناً ويذمه فلا تستطيع أن تعاقبه لأنه ذمه حيث اشتمل كلامه علي النقيضين .
    ونحن لا نتبع هؤلاء الفلاسفة ولا نعتقد في آرائهم ولا نكفرهم في نفس الوقت وحتى السلف الصالح من هذه الأمة وعامة المسلمين وأتباع المذاهب الأربعة لم يكفروهم .
    س6 : هناك اتهام للصوفية أن مذهبهم قادهم إلي إدعاء الولاية وعلم الغيب والتعلق ببعض المشايخ والرموز الذين ظهرت عليهم علامات الزندقة حيث قالوا بسقوط الفرائض وإتيان المحرمات كشرب الخمر الزنا واستباحه الكبائر أمثال الحلاج وابن الفارض والعفيف التلمساني وعبد الغني النابلسي والتيجاني . فما ردكم ؟
    ج : أولاً : إن الله تعالي يقول :
    " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ " سورة الحجرات/6.
    والرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله يقول : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر ، " رواه الطبراني عن ابن مسعود .
    ثانياً : حتى لو سلمنا بأن بعض من ذكرتم قد شطح وانحرف فأنهم لم يكونوا بهذا القدر من السوء والمخالفة للشرع وخاصة فيما يتصل بارتكاب الكبائر والمحرمات .
    ثالثا : الذين يتهمون التصوف يخلطون بيم المدرستين ، مدرسة التصوف الشرعي السلوكي ، ومدرسة التصوف الفلسفي التي تحسب علي التصوف لكن التصوف برئ من كثير منها .
    ________________________________________
    أما قضية ادعاء الولاية وعلم الغيب فكل الأولياء الكبار الذين عددناهم كالرفاعي والشاذلي وغيرهم يحثون مريديهم علي الابتعاد عن الدعوى أي الادعاء بالوصول أو ادعاء الولاية وغيرها ، ويقولون إن الولي يتستر من الكرامة كما تتستر العذراء في خدرها ، وذلك لقولهم إن من يشاع عنه الولاية يصاب بالغرور وإذا أصابه الغرور فقد ينحرف عن الجادة في حين أن هذه الكرامة عطاء من الله إليه وليس من جهده أو كسبه فمن أبداه للناس من باب الترزق به أو العيش عليه فإنه آثم لأنه استعمل نعمه الله عليه في غير محلها . ولكن ظهور الكرامة قد يكون رغم أنف الولي كأن يجري الله بين الناس بعض الكرامات الظاهرة علي يديه ، كالإنقاذ من ضيق أو الانتصار من هزيمة أو كأن يكون في عطش شديد في الصحراء فيسقيه الله ويسقي به من معه ، ومع ذلك فبحث الكرامة وارد في الشريعة الإسلام
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty رد: الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 05, 2012 1:15 pm

    أثبتن للأولياء الكرامة * ومن نفاها فانبذن كلامه
    لماذا ؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وردت له معجزات ولأصحابه كرامات وكما حدث مع عمر بن الخطاب وهو علي منبر المدينة إذ صاح يا سارية الجبل الجبل ، فسمعه سارية قائد كتيبه للمسلمين في فارس فكانت صيحة عمر سبيلاً إلي نجاتهم وهناك الكثير ، كما ورد في القرآن الكريم للسيدة مريم عليها السلام ( وهي لم تكن نبية ) كرامات ولغيرها كالذي كان عنده علم من الكتاب من ملأ سليمان عليه السلام وأتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه ، وهذا لم يكن نبيا .
    ________________________________________
    إذن الكرامة وهي الأمر الخارق للعادة قد يكرم الله به عبده عند الضيق وعند الحاجة وهذا نوع من الولاية بأن الله أكرمه ، والصوفيون لا يتباهون بهذا الأمر علي الناس ولا يتقصدونه ، ولكن لا يمكن أن نقول إنه يجب علي الصوفية أن ينكروا الولاية لأن هذا ثابت في الشرع ، وإذا نسبناها إلي الإنسان كبرت في عيوننا ، أما إذا نسبناها إلي الله فهي صغيرة بسيطة لأن الله علي كل شئ قدير ، وسبحانه وتعالي فقد أعطي عيسي عليه السلام الخلق من الطين طيراً فينفخ فيه فيصير طيراً بإذن الله وإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله ، وإذا يكون في أمة نبينا محمد من يكرمه الله بمثل هذا ؟ فليس هذا علي الله بكثير بشرط أن يكون هذا الذي تظهر عليه الكرامة ملتزماً بالكتاب والسنة وإلا عددناه استدراجاً أو سحراً .
    س7 : فماذا تقولون عمن يدعي وصوله لمرتبه من اليقين تسقط عنه الفرائض والواجبات ؟
    ج : لم أجد لأجلاء الصوفية ولم أقرأ كتاباً في الصوفية يقول إذا وصل العابد أو الصوفي لمرتبه معينه تسقط عند التكاليف ، ومن يدعي علي الصوفية هذا الكلام فليأت بدليل ، بهذا الكلام نسمعه ولي عليه دليل قائم ، وهذه تهم تلصق بالتصوف وهي غير موجودة لا في كتبهم ولا سلوك أتباعهم . وأجب أن أضيف أن هناك لبساً عند البعض مما يقوله بعض المشايخ من أنه في بداية الطريق يشعر بالتكليف وبالمعاناة والتكلف فتفهم العبارة بغير مقصدها ، لأن هناك منهم من قال " عبدت الله ثلاثين سنة بتكليف ثم تمتعت بها ثلاثين سنة " ، ولكن لسوء الظن يفهم غير المقصود ، فالمقصود أنه في عبادته لله ثلاثين سنة عاني التكلف والمعاناة ، ولكن بعد ذلك صار يشتاق للعبادة دون مجاهدة ولا مشقة ولا تكليف . فليس معني ذلك سقوط التكليف لأن قدوة الصوفية في هذا هو الحبيب المصطفي - صلى الله عليه وسلم - وآله الذي أمره الله بالعبادة حتى الوفاة قائلاً له :
    ________________________________________
    " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " ختام سورة الحجر
    أي الوفاة ـ ولم يسقط هذا التكليف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله فكيف يصح لشيخ صوفي أو مريد أن يسقط عن نفسه التكاليف فيخالف أسوته في ذلك ولو قالها صوفي لتبرأنا منه .
    س8 : وماذا تقولون في أقوال الحلاج ابن عربي في أن إبليس موحد عابد وهو من أهل الجنة لأنه عرف الحقيقة ؟ وهل تنفون ذلك لصراحة مخالفته النصوص الصحيحة التي وردت في القرآن والسنة وإجماع الأمة ؟؟؟
    ج : الحقيقة أنني لم أقف علي شئ من هذا ، لكنني سمعت أن أبن عربي يقول في أحد كتبه أن إبليس إما أن يسامحه الله أو انه سيدخل النار ثم يخرج منها لكن كون القرآن قال بصريح العبارة أن إبليس هو إمام أهل النار وأنه سبب غوايتهم وأنه مخلد هذا ما نؤمن به ، أما كون إبليس كان موحداً فقد استدل من قال بذلك بأن الشيطان أقسم بعزة الله فقال : " فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ " سورة / ص 82. وهذا معناه أنه أفضل من بعض أتباعه الذين ينكرون وجود الله تعالي كلية وهو لم ينكروا وجود الله فكيف ينكره وقد عبد الله فتره طويلة في السماء ولكنه عصي أمر الله لما أمره بالسجود لآدم ، فالشيطان لم ينكر وجود الله لكنه مخلد في النار لأنه عصي أمر الله وفي القرآن قوله تعالي عنه متبرئاً من مشركي قريش في غزوة بدر : "إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ " سورة الأنفال / 48 .
    س9 : إذن تقروا أن إبليس كان موحداً ؟
    ________________________________________
    ج : إبليس أقسم بعزة الله لذلك لم يكن كافراً منكراً لله لأن الكافر هو المنكر لوجود الله ، وإذا كان الكافر هو العاصي لله فهو كافر فالمسائلة تتوقف علي التعريف ، فإن كان الكفر هو عدم الإيمان بوجود الله تعالي وإنكار ذاته فالآية الشريفة تدل علي عدم الإنكار ، وإن كان المقصود بالكفر هو عصيان الأوامر فهو كافر وفي قولة تعالي : " كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ " سورة الحشر / 16.
    فهو كافر بمعني عصيان الله سبحانه وتعالي ، وقوله تعالي :
    "قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُول ُ(84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ " سورة ص /84،85.
    فلم نقرأ في القرآن أنه أنكر وجود الله ، لكن كفره كان نتيجة العصيان وتحدي الذات الإلهية ، قال تعالي :
    " قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ " سورة الأعراف /16.
    كما أنه ملعون إلي يوم الدين ، ويحشر مع الكافرين إلي جهنم . قال تعالي : "فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا " سورة مريم /68.
    وآيات أخري ولكم أحب أن أقول إن هذا الموضوع ليس مطروقاً للبحث فيه خاصة في المجالس الصوفية والمدارس والطرق وإن كان قد مر فإنه مر في الكتب السابقة للفلاسفة .
    س10 : هل يفهم أنكم تبرءون من قول ابن عربي في إبليس بأنه كان موحداً وعابداً وانه من أهل الجنة ؟
    ________________________________________
    ج : نعم أتبرأ من مقولة ابن عربي لأنها توحي بالتساهل في أمر إبليس وتوحي بالتقليل من خطره وتدعو الإنسان لأن يخفف من جرم إبليس ولا أدعو لمناقشة هذا الموضوع كونه موحداً أو غير موحد ، وهذا أمر نكله إلي الله سبحانه وتعالي ، وأركز علي جانب الغواية وأن الله تعالي قال فيه : " إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ" سورة فاطر /6.
    س11 : هناك اتهام آخر للمنهج الصوفي ، وهو تعطيل فريضة الجهاد وإهمال العلوم الشرعية والدعوى إلي الركون وعدم السعي علي المعاش والزهد في الزواج ؟ فما ردكم ؟
    ج : هذه التهمة أيضاً غير صحيحة لأننا عندما نقرأ كتاب " نبلاء الإسلام" للذهبي وكتب التراجم الأخرى مثل كتاب " طبقات الشافعية " و " طبقات الحنابلة " وخاصة كتاب ( البطولة والفداء عند الصوفية ) لأسعد الخطيب وقد صار حديثاً وغيرها من الكتب نلحظ ثناء علي كثير من الصوفية ، وأنهم كانوا رهباناً في الليل فرساناً في النهار وإذا وجد أناس أفراد غلب عليهم الجانب الروحاني فحصل منهم نوع من الخلوة والانعزال فهذا تصرف فردى ، فنحن الآن نحكم علي الشيوعية بنظرياتها وكتبها وأيديولوجياتها وبمثله نقول للمستشرقين لا تحكموا علي الإسلام بسلوك المسلمين ، كذلك يجب أن يحكم علي الصوفية بما في كتبهم ، فهل في كتبهم من قال : لا تجاهدوا ؟ أما إذا وجد منهم من لم يجاهد فهناك من العلماء من لم يجاهد .
    ثم هناك من العلماء من أفتي بالباطل فهل نترك الشرع لأن العالم الفلاني أفتي بالباطل في الشرع ؟ أو نقول إن الشرع فيه خطأ لفتوى أحد المفتين ؟
    أريد أن أقول : ( لا يوجد في كتب التصوف ما يعفي من فريضة الجهاد بل إن قدوتهم أهل الصفة كانوا رهبان الليل وفرسان النهار .. والإنسان مادام يريد وجه الله فليس هناك مكان أفضل من ميدان الشهادة للتقرب من الله سبحانه وتعالي .
    ________________________________________
    فإذا هذا الاتهام غير صحيح علما بأن عبد الله بن المبارك كان له كتاب في الزهد والإمام أحمد بن حنبل له أيضاً كتاب في الزهد ، ومع ذلك لم يؤثر عنهما ولا عن الصوفية التخلف عن الجهاد ، بل إن تلاميذ السيد الرفاعي والشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أبي الحسن الشاذلي هم الذين وقفوا في وجه الصليبين والتتار وهم الذين نازلوهم في ميادين القتال فالمناقشات حول اتهام الصوفية بتعطيل العمل في الجهاد غير صحيح ، وأنا محسوب علي التصوف ولي تجارة وأبيع وأشتري وتزوجت أكثر من مرة وأحث أصحابي علي الزواج ونقول لهم حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله " شرار أمتي عزابها " وإذا رأينا إنساناً لا يعمل نحثه علي العمل ونقل له إن الله لا يحب العبد البطال ، ولذلك لا ندعو لما نسب إلينا من هذه التهم ويأتينا إخواننا من أنحاء العالم الإسلامي ونساعدهم علي أن يجدوا عملاً ... أو نقيم معهم مشاريع خيرية في بلادهم كالمساجد والمدارس والمستشفيات ودور الأيتام وغيرها وحيث تفتح لهم أبواب العلم والعمل وحركه الحياة الناشطة .
    س12 : أي جهة أطلقت عليكم هذه التهمة بنظركم ؟
    ________________________________________
    ج : بعض الطرق تري أن الإنسان في بداية الطريق يحتاج إلي خلوة مع نفسه لأن هذا الإنسان كان غافلاً وجاهلاً فيطلبون منه اعتزال الناس أسبوعاً أو أسبوعين أو ثلاثة لمراجعة نفسه ومحاسبتها واعتزال رفقاء السوء وتغيير البيئة ، ولا بد له من أن يجلس خالياً بنفسه ليكثر من الاستغفار والذكر والصلاة لأداء الفوائت ، وهذه خلوة يأمر بها بعض الشيوخ لمن كان له سابقة في الابتعاد عن الشرع وخاصة من كان مبتلي بالكبائر من الذنوب فيطلبون منه نوعاً من الحمية الدينية ونوعا من الخلوة للمراجعة والمحاسبة علي ما فات والتفكير في حقوق العباد وإرجاعها لأصحابها ، وقد تصل هذه لفترة شهر اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله عندما كان يخلو بنفسه في غار حراء فكان يتعبد لله لليالي ذوات العدد فهذه فترة للنقاء يغير فيها المرء سلوكه مثل غير المسلمين ممن يريد أن يدخل الإسلام نأمره بأن يترك جماعته وبيئته ويغير بعض الأمور في بدنه كالختان إذا لم يكن مختناً ويغتسل ، ونقول له تعال وأجلس في المسجد يوماً أو يومين لتعلم الصلاة فهذا نوع من الحضانة للتربية ، وهذه الفترة ليست طويلة ولا تفرض على كل واحد ولا يلجأ إليها كل الشيوخ وكم جاءت الوفود عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله فاستبقاهم حتى يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ويعيدهم معلمين لأقوامهم .
    س13: فكيف له بصلاة الجماعة وهو في الخلوة ؟
    جـ : يأتي ليصلي الجمعة ويشهد الجماعات ثم يرجع إلى خلوته وحكمه حكم المعتكف تماماً والاعتكاف سنة في رمضان ومستحب في غيره .
    س14: اهتمت الطرق الصوفية في العصور المتأخرة بدعوى الناس إلى تعظيم القبور والبناء عليها والتعلق بالأولياء وأحياء مظاهر الشرك في الأمة .. فما دوركم في النهي عن هذا الفساد والشرك ؟
    ________________________________________
    جـ: هناك فهم خاطئ لعلاقة الأحياء بالأموات ، فجمهور أهل السنة والجماعة لهم رأي في هذا وأقلية من علماء السلف لهم رأي آخر وإن كانوا هم أصحاب الصوت العالي . والحق مع رأي الجمهور فأغلب أهل العلم يرون أن الإنسان إذا مات لم تنقطع صلته بالعلم الدنيوي ولم تنته حاجته لإخوانه المؤمنين ، ولم تنته العلاقة مع الله سبحانه وتعالى خاصة إن كان صالحاً وله مكانة عند الله فإن هذه المكانة لا تنتهي بموته .
    ويرون أن زيارة الأموات مستحبة وزيارة خواص الأموات بشكل عام مستحبة بمعنى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله قال : " قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة " ، وكان يزور البقيع ، فزيارة القبور في حد ذاتها لا تعتبر شركاً وورد كثير من الأقوال في فضيلة زيارة قبر الوالدين والدعاء لهما .
    والأموات عندنا نوعان : منهم من تزوره لتدعوا له فهو محتاج إليه وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... أو ولد صالح يدعو له ... الخ " وقد مر أيضاً على قبرين فقال : " إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير وجاء بجريدة فشقها نصفين ووضعهما على القبرين وقال : لعل الله يرحمهما ما لم ييبسا أي بسبب تسبيحهما " وورد عنه - صلى الله عليه وسلم - وآله أنه كان يدعو للموتى إذا مر بالقبور ، ومن الأموات من يكون صالحاً إما نبي وإما ولي . ومن الثابت عندنا أن زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله مستحبة وقد ثبت في تفسير ( ابن كثير ) الذي يعد من ( أئمة السلفية ) عند تفسير قوله تعالى
    " وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا "
    ________________________________________
    ، أن الإمام العتبي كان جالساً بجوار قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله وجاء أعرابي فسلم على الرسول وذكر الآية وأتم " وإني جئتك مستشفعاً بك إلى الله " ، فأخذت الإمام العتبي سنة من النوم ورأى النبي في منامه يقول له أدرك الأعرابي وبشره بأن الله قد غفر له ، فذهب إليه العتبي وأخبره . ومازالت مشروعية زيارة قبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله ثابتة والسلام على صاحبيه أبى بكر وعمر وفي كتاب (التوسل والوسيلة لابن تيمية ) أن عبد الله بن عمر كان إذا سافر ورجع إلى المدينة مر على قبر الرسول المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وآله فسلم عليه وسلم على أبيه عمر وعلى أبي بكر وهذه الزيارة مستمرة عند عامة المسلمين وما كان الصحابة والسلف الصالح ليفعلوا الشرك ولا علماء المسلمين عبر الأجيال حتى اليوم وما غاب عنهم الأحاديث التي يتمسك بها السلفية التي أولوها على غير ما فهمه السلف الصالح . كما أننا نعتقد أن هذه الأماكن المدفون فيها الأنبياء والأولياء حري بالدعاء فيها أن يستجاب ، وللإمام الشوكاني قول يبين فيه أن من الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء مراقد الصالحين وقد ذكر ذلك في كتاب " تحفة الذاكرين " .
    س15: لكن من هم أولئك الصالحون ؟
    جـ : نتكلم الآن عن الأنبياء والصحابة والأولياء المتفق عليهم لا المشكوك فيهم كقبر الرسول وأبي بكر وعمر وأهل البقيع وهؤلاء لا خلاف على زيارتهم بل هناك أتفاق وإجماع ماعدا مخالفة بعض اخواننا من السلفيين المتشددين وسوف يجرنا ذلك إلى بحث مسألة التوسل والوسيلة ، وقد وضع ( ابن تيمية ) كتاب " قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة " أقر فيها مبدأ التوسل ووضع له قواعد وشروطاً ولم ينكره كلية بل وضع له ضوابط . والتوسل ينحصر في ثلاثة أشياء : التوسل بالعمل ، والتوسل بالحي ، والتوسل بالميت .
    ________________________________________
    فالتوسل بالعمل مشروع كأن تتوسل إلى الله بصالح أعمالك كما في حديث الغار والتوسل بالحي مجمع عليه لأن الصحابة كانوا يتوسلون به - صلى الله عليه وسلم - وآله بقولهم (ادع لنا يا رسول الله ، استغفر لنا يا رسول الله ، وهكذا) . وقد ذم الله المنافقين الذين يستكبرون عن استغفار الرسول لهم وأمر الله رسوله أن يصلي على المؤمنين أي يدعو لهم ، والرسول قال لعمر بن الخطاب : " أشركنا في دعائك يا أخي " ولا يزال الناس يوصي بعضهم بعضاً بالدعاء ، وهذا لتوسل بالحي الصالح . بقي التوسل بالميت وسأل هل التوسل بالحي ينفع لذاته أم لقربه من الله ؟ لو قلنا لذاته لأشركنا ، لكننا نقول نفعنا قربه من الله وهذا القرب للرجل الصالح لم ينته بموته كأن أقول ( اللهم إني أسألك برضاك عن فلان أن تغفر لي ) وهذا ما نقصده بالجاه أو القرب من الله الذي لم ينقطع الموت . كأن أقول الله إني أسألك بجاه رسولك أن تغفر لي ( وعندي الأمران سواء ) .
    س16: إذا لماذا لم يتوسل عمر بن الخطاب في استسقائه بالرسول بعد وفاته وتوسل بالعباس عم الرسول إذا كان التوسل بالأموات جائزاً ؟
    جـ: قيل إن السبب في ذلك أمران : الأول إن الاستسقاء يكون خارج المسجد ويكون بمن يدعو ويؤمن الناس على دعائه ، وهذا لا يتوافر في النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله لأنه كان خارج المسجد وكان لابد من رجل يدعو ويؤمن الناس عليه ، وقيل عمر خشي أن يتوسل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وآله فلا يغاثون فيكون ذلك ذريعة للشك في صدور الناس ، ولكن دعونا نتكلم عن أمرين :
    ________________________________________
    أولاً : الحديث يدل على التوسل بالذات لأن هناك من يقول نتوسل بالدعاء وليس بالذات . لماذا أختار عمر العباس ألدعائه أم لذاته ؟ علماً بأن في الصحابة من هو أسبق منه إسلاماً وهجرة وكانت لعمر سوابق عظيمة في الإسلام وغيره من الصحابة ، وهذا يدل على أن التوسل ينبغي أن يكون بشخص له صلة بالذات المحمدية فاختار رجلاً من أهل البيت ونريد أن نقول : أن عمر له مواقف كثيرة تدل على ذلك فقد طلب من علي أن يزوجه أبنته أم كلثوم لأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله يقول : " كل حسب ونسب مقطوع إلى يوم القيامة إلى حسبي ونسبي " وقال أريد أن تكون لي صلة بكم أهل البيت .
    كذلك فالتوسل بالأموات الأمر خلافي ، ومادام خلافياً فلا يكفر فيه المسلم والجواز يقول به الأغلبية أي يجوز التوسل بالأموات وفئة قليلة هم السلفية أو الوهابية هم الذين يرفضون ذلك ثم إن الشهداء أحياء عند ربهم ، بنص القرآن الكريم قال تعالي في ( آل عمران آية /169 ) :
    اية 1 ص 151
    فكيف بالصديقين ؟ ويف بالأنبياء ؟ وكيف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله القائل (الأنبياء أحياء في قبورهم ) - صلى الله عليه وسلم - وآله وعليهم أجمعين ، وفي ليلة الإسراء صلى بهم ، ورآهم في السموات العلا
    أية 2 ص 151
    كما أن مسألة " الموالد " ينكرها قلة ويؤيدها الكثير من الناس ويمارسونها وكل فئة عندها دليل فلا يجوز أن نقول هذا شرك أو كفر ما دام فيه خلاف ، كما في أمر وجه المرأة فيه خلاف ، منهم من يقول هو عورة ومنهم من يقول لا ، فلا يمكن أن نعاقب امرأة لأنها كشفت وجهها لأن الأمر مختلف فيه .
    س17: ما يحدث على أرض الواقع بالنسبة للتوسل هو غير ذلك حيث يرى العامة من الناس يطوفون بالمقابر ويقبلون الحديد ويتمسحون بالأضرحة ويستجيرون ويستغيثون بأصحابها فهل هذا من مظاهر الشرك والكفر البواح ؟
    ________________________________________
    جـ: لو حدث خلل في إشارات المرور ونتج عن ذلك حوادث هل معنى ذلك إلغاء الإشارات والمرور كله ؟ زيارة القبور مسنونة ، فإذا حدث ذلك هل نمنع الزيارة أم نعلم الناس آداب الزيارة الصحيحة ؟ فالخلاف بينا وبين إخواننا أنهم يريدون أن يمنعوا الزيارة ونحن نقول لا .بل علموا الناس آداب الزيارة . نتفق معكم أن هناك من يسئ بجهله لزيارة القبور وليس كل الناس فقهاء ومتعلمين ، ونقر بأن هناك جهلة يقبلون الأضرحة ويستغيثون بأصحابها وهذا لا يقتضى أن نقول إن زيارتها حرام وشرك ، بل يجب علينا أن نعلم الناس الصواب ، ثم إن كثيراً من الناس عندما نسأله عن سبب زيارته وتوسله بالولي ، يقول لنا إنه يعتقد أن صاحب القبر له جاه عند الله وقريب من الله وبعضهم قد يسئ التعبير ، لكنه يرجو من الله قضاء حاجته ببركة هذا الولي ، فهو قد أساء التعبير وقد ساق الرسول لنا مثلاً في حديث الرجل الذي ضاعت دابته في الصحراء ونام وقال بعدما وجدها عند رأسه ( اللهم أنت عبدي وأنا ربك ) ، وضحك الله من مقولة الرجل ولم يقل عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله إنه كفر بمقولته هذه فأحياناً يندهش المرء من أمر فيعبر بخطأ عن فرحته ، وهؤلاء الناس لا يجوز أن نلقي عليهم تهمة الشرك ولكن نقول عنهم ( جهال ) ويجب علينا أن نعلمهم ، بدليل أن الصحابة كانوا يرون مثل هذه الأمور ولم يتهموا بعضهم البعض وكانوا يعلمون ويتعلمون .
    كما لا يجوز لنا أن نعادي الميت فهناك صلة روحية بيننا وبين الأموات لأنهم في عالم البرزخ ونحن نعتقد أن القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار ، فهناك علاقة تربطنا بهم علماً بأن الميت يفرح بالهدية التي تهدى له من الدعاء أو مما ترك من عمل ، وكذلك من أستغفار الملائكة له في قبره ( راجع كتاب الروح لأبن القيم ) وكتاب ( حادي الأرواح له ) .
    ________________________________________
    ونحن مكلفون بالدعاء للميت والصلاة عليه وإن كنا لا نعرفه ، وهذا يدل على انتفاعه بدعائي مستمر ، لماذا أقول ربي أغفر لي ولوالدي والمؤمنين ؟ والله يقول لرسول رحمته ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ، وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم) (محمد الآية /19 ) والرسول الحبيب يقول " أنا أولى بكل مؤمن ومؤمنة في الدنيا والآخرة " والله تعالى يقول :
    " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ " الأحزاب آية /6
    وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله يزور البقيع ويدعو لأهله كثيراً وكذلك فعل الصحابة والسلف الصالح عبر الأجيال حتى يومنا هذا .
    س18: كيف نوفق بين هذا القول وبين غضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله لما قال له الصحابي ( لو شاء الله ولو شئت يا رسول الله ) وقال له : " أتجعلني شريكاً لله " .
    جـ: الرد على ذلك بآيات كثيرة أخرى ومنها قوله تعالى :
    " حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ " سورة التوبة الآية 59
    لماذا لم يقل : ( سيؤتينا الله ثم رسوله ) وهناك آيات كثيرة تدل على ذلك ، ودعني أضرب لك مثالاً : لو جاءني شخص وفي قلبه نفاق وقال لي :أنت سيد الكويت !! فإني فسوف أقول له : العفو أنا عبد من عباد الله فالكويت فيها أميرها وسيدها ، وأقول له أنا أقل مما قلت وأكبر مما في نفسك .
    فالمقصود من قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله ذلك ليصحح للصحابي ، وقال الله تعالى في آيات كثيرة
    " قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ "
    فلماذا نتمسك بهده الجزئيات ونترك الكثير من الآيات وعلينا أن نأخذ الأمور بحسن نية وإن كان البعض عنده وسوسة من الشرك حتى وصل الأمر بأحدهم حين سؤل عن أطراء النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله فقال هذا شرك وهذا كفر ، فإن هذا مغالاة وبعد برهة يسأله عمن يقول :" يا صاحب الجلالة "
    ________________________________________
    فيجيب : يجوز تكريم من يستحق التكريم !! يقولون إن تقبيل اليد بدعة إذاً فقبلة الخشم ( الأنف ) ما حكمها ؟ فلماذا يسكتون عن هذا ويقولون بهذا ؟ فهناك العادات التي تتوارثها الأجيال تختلف عن بيئة لأخرى . ولكن هناك سوء ظن بالمسلمين ووسوسة وهناك من الجماعات من يريد أن يفرض الرأي الواحد وهذا يخالف العصر وطبيعته .
    س19 : يتهم الفكر الصوفي بأنه وراء النهي عن تعلم علوم الكتاب والسنة والتعلق بالعلم اللدني والقول بالتلقي المباشر عن الله مثل أمور الكشف وغيرها فما هو ردكم ؟
    جـ: لم أقف على كاب من كتب الصوفية يدعوا مؤلفه مريديه لعدم تعلم العلوم الشرعية أو يزهدهم في طلب العلم .
    وإذا وجد الشخص الذي يقول بذلك فليس من أئمة الصوفية المعتمدين فعندنا مبدأ " كل يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر " أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله وهي مقولة للإمام مال . والله تعالى يقول
    "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ" سورة الزمر /9
    فكيف نقول نحن أو نحزر من العلم ، فأنا أشك في صحة هذا الإتهام لأئمة الصوفية المعتمدين لو كان حقيقة فيرد على صاحبه ولا يؤخذ منه ، لأن المسلم لا يمكن له أن يتعبد الله بغير علم ، وكل ما في الأمر إن الخلاف يتمثل في أن الصوفية يؤمنون بوجود العلم اللدني بجاب العلم الشرعي وخصومهم ينكرون العلم اللدني ، ولذلك يتهون الصوفية بأنهم يؤمنون باللدني ويرفضون العلوم الشرعية ، والحقيقة أن الصوفية يؤمنون بالعلمين ( الشرعي واللدني ) وغيرهم يؤمنون بالعلم الواحد فقط ونحن نقول هناك علم شرعي معتمد وهناك علم لدني عبارة عن نور يقذفه الله في القلب نتيجة التقوى والأستقامة ، وهذا ثابت كما جاء في القرآن في سورة كهف عن الرجل الصالح الخضر
    "فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا" سورة الكهف /95
    ________________________________________
    وقد كشف الله في سورة الكهف إن هناك حكمة لظواهر الأشياء وحكة أخرى لبواطنها فهي عندنا لها تفسير ولها عند الله تفسير آخر ، ولكن نحن مطالبون بالعلم الشرعي ، أما العلم اللدني أو الباطني فنحن نسلم به لكننا لا نتعبد الله به ولا نجعله حجة على العباد ونعتبر أنه نوع من الفراسة يهبه الله لمن يشاء مثل الرؤيا التي يستأنس بها ولا يؤخذ منها حكم شرعي والله عز وجل يقول
    " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ" سورة البقرة الآية 269
    فمثلاً عندما دخل رجل على عثمان بن عفان فقال لمن هم جلوس معه : ( أيدخل علينا الرجل وأثر الزنا في عينيه ؟ ) ، فقال الرجل : أوحي بعد رسول الله ؟ قال : لا ، ولكنها فراسة المؤمن .
    فنحن نعتقد إن الإنسان الذي يستقيم مع الله ويصدق معه يجعل الله له نوراً وشفافية قد يرى بها الأمور بمنظور قريب من الصواب والحكمة أي يعطي السداد والتوفيق في الأعمال ، كما نقول " الله نور عليه " ، وله دليل من القرآن ، قال تعالى :
    "وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ" سورة النور / 40
    ويقول سبحانه وتعالى
    " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا " سورة الأنعام آية 122
    وفي سورة الزمر يقول :
    "أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ" سورة الزمر / 22
    كما قال تعالى :
    " يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ " سورة البقرة /269
    ________________________________________
    ونقول أن هناك العلم اللدني يؤتاه الخاصة من الناس ولكنه ليس حجة على العباد وهو شبيه بالعلم الذي كان عند الرجل الذي كان مع نبي الله سليمان والذي جاء بعرش بلقيس بما لديه من علم من الكتاب
    " قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ الْكِتَابِ " سورة النمل / 40
    وهذا العلم كرامة للعبد الصالح من ربه تعالى ولا يجب أن نفاخر به على الناس فهو هبة من الله لمن يريد ، والاستقامة عندنا هي عين الكرامة .
    س19: وماذا عن مسألة الكشف ؟
    ج : يدخل ذلك في بحث الولاية كأن نقول إنه حصل له كشف ثم جاء الكشف بعلم حقيقي أي إن الإنسان إذا صدق مع الله فإن الله يتولاه فيصبح موالياً لله ويصبح ولياً من أولياء الله ، والصادق يعطي من الله حكمة ونورانية كما نسمع من الكثير من الصالحين أن أحدهما يشعر بدنو أجله ونشعر بأناس يحذرون من وقوع بعض الأشياء فتقع .
    فقد حذر كثير من الصالحين من البلاء الذي سيقع في الكويت قبل وقوعه ( وهو الغزو العراقي الآثم ) وقد حدث ، وهذه الأمور تعدها من الأمور النورانية التي تلقى في روع المؤمن وهي ظنية الدلالة وليس قطعية الدلالة ، وتأتي نتيجة لشواهد القرآن الكريم الذي أخبرنا بأن الظالم مصيره كذا ومن يتقي الله مصيره كذا فهذا تصديق لعلوم القرآن والجزاء الدنيوي كالجزاء الأخروي بيد الله تعالى يتم تنفيذه متى يشاء .
    ________________________________________
    فالكشف وبقية الأمور التي يتحدث الناس عنها من الكرامات نقول أنها حق وادعاء الناس لها واختصاص بعض الصوفية بها أمر محتمل وجائز الوقوع ولكن يدخل فيه الكذب والجدل والاستغلال السيئ ، ولكنه ثابت شرعاً لأهله لأن هناك من الثوابت " المعجزات للأنبياء والكرمات للأولياء" ، وكون إنسان يدعي الكرامة فهو أمر ظني غير محقق لست مطالباً بتصديقه ، وقد يكون صادقاً أو كاذباً فأصل الشيء موجود والكرام هي الشفافية والفراسة ، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله : " إن من أمتي محدثين وإن منهم لعمر " ، وهذا نتاج للتقوى والاستقامة وكونها عند فلان أو يدعي أنها عنده فهي دعوة موقوفة ، فيجوز أن يكون ذلك غروراً أو مباهاة ، لكن هل نحن نحجر على أن الله يمنح الكرامة لأحد ؟ حاشى لله .
    وقد قال الله تعالى :" إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ " سورة ص /54
    وقال جل شأنه لنبيه سليمان "هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ " سورة ص /39 والله أعطى من البشر الكثير وخص أنبياءه بكثير من الآيات والمعجزات ، لكن الخلاف في أنه لا يجوز للإنسان أن يدعي بما لم يعطه الله له ، ولا يجوز أن يتفاخر به على عباده ، كما لا يجوز أن ننكر عطاء الله أحداً ونتهمه بأنه دجال أو كذاب على أعتبار أنها دعوى غيبية أو باطنية فنكون بذلك قد قتلنا الجانب الروحي في الإسلام ، وقد جعل الله الإيمان بالغيب من خصائص هذه الأمة ، ولا يصح أن يصير المسلمين آيات قرآنهم وهم { الذين يؤمنون بالغيب } مادية بحتة لا تفسر إلا بالمحسوسات وهذا رأي المعتزلة وليس رأي أهل السنة والجماعة والكون ملئ بالأسرار فكيف بكتاب الله تعالى ؟
    ________________________________________
    س20 : هل تأسست الطريقة الرفاعية على برقمة البلبل ؟
    ج : قصة ( برقمة البلبل ) ظهرت على يد أحد شيوخ الطريقة المتأخرين أسمه الشيخ ( محمد بهاء الدين الرواس ) ، وقد توفى من حوالي ( مائتي سنة ) كتب هذا الشيخ كتاباً تحت عنوان "برقمة البلبل " وفي هذا الكتاب يتخيل أو يتصور أن أحد الطيور في الحرم يتكلم مع طائر آخر ، وهذا يعد نوعاً من التصور الأدبي كرسالة الغفران ( لأبي العلاء المعري ) والتي تصور فيها أن هناك مناجاه ومحادثة بينه وبين شئ آخر ، وهذا أسلوب متعارف عليه في علم الأدب ، فالمهم إن السيد الإمام الرفاعي مؤسس الطريقة الرفاعية رحمه الله ولد في عام 512 هجرية وتوفى في عام 578 هجرية يعني في القرن السادس الهجري ، أما صاحب هذا المؤلف فكان في القرن الحادى عشر الهجري ، والطريقة الرفاعية أسست قبل هذا المؤلف بكثير ، وهذا المؤلف صاحب كتب كثيرة ومؤلفات كبيرة في الشعر والنثر والأدب والتصوف الشرعي ، وهو من أكثر الملتزمين بالشرع والحرص على الشرع ومن المجددين الكبار في الطريقة الرفاعية العلية ، ولكن هذا الكتاب كما أشرت جاء صورة خيالية أدبية لهذا الكاتب كمن يناجي الأطلال والطيور وهذا داخل فيما يسمى اليوم ( بأدب تشخيص الطبيعة ) وهو من أروع فنون الأدب .
    س21: إذاً هل تعدونها شطحة من شطحات إحدى أتباع الطريقة ؟
    ج : إذا كانت تضمنت ما يخالف الكتاب والسنة فهي شطحة ، أما إذا لم تحوي المخالفة للكتاب والسنة فهي عمل أدبي بحت يجوز فيه التخيل والتصور ، فدعونا ندرس هذا الكتاب ونقيمه فإن وجدنا فيه ما يخالف الكتاب والسنة تبرأنا منه وكما قلت هو ليس من مؤسسي الطريق ، بل هو رجل صالح ملتزم بالكتاب والسنة ، وكونه شاعراً أديباً فله في الشعر والأدب باب يتسع للجميع ولا يحجر على أحد .
    س22: ما هي علاقة الطريقة الرفاعية بالحيات والثعابين والسباع ؟
    ج : الطريقة الرفاعية مشهور عنها اليوم أمران : ضرب السلاح والسيطرة على الحيات والثعابين والحشرات السامة .
    ________________________________________
    وهذان الأمران لم يكونوا في عهد مؤسس الطريقة الذي لم يثبت في مجلسه أنه أستعمل فيه السلاح أو الإمساك بالحيات والثعابين .
    والمتأخرون من خلفاؤه حدث عندهم هذان الأمران ، وبعد وفاة السيد أحمد الرفاعي بحوالي ( مائة عام ) فتح التتار بغداد 656 هـ وخربوها شر تخريب وقتلوا الكثير من المسلمين ، ومن هنا جاء بعض خلفاء السيد الرفاعي ليثبتوا لهذه الأمة المادية التي لا تؤمن إلا بالمحسوسات ( التتار) وبينوا لهم أن هذه القوة التي يتباهون بها يستطيع الله سبحانه أن يسخرها لهم ، فقاموا أمام التتار بعمل أمور كضرب السلاح والإمساك بالحيات والدخول في النيران وغير ذلك من الأعمال التي أوجدت رد فعل لدى التتار ، وكانت سبباً في دخول الكثير منهم في الإسلام ن وسبب في وقف اعتداءاتهم على المسلمين آنذاك ، ومن هنا يمكن القول أن هذا ليس من البدع في الدين لأنه ما جاز أن يكون معجزة لنبي جاز أن يكون كرامة لولي ، حيث إن إبراهيم عليه السلام ألقي في النار فلم تضره ، والله سبحانه قادر أن يسخر الناس لرجل صالح من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وآله ، كما حصل ذلك كرامة للصحابي ( أبي مسلم الخولاني ) كما في ( صفوة الصفوة لأبن الجوزي والزاهد للإمام أحمد ) وقد سخر الله النار لأتباع السيد أحمد الرفاعي فكانوا ولا يزالون منهم من يدخل النار أو يحملها ولا تضره ولكنه يحملها باسم الله وليس للمباهاة ، بل من الكرامات ، كما أن الناس كانوا يستنكرون أو يستغربون أن موسى عليه السلام كان يمسك الحية ولم تضره ، والآن من أتباع الرفاعي من يفعل ذلك ، فهي معجزة لنبي ولا مانع أن تتم كرامة لولي ، فالأشياء التي سخرها الله للأنبياء فهو قادر أن يسخرها للصادقين الأتقياء . ولذلك هذه القضية عند السادة الرفاعية يستخدمها صاحبها عند الحاجة والضرورة والتحدي ، وأنا شخصياً منهجي الابتعاد عن هذه الأشياء وعدم الحث عليها واستبعادها نهائياً في مجالسي وأقول إنها
    ________________________________________
    إن جازت فهي للتحدي ، وقد حدث ذلك مع خبراء روس جاءوا إلى سوريا وأعلن لهم أتباع الطريقة تحديهم في مقابل الإيمان والدخول في الإسلام ففعلوا ذلك . كذلك فإن مسألة الثعابين إذا كانت لدفع الضرر عن الناس ما بها من بأس .
    ونحن الآن بحاجة ماسة لمن يثبت للناس الإيمان ببعض الغيبيات لعلها توقظ ضمائر الغافلين وتقيم الحجة على الماديين والملحدين .
    س23: لماذا اختارت الطريقة الرفاعية بداية خلوتها في يوم الحادي عشر من المحرم الهجري ؟
    ج : انا لم أتأك من ذلك ، لكن الذي أعرفه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله ، له حديث يحث فيه على صيام المحرم ، فهذا له ربط بالخلوة ، لأنها لابد أن يصاحبها أمتناع أوتقليل من الطعام والشراب ،
    وكونه أيضاً بداية العام الهجري فتكون بداية التوبة مع السنة الجديدة وكذلك هو من الأشهر الحرم يستحب فيه العمل الصالح وفيه عاشوراء ، فربما تكون هذه هي الأسباب لجعل الخلوة تبدأ فيه , وإن كنت لا ألاحظ تركيزاً عند المشايخ المتأخرين للطريقة علي هذا الموعد والتوقيت .
    س24 : ولماذا تمتنعون في الخلوة عن أكل كل ذي روح ؟
    ج : قد يظن البعض أن هذا تشبه بالنصارى ، ولكن الحقيقة المتفق عليها طبياً أن أكل اللحوم يقسي القلب وأن أكل الخضروات فوائده أكثر والمطلوب جعل النفس منكسرة خاشعة لله بالتقليل من أكل ذوات الروح فمعناه أن هذا الإنسان يردي أن يبدأ حياة جديدة ويكسر فيها شهواته ويقترب من الله وليس المقصود بها تقليد غيرنا من أصحاب الديانات الأخرى .
    س25 : كلمة أخيرة في نهاية الحوار .
    ________________________________________
    ج : أحب أن أقول إن التصوف هو الجانب الروحي في الإسلام فمحاربته وإنكاره تجفيف للجوانب والمنابع الروحية في الشريعة الإسلامية ، وأنه علم من العلوم ومسلك من المسالك أصابه ما أصاب غيره من العلوم من الشطحات ، ويبقي أن المريدين أيضا بشر يعتريهم ما يعتري غيرهم ، وكلن هذا لا يدعونا أن نبخس الناس أشياءهم أو حقوقهم ، ولا يجوز أن ننكر دور الصوفية التصوف في نشر الإسلام في مناطق كثيرة كأفريقيا وشرق آسيا وفي بلاد الغرب ، وأحب أن أبين أن التصوف ليس عقيدة ، بل هو استزاده في الجانب التعبدي والروحي في العلاقة مع الله ، والرجل الصوفي هو مؤمن متبع للكتاب والسنة عقيدته عقيدة أهل السنة والجماعة يتعبد الله علي أحد المذاهب الأربعة ، ويزيد عن غيره أنه يفرض علي نفسه ( زيادة تعبد وأوراد وطاعات ) في ( مقام الإحسان ) وكما جاء في الحديث القدسي ( وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ) كما سبق بيانه لا أكثر ولا أقل ، وليس له مذهب يزيد عن مذاهب المسلمين ، بل يزيد علي نفسه في التكاليف ليتقرب إلي الله عز وجل ، ولابد أن نقول إنه وللأسف الشديد لا توجد أمه يحارب بعضها بعضاً مثل الأمة الإسلامية اليوم التي فاقت غيرها من اليهود النصارى في الاقتتال وتصدير النشرات والكتب في تكفير بعضنا البعض وإلقاء تهم الشرك والكفر علي بعضنا وهذا هو سبب من أسباب تأخر المسلمين في الوقت الذي لا نوجه جهودنا لمحاربة المنكرات ومحاولة نشر الإسلام في الغرب بالحكمة والموعظة الحسنة كما ينبغي .
    وأنا علي استعداد لمناقشة هذا الفكر عن طريق مناظرة علنية بيننا وبين علماء السلف لنزيح هذا اللبس حول الصوفية والتصوف ... بتوفيق من الله الكريم .
    ________________________________________
    الخاتمة:
    1 ـ نختم كتابنا هذا برأي قيم من ( موقف السلف الصلح من الصوفية ) كتبه ونشره الشيخ الدكتور العلامة محمد سليمان فرج كبير الوعاظ بوزارة الأوقاف الشئون الإسلامية والداعية الإسلامي المعروف في دولة الإمارات المتحدة في مجلة الوزارة المسماة : (منار الإٍسلام) الصادرة في أبو ظبي بتاريخ ربيع الآخر سنة 1412 هـ الموافق أكتوبر 1991 ـ العدد الرابع السنة ( 17 ) .
    2 ـ ثم ببحث قيم للشيخ العلامة محمد بن الصديق الغماري الحسني من كتابه ( حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف علي جميع المسلمين ) .
    حيث يقرر أن التصوف هو الأصل الثالث من أصول الدين يجب علي الأمة القيام به لا يكتمل الدين إلا به حيث هو ( مقام الإحسان ) ، بعد مقام الإيمان ومقام الإسلام ، ويقدم لذلك ثمانية براهين دامغة .
    ________________________________________
    أولاً: بحث الشيخ الدكتور العلامة / محمد سليمان فرج
    موقف السلف الصالح من الصوفية
    قد يخطئ كثير من الناس في الحكم علي الصوفية ويظن أنهم طائفة خارجة علي الإسلام وذلك ربما يكون بحسن نية لما يسمعه ممن لا علم لهم بحقائق الأمور ولذلك لا بد من تجلية هذا الأمر في أذهان من التبس عليهم شأنهم ، فأستعين بالله تعالي وأتبرأ إليه من حولي وقوتي قاصداً وجه الله تعالي متحرياً الحق ما استطعت إلي وجهات النظر ملتمساً العذر للباحثين عن الحقيقة في هذا الموضوع مادام قصدهم الوصول إلي الصراط المستقيم ، لأن صادق النية له أجر إذا كان متجرداً من الهوى التعصب باحثاً عن الحقيقة مذعناً لها أينما كانت وأن الهدف الأساسي من هذا البحث هو جمع كلمة المسلمين ووجدتهم وإيجاد روح المحبة والتعاون بينهم حتى نتفرغ لأعدائنا ونستجمع قوتنا لتخليص (بيت المقدس) وأرضنا السليبة ومؤازرة إخواننا المسلمين في أفغانستان وفي كل مكان من أرض الله التي يذكر فيها اسمه لأن عدونا واحد ، ثم إن عقيدتنا واحدة فإلهنا واحد وديننا واحد وقبلتنا واحدة ونبينا واحد - صلى الله عليه وسلم - وآله وكتابنا واحد ، ولا يريد أعداؤنا منا أكثر من الخلاف وضياع الوقت في الجدال وتمزيق الأمة حتى ننشغل بهذه الأمور الكبيرة التي يجب علينا أن نجاهد من أجلها .
    وإنه من الأمور البديهية والمسلمات الثابتة التي لا اختلاف فيها أن المسلم يجب أن يحمل حاله علي أحسن الوجوه ، وأن تلتمس له المعاذير لتبرير وجهه إذا وجدنا إلي سبيلا ، وخاصة إذا نفي عن نفسه الباطل وأعلن ولو بصفة إجمالية أنه يريد الحق ويؤمن به ، وذلك يتجلى فيما قال - صلى الله عليه وسلم - وآله لأسامة ابن زيد : وقد قتل رجلاً بعد أن نطق بالشهادة : (أفلا شققت عن قلبه؟) ، ولم يقبل تعليل أسامة بأنه قالها خوفاً من السيف.
    ________________________________________
    وظل - صلى الله عليه وسلم - وآله يعنفه ويلومه علي ذلك مع أن حالة الرجل ونطقه بالشهادة بعد أن تمكن منه أسامة بن زيد توحي بأنه قالها تقية بعد أن تمكن منه , انتصر عليه ولكن الإسلام يضع لنا منهجاً ربانياً قومياً ولأن نخطئ في العفو خير من أن نخطئ في العقوبة وأنه يجب علينا أن نكل بواطن الأمور إلي الله ونحكم للمسلم بما أعلنه عن نفسه وجعله شعاره وعنوان عقيدته وليس لنا أن نحمل حاله علي شئ آخر مهما كانت الأسباب وهذه الأمور تنطبق علي حالة الصوفية وما يصلنا من أقوالهم وأحوالهم ، فإنك لو سألت أي أحد من هؤلاء القوم أو ممن ينتسب إليهم هل هناك أدني مخالفة للكتاب والسنة يعتقدها الصوفية لأجابك الجميع بشدة ويقين أنه ليس للصوفية أي ابتداع في الدين أو مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله ، وإجماع السلف الصالح وسيرتهم .
    أتباع الكتاب والسنة :
    1ـ واليك بعض أقوال : يقول ( الإمام أبو القاسم الجنيد ) الملقب بسيد الطائفة : الطرق كلها مسدودة علي الخلق إلا علي من اقتفي آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وقال : من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر ـ أي التصوف _ لأن علمنا مقيد الكتاب والسنة .
    2 ـ وقال ( سهل بن عبد الله التستري ) : كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء ـ أي بالمعصوم - صلى الله عليه وسلم - وآله فهو عيش النفس أي من هوي النفس لا يقبله الله تعالي وسهل من كبار أئمة الصوفية .
    3 ـ وقال ( أبو العباس أحمد بن أبي الحواري ) : من عمل عملاً بلا اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله فباطل عمله .
    4 ـ وقال ( أبو الحسن النوري ) : من رأيتموه يدعي مع الله عز وجل ما يخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربوا منه ( وأبو الحسن من أئمة الصوفية ) .
    ________________________________________
    5 ـ وقال ( ابن عطاء الله السكندري ) : من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وآله في أوامره وأفعاله وأخلاقه .
    6 ـ وقال ( أبو حمزة البغدادي ) : لا دليل علي الطريق إلي الله إلا متابعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله في أحواله وأقواله وأفعاله .
    7 ـ وقال ( أبو القاسم النصر آباذي ) عالم خراسان : أصل التصوف ملازمه الكتاب والسنة وترك الأهواء والبدع وترك الرخص والتأويلات .
    8 ـ وقال ( حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ) عن الصوفي : إن سالك سبيل الله قليل والمعني فيه كثير ونحن نعرفك علامتين له.
    الأولي : لأن تكون جميع أفعاله موزونة بميزان الشرع موقوفة علي توقيفاته إيراداً وإصداراً وإقداماً وإحجاماً إذ لا يمكن سلوك هذا السبيل إلا بعد التلبس بمكارم الشريعة كلها .
    والثانية : لا يصل فيه إلا من واظب علي جملة من النوافل فكيف يصل إليه من أهمل الفرائض .
    وقال ( الإمام التستري ) : أصول طريقتنا ـ أي الصوفية ـ سبعة: التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة وأكل الحلال وكف الأذى وتجنب المعاصي ولزوم التوبة وأداء الحقوق.
    9 ـ وقال ( أبو حفص ) أحد كبار الصوفية : من لم يزن أفعاله وأحوله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يهتم بخواطره فلا يعد في ديوان الرجال .
    10ـ وقال ( الشيخ محيي الدين بن عربي ) : لا يرجو الوصول من لم يتابع الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآله .
    11ـ ويقول ( أبو يزيد البسطامي ) : لو نظرتم إلي رجل أعطي من الكرامات حتى يرقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود وأداء الشريعة .
    ________________________________________
    12ـ ويقول ( أبو الحسن الشاذلي ) : إذا تعارض كشفك مع الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك إن الله تعالي ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضها علي الكتاب والسنة ، إلى غير ذلك من الأقوال الكثيرة التي تبين أن الاستقامة علي الشريعة المطهرة هي أفضل من أي كرامة وهو ما أكده أئمة الصوفية الكرام.
    أدعياء التصوف
    وبناءً علي ذلك نري أن كل ما يخالف الإسلام في شئ فلا تصح نسبته إلي الصوفية والتصوف وإنما هو من ضلالات المدعين الذين
    انتسبوا للتصوف زوراً وبهتانا أو من الأمور المدسوسة علي كتبهم بقصد الطعن في هؤلاء القوم وتشويه صورتهم والتهجم عيهم كما حدث في كتب التفسير من الإسرائيليات التي تتنافى مع ما عرف عن هؤلاء المفسرين من حرص علي بيان الحق والبعد عن هذه المرويات الملفقة ، وكذلك ما جاء في كتب الحديث من الأحاديث الموضوعة وقام العلماء الأجلاء ببيانها ، ولذلك فإني أري أن الهوة بينا وبين المعارضين للتصوف نشأت من اقتناعهم بأن هذه الأقوال الباطلة هي من صميم آرائهم ولو أنهم وضعوا الأمور في نصابها نظروا نظرة فاحصه مستبصرة لوجب عليهم ألا يلصقوا هذه الأقوال الشنيعة بهؤلاء القوم ويحسنوا الظن بهم ، وخاصة أنهم قد لقوا ربهم وأصبحوا بين يدي الله تعالي وأفضوا إلي ما قدموا علية.
    افتراء وكذب
    ________________________________________
    وإليك بعض الأمثلة علي ذلك الدس والافتراء علي هؤلاء القوم يقول ( الشيخ عبد الوهاب الشعراني ) في كتابه لطائف المنن : ( ومما من الله تبارك وتعالي عليك صبري علي الحسدة والأعداء لما دسوا في كتبي كلاماً يخالف ظاهر الشريعة وذلك لما صنفت كتاب : ( البحر المورود في المواثيق والعهود ) وكتب علية علماء المذاهب الأربعة بمصر مؤيدين تسارع الناس لكتابته فكتبوا منه نحو أربعين نسخة من نسخته وكتبوا لهم منها بعض كراريس ودسوا فيها عقائد زائفة ومسائل خارقة لإجماع المسلمين وحكايات وسخريات عن جحا وابن الراوندي وسبكوا ذلك في غضون الكتاب في مواضيع كثيرة حتى كأنهم المؤلف ، ثم أخذوا تلك الكراريس وأرسلوها إلي سوق الكتب في يوم السوق وهو مجمع طلبة العلم فنظروا في لك الكراريس ورأوا اسمي عليها فاشتراها من لا يخشى الله تعالي قم دار بها علي علماء جامع الأزهر فأوقع ذلك فتنه كبيرة ، ومكث الناس يدو
    Admin
    Admin
    Admin


    المساهمات : 1949
    تاريخ التسجيل : 10/01/2008

    الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة Empty رد: الصوفية والتصوف في ضوء الكتاب والسنة

    مُساهمة  Admin الخميس أبريل 05, 2012 1:16 pm

    الحافي عبد القادر الجيلاني والجنيد والبغدادي وغيرهم ممن سار علي نهجهم القديم فهم فقهاء وصوفية معاً لاهتمامهم بالعلمين .
    ولا يراد الصوفية البتة أولئك الدجالون المخرفون المخالفون لكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وآله الدخلاء علي التصوف وقطاع الطريق إلي اللد والدار الآخرة .
    فهذا هو قول الحق ومنهج الصدق وسلامة الفكر والإنصاف التام لهؤلاء الذين هم علماء الأمة ومجاهدوها ولن تجد عالماً أو مجاهداً أو تقياً قدم للإنسانية أعظم النفع بعد التابعين إلا وينطبق عليه ذلك الوصف العظيم ) أ هـ .
    ________________________________________
    رأي الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
    وهذا هو رأي ( الشيخ محمد عبد الوهاب ) في ( التصوف والصوفية ) وثناؤه عليهم كما جاء في القسم الثالث من مؤلفات الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب جزء ( فتاوى ورسائل ) في الصفحة 31 المسألة الخامسة ، وسئل رحمه الله عن مسائل مفيدة فأجاب : ( اعلم أرشدك الله أن الله سبحانه وتعالي بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - وآله بالهدي الذي هو العلم النافع ، ودين الحق الذي هو العمل الصالح .
    فإذا كان من ينتسب إلي الدين : منهم من يتعاني بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ومنهم من يتعاني العبادة وطلب الآخرة كالصوفية ، فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين ( أي الفقه والتصوف ) .
    وهكذا يثبت الشيخ محمد عبد الوهاب أن الصوفية سندهم هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وآله وإليه ينتسبون .
    وجاء أيضاً : في ( محلق المصنفات ) " هذه مسائل " في صفحة 124 قوله :
    " ولهذا كان مشايخ الصوفية العارفون يوصون كثيراً بمتابعة العلم ، قال بعضهم : " ما ترك أحد شيئاً من السنة إلا لكبر في نفسه ".
    وهذا هو العلامة ابن القيم يعتبر من كبار الصوفية كما ذكر الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي في الذيل علي طبقات الحنابلة ( الجزء الثاني ) صفحة 448 عن ترجمة ابن القيم بقوله : ( وكان عالماً بعلم السلوك وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم ، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولي ) .
    وجاء في كتاب : ( مدارج السالكين ) عن تعريف التصوف لابن القيم في الجزء الثاني من صفحة 307 ما نصه :
    ( الدين كله خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين ، وكذلك التصوف قال الكتابي : التصوف : هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق فقد زاد عليك في التصوف ) .
    ________________________________________
    " قال أبو عبد الرحمن السلمي : سمعت محمد بن مخلد يقول سمعت جعفراً يقول سمعت الجنيد يقول : ( المريد الصادق غني من العلماء ) ، وقال أيضا : سمعت الجنيد يقول : ( إذا أراد الله بالمريد خيراً أوقعه إلي الصوفية ومنعه صحبه القراء ) ، قلت : إذا صدق المريد وصح عقد صدقه مع الله ، فتح الله علي قلبه ببركة الصدق وحسن المعاملة مع الله ما يغنيه عن العلوم التي هي نتائج أفكار الناس وآرائهم وعن العلوم التي هي فضلة ليست من زاد القبر" .
    وفي الجزء الثالث صفحة 128 ما نصه : قال الشافعي رضي الله عنه : صحبت الصوفية فما انتفعت منهم إلا بكلمتين سمعتهم يقولون : الوقت سيف فإن قطعته وإلا قطعك ، ونفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك بالباطل . قلت : يا لهما من كلمتين ، ما أنفعهما وأجمعهما وأدلهما علي علو همة قائلهما ويقظته ، ويكفي في هذا ثناء الشافعي علي طائفة هذا قدر كلماتهم .
    الإمام الذهبي
    وهذا هو الإمام الحافظ الذهبي يذكر في ترجمته للمحدثين كثيراً من الصوفية : ننقل منهم ما جاء في ( تذكرة الحافظ ) الجزء الثالث صفحة 852 عن ( أبن الإعرابي ) الإمام الحافظ الزاهد شيخ الحرم أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري الصوفي صاحب التصانيف وكانثقة ثبتاً عارفاً ربانياً كبير القدر بعيد الصيت .
    وكذلك في صفحة 961 : ( غندر ) وأما غندر الثالث فهو صوفي محدث جوال ، لقي الجنيد وطبقته وكتب الحديث وسكن مصر .
    وفي صفحة 1070 ( الماليني ) الحافظ العالم الزاهد أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص الأنصاري الهروي الماليني الصوفي ، ويعرف أيضاً بطاوس الفقراء .. وجمع وحصل من المسانيد الكبار شيئاً كثيراً ، وكان ثقة متقناً صاحب حديث ومن كبار الصوفية .
    وفي صفحة 1088 : ( عطية بن سعيد ) الحافظ شيخ الإسلام أبو محمد الأندلسي المغربي القفصي الصوفي .
    ________________________________________
    وفي صفحة 1092 ( أبو نعيم ) الحافظ الكبير محدث العصر أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أسحاق بن موسى بن مهران المهراني الأصبهاني الصوفي .
    وفي صفحة 1170 : ( الكتاني ) الإمام المحدث مفيد دمشق ومحدثها أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن محمد بن علي التميمي الدمشقي الصوفي سمع الكثير وجمع فأوعى .
    وفي الجزء الرابع صفحة 1356 : ( الشيرازي ) الإمام الحافظ الرحال أبو يعقوب يوسف بن أحمد بن إبراهيم الصوفي مفيد بغداد وشيخ الصوفية بالرباط الأرجواني .
    وفي نهاية الجزء الرابع وهو الأخير من تذكرة الحفاظ ما نصه : ولزمت الشيخ الإمام المحدث مفيد الجماعة أبا الحسن علي بن مسعود بن نفيس الموصلي وسمعت منه جملة ، وكان ديناً خيراً متصوفاً متعففاً .
    وسمعت من مفيد الطلبة المحدث الإمام المتيقن اللغوي صفي الدين محمود بن أبي بكر الأرموي ثم القرافي الصوفي .
    وسمعت من الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين إبراهيم محمد بن المؤيد بن حموية الخرساني الجويني شيخ الصوفية . أهـ
    وقد لاحظت أن أمثال الحافظ الذهبي أيضاً له عدة مشايخ من الصوفية بل إنه ما ذكر في أحد منهم أنه " لزمه " إلا الذي وصفه منهم أنه كان " ديناً خيراً متصوفاً متعففاً " وإليك أيضاً الحافظ بن رجب الحنبلي في ترجمته في الذيل على طبقات الحنابلة وهو يذكر كثيراً منهم بأنه صوفي فقد جاء في الجزء الأول صفحة 211 في ترجمة الإمام أبي محمد عبد الله بن علي البغدادي .
    قال الحافظ الضياء المقدسي : أخبرنا أبو الفضل عبد الواحد بن سلطان ببغداد ، أخبرنا محمد المقرئ ، أجاز لهم وأنشدنا لنفسه :
    ترك التكلف في التصوف واجب ومن المحال تكلف الفقراء
    ثم إذا أمتد الظلام رأيتهم يتركعون تركع القراء
    فإذا رأيت مخالفاً لفعالهم فأحكم عليه بمعظم الإغواء
    ________________________________________
    وذكر أيضاً الجزء الثاني صفحة 329 إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل ( الواسطي ) الصالحي الفقيه الزاهد العابد شيخ الإسلام بركة الشام قطب الوقت تقي الدين أبو إسحاق .
    وفي صفحة 351 علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الصوفي المحدث .
    وفي صفحة 353 محمد بن عبد الله بن عمر بن أبي القاسم البغدادي المقرئ المحدث الصوفي وكذلك ما ذكره أبو يعلي عن تلاميذ الإمام أحمد بن حنبل فكثيراً ما يثنى على بعضهم بأنه صوفي ، فقد ذكر الإمام الحافظ القاضي أبو الحسن بن أبي يعلي أبو الحسن في طبقات الحنابلة في الجزء الأول صفحة 36 : ( أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد ، أبو عبد الله الصوفي سمع علي بن الجعد وأبي نصر التمار ويحيى بن معين مع آخرين ، نقل عن إمامنا أشياء .
    وكذلك في صفحة 418 يوسف بن الحسن بن علي أبو يعقوب الرازي من مشايخ الصوفية ، كان كثير الأسفار ، وصحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي أبا سعيد الخراز وحكى عن ذي النون ، وسمع إمامنا أحمد .
    وبذلك يتجلى واضحاً للأعيان من هذه النقول التي أوردناها من كتب رجال الحديث والفقه أن كلمة صوفي تعني أن صاحبها بلغ درجة كبيرة في التقوى ولا يمكن أن يتصور أبداً أن هؤلاء الأئمة الذين قبلت الأمة أحكامهم على صحة الأحاديث النبوية كالإمام الذهبي أن يصفوا بها رجال الحديث والفقه على إنها دخيلة على المنهج الإسلامي كما يدعي بعض الناس ذلك ويقولون لماذا نسميهم صوفية والله تعالى يقول :
    " هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ "
    ________________________________________
    فهل غاب عن هؤلاء الأجلاء فهم هذه الآية حتى يتركوا العمل بها ويطلقوها بلا تبصر ورؤية ؟ إنهم علموا وتيقنوا أن إطلاق هذه الكلمة لا يتعارض مع الآية الشريفة . كما سبق أن شرح الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام عن سبب هذه التسمية وبدء ظهورها وإنها وصف لقوم التزموا بكل مبادئ الإسلام من العبادة والجهاد في سبيل الله والجهر بكلمة الحق كالعز بن عبد السلام الذي شارك في جهاد التتار وأفتى ببيع المماليك وكذلك أبو الحسن الشاذلي الذي شارك في معركة المنصورة وغيرهم كثير وذلك ليبطل القول إنهم يلتزمون بالعبادة والزهد ولا يشاركون في معترك الحياة بل هم في الحقيقة رهبان بالليل فرسان بالنهار فإطلاق لفظ الصوفية كما أطلق على الصحابة أو التابعين ولم يقتصروا على كلمة المسلمين .
    وأخيراً بعد هذه الحجج الدامغة من أقوال العلماء الأجلاء الذين يعتد بشهادتهم ولا يستغنى باحث عن الاستدلال بأرائهم في شتى العلوم المختلفة كالفقه والأصول والتفسير والحديث . وهل يشك عاقل في نسبة التصوف والصوفية إلى أهل السنة والجماعة الذين يتمسكون بالكتاب والسنة اللهم إذا كان الهوى والتعصب هو الذي يحول بينه وبين البحث العلمي الصحيح والحقيقة وإنه إذا كنا نسمع إن الصادقين من الصوفية هم كبار العلماء الذين خدموا الأمة بمؤلفاتهم في مختلف فروع علوم الدين الإسلامي الحنيف ، وإذا أردنا أن ننسب أحداً إلى السلف الصالح فلن نجد غيرهم ، فالقول بوجود خلاف بين الصوفية والسلفية غير صحيح وإنما الخلاف بين من انتسبوا إلى التصوف كذباً وافتراء وبين غيرهم ممن يدعون الانتساب إلى السلفية .
    ________________________________________
    ألا فليتق الله كل مسلم باحث عن الحقيقة والأحرى به أن يراجع تلك النصوص التي أوردتها من الكتب المختلفة ليقف على حقيقة أمر هؤلاء الرجال ولا يسارع إلى الحم عليهم إلا بعد التثبيت والتمحيص فالحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها ولا داعي للهجوم عليهما أم التسمية التي كثر الخلاف حولها وهل هي لقب نسبة فلا مشاحة في الاصطلاح كما قال الشيخ أبن تيمية والذي يعنينا هو الجوهر والمضمون وما هو عليه هؤلاء القوم من عقائد وأراء .
    ونظراً لأن الموضوع يشتمل على أدلة كثيرة فسأكتفي بهذا القدر لضيق المجال وأدعو الله تعالى أن يرزقنا الصدق في الأقوال والأفعال وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا أتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجنبنا الزلل ويحفظنا من الزيغ والضلال إنه سميع مجيب .
    وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .
    ________________________________________
    ثانياً : رأي العلامة الشيخ / محمد الصديق الغامري الحسني
    التصوف الركن الثالث في حقائق الإسلام ( مقام الإحسان )
    وقال العلامة الشيخ محمد بن الصديق الغماري التصوف الركن الثالث في حقائق دين الإسلام ( الإسلام والإيمان والإحسان ) والدليل على وجوب سلوك التزكية والتصوف إنه واجب محتم وإنه لا يكمل دين المرء إلا به وبيان ذلك من وجوه : ـ
    ( الوجه الأول ) : إنه ( مقام الإحسان ) الذي هو ( أحد أركان الدين الثلاثة ) المبينة في حديث جبريل الطويل ولا شك أن الدين يجب أتباعه بجميع أركانه الإيمان والإسلام والإحسان .
    وجاء في إحدى فتاوي والدي رضي الله عنه في هذا الموضوع ما نصه : وأما أول من أسس الطريقة وهل ثبت تأسيسها بوحي ؟ فتعلم أن الطريقة أسسها الوحي السماوي في جملة ما أسس من الدين المحمدي إذ هي بلا شك مقام الإحسان الذي هو أحد أركان الدين الثلاثة التي جعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وآله ـ بعد ما بينها واحداً واحداً ـ ديناً فقال " هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم " ، فغاية ما تدعوا إليه الطريقة وتشير إليه إنما هو مقام الإحسان بعد تصحيح الإسلام والإيمان ليحرز الداخل فيها والمدعو إليها مقامات الدين الثلاثة الضامنة لمحرزها والقائم به السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة ، والضامنة أيضاً لمحرزها كمال الدين فإنه كما في الحديث عبارة عن الأركان الثلاثة فمن أخل ( بمقام الإحسان ) الذي هو الطريقة فدينه ناقص بلا شك لتركه ركناً من أركان ، ولهذا نص المحققون علي وجوب الدخول في الطريقة وسلوك طريق التصوف وجوباً عينياً ، واستدلوا علي الوجوب بما هو ظاهر عقلاً ونقلاً لسنا الآن بصدد بيان ذلك بالتفصيل .
    وقد بين القرآن العظيم من أحوال التصوف والطريقة ما فيه الكفاية فتكلم علي المراقبة1 والمحاسبة 2 والتوبة 3 والإنابة 4 والذكر5 والفكر 6 والمحبة 7 والتوكل 8 والرضي 9 والتسليم 10 والزهد 11 والصبر 12 والإيثار13 والصدق 14 والمجاهدة 15 ومخالفة الهوى والنفس 16 وتكلم علي النفس اللوامة والأمارة والمطمئنة 17 وعلي الأولياء والصالحين والصديقين والمؤيدين 18 وغير هذا مما يتكلم فيه أهل التصوف والطريقة رضي الله عنهم فاعرف وتأمل . أ هـ وهو نفيس جداً .
    ( الوجه الثاني ) : أن التصوف هو العلم الذي تكفل بالبحث عن علل النفوس وأدوائها وبيان علاجها ودوائها لتصل إلي مرتبه الكمال والفلاح تدخل ضمن في قوله تعالي :
    " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا " سورة الشمس آيه /9.
    ________________________________________
    ولاشك أن علاج النفس من أمراضها وأدرانها أمر يوجبه الشرع القويم ويستحسنه العقل السليم ، ولولا ذلك لما كان هناك فرق بين الإنسان والحيوان .
    ( الوجه الثالث ) : أن التصوف عني بتهذيب الأخلاق وتزكيتها ومخالفة هوى النفس والأخذ بعزائم الأمور والارتفاع بالنفس عن حضيض الشهوات إلى حيث تستمع بما تورثه الطاعة من لذة روحية تصغر بجانبها كل لذة مهما عظم قدرها .
    ( الوجه الرابع ) : أن التصوف هو خلق الصحابة والتابعين والسلف الصالح الذين أمرنا بالاقتداء بهم والاهتداء بهديهم .
    وقد بين ذلك والدي رضي الله عنه في فتواه التي نقلنا منها آنفاً فقال عقب كلامه السابق ما نصه : وأما قولك هل أسست الطريقة بالوحي؟ .. الخ فجوابه يعلم مما قبله فإنها إذا كانت من الدين بل هي أشرف أركانه كانت بوحي كما قلنا وكان الصحابة بالحالة التي بلغتنا عنهم تواتراً من المسارعة إلى امتثال أمر الله ، كانوا بالضرورة أول داخل فيها وعامل بمقتضاها وذائق لأسرارها وثمراتها ولهذا كانوا على غاية ما يكون من الزهد في الدنيا والمجاهدة بأنفسهم محبة الله ورسوله والدار الآخرة والصبر والإيثار والرضا والتسليم وغير ذلك من الأخلاق التي يحبها الله ورسوله وتوصل إلى قربهما وهي المعبر عنها بالتصوف و الطريقة .
    ________________________________________
    وكما كانوا رضي الله عنهم على هذه الحالة الشريفة كان أتباعهم أيضاً عليها وإن كانوا دونهم فيها وكذلك كان أتباع الأتباع وهلم جرا إلى أن ظهرت البدع وتأخرت الأعمال وتنافس الناس في الدنيا وحييت النفوس بعد موتها فتأخرت لذلك أنوار القلوب ووقع ما وقع في الدين وكادت الحقائق تقل وكان أبتداء ذلك في أواخر المائة الأولى من الهجرة ولم يزل ذلك يزيد سنة بعد سنة إلى أن وصل ذلك إلى حالة التخوف منها السلف الصالح على الدين فانتدب عند ذلك العلماء لحفظ هذا الدين الشريف فقامت طائفة منهم بحفظ ( مقام الإسلام ) وضبط فروعه وقواعده وقامت أخرى بحفظ ( مقام الإيمان ) وضبط أصوله وقواعده على ما كان عند سلفهم الصالح وقامت أخرى بحفظ ( مقام الإحسان ) وضبط أعماله وأحواله فكان من الطائفة الأولى الأئمة الأربعة وأتباعهم رضي الله عنهم ( وهم الفقهاء ) فهم المهتمون بأصول أركان الإسلام الخمسة ، الصلاة والزكاة والصيام والحج بعد الشهادتين .
    وكان من الطائفة الثانية الأشعري وأشياخه وأصحابه ( وهم علماء الكلام أو التوحيد ) .
    وكان من الثالثة الجنيد وأشياخه وأصحابه ( وهو الصوفية الكرام )
    فعلى هذا ليس الجنيد هو المؤسس للطريقة لما ذكرناه من إنها بوحي إلهي أي ( في الكتاب ثم السنة وعمل الرسول وأصحابة هو التطبيق الحقيقي لوحي الله العظيم ) وإنما نسبت إلى الجنيد وغيره من الصوفية لتصديهم لحفظ قواعدها وأصولها ودعائهم للعمل بذلك عندما ظهر التأخر عنها ولهذا السبب نفسه نسبت العقائد للأشعري والفقه للأئمة الأربعة مع ان الجميع بوحي من الله تعالي أهـ .
    وهو تحقيق بالغ يعلم منه ان ما يسمى الآن تصوفاً وطريقة لم يتجاوز ما كان عليه الصحابة والتابعون من الأخلاق الفاضلة والصفات الجميلة التي حض الله ورسوله علي التخلق بها ومدح أصحابها في غير آيه وحديث .
    ________________________________________
    ( الوجه الخامس ) : أن في سلوك الطريق صحبه المشايخ الكمل والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم قد أمر الله بذلك في قوله تعالي :
    أية رقم 1 ص 192
    قال الإمام زروق : والإنابة لا تكون إلا بعلم واضح وعمل صحيح وحال ثابت لا ينقضه كتاب ولا سنه .
    ( الوجه السادس ) : أن سلوك الطريق ينور بصيرة الشخص ويسمو بهمته حتي لا يبقي له تعلق إلا بالله ولا يكون له اعتمد إلا عليه فيصير موصون السر عن الالتفات إلي الخلق مرفوع الهمة تأميلهم أكتفاء بالحق متحققاً بالحقيقة في جميع الأحوال متوسماً بالشريعة في الأقوال والأفعال وهذا أعلى ما يطلب من المؤمن وإليه أشار عليه الصلاة والسلام بقوله لأبن عباس : " إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت استعن بالله " وبايع ( ثلثة ) من الصحابة منهم ثوبان مولاه والصديق صاحبه على أن لا يسألوا الناس شيئاً وذلك لرفع الهمة عن الخلق والاكتفاء بالالتجاء إلى الحق .
    ( الوه السابع ) : أن في سلوك الطريق بصحبة شيخ مرشد عارف خروجاً من رعونات النفس وحماية للمريد من كل ما يمنعه من الوصول إلى الله تعالى من أنواع الجهل والغرور ودواعي الهوى الموقعة في ظلمة القلب وإطفاء النور .
    ولهذا قال ابن عاء الله في لطائف المنن : شيخك هو الذي أخرجك من سجن الهوى ودخل بك على المولى ، شيخك هو الذي مازال يجلو مرآة قلبك حتى تتجلى فيه أنوار ربك ونهض بك إلى الله فنهضت إليه وسايرك حتى وصلت إليه ولازال محاذياً لك حتى ألقاك بين يديه فزج بك في نور الحضرة وقال : ها أنت وربك . أ هـ
    ________________________________________
    وقال أيضاً : إنما يكون الاقتداء بولي دلك الله عليه وأطلعك على ما أودعه من الخصوصية لديه فطوي عنك شهود بشريته في وجود خصوصيته فألقيت إلية القياد فسلك بك سبيل الرشاد ، يعرفك برعونة نفسك ، ويدلك علي الجمع علي الله ويعلمك الفرار عما سوي الله ، ويسايرك في طريقك حتى تصل إلي الله يوقفك إلي إساءة نفسك ويعرفك بإحسان الله إليك فيفيدك معرفة إساءة نفسك والهرب منها عدم الركون إليها ، ويفيدك العلم بإحسان الله إليك والإقبال عليه القيام بالشكر إلية الدوام علي مر الساعات بين يديه قال : فإن قلت : فأين من هذا وصفه ؟ لقد دللتني عل أغرب من عنقاء مغرب !
    فاعلم أنه لا يعوزك وجدان الدالين وإنما يعوزك وجدان الصدق في طلبهم جد صدقاً تجد مرشداً .
    وتجد ذلك في آيتين من كتاب الله تعالي ، قال الله سبحانه :
    " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ " سورة النمل /62.
    وقال تعالي : " فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ " سورة محمد آية /22.
    فلو اضطررت إلي من يوصلك إلي الله اضطرار الظمآن إلي الماء والخائف إلي الأمن لوجدت ذلك أقرب إليك من وجود طلبك لو اضطررت إلي الله اضطرار الأم لولدها إذا فقدته لوجدت الحق منك قريبا ولك مجيبا ولوجدت الوصول غير متعذر عليك ولتوجه الحق بتيسير ذلك عليك . أ هـ .
    ( الوجه الثامن ) : أن في سلوك الطريق الإكثار من ذكر الله والاستعانة بصحبة الشيخ علي ذلك لا شك أن الذكر يصفي القلوب ويدعو إلي اطمئنانها كما قال تعالي :
    " أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ " سورة الرعد آيه /28.
    فإن الله تعالي لم يقيده بحد ولا شرط ولا نهاية حيث قال تعالي :
    "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا(41)وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا " سورة الأحزاب آيه /41.
    فلهذه الوجوه التي ذكرناها وغيرها كان سلوك طريق التصوف واجباً والانخراط في سلك أهله أمراً لازماً .
    ________________________________________
    ونحن لا ننكر أنه دخل في الطريق دخلاء أدعياء وجهلاء أغبياء اتخذوا الطريق سلماً لتحصيل أغراضهم وشهوتهم وابتدعوا فيه بدعاً ما أنزل الله بها من سلطان وزعموا أنهم أهل الحقيقة يجوز لهم ما يكون محرماً في الشريعة وكذبوا فإن الشريعة والحقيقة صنوان وما خالفت الشرعية الحقيقة قط إلا في نظر جاهل فمثل هؤلاء ليسوا من الصوفية في شئ وأول من يبرأ منهم الصوفية .
    ومن الظلم البين أن يعترض بعض الناس بفعل هؤلاء الجهلة ويجعله حجة علي التصوف والصوفية .
    فما التصوف إلا اتباع الكتاب والسنة .
    وما الصوفية إلا قوم جاهدوا أنفسهم في الله فهداهم الله
    "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " سورة العنكبوت /69.
    " سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين " .
    وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلي آله وصحبه وأصفياء الله أجمعين .
    ,,, والله ولي النعمة والتوفيق ,,,
    ________________________________________
    المراجع
    ــــــــــــــــــــ
    أولاً : ـ القرآن الكريم .
    ـ الصحاح والسنن .
    ثانياً : المصادر العلمية :-
    1- البرهان المؤيد ـ للإمام السيد أحمد الرفاعي .
    2- الرسالة ـ للإمام عبد الكريم القشيري .
    3- صفوة الصفوة لابن الجوزي .
    4- إحياء علوم الدين ـ لحجة الإسلام الغزالي .
    5- قوت القلوب ـ لأبي طالب المكي .
    6- رعاية حقوق الله ـ للحارث المحاسبي .
    7- حلية الأولياء ـ للإمام أبو نعيم .
    8- الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية ـ الشيخ عبد الوهاب الشعراني .
    9- تذكرة الحفاظ ـ للحافظ الذهبي .
    10- تاريخ الإسلام ـ للحافظ الذهبي .
    11- التعرف على مذهب أهل التصوف ـ للإمام الكلاباذي .
    12- تمييز الصحابة ـ للإمام أبن حجر العسقلاني .
    13- تهذيب التهذيب ـ للإمام أبن حجر العسقلاني .
    14- تهذيب تاريخ دمشق .
    15- معجم البلدان ـ لياقوت الحموي .
    16- البداية والنهاية ـ لابن كثير .
    17- وفيات الأعيان ـ لابن خلكان .
    18- المجلد العاشر والمجلد الحادي عشر ـ للشيخ أبن تيمية .
    19- رسالة الناصر معروف في الذب عن التصوف ـ الشيخ أحمد بن مصطفى عليوه المستغانمي .
    20- مدارج السالكين على منازل السائرين ـ لأبن قيم الجوزية .
    21- موقف أئمة الحركة السلفية من التصوف والصوفية ـ لعبد الحفيظ بن مالك عبد الحق المكي .
    22- أصول الوصول ـ للشيخ محمد زكي إبراهيم .
    23- أصول التصوف ـ للشيخ الدكتور / عبد اللطيف فرفور .
    24- ما هو التصوف ـ للشيخ أمين علاء الدين النقشبندي .
    25- حقائق التصوف ـ للشيخ عبد القادر عيسى طبعة الحلبي .
    26- ترجمة كتاب ( عمدة السالك لأبن النقيب ـ للشيخ حم كيلر ) طبعة الإمارات .
    27- حسن التلطف في بيان وجوب سلوك التصوف ـ للعلامة محمد بن الصديق الغماري الحسني .
    28- المكتوبات ـ للإمام السرهندي الفاروقي النقشبندي .
    29- أبو يزيد البسطامي ـ للشيخ الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الشريف الأسبق .
    30- الكواكب الدرية .
    31- الفتح الرباني ـ للإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني .
    32- البطولة والتضحية والفداء ـ دراسة تاريخية ـ للأستاذ أسعد الخطيب ـ طبعة دمشق .
    ثالثاً : رسائل الفتوى ـ لعلماء الإسلام في الأمة في الديار الإسلامية.
    رابعاً : بحث للدكتور محمد سليمان فرج .
    خامساً : بحث للعلامة الشيخ محمد الصديق الغماري .

    ,,, والله ولي النعمة والتوفيق ,,,

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس أبريل 18, 2024 11:49 pm